- البعث السوري هل هو سباق النهاية؟
داود البصري
مع
تصاعد الهبة الجماهيرية الشعبية الثائرة ضد بقايا نظام الوراثة البعثي في
الشام وتماسك إرادة المجتمع الدولي والإقليمي الحر بوجه المخططات لنظام
البعث السوري وهو يواجه قدره بعد أن حسم الشعب السوري نهائيا وبشكل مبرم
وضعه النهائي يبدو سباق النهاية واضحا وجليا في الآفاق، فالاضطراب السلوكي
الذي يضرب أركان النظام بعد تشديد الطوق الإقليمي عليه وعزله بالكامل قد
عبر عن حيثياته من خلال إصرار النظام على المعالجات الأمنية الدموية وبنفس
طريقة وعقلية إدارة الصراع السابقة وهي العقلية الدموية المفرطة وإطلاق
أيادي أجهزة المخابرات وعناصر «الشبيحة» الطائفيين والمجرمين لمحاولة
ترويع الشعب وردع الناس