حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 نظرة عميقة فى العنف والمقدس والخطيئة والقربان .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سالم
ثـــــــــــــــائر منضبط
ثـــــــــــــــائر منضبط
سالم


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 396
معدل التفوق : 1140
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

نظرة عميقة فى العنف والمقدس والخطيئة والقربان . Empty
14122013
مُساهمةنظرة عميقة فى العنف والمقدس والخطيئة والقربان .

تحية طيبة .. 8-)

الخطأُ شرطٌ للوجود: هذا ما أفصحْ عنه الدينُ حين وضعَ الخطيئةَ نقطةَ بدءٍ لحياة الإنسان على هذه الأرض: خطيئة آدم التي كانت علّة انتقاله من الحظيرة المقدسة إلى أرض التكثّر والتزاحم والتغالب.

في الأديان السماوية، لكنْ في الميثيولوجيا السابقة لها أيضاً، كانتْ حياةُ البشر مؤسَّسةً على ذنبٍ أصليٍّ ظلوا يحملونه وشماً على أرواحهم. أصلُ الخطيئة هذا سيبلغ به الطهرانيون التقاةُ من الأديان كافة مبلغاً يجعلهم يرون الى الحياة كلها باعتبارها خطيئة، كما في قول الشاعر الصوفيّ: وجودك ذنب لا يقاس به ذنبُ.

وليست النوازع الدينية في آخر الأمر إلا وعداً بالخلاص من الخطأ، من ذنبٍ هو في جبلّة الإنسان وأصل خلقته. هل الدين سوى استراتيجية لطرد هذا الشرير الذي تمّتْ شخصنته (سمّي الشيطان أو إبليس)، لتحويله إلى خارج النفس الإنسانية أولاً وليمكن ضبطه والقضاء عليه؟

ذلك ان الانتقام من الخطيئة (لولا هذا التشخيص للشرّ) غير ممكنٍ دون أن يصار إلى الإنتقام من الحياة نفسها واستدعاء الموت، فليس، والحالة هذه، إلا تكثيف الشر كله في الـ(شرير)، لأن الإنتقام من شخصٍ يقع في حدود الممكن، بالضدّ من الانتقام من الفكرة نفسها، فكرة الشرّ التي امتزجت بوجود الانسان وتخللتْه.

هذه أولى تجليات الخلاص الذي وَعدَ به الدينُ.

والشيطان كان الأضحية الأولى التي تقرّبَ بها الناسُ في سبيل تطهير انسانيتهم الملوّثة بالخطأ الأصليّ.

إذ الأضحية ليست إلا هذه: شاخص حيّ يتمّ تحميله جزءاً من شرور الذات والتخلص منها بالتخلص منه هو ذاته.

هكذا كان الخلاص هو جوهر الدين. وهو ليس خلاصاً من الحياة نفسها، بل من الجنبة المظلمة التي حملها الإنسان في أعماقه. ولأن الخطأ مساوقٌ للوجود بل هو بدّه اللازم، كان مقدراً للخلاص أن لا يكون نهائياً أبداً وتاماً، ليست له نهاية وإن كانت له غاية. غايته التطهير، أي جعلَ عيشَ الأنسان ممكناً مع كونه حاملاً لهذا الجرح السريّ (الخطيئة)، هذا الجرح الذي يندمل ليتفتق مرة أخرى من جديد.

 لكنّ الخلاص بلا نهاية لأن الذنب الأصليّ يجدده وجودُ الانسان نفسه، يولد مع أنفاسه. أنه خطأ حيّ يخالط وجودنا، وما من نهاية للخطأ إلا بنهاية كل عملٍ، إلا بالموت.

لأجل هذا كان للخلاص الدينيّ أبداً صفةُ الوعد، الوعد الذي يضع الأنسان في أفق انتظارٍ دائمٍ له، وهو خلاصٌ معبَّر عنه بشتى الطقوس المتباينة، لكنها تشترك جميعاً في هذا المبدأ: شخصنة الشرّ، تحويله إلى الخارج ثمّ القضاء عليه بقتله، أي جعله أضحية، قرباناً.



