تحية طيبة ...
فى دراستنا للأديان والمعتقدات نجد أننا أمام الكثير من الظروف المادية التى تحكمت وشكلت التكوين الدينى .
فقد عرضت سابقا رؤية أن الدين والمعتقد ماهو إلا وسيلة لتحكم وسيطرة وتأطير لسيادة طبقة إجتماعية محددة لها مصالحها وأجندتها الخاصة ..وما الدين إلا كتشريع وتمرير رؤية وأيدلوجية طبقة إجتماعية أرادت أن تضمن لها السيادة والهيمنة .
إذن المعتقد هو تعبير عن شكل العلاقات الإنتاجية والخريطة الطبقية والإجتماعية السائدة فى ظرف زمانى ومكانى محدد .
ليس من الصعوبة بمكان أن نجد أن الأديان المختلفة عبرالتاريخ أصاغت وأطرت لصالح وضع إجتماعى محدد أرادت له أن يسود ...ولنا مثال المجتمع العبودى كنموذج لتأطير لعلاقات يراد لها أن تكون تمثل فى رؤيتها ملامح وتطلعات أسياده .
لا يجب أن ننكر بأن بعض الأديان جاءت كثورة راغبة فى التغيير وطارحة فى الوقت ذاته تطلعات طبقية جديدة ذات مشروع سياسى جديد تريد لها وجود فعلى وحقيقى على الساحة ولاغية فى الوقت ذاته لأشكال طبقية وإجتماعية أخرى .
كما طرحنا فى أفكار سابقة كون المعتقد أو الدين هو هوية إجتماعية للجماعة البشرية بحسب مفهوم عصرها ..فكما أن الهوية فى عصرنا ترتكز على سمات محددة تعطى الولاء والإنتماء إلى جماعة بشرية محددة ...هكذا كان الدين فى المجتمعات القديمة يمثل الدستور والبرلمان ويكون الإله والطقوس هو الملمح الأساسى للبنية الإجتماعية والتى تجعلها تتمايز وتختلف عن الجماعات الأخرى .
فلا نندهش عندما نجد أن الشرائع الدينية تعاقب بشدة الخارج عن الدين بإعتباره خارجا عن الجماعة البشرية ومنشقا عنها مما يعتبر خطرا يحيق بالمجموع ويشكل خصما من الجماعة وإضافة لجماعة أخرى ..ومن هنا جاءت القسوة على المرتد عن الجماعة الدينية .
إذن المعتقد والإله ما هما إلا هوية وعلم وراية تجعل للجماعة إنسانية محددة شكلها وتمايزها عن الأخرين .
بالطبع هناك أسباب كثيرة أخرى لتشكل الدين وتعلن عن وجوده ..فيكون تواجده هو شئ طبيعى وليس نبتا شيطانيا ..فهو تعبير حقيقى عن درجة التطور المعرفى والإجتماعى والسياسى للجماعات الإنسانية القديمة .
فى بحثى هنا لن أخوض فى هذه الأمور ..بل سأتطرق لفكرة أن الطبيعة بشكلها المادى البحت نحتت وشكلت وصاغت الشكل الأساسى للمعتقد والأخلاق .!!
قادتنى رؤيتى تلك من خلال مفهوم أن المادة تؤثر فى الوعى ..بل أن الوعى هو نتاج الصور المادية الموجودة مستقلة عن وعينا .
أتذكر فى مراحل الدراسة الإعدادية والثانوية عندما كنا ندرس نصوص الشعر العربى القديم ونجد بعد نهاية النص المطروح دراسة مستفيضة حول معانى الكلمات والصور الفنية فيه ..من ضمن هذه الدراسات كان فكرة أثر البيئة فى النص ..ليظهر لنا بوضوح الصور المادية التى كان يعيشها الشاعر وإستخدامه لمفردات من الطبيعة الموجودة فى صياغة شعره وصوره الجمالية .
من هنا سنجد أن الطبيعة بكل مفرداتها تصيغ وتصنع وتشكل الصور والملمح الرئيسى للأساطير والقصص الدينية والتى سأعرضها فى مداخلات لاحقة .
حتى المنظومة الأخلاقية والسلوكية والتى تأتى كتعبير عن شكل إجتماعى وسياسى محدد يراد له أن يسود ..فلن يخلو أيضا من تأثير الطبيعة الواضح فى تكوين الملامح الأساسية والنمط السلوكى السائد .
من هنا سأبدأ فى البحث عن تأثير الطبيعة بملامحها المادية الواضحة فى تشكيل ونحت الأساطير الدينية والمنظومات السلوكية والأخلاقية أيضا