حرب صليبية جديدة على مادية المادة .......للكاتب جواد البشيتى .
العقل الإنساني لن يدخل ملكوت الحرية إلا عندما يُرْفَع التحريم عن السؤال، ويتحرَّر السائل من كل قيد في بحثه عن الجواب، فلا سؤال محرَّم، ولا جواب يُحْكَم على صاحبه بما، وكما، حُكِم على آريستار****.
لقد بدأ رجل الدين حواراً عقلانياً مع السائل المتشكِّك، الذي تشجَّع، فسأل رجل الدين: "وماذا كان يفعل الله قَبْلَ خلقه الكون؟"، فاغتاظ رجل الدين، وأجاب مُنْهياً الحوار العقلاني: "كان يُعِدُّ جهنَّم لكل مَنْ تسوِّل له نفسه أن يسأل مثل هذا السؤال"!
مِنْ أين جاء الكون؟ هل مِنْ مُوجِدٍ له؟ وإذا زعمتَ أنْ لا مُوجِد له، فأي عقل يصدِّق أنَّ هذا الكون العظيم لم يُخْلَق، أو أنَّه أوْجَدَ نفسه بنفسه؟! هل مصادفةً وُجِدَ هذا الكون؟! أليس لكل موجود مُوجِد؟! إذا كان هذا الشيء التافه قد صنعه صانع، فكيف هذا الكون العظيم، المنظَّم تنظيماً مُحْكماً مُتْقَناً؟!
أسئلة كثيرة مِنْ هذا النمط، يسألها المؤمن، وغير المؤمن، ولكنْ كلاهما لا يجرؤ على الادعاء بأنَّ لديه مِنَ الأجوبة القاطعة المُقْنِعة المُفْحِمة ما يمنع الآخر مِنَ الاستمرار في السؤال.
لو كُنْتَ غير مؤمن فربَّما تجيب المؤمن، قائلاً: "الفيزياء، وفي أحد أهم قوانينها، تقول إنَّ المادة لا تُخْلَق ولا تفنى، إنَّما تتحوَّل مِنْ شكل إلى آخر". لو قُلْتَ ذلك لما أقنعته؛ لأنَّه سيردُّ عليكَ قائلاً: "المادة لا تُخْلَق ولا تفنى على أيدي البشر فحسب". ولو قُلْتَ له إنَّ المادة سرمدية Eternity أزلية أبدية، لما أقنعته؛ لأنَّه يرى بعينيه، أنَّ كل شيء في هذا الوجود ينشأ ثمَّ يزول، يولد ثمَّ يموت، فكيف له أنْ يصدِّق زعمكَ ويكذِّب عينيه؟!
قد تَنْظُر إلى معتقده على أنَّه مِنْ أساطير الأوَّلين؛ ولكنَّه، الآن، سيُشهِر في وجهك سيف العِلْم الذي في أحدث وأهم منتجاته وهو "نظرية الانفجار الكبير" Big Bang يؤكِّد لكل المتشكِّكين أنَّ الكون أبصر النور قَبْلَ نحو 15 (أو 20) مليار سنة، وأنَّه قَبْلَ ذلك لم يكن مِنْ وجود لـ "المادة" Matter أو "الفضاء" Space أو "الزمان" Time فكلُّ ما في الكون مِنْ مادة كان "قَبْلَ" الانفجار العظيم (بداية الخَلْق) مركَّزاً في "نقطة" Singularity لا شيء يشبهها سوى "العدم" Nothingness الذي تحدَّث عنه الدين، ولو في غموض وإبهام، قَبْلَ أنْ "تؤكِّده" بعض التصوُّرات والنظريات الفيزيائية والكوزمولوجية.
هذه "النقطة" Singularity وبقوَّة يجهل طبيعتها أصحاب النظرية ومؤيِّدوها انفجرت انفجاراً لا مثيل له، في الفهم والتجربة البشريتين، فوُلِد الكون. ومع ولادة هذه النظرية الكوزمولوجية الكبرى صار للدين سند قوي في الفيزياء، التي لا تنكر أنَّ الدين أوحى إليها بالفكرة الجوهرية في هذه النظرية.