القربان الأوّل :

ينبئنا القرآن أن جريمة قتل الانسان الأولى حدثت بسبب الإخلال في تقديم قربان، أي ان خللاً ما أصاب عملية إخراج الشرّ على هيئة أضحية، فلم يتمّ تقبّلها من قبل الربّ،

(إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنكّ)!

ولأنها لم تُتَقبّل ضلّ الشرُّ طريقه فوجد له موضوعاً آخر سوى الأضحية، وكان هذا الموضوعُ الانسانَ نفسه.

قَتَلَ الإنسانُ أخاه لأنّ القربان ناقصٌ فلم تكتمل دورة الخلاص، ظل شرّه الأصليّ دائراً يبحث له عن أضحية ما، وجدها في أخيه وابتدأ مسيلُ الدم.

خروجُ غريزةِ القتل إلى الوجود وتحقّقها هو نتاجُ خللٍ في تدبير هذا النظام الذي وضعه الدينُ لتنظيم الغرائز كلّها. لم يعدْ القربان كافياً للجم كباح هذه الشهوة التي حين لا تجد قربانها تخترع لها أضحية بشريةً، لهذا كان القانون الذي اشتَقّ من جنس الجرم عقوبةً (النفس بالنفس، العين بالعين والسن بالسنّ)، صار للمجتمع أيضاً قرابينه التي يضحّي بها لطرد الشرور من جسده: التضحية بالجاني لخلاص الجميع، ذلك جوهر القوانين البدائية كلها دينية أو غير دينية.

هكذا يمكننا أن نرى تقنين الغرائز المولّدة للخطايا وهو يتّبع طريقتين: الأولى طقوسية والثانية قانونيّة.

تجد الأولى في ضروب الشعيرات الدينية كأضاحي الحجّ لدى المسلمين، أو عيد الغفران الذي يقوم فيه اليهوديّ بوضع دجاجة حيّة على رأسه لتحمّل خطاياه وخطايا عائلته ثم يقوم بذبحها.. وفي ديانة الأزتيك أمثلة كثيرة أوردها لوكليزيو في كتابه الرائع (الفكر المبتور) كما تجدها في طقوس الديانات الوثنية الأفريقية كذلك.

وقد بلغتْ هذه الطقوس منحىً أكثر تعقيداً وأشدّ ترميزاً كما في تحمّل المسيح خطايا البشر واعتباره القربان الكامل لخطاياهم، أو كما في بعض التآويل الشيعية التي رأت في ذبح الحسين خلاصاً لشيعته.

أما الطريقة الثانية فيمكنك رؤيتها  في صنوف العقوبات الدينية الناصّة على قتل القاتل، كما تجدها في الأعراف القبلية كذلك (الثأر أنفى للدم)، إذ ان هذه العقوبات هي في آخر الأمر محاولات للحدّ من انفجار الغريزة التي تطلب على الدوام موضوعاً لتحقّقها.

كانت القوانين والشرائع التي نظمتْ حياةَ البشر مبتنيةً على الحدّ من سلطان الغريزة وتأجيل انفجارها، وفي النهاية لا تبدو المدنيةُ أو التحضّر إلا نتاجَ هذا الكبحِ المستمرّ لغرائز الانتقام والقتل والرغبة في التهتّك والخروج من ربقة كلّ سلطان أخلاقيّ أو قانونيّ، إذْ هذه الرغبةُ في الانفلات هي أساس كل غريزةٍ واليها تنتهي كل الرغائب التي قُمعت بالـ(حقّ) و(العدالة).



الحقّ والقوّة :



والحقّ هنا المفاهيم الإرشادية التي جاء بها الدين مخاطباً ضمير الإنسان ووجدانه لتنتهي آخر الأمر على هيئة نظام أخلاقيّ. أما العدلُ فهو وان كان مؤسساً على هذه النظم الأخلاقية إلا انه اتخذ جنبة إلزامية مبثوثة في قوانين صارمة تتوعّد من يروم الخروج عليها.

