سأبتدء هذا الشريط ,, بموضوع للكاتب الرائع ,, " جواد البشيتي " بعنوان " الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة- "
الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف "المادة"
ما هي "المادة" Matter؟ إنَّ جزءا مهما من الإجابة عن هذا السؤال يكمن في إجابة سؤال آخر هو: ممَّ تتألَّف المادة (أو ما هي أهم مكوِّنات المادة؟)؟".
المادة تتألف من الأجزاء الآتية: "الجسم (أو الجسيم)"، "الفضاء (أو الفراغ)"، "الكتلة"، "الطاقة"، "القوى".
بمقياس "الكتلة" Mass بعض المادة يملك "كتلة"، وبعضه لا يملكها (الفوتون مثلا). و"الكتلة" إنَّما هي "خاصية"، نراها في بعض المادة، وتَمْنَع منعا مُطْلقا كل مالِكٍ لها (من المادة) من أن يسير (في الفراغ) بسرعة الضوء، التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية. و"الكتلة"، في جسم أو جسيم، ليست بـ "المقدار الثابت". إنَّها "مقدار متغيِّر"، يمكن أن يزيد، ويمكن أن ينقص.
بـ "تسارع" الجسم، أو الجسيم الذي له "كتلة"، تزيد كتلته، وبـ "تباطؤه" تقل، فكلما تسارع هذا الجسم أو الجسيم زادت كتلته، وكلما تباطأ قلَّت. ولكنه مهما تسارع لن يبلغ أبدا سرعة الضوء. قد يبلغ في سرعته 299 ألف كيلومتر (أو أكثر) في الثانية الواحدة؛ ولكنه لن يبلغ أبدا السرعة العظمى في الكون، أي سرعة الضوء، التي هي 300 ألف كيلو متر في الثانية. إذا وصل في سرعته إلى أقل قليلا، وقليلا جدا، من سرعة الضوء فإنَّه يصبح ممتلِكا من "الكتلة" ما يُعْجِز أعظم قوة في الكون عن جعله يعدل، في سرعته، أو يتجاوز، سرعة الضوء.
و"الكتلة" ليست هي الخاصية التي تجعل الجسم، أو الجسيم الذي يملكها، يتأثَّر بـ "الجاذبية" Gravity فالضوء، وهو مادة تتألف من جسيمات ليس لها كتلة، هي الفوتونات، يتأثَّر بـ "الجاذبية" كما تتأثَّر بها كل مادة لها كتلة.
المادة التي لها كتلة لا يمكنها أبدا أن تعدل، أو أن تتجاوز، في سرعتها المادة التي ليس لها كتلة؛ ولكن هذا لا يمنع المادة التي لها كتلة من التحوُّل إلى مادة ليس لها كتلة (أي إلى طاقة) كما لا يمنع المادة التي ليس لها كتلة من التحوُّل إلى مادة لها كتلة.
كل مادة تَعْجَز عجزا فيزيائيا مُطْلقا عن السير في سرعة تعدل سرعة الضوء إنَّما هي مادة لها كتلة؛ وكل مادة لها كتلة لا يمكنها أبدا أن تسير بسرعة تعدل سرعة الضوء.
والمادة التي لها كتلة، أكانت جسما أم جسيما، لا بد لها من أن تملك خاصية "إطلاق (إرسال) وامتصاص (استقبال) مادة ليس لها كتلة"، فليس من جسم، أو جسيم له كتلة، لا يُطْلِق، دائما، مادة (ليس لها كتلة) تسير بسرعة الضوء.
و"الكون" إنَّما هو "المادة التي لها كتلة" و"المادة التي ليس لها كتلة" في "وحدتهما العضوية الأزلية ـ الأبدية"، فليس من كون، مهما صغُر أو كَبُر، يتألَّف، فحسب، من "مادة لها كتلة"، أو من "مادة ليس لها كتلة".
كل كون، إذا ما قلنا بما يمكن تسميته "الأكوانية"، أي بوجود أكوانٍ، يجب أن يتألَّف، من نشوئه حتى زواله، من "مادة لها كتلة" و"مادة ليس لها كتلة". الكون الذي يتألَّف، فحسب، من هذه المادة، أو من تلك، إنَّما هو كون خرافي، مهما حاولوا إلباس القول به لبوسا فيزيائيا!
"الخالص (أو المُطْلَق)" من "الطاقة" أو "الكتلة" لا يمكنه أن يبتني كونا؛ لأنْ لا وجود له.. لم يُوْجَد هذا "الخالص" قط، ولن يُوْجَد أبدا.
إذا انعدمت "المادة التي لها كتلة" انعدمت "المادة التي ليس لها كتلة"؛ وإذا انعدمت "المادة التي ليس لها كتلة" انعدمت "المادة التي لها كتلة"، فمتى، وأين، رأيْنا، أو يمكن أن نرى، "مادة ليس لها كتلة"، لا تَنْطَلِق من "مادة لها كتلة"، لتجري في الفضاء، قبل أن تمتصها "مادة لها كتلة"؟!
أُنْظروا إلى الضوء المُنْتَقِل والمُنْتَشِر في الفضاء. لقد نبع من "مادة لها كتلة (نجم مثلا)"، ثمَّ جرى في مجاري الفضاء، ثمَّ صَبَّ في "مادة لها كتلة (كوكب مثلا)". إنَّها الخرافة بعينها أن تقول في السطر الأول من "قصة الكون": في البدء كان الضوء (أو المادة التي ليس لها كتلة) ولم يكن شيء.
ولـ "المادة التي لها كتلة" خاصية يمكن تسميتها "الجسمانية"، التي هي "المكان في أبعاده الثلاثة: الطول والعرض والعمق (أو الارتفاع أو السُمْك)". وهذا المكان لا تقوم له قائمة إلا إذا كان مُتَّحِدا اتِّحادا عضويا (سرمديا) مع "البُعْد الرابع"، أي "الزمان"، الذي إنْ تباطأ، أو تمدَّد، بسبب "التسارع"، أو "الجاذبية"، تقلَّص وتضاءل "حجم" الجسم، أو الجسيم الذي له كتلة، فـ "قيم المكان" تختلف وتتغيَّر باختلاف وتغيُّر "قيم الزمان"، التي تختلف وتتغيَّر باختلاف وتغيُّر "قيم السرعة"، أو "قيم الجاذبية".
كل جسم، أو جسيم له كتلة، إنَّما هو "الكون" من حيث المبدأ والأساس والجوهر. إنَّه الكون مُخْتَصَرا. إنَّه "المادة التي لها كتلة"، تُرْسِل وتَسْتَقْبِل "مادة ليس لها كتلة"، عَبْر "فضاء"، في داخلها، وفي خارجها (أو من حولها). وعَبْر المُرْسَل، أو المُسْتَقْبَل، من "المادة التي ليس لها كتلة"، تتفاعل "المادة التي لها كتلة"، وتتبادل التأثير. وهذا التفاعل، في نتيجته النهائية، إمَّا أن "يُكثِّف أكثر"، وإمَّا أن "يُشتِّت أكثر" أجزاء "المادة التي لها كتلة"، فليس من قوة كونية (طبيعية أو فيزيائية) إلا وينتهي عملها إلى هذه النتيجة في أحد وجهيها ("التكثيف" أو "التشتيت").