الخَلْق Creation هو، في الأصل، مفهوم ديني؛ لكن بعض الفيزيائيين والكوزمولوجيين حاولوا إلباسه اللبوس الفيزيائي، متَّخذين بعض الجوانب الجوهرية مِنْ نظرية، أو فرضية، "الانفجار العظيم" Big Bang سبيلاً إلى ذلك. هؤلاء لم يُوَفَّقوا في محاولتهم هذه؛ لفشلهم في توضيح وتحديد مفهومين مهمَّين، هما في منزلة الضلعين مِنْ "مُثلَّث الخَلْق". وهذان المفهومان، هما: "المادة" Matter و"العدم" Nothingness. فما هي المادة؟ وما هو العدم؟
لا أحسبُ أنَّني أُغالي إذا قلتُ إنَّ الفيزياء والفلسفة لم تتوصَّلا بَعْد، على الرغم مِنْ جهودهما المضنية في هذا الصدد، إلى جلاء الغموض عن مفهوم "المادة". حتى الماديين الكبار لم يتوصَّلوا، في سعيهم الفلسفي لـ "تعريف" المادة، إلى أكثر مِنْ تعريف هذا الشيء (المادة) عَبْر مقارنته بضده، فاستخلصوا تعريفهم لـ "المادة" مِنَ المقارنة بين الظواهر المادية والظواهر الروحية (أو الفكرية). إنَّني لا أقولُ بخطأ هذا التعريف، وإنَّما بالحاجة إلى استكماله وتوسيعه وتعميقه، عبر مزيدٍ من التعاون بين الفيزياء والفلسفة.
الفيزياء تشوَّش عليها الأمر، فأخْرَجَت "الطاقة" Energy مِنْ مفهوم "المادة" Matter إذ عرَّفت المادة، مِنْ قَبْل، على أنَّها "كل شيء يشغل حيِّزاً وله كتلة". وبَعْدَ ذلك، عرَّفتها على أنَّها "كل شيء يشغل حيِّزاً وله خاصيَّة الجاذبية Gravity وخاصيَّة القصور الذاتي Inertia". ثمَّ خلطت مفهوم "المادة" بمفهوم "الكتلة" Mass إذ قالت إنَّ المادة (وكان ينبغي لها أنْ تقول "الكتلة") تتحوَّل إلى طاقة.
وقد بلغ التشوُّش مبلغه بجَعْل المادة، في "أصلها"، أو "أبجديتها"، مُطابِقة لعنصر مادي ما (الذرَّة Atom ثمَّ جُسيْم Particle مِنْ جسيماتها). وقد ظلَّ بعض الفيزيائيين، وربَّما غالبيتهم العظمى، في بحثٍ مضنٍ، ولكنْ غير مُجدٍ، عن "المادة الأوَّلية"، أو "الجسيم الأوَّلي" Elementary Particle فالفيلسوف الإغريقي القديم ديمقريطس Democritus غرس في عقولهم فكرة الجسيم الأوَّلي Atom التي بموجبها يمكن أنْ ينحل كل جسم مادي ويتفكَّك وينقسم حتى يبلغ، في آخر المطاف، ذلك الجسيم الأوَّلي (البسيط، غير المركَّب) الذي عنده يبلغ الانحلال أو التفكُّك أو الانقسام نهايته.
جسيم ديمقريطس
هذا التصوُّر الفلسفي، الذي جاء به حَدْس ديمقريطس، ما زال مسيطراً على طريقة التفكير لدى فئة واسعة مِنَ الفيزيائيين والكوزمولوجيين، الذين ينتظرون، كمَنْ ينتظر شروق الشمس مِنْ مغربها، أو سقوط السماء، العثور على جسيم ديمقريطس (الخرافي) ليعلنوا، بَعْدَ ذلك، أنَّهم أمسكوا، أخيراً، بـ "الأصل المادي"، الذي منه تركَّبت، أو بُنِيَت، كل الأجسام والجسيمات، والذي لا يتألَّف هو ذاته مِنْ جسيمات، مثله مثل "الحرف" لجهة علاقته بـ "الكلمة".
هُم، الآن، وبعدما خيَّب انقسام الذرَّة سعيهم وأملهم، يعلِّقون آمالهم على جسيمات يسمُّونها "أوَّلية" كمثل الكوارك Quark أو الإلكترون Electron معتقدين أنَّ كلا الجسيمين غير قابل للانقسام، أي لا يتكوَّن مِنْ جسيمات، ولا يمكن، بالتالي، تصوُّر فراغ Vacuum أو فضاء Space في داخله، كمثل الفراغ أو الفضاء في داخل الذرَّة. وهكذا ظلَّ مفهوم "المادة" هو ذاته مفهوم "الجسيم الأوَّلي البسيط غير المركَّب"، فظلَّ التشوُّش في الفهم والنظر سائداً ومسيطراً في الفيزياء والفلسفة.
وعلى سبيل التشبيه نقول إنَّ البحث عن "المادة"، في هذه الطريقة، أي في "طريقة ديمقريطس"، هو كالبحث عن "الفاكهة"، فأنتَ مهما بحثتَ لن تعثرَ إلا على "البرتقالة"، أو "التفاحة".. فـ "الفاكهة" إنَّما هي "المُجرَّد" الذي يتجسَّد في نوع بعينه من الفاكهة.
في "العالم المادي"، ليس مِنْ وجود فعلي إلا لـ "الأشياء"، أي لكل ما هو "ملموس"، و"عيني"، و"محدَّد". لا وجود فيه إلا لـ "الشيء الفرد، المتفرِّد، الذي لا نظير له"، فما يشبه، أو يماثل، "البصمة" هو، وحده، مِنَ الأشياء، الذي يُوْجَد وجوداً فعلياً في "العالم المادي".
ولمزيدٍ مِنَ التوضيح، أقول ليس في "العالم المادي" مِنْ وجود فعلي لـ "البرتقالة العامة"، فالبرتقالة الموجودة بالفعل إنَّما هي "هذه البرتقالة التي أمسك بها الآن..". وليس فيه مِنْ وجود فعلي لـ "الإنسان العام"، فهذا الشخص، المدعو "عمر بن.. بن.. بن.."، والذي يجلس إلى جانبي، الآن، هو الموجود وجوداً فعلياً.
والبحث عن "المادة" في "العالم المادي" لا يعني، ويجب ألا يعني، أنْ نبحث عن "شيء بعينه"، فـ "المادة" هي كل شيء فرد، متفرِّد، لا نظير له، ولكنها ليست "شيئاً بعينه".
والبحث عن "الأصل المادي" للوجود لا يعني، أبداً، أنْ نبحث عن "شيء فرد، متفرِّد، لا نظير له"، مثل "الكوارك".. عن شيء تتألَّف منه كل الأشياء، ولا يتألَّف هو مِنْ أي شيء. فليس في "العالم المادي" مِنْ شيء، مهما صغر، يمكن أنْ ننظر إليه على أنَّه "الأصل المادي" للوجود، أو أحد أصوله المادية (القليلة). إنَّ "الأصل"، أو "الجوهر" المادي للوجود ليس بشيء محدَّد، ملموس.. ليس بشيء فرد، متفرِّد.
قُلْنا إنَّ "المادة الأوَّلية" هي "جسيم خرافي"، فوجود "الجسيم الأوَّلي" إنَّما هو المستحيل بعينه. وكلُّ القائلين بوجوده، والذين ينظرون إلى "الإلكترون" و"الكوارك" على أنَّهما مِنَ "الجسيمات الأوَّلية"، لم يكلِّفوا أنفسهم عناء البحث في "ماهيَّته"، فإذا كان لجسيم "الإلكترون"، الذي يحسبونه "جسيماً أوَّلياً"، "كتلة"، و"حجم"، فما هو "محتواه"؟ ومِمَّ يتألَّف "باطن"، أو "داخل"، هذا الجسيم؟!
بحسب "المعنى الفيزيائي" لـ "المادة الأوَّلية"، والذي اخترعوه، لا تُعدُّ المادة "أوَّلية" إذا كانت "تتألَّف مِنْ جسيمات"، فـ "باطنها"، أو "داخلها"، يجب أنْ يخلو تماماً مِنَ "الجسيمات". فهل مِنْ "فضاء"، أو "فراغ"، في داخل "المادة الأوَّلية"؟ لا جواب عندهم عن هذا السؤال.
فلنفترض أنَّ "الباطن" مِنَ "المادة الأوَّلية"، والذي يخلو تماماً مِنَ الجسيمات، على ما يزعمون، يشتمل على "فضاء"، فما هي ماهيَّة وخواص هذا "الفضاء"؟!
هذا "الفضاء" الافتراضي، والذي يخلو تماماً مِنَ الجسيمات إنَّما هو "فضاء ميتافيزيقي"، أو "فضاء خالص". والقول بمثل هذا الفضاء إنَّما يُناقِض اكتشافاً مِنْ أهم الاكتشافات الفيزيائية والكوزمولوجية وهو أنْ لا وجود في الكون لـ "الفضاء المطلق"، أي للفضاء الذي لا أثر فيه لـ "المادة"!
القول بـ "مادة أوَّلية" تشتمل على "فضاء" يخلو تماماً مِنَ الجسيمات إنَّما يَعْدِل، في معناه، القول بـ "الفضاء الخالص"، وكأنَّ "الجسيم الأوَّلي" هو "المادة" التي في داخلها يقيم "الفضاء الخالص"!
نحن نَعْلَم أنَّ "الإلكترون"، الذي يحسبونه "جسيماً أوَّلياً"، "يؤثِّر" و"يتأثَّر" بغيره مِنَ الجسيمات، وبالأجسام. ونَعْلَم، أيضاً، أنَّ هذا "التفاعُل"، أو "التأثير المتبادل"، يحتاج إلى "قوى"، تحتاج إلى "جسيمات"، تَحْمِل وتَنْقُل، عَبْر "الفضاء"، "التأثير" مِنْ مادة إلى مادة.
هذا يعني أنَّ "الإلكترون" ينبغي له أنْ "يُطْلِق"، وأنْ "يمتص"، تلك "الجسيمات الناقلة (أو الحاملة) لتأثير القوى".. يعنى أنَّ في داخل الإلكترون مِنَ "المواد" و"العناصر" و"الجسيمات"، ومِنْ "مقاديرها" أيضاً، ما يُفْقِدُ صفة "الأوَّلي" معناها، فـ "المادة الأوَّلية" إنَّما هي "الجسيم عديم القوى". ويكفي أنْ يقوم "الجسيم الأوَّلي" بإطلاق وامتصاص مادة متناهية في الصِغَر حتى تَفْقِد صفة "الأوَّلي" معناها.
وهكذا يقود مفهوم "المادة الأوَّلية"، أي المادة التي لا تتألَّف مِنْ جسيمات، إلى مفهوم خرافي وميتافيزيقي آخر هو مفهوم "المادة عديمة القوى". وهذا النوع الخرافي مِنَ "المادة" هو عينه "المادة التي لا تؤثِّر ولا تتأثَّر بغيرها".
ولو كان "الإلكترون" مِنْ هذا النمط مِنَ "المادة" لاستحال وجود "الذرَّة"، التي ينبغي لنا أنْ ننظر إلى وجودها على أنَّه، في جانب مِنْ جوانبه الأساسية، ثمرة تفاعل بين الإلكترون و"النواة (ومكوِّناتها)".
"الأوَّلي" مِنَ "المادة"، إذا ما افتَرَضْنا وجوده، لا بدَّ مِنْ أنْ يكون مادة يستحيل انحلالها وتفكُّكها، كما يستحيل اتِّحادها مع غيرها. وغني عن البيان أنَّ وجود مادة كهذه لا يسمح بوجود الكون.
إنَّ العالم المادي لا يعرف مِنَ الجسيمات والأجسام إلا ما هو في تفاعُل دائم مزدوج: تفاعُل في داخله، أي بين مكوِّناته وعناصره، وتفاعُل خارجي، أي بين هذا الجسيم أو الجسم وبين غيره مِنْ مكوِّنات وعناصر العالم المادي. وهذان التفاعُلان متداخلان، يؤثِّر كلاهما، ويتأثَّر، بالآخر، فالجسيم أو الجسم هو، دائماً، متَّحِد في الداخل، أي أنَّ مكوِّناته متَّحدة، ويتَّحد مع الخارج، أي مع مكوِّنات وعناصر العالم المادي.
قد يقولون، في دفاعهم عن "حق المادة الأوَّلية في الوجود"، إنَّ "الجسيم الأوَّلي" ليس له مكوِّنات أو عناصر مادية، أي لا يتألَّف مِنْ جسيمات، ولكنه يتكوَّن ويتألَّف مِنَ "الطاقة".
نحن نَعْلَم أنَّ لـ "الإلكترون"، مثلاً، "كتلة"، وأنَّ الكتلة هي طاقة مركَّزة أو مكثَّفة أو مجمَّدة. ونَعْلَم، أيضاً أنَّ كتلة هذا الجسيم، "الأوَّلي" على ما يزعمون، تقلُّ في حال السكون عنها في حال الحركة، فـ "حركة الإلكترون" تضيف إليه مزيداً مِنَ "الكتلة". وفي العالم المادي، نرى "الكتلة"، ونرى "الطاقة". نرى "المادة" في شكل "الكتلة"، ونراها في شكل "الطاقة". ولا شكَّ في أنَّ "عالم المادة في شكل الطاقة" ما زال يفتقر، في معارفنا العلمية، إلى كثير مِنَ الحقائق الموضوعية. وهذا الافتقار هو ما يشجِّع على كثير مِنَ الأوهام والأباطيل الإيديولوجية في تصوُّراتنا الفيزيائية والكوزمولوجية.
إنَّ "عالم المادة في شكل الطاقة" لا يختلف، في خواصِّه الجوهرية والعامة، عن "عالم المادة في شكل الكتلة"، فهو له "بنية جسيمية". وهذه البنية ربَّما لا تقلُّ "تنوُّعاً" عن "البنية الجسيمية" لـ "عالم المادة في شكل الكتلة"، فـ "عالم الطاقة" هو عالم "التنوُّع الجسيمي". والجسيمات في هذا العالم تتحرَّك في الفضاء، أو الفراغ، كما الجسيمات في "عالم الكتلة". ولو كان "عالم الطاقة" في حال مِنَ "التماثُل النوعي" لما أنتج مِنْ "جسيمات عالم الكتلة" إلا "المتماثِل نوعاً". نَعْلَم أنَّ "طاقة خالصة" تَنْتُج مِنَ "الفناء المتبادل" لـ "الإلكترون" وجسيمه المضاد "البوزيترون". وتَنْتُج، أيضاً، مِنَ "الفناء المتبادل" لـ "البروتون" و"البروتون السالب". ولكنَّ هذه "الطاقة الخالصة"، أو "الفوتونات المتصادِمة"، تُنْتِج أنواعاً مختلفة مِنَ "الجسيمات المتضادة". وهذا الاختلاف في منتجاتها إنَّما يدلُّ على أنَّ "عالم الطاقة" ليس في حالٍ مِنَ "التماثُل النوعي".
يتضح مِنْ ذلك أنَّ قولهم بـ "مادة أوَّلية" تتألَّف مِنَ "الطاقة الخالصة" فحسب لا يحل المشكلة، فحتى هذه المادة ليست بـ "الأوَّلية"؛ لأنَّ للطاقة بنيتها الجسيمية المتنوِّعة. ولسوف يجيء اليوم الذي تكتشف فيه الفيزياء أنَّ "الإلكترون" ليس بالجسيم الأوَّلي، أي ليس بالمادة التي لا تتألَّف مِنْ جسيمات. سيكتشفون في داخله "جسيمات" و"طاقة" و"فراغ" و"حركة". وسيكتشفون أنَّه يمكن أنْ ينحل ويتفكَّك، فالانحلال أو التفكُّك هو مِنَ الخواص الجوهرية للمادة؛ لأنَّ المادة "مركَّبة"، مهما كان نوعها أو حجمها.
"الجسيم الأوَّلي" إنَّما هو مادة "عديمة التناقض"، أي "عديمة الحياة"، فـ "التناقض الداخلي" للشيء، للجسم أو الجسيم، والذي هو أصل ومصدر كل تطور، لا يبقى له مِنْ وجود في "المادة الأوَّلية"، فالقول بمادة لا تتألَّف مِنْ جسيمات إنَّما يَعْدِل القول بمادة عديمة التناقض.
"المادة المركَّبة"، وكل مادة يجب أنْ تكون "مركَّبة"، هي وحدها المادة "المتناقضة داخلياً"، أي المادة التي في تطوُّر مستمر لا نهاية له، فإذا كانت "أوَّلية" فهذا يعني أنَّها لا تنحل ولا تتفكَّك. والذي لا ينحل ولا يتفكَّك لا يمكنه أنْ يكون "لبنة" في بناء "مركَّبات مادية"، فـ "الجسيم الأوَّلي" يجب أنْ يكون "غير أوَّلي" حتى يَدْخُلَ في تكوين "المركَّبات المادية".
"الخواص المادية"، أي خواص الشيء، ليست كلها "ظاهرة"، وليست كلها "كامنة"، فبعضها "ظاهر"، وبعضها "كامن". وتطور الشيء إنَّما يعني أنَّ "الظاهر" من خواصِّه يكمن، و"الكامن" منها يَظهر. وهذا التطور في خواصِّه هو العاقبة الحتمية لـ "التفاعُل الدائم" بينه وبين بيئته، فالشيء، في خواصِّه المختلفة، هو ابن بيئته. هو ثمرة التفاعُل الدائم بينه وبين بيئته المتغيِّرة في استمرار، فـ "النيوترون"، على سبيل المثال، تختلف خواصه باختلاف بيئته، فخواص "النيوترون الحر" تختلف عن خواص النيوترون في داخل نواة الذرَّة. لقد اختلفت البيئة، فاختلف تفاعُله معها، فاختلفت خواصه، أي كمن الظاهر منها، وظهر الكامن. ونحن لو أمعنا النظر في أسباب هذا الاختلاف في خواص الشيء لرأينا أنَّ "الاختلاف في مكوِّناته"، كمَّاً ونوعاً، كان مِنْ أهم تلك الأسباب.
الكون Universe الآن في حالة تمدُّد Expansion. فإذا حلَّت به "الكارثة"، أي إذا "انهار على ذاته"، فإنَّ انحلال، أو تفكُّك، المادة سيتمخَّض، في نهايته، وُفْق تصوُّرِهم، عن جسيمات أوَّلية، هي: الإلكترون والنيوترين Neutrino والفوتون Photon.
وَهُم يفترضون أنَّ الكون عَرَفَ، بَعْدَ 10 ثوانٍ مِنَ "الانفجار العظيم"، أنواعاً مِنَ "الجسيمات الضخمة" Massive Particles التي انحلت، أخيراً، بسبب تزايد برودة الكون، في أثناء (وبسبب) تمدُّده، فنَتَجَ مِنْ انحلالها جسيمات أوَّلية، هي الكواركات والليبتونات Leptons.
يفترضون، أو يعتقدون، ذلك على الرغم مِنْ أنَّ برودة الكون الناتجة مِنْ تمدُّده أو مِنْ مرحلة انتفاخه Inflation تجعل ميل المادة إلى الاندماج والاتِّحاد أقوى من ميلها إلى الانحلال والتفكُّك، فـ "البرودة الكونية" هي، في تطوُّر "تركيب المادة"، قوَّة "دمج وتوحيد"، فكيف يُنْظَر إليها، ضمن فرضية "انحلال الجسيمات الضخمة"، على أنَّها قوَّة "انحلال وتفكُّك"؟!
طَرْح هذا السؤال التعجُّبي، أو الإنكاري، قد يكشف عن "تناقض منطقي" في افتراضهم أو اعتقادهم. ولكن ذلك لا يعني نفي وجود "تناقض واقعي"، ينطوي عليه فِعْل وتأثير "البرودة الكونية"، فهذه البرودة قد تؤدِّي، مع اختلاف الظروف والأحوال الفيزيائية الكونية، إلى "نتيجتين متناقضتين" واقعياً وليس منطقياً، أي أنَّها تؤدِّي، تارةً، إلى "الانحلال والتفكُّك"، وتؤدِّي، طوراً، إلى "الاتِّحاد والاندماج".
وبحسب الافتراض ذاته، ارتبط وجود "الجسيمات الضخمة" بوجود "قوَّة واحدة لا غير" تفرَّعت منها، مع انحلال هذه الجسيمات، القوى الأربع في الطبيعة. وهذه القوَّة الأُم إنَّما كانت تعمل وتمارس التأثير ضمن هذا "الوسط الجسيمي البدائي". وقد اشتملت، أو انطوت، على الخواص الفردية لكل قوَّة مِنْ تلك القوى الأربع، أي أنَّ ما يشبه "التمايُز" أو "التغايُر" في تركيب وعمل القوَّة الكونية الأولى، العامة والشاملة، هو الذي أفضى إلى ظهور القوى الأساسية الأربع في الطبيعة. وهكذا اقترن، بحسب افتراضهم، "الانحلال الجسيمي البدائي" بـ "انحلال القوَّة الأُم".
الفراغ
فلننظر، الآن، في مفهوم "الفراغ" Vacuum إذ ثمَّة مَنْ يقول بـ "الفراغ المطلق"، الذي يَعْدِل "العدم"، وهو "الحالة" التي فيها لا يبقى مِنْ أثر لـ "المادة"!
في الأرض، ليس ثمَّة شيء يمكن تسميته "الفراغ الكامل" أو "المثالي" Perfect Vacuum. إنَّ الفضاء Space هو، وحده، الذي يشبه حالة "الفراغ الكامل". نقول "يشبه"؛ لأنْ لا وجود لمثل هذه الحالة في أيِّ جزء مِنْ أجزاء الفضاء الكوني غير المحدود.
الفراغ الكامل، أي الحالة التي لا وجود فيها للمادة، إنَّما هو هراء (فلسفي أو فيزيائي أو كوزمولوجي) يماثل هراء أنَّ المادة يمكن أنْ تُوجَد مِنْ دون فضاء. فالفضاء ليس فيه هذا الفراغ الكامل؛ لأنَّ فيه، دائماً، وفرة مِنَ الطاقة، التي لا تمتُّ بصلة إلى مفهوم الطاقة الخالصة (أو المثالية) الذي اخترعوه ليتَّخذوه، أو ليتَّخذه غيرهم، سلاحاً (فيزيائياً) في محاربة "المادة".
والفضاء ممتلئ بغاز رقيق، منتشر بين النجوم. وهو (مع "الغبار الكوني") أشدَّ كثافة في جوار المجرَّات. ويلفُّ كلَّ مجرَّة ضباب، يتألَّف معظمه مِنْ ذرَّات هيدروجين، تُوْجَد في شكل أيونات Ions بسبب الإشعاع المنبعث مِنَ النجوم. وكان هارتمان هو أوَّل مَنْ اكتشف وجود هذا الغاز سنة 1904. حتى الحامض الأميني، الذي هو الجزيئات الأساسية للحياة، ثَبُت وجوده في الفضاء.
و"الفضاء"، في فَهْمٍ أدقَّ وأعمق، هو "جزء لا يتجزأ" مِنْ تكوين "المادة"، فليس مِنْ شيء في "العالم المادي"، غير المحدود، أكان هذا الشيء جسماً أم جسيماً، كتلة أم طاقة، لا يَدْخُل "الفضاء" في تكوينه.
لو أنَّكَ أفرغتَ "العالم المادي"، بكل أجسامه وجسيماته، مِنَ "الفضاء" فلن يبقى مِنْ وجود لا لـ "القوى"، ولا لـ "الحقول". و"العالم المادي" الذي يخلو مِنَ "القوى" و"الحقول" لن يبقى فيه لا أجسام ولا جسيمات.. لن يبقى فيه "مادة".
إنَّكَ تستطيع، مِنَ الوجهة النظرية، أنْ تُركَّز الكتلة أو الطاقة في حيِّزٍ متناهٍ في الصغر، ولكنَّكَ لن تستطيع، أبداً، استنفاد الفضاء، أو الفراغ، في هذه الكتلة أو الطاقة المُركَّزة.
يُقال إنَّ الفراغ هو الوسط المثالي بالنسبة إلى الضوء في سفراته الطويلة، ولكنْ لو كان الفضاء (بين النجوم والمجرَّات) فراغاً مطلقاً (لا أثر فيه للمادة) لما استطاع حتى الضوء السير والانتقال فيه.
هذا الفضاء، المظلم، البارد، الذي تنتشر فيه "نقط مضيئة"، تسمَّى النجوم والمجرَّات، إنَّما هو "وسط مادي شفَّاف". هو مكان تغمره الطاقة والجزيئات والذرَّات ونوى الذرَّات والجسيمات دون الذرِّية والمادة دون الجسيمية ومقادير هائلة مِنْ أنواع أخرى مِنَ المادة المتناهية في الصغر والدقَّة.
الفراغ المطلق لا وجود له في الكون؛ ذلك لأنَّه ليس بالوسط الذي يسمح للأجسام والجسيمات بأنْ تتفاعل وتتبادل التأثير (وبأن تتطور بالتالي).
إنَّه وسط لو افترضنا أنَّ له وجوداً لكان، مِنْ حيث علاقته بـ "تفاعُل المادة"، كمثل "الحاجز المانع"، فتفاعُل الأجسام والجسيمات وتبادلها التأثير لا يمكن فهمهما إلا على أنَّهما جريان لمقادير هائلة مِنَ المواد المتناهية في الصغر والدقَّة في مجاري الفراغ. وليس مِنْ جسمين، أو جسيمين، يمكن أنْ يتفاعلا، وأنْ يؤثِّر أحدهما في الآخر، إلا إذا كان الفضاء (أو الفراغ) الفاصل بينهما (والواصل بينهما في الوقت نفسه) مجرى تجري فيه المواد المتناهية في الصغر والدقَّة مِنْ منبعها (في هذا الجسم أو الجسيم) إلى مصبِّها (في ذاك الجسم أو الجسيم).
وهذا المجرى لا يكون، قَبْل تفاعُل هذين الجسمين أو الجسيمين، خالياً بالكامل مِنَ المادة، فهو، دائماً، ممتلئ بها، ولكن منسوب "المادة" فيه، يعلو أو يهبط، ويختلف في محتواه وتكوينه النوعي، فالجسم أو الجسيم إنَّما يشبه حشرة العنكبوت، التي مِنْ لعابها تنسج خيوطاً، ولكنَّه ينسج هذه "الخيوط" (المادة المتدفقة منه دائماً) ليرتبط بها (عبر الفضاء أو الفراغ) بغيره مِنَ العناصر المادية، القريبة والبعيدة، التي هي، جميعاً، تنطوي على ميلين متناقضين متلازمين: ميل إلى التجاذب، وميل إلى التنابذ. وكلا الميلين يتجسَّد بما تتبادله هذه العناصر من مادة.
بعض الكوزمولوجيين يتشبَّثون (تشبُّثاً فلسفياً مثالياً مغلَّفاً بعبارات فيزيائية) بفكرة الفراغ الكامل الذي يَلِد جسيمات (مادة) حتى يتمكَّنوا من الادِّعاء بأنَّ المادة، وخلافاً لقانون "حفظ المادة"، تنبثق مِنَ العدم. ولكنْ ليس بالفيزياء، وإنَّما بطريقة واحدة لا غير يمكن الحصول على "شيء" مِنْ "لا شيء"، هي "الخَلْق"، الذي لا يحدث إلا إذا أراد "الخالق"، فمِنْ "لا شيء" يمكنكَ، فحسب، أنْ تَخْلِق "لا شيء"!
وكان البابا قد صرح، في مؤتمر ضمَّ فيزيائيين وكوزمولوجيين، قائلا: "لكم الحق في أنْ تبحثوا تطوُّر الكون بَعْدَ الانفجار العظيم Big Bang ولكن لا يجوز، لا لنا ولا لكم، البحث في هذا الانفجار ذاته؛ لأنَّه لحظة خَلْق، وعمل قام به الخالق".
البابا في قوله هذا، كان يردُّ على أحد المشاركين في المؤتمر، والذي أعرب عن اعتقاده بأنَّ الكون ليس له بداية أو نهاية في الزمان، وإنْ كان "محدوداً" أو "متناهياً" في المكان، كما لم يعرف "لحظة الخَلْق"!
هذا المشِارك، استفزَّ مشاعر البابا، ولكنَّه لم يكن مُوفَّقاً في دفاعه عن وجهة نظره، إذ ليس مِنَ المنطق في شيء القول بكوْنٍ "محدود" Finite في المكان، ولكنْ ليس له مِنْ "بداية" أو "نهاية" في الزمان!
ونُذَكِّر، في هذا السياق، بأنَّ الكنيسة الكاثوليكية أعلنت رسمياً سنة 1951 أنَّ نموذج "الانفجار العظيم" Big Bang يتَّفق مع ما ورد في "الإنجيل" في شأن طريقة خَلْق الكون.
وكان رجال دين يهود، في القرون الوسطى، قد قرَّروا، أنَّ خَلْق الكون حدث سنة 3760 قَبْلَ الميلاد. أمَّا الأسقف اشِر فأوضح أنَّ خَلْق الكون كان سنة 4004 قَبْلَ الميلاد. وطوال القرن الثامن عشر، كان الاعتقاد السائد هو أنَّ عُمْر الكون لا يزيد عن ستة أو سبعة آلاف سنة!
"العدم".. في "ميكانيكا الكم"!
استناداً إلى "ميكانيكا الكم" Quantum Mechanics يعتقد بعض الفيزيائيين والكوزمولوجيين أنَّ حيِّزاً متناهياً في الصِغَر مِنَ الفراغ Vacuum الذي كان يُعتقد، مِنْ قَبْل، أنَّه "فضاء فارغ" يمكن أنْ تظهر فيه "كمِّية ضئيلة مِنَ الطاقة" لتختفي فوراً، فثَّمة جسيمات (والجسيم مؤلَّف مِنْ طاقة) يُسمُّونها Virtual Particles"" تأتي إلى الوجود مِنْ "فضاء فارغ مِنَ المادة"، أي أنَّها تأتي مِنَ العدم، لتختفي فوراً.. إنَّها ما أنْ تأتي مِنَ "العدم" حتى تعود إليه، في زمنٍ متناهٍ في الضآلة، حتى أنَّ قانون "حفظ المادة"، ولضآلة هذا الزمن، لا "يحسُّ" بوجود تلك الجسيمات، فهي تظهر وتختفي في "غفلةٍ" منه!
هذا الجمهور مِن الفيزيائيين والكوزمولوجيين، المتسلَّحين بـ "ميكانيكا الكم"، ينفون، أوَّلاً، وجود مثل هذا "الفضاء الفارغ"، ولكنَّهم سرعان ما يقولون بجسيمات تأتي إلى الوجود مِنْ حيِّزٍ متناهٍ في الصغر مِنْ "فضاء فارغ مِنَ المادة"، وكأنَّهم ينفون، فحسب، أنْ يكون "الفضاء الفارغ" غير قادرٍ على أنْ يَلِد تلك الجسيمات، فـ "الفضاء الفارغ" الذي ينفون وجوده في الكون إنَّما هو، في رأيهم، ذاك "الفضاء الفارغ الذي لا يملك خاصيَّة الخَلْق المستمر للمادة مِنَ العدم"!
لقد أصرُّوا على أنَّ "الكتلة" و"الطاقة" يمكن أنْ تظهرا إلى الوجود (في الفضاء) مِنْ حيث لا وجود للمادة، ولكن ظهورهما المباغت مشروط بأنْ تختفيا مِنَ الوجود فوراً، فـ "الجسيم" و"الجسيم المضاد" ينبثقان فجأة مِنْ "لا شيء"، ثمَّ يفني كل منهما الآخر (Annihilation) فوراً مِنْ دون أنْ تتولَّد عن فنائهما طاقة، أي مِنْ دون أنْ تترتب على فنائهما زيادة في مقدار المادة الكونية.
ويقولون إنَّ هذا الظهور المباغت للجسيمات ينطوي على خرقٍ لقانون "حفظ المادة"، ولكنَّهم يعتبرونه "خرقاً مؤقتاً"، فهذه "الزيادة" في كتلة الكون وطاقته تزول مع الزوال الفوري للجسيمين المتضادين. إنَّها تزول قَبْلَ أنْ "يحسَّ" بها قانون "حفظ المادة"!
هذا القول، الذي ينسبونه إلى "فيزياء رصينة"، لا معنى واضحاً له سوى المعنى الآتي: إنَّ مقداراً مِنَ المادة، أي مِنَ الكتلة أو الطاقة، يمكن أنْ يظهر، فجأة، في الفضاء (أو الفراغ) مِنْ "لا شيء"، أي مِنَ "العدم"، ولكن شرط ظهوره المفاجئ هذا، هو "أنْ يزول فوراً"، أي أنْ يعود، ثانيةً، إلى "العدم"!
نحن نعتقد معهم بضرورة وجود هذه الظاهرة مِنَ النشوء والزوال الماديين، في الفضاء، على أنْ يُفْهَم الفضاء، أو الفراغ، على أنَّه وسط مادي، فلا يَحْدُث هذا "النشوء" أو "الزوال" إلا إذا كان تحوُّلاً مادياً لا ينطوي على أقلِّ خرق أو انتهاك لقانون "حفظ الكتلة والطاقة".