هي ذي قوّة الإسلام الذي قيل عنه انه انتصر بالقرآن والسيف، قوّة مزدوجة من الحقّ والعدل الإلهيين. والحقّ طالبٌ للعدل ابداً وإلا ظلّ في قوّته المحض التي لا تنتج إلا أقاويل غير ملزمة إلا لمن يعتنقها. هذا برهان آخر على أن كبح الغريزة لا يكون الا بأداء من سنخها، فليس الإرشاد وحده ولا الوعيد الآخرويّ الذي تضمنته الإيات المكيّة في القرآن بقادر على تأسيس مدنيّة وحضارة. لا بدّ إذاً من استثمار غرائز القتل ذاتها وتوجيهها لتحقيق العدالة التي هي ليستْ شيئاً آخر سوى قتلٍ وعنفٍ يراد لطرد القتل والعنف، ولهذا كان القصاص حياةً لأولي الألباب والموت نفياً للموت.

التحضّر (بوصفه قوانين ودساتير وشرائع) يستعير من الغريزة أداتها ويوردها في موردٍ آخرَ مهمّته تأجيلُ الانفجار الجماعيّ للغريزة ذاتها. نشهد هنا الطقس الأضحويّ معمّماً ومكبّراً، فما يراد على الحقيقة (في العدالة كما في الحروب المقدسة) هو اصطناع قربانٍ يكون موضوعاً لغريزة الفتك بدلاً من أن تضلّ طريقها فتلتهم الحياةَ. إنه مبدأ ثأريّ مؤداه القتل الأصغر تفادياً لقتل أكبر (القتل أنفى للدم)، حرب قابيل وهابيل: حربُ المقرَّبين من الله (أي الذين تقبّل اللهُ قربانهم) ضدّ المبعَدين الذين حدث خلل ما في إيصال قرابينهم الى الله فراحوا يجعلون من الحياة ذاتها اضحيةً لهم.

هكذا نرى ان الحقّ المعبَّر عنه بالنُظم الأخلاقية لم يسهمْ أبداً في أن يكون محرّكاً للتأريخ، التأريخ الذي كان على الدوام مدفوعاً بقوّة الصراع والتغالب والقتل، فهذه الآلة الضخمة لم يكن لها من وقود إلا الدم.

ويبدو ان الحقّ الطالب للعدالة "أي القرآن الطالب للسيف" منتشياً بهذه الأستراتيجية العنفيّة: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً)، (قاتلوهم لئلا تكون فتنة ويكون الدين لله)، (كُتبَ عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، القتل حافظٌ للعيش وهو درءٌ للفتنة كما انه خيرٌ. كأنما الخلاص مرة أخرى لا بدّ أن يكون مارّاً عبر عيدِ التضحية هذا، عبر المهرجان الذي يمكن أن تتفتح فيه غريزةُ القتل على أشدّها دون أن تكون عرضةً للذمّ أو القدح أو تأنيب الضمير، على العكس فهي هنا غريزة مقدسة ومطلوبة بالأمر الإلهي (اقتلوهم حيث ثقفتموهم) لماذا؟ لأن القتل يراد هنا لدرء خطر أكبر هو القتل غير المنظم، أيْ قتل الحياة لا قتل الشرّ، باختصار انه ذلك القتل الذي يقوم به المبعَدون "من لم يتقبّل الله لهم قرباناً" وهذا القتل الأخير المدنّس هو ما سمّي بالاسلام بالفتنة (التي هي أشدّ من القتل). أو بتعبير باتاي (إعادة الحياة كقيمة ضائعة بواسطة التخلي عن هذه القيمة)!



تأريخ الأضاحي:



ما عساه يكون التاريخ لولا هذه المهرجانات السعيدة التي تنبثق فيها نوافير الدم مكوّنة أعياد الانسانية على مرّ الدهور؟

فبالتدبّر في الأمر نرى ان الحدث التأريخي لا يجيء إلا معمّداً بالدم، ولا تستحقّ الواقعة أن تكون تأريخية إلا آن تسمح للغريزة بالهتاف بألسنتها الدمويّة.

إن المؤرخ يغطّ في سبات عميق ولا توقظه إلا قعقعة سلاح ووجيب دم. لا يصدق هذا على التأريخ القديم فحسب بل يصدق بالقدر ذاته على تأريخنا الجديد، يكفي أن نتذكر مقولة "كوجيف" الشهيرة عن أحداث باريس 1968 ، قال: (مادام لم يُرَقْ دمٌ فإن شيئاً لم يحدث على الإطلاق).

كوجيف نفسه بيّن أن القتل ليس ذا باعث خارجيّ، أو لنقلْ إن باعثه الخارجيّ ليس مطلوباً تماماً، إذ القتل فعل مَرومٌ لذاته بذاته، يراد لتأدية غريزة دأبها أن تخرج ولا يهمها بعد ذلك الحال الذي تخرج به، قال كوجيف: (كلّ فلسفة تتجاهل هذه الواقعة هي تضليل مثاليّ).

نصل إذاً إلى أن الغرائز المولّدة للعنفِ تقبع في أعماق الإنسان منتظرةً  الثغرة التي تطلّ منها للخروج وممارسة الفتك، وان الطقوس الدينيّة الأضحوية، مثلها مثل النظم الأخلاقية والشرائع ذات الوعيد الأخرويّ أو الدنيويّ على السواء، وحتى أنماط فنّ العيش الحديثة (الأتيكيت)، ما هي إلا غلاف هذه النزوات المانعة إياها من الظهور، إنها كالغلاف الجسديّ (البَشَرة) الذي يمنع ظهور الشرايين والأعصاب والعضلات، فلولاه لغدا منظر الإنسان لا يحتمَل.

كم يبدو البشرُ أشبه ببراكين وقورة هادئة تمّ قمعها وتأجيل اندلاعها بالأخلاق تارةً وبالقانون تارة أخرى، أي بالحقّ والقوّة اللذين شكّلا في الدين مبدأيْ الخلاص.

والحقّ هو في صلب الوعيد الآخرويّ "القيامة" التي هي الخلاص النهائيّ من الشرور ومن الغرائز كلّها. أما القوّة فهي "الناطقة باسم هذا الحقّ" وهي أداة الخلاص الدنيويّ التي من شأنها تنظيم هذه الغرائز، استثمارها لقمع "الفتنة" التي هي "كاوس" متولّد عن انفجار غرائز المجموع.

المسافة بين القوّة والحقّ هي المسافة بين الأمر بتقديس الذات الإنسانيّة في آيات كثيرة، وبين الحثّ على حصد النفوس حصداً الوارد في آيات أكثر.

وهي ذاتها المسافة بين "لا تقتلْ" الواردة في التوراة كوصيّة من الوصايا العشر وبين تمجيد القتل والترنمّ بأناشيده في طول التوراة وعرضها والذي كان أساس القتل الذريع الذي مارسه اليهوديّ "ومازال؟" باسم اليهوديّة، وبالتالي باسم الوصايا العشر نفسها، أي باسم "لا تقتلْ".

وهي المسافة عينها بين منتهى الإفراط في التسامح الإنجيليّ الذي بلغ ذروته في الصليب المرفوع فوقه جسدُ الحملِ ابن الانسان الغافر لقاتليه، وبين الصليب نفسه شعاراً للحروب الصليبيّة التي كانت عيداً لهياج غرائز القتل والذبح على مرّ القرون.

إنّ القتل باسم الدين سواء أكان قتلاً فردياً (على هيئة قصاصٍ مثلاً) أو جماعياً (كالحرب) له هذا المغزى الدالّ على التضحية وتقديم القرابين، أي على هدر قيمة الحياة لإعلاء الحياة نفسها، أو قلْ تأجيل العملِ بالوصيّة (لا تقتلْ) لإدامة الوصيّة إلى الأبد، أوبكلمة أوجز: "التوسّل بالغريزة لاطفاء الغرائز".

وهذا القتل المقدّس يقع حدّاً وسطاً بين القيامة بوصفها خلاصاً نهائياً وبين التضحية باعتبارها خلاصاً فرديّاً، فهو من جانب صورةٌ مكبّرة لتقديم القربان: شخصنة الشرّ ثم ذبحه. ومن جانب آخر هو صورة مصغّرة للقيامة ـ المهرجان الإنسانيّ الكبير الذي تتفتح فيه الغرائز كلّها وبقسوة بالغة لكنْ بقداسة مطلقة.

الحرب باسم الدين هي قطعة من القيامة الكبرى هنا على الأرض.



القيامة انفجار المكبوت:



القيامة ، هذا الوعدُ الأبديّ "وكل خلاصٍ له صفةُ الوعد" ليست إلا انفجار مكبوت الإنسانية على نحو مدهش. إنها اليوم الذي تضع فيه البشريةُ أثقالها من الغرائز كلّها، فليستْ الآخرة هي وضعَ الموازين القسط وإحقاق الحقّ فحسب، بل هي في حقيقة الأمر ذهاب بالغرائز إلى أقصى تفجّرها، الوصول بالعقاب إلى آخره، لكنْ الوصول باللذة إلى منتهاها كذلك، كما لو أن الوعد بالقيامة تلويحٌ للانسان بأنّ في وسع هذه الغرائز التي كُبتتْ طويلاً أن تكون في بيتها الأليف أخيراً ، في الموضع الذي تمارِس فيه تحققها بإطلاق وبلا رادع "حيث ما لا عين رأت ولا اذن سمعتْ ولا أعترض على قلب بشر".

في تلك البلاد الخاليّة من الشرّ تتفجّر غرائزُ المؤمنين على وسعها، لا غريزة الجماع فحسب (يعطى للمؤمن شهوة وقوّة سبعين رجلاً ويُمنحُ أعداد خرافية من الجواري)، ولا غريزة الأكل بنهمٍ (فواكه مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) أو الشرب ( أنهار الخمر والعسل واللبن والماء)، لكنْ غرائز الكراهية أيضاً تتفتح بلا حسابٍ (كما في الآيات التي تشير إلى الزيارات التي يقوم بها أهلُ الجنة لأهلِ النار ومخاطبتهم والتشفّي بهم).

وليست القيامة موطناً بلا شرور إلا لأن العنف فيها دائمٌ مستمرّ. هي ليستْ محلَّ سلامٍ ووئامٍ إلا بسبب وجود محرقةٍ أبديّة على مقربة منها، أعني جهنمَ التي يلقى فيها العددُ الأكبر من الخلق، كما يستفاد من نصوص القرآن والسنّة.

القيامة محلُّ الحياة الأبدية لأنها في الآن ذاته محلّ الموت الأبدي. فأصحابُ النار في موتٍ مستمرّ (كلما نضجتْ جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها).

لولا جهنم "هذا القربان الجماعي الذي لا ينقطع" لما كانت الجنة نعيماً ولما حدث هذا العيد الأكبر الذي ينتظره المؤمنون، هو فعل التضحية ذاته، لكنّ له هذه المرة طابعاً كونياً يتيح للبشرية أن تمحو خطأها الحيّ، الخطأ الأصليّ الذي يخالط وجودها، يكون للأنسانية يومها أن "تنزع ما في صدورها من غِلّ"، إذ الغِلُّ والشرّ صار له موطن آخر خارج هذا النعيم المقيم، أضحتْ جهنم هي موئل الشرور والأشرار حيث تقام محرقة قربان أبديّ كبير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

نظرة عميقة فى العنف والمقدس والخطيئة والقربان . :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

نظرة عميقة فى العنف والمقدس والخطيئة والقربان .

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  بين حدّي الأصالة والمعاصرة تلاشى الوسط في فجوة عميقة
» الجسد الراقص والمقدس في المسرح
»  الإسلام والالتباس التاريخي‮: ‬تاريخ الوهم والمقدس
»  نظرة كانط الفلسفية للدين نظرة كانط الفلسفية للدين زهير الخويلدي
» نظرة الى العلاقات في التاريخ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: