نقلا عن مجلة العلوم _ فبراير1995 / المجلد 11
تُظهر بعض تجارب الضوء الكمومي إمكانية أن ينشأ، بين حادثين بعيدين أحدهما عن الآخر، تأثير متبادل ينتقل بأسرع من انتقال أية إشارة بينهما.
لكن تحليل هذه التجارب يدل على أنها لا تخرق نظرية النسبية.
ـ ـ
غالبا ما يتحول الخيال إلى حقيقة أمام الباحثين في الميكانيك الكمومي، وقد ظهر مؤخرا مثال جلي على ذلك عند دراسة الظاهرة المدعوة باللاموضعية nonlocality أو "الفعل عن بعد، action at a distance، وهو مبدأ سيدعونا إلى إعادة التفكير في أحد الاعتقادات الأكثر أساسية في الفيزياء الحديثة، وهو أن لا شيء ينتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء.
يحدث خرق ظاهري للاقتراح السابق عند اختفاء جسيم أمام جدار وظهوره آنيا تقريبا من جانبه الآخر. وهنا يمكن أن يساعدنا الاستشهاد بالكاتب في تبسيط فهم العملية. فعندما تقفز <أليس> Alice عبر مرآة فإن حركتها تشكل، بمعنى ما، فعلا عن بعد أو فعلا لاموضعيا، إذ يكون مرورها السهل عبر الجسم الصلب (الزجاج) آنيا. وبالمعنى نفسه يكون سلوك الجسيم غريبا أيضا لأننا إذا ما حاولنا حساب سرعته الوسطى فسنجدها أكبر من سرعة الضوء.
والسؤال هو: هل يمكن حدوث هذا الأمر فعلا؟ أي هل يمكن أن نخرق مجانا أحد أشهر القوانين الأساسية في الفيزياء الحديثة؟ أم أن هناك خطأ ما في فهمنا للميكانيكا الكمومي أو لسرعة العبور traversal velocity؟ للإجابة عن أسئلة من هذا القبيل قمنا ـ ومعنا العديد من الباحثين ـ بإجراء الكثير من التجارب الضوئية لسبر بعض مظاهر اللاموضعية في ميكانيك الكم. وبشكل خاص، سنعنى في هذا المقال بإعطاء ثلاثة براهين على وجود مفعولات لاموضعية. سنقارن، في المثال الأول، بين انتشار فوتونين يمر أحدهما عبر "جدار"، وينتشر الآخر في الخلاء. وفي المثال الثاني، سنقوم بتوقيت هذا السباق ونبين أن كلا منهما يسير في كلا الطريقين المختلفين. أما التجربة الأخيرة، فتبين أن أي فوتونين توأمين يتصرفان بما يدل على أنهما يظلان مقترنين على الدوام، ولو كانا مفصولين بمسافة كبيرة لدرجة أن لا يتسع الوقت لانتقال أية إشارة بينهما.
إن التمييز بين الموضعية واللاموضعية يرتبط بمفهوم المسار. فعلى سبيل المثال، عندما يقذف لاعب كرية ما فإنها ستأخذ، بموجب الميكانيك التقليدي، موضعا محددا في كل لحظة. أي أننا، إذا أخذنا لقطة تصويرية للكرية في كل لحظة ثم رصفنا الصور بالترتيب، سنجد خطًا أملس ومستمرا هو مسار الكرية بين اللاعب والهدف. وفي كل نقطة من هذا المسار تأخذ الكرية سرعة محددة تكون مرتبطة مباشرة بطاقتها الحركية. فإذا ما انتقلت الكرية على أرض مستوية فإنها ستتحرك بسرعة منتظمة (مع افتراض عدم وجود الاحتكاك)، أما إذا أخذت الكرية بصعود تل فستتحول طاقتها الحركية إلى طاقة كامنة. وبالنتيجة تتباطأ الكرية حتى التوقف، وقد تعود للهبوط. وفي لغة الفيزياء يدعى هذا التل حاجزا، لأن الكرية لا يمكن أن تعلو أكثر من ارتفاعه، ولذلك فهي ترجع دائما للوراء. وبشكل مشابه، لن تتمكن أليس من قذف الكريات (أو القنافذ المكوَّرة كما أراد كارول في قصته) بطاقة كافية لاختراق الحائط وسترتد الكرات عائدة نحوها مرة ثانية.
لكن مفهوم المسار هذا لا يصح في الميكانيك الكمومي، لأننا لا نستطيع أن نمثل فيه موضع الجسيم المتحرك بنقطة رياضياتية (هندسية)، وذلك بخلاف الكريات في الفيزياء التقليدية. بل يجب علينا، في ميكانيك الكم، أن نمثل الجسيم برزمة أمواج ذات امتداد (غير نقطية) تشبه درع السلحفاة، لأن هذه الرزمة يتزايد ارتفاعها من المحيط نحو المركز في أي اتجاه. ويتعلق ارتفاع كل نقطة من الرزمة باحتمال وجود الجسيم في تلك النقطة. فكلما كان ارتفاع هذا الجزء من الموجة كبيرا زاد احتمال وجود الجسم فيه. ويمثل عرض الرزمة من الأمام إلى الخلف الارتياب الجوهري في موضع الجسيم [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 63]. ومن ناحية ثانية، تختفي كل الرزمة الموجية عند اكتشاف الجسيم في موضع معين. فالميكانيك الكمومي لا يخبرنا عن مكان الجسيم قبل لحظة اكتشافه.
إن الارتياب في الموضع يؤدي إلى إحدى أهم النتائج المميزة للميكانيك الكمومي. فإذا ما تصرفت القنافذ وفق الميكانيك الكمومي فسيعطي الارتياب في الموضع حظا ضئيلا (ولكنه موجود حتما) لظهور هذه الحيوانات من الجانب الآخر للجدار. ويطلق على هذا السلوك اسم "مفعول النفق"، وهو يؤدي دورا رئيسا في العلم والتقانة؛ وله أهمية كبيرة في الاندماج النووي، وفي بعض الأجهزة الإلكترونية البالغة السرعة، وفي المجاهر ذات المقدرة الفاصلة العالية (عالية الميز) المتوافرة حاليا، وأيضا في بعض النظريات الكونية.
ـ وبالرغم من أن كلمة "النفق" قد توحي بحدوث ثقب أثناء الاختراق، فإن الحاجز يظل سليما دائما. وفي الحقيقة تكون الطاقة الحركية للجسيم داخل الحاجز سالبة. وبما أن السرعة متناسبة مع الجذر التربيعي للطاقة الحركية، يجب علينا أخذ الجذر التربيعي لعدد سالب أثناء الاختراق، وبالتالي يستحيل إعطاء سرعة حقيقية للجسيم داخل الحاجز.
ولهذا السبب يصبح القنفذ الذي مرق إلى الجانب الآخر من الجدار مشوش الذهن عند النظر إلى الميقاتية ـ كما هي حال معظم الفيزيائيين منذ الثلاثينات ـ التي استعارها من الأرنب الأبيض، فما الوقت الصحيح؟ أو بمعنى آخر ما المدة الزمنية التي استغرقها اختراق الحاجز؟
يتبع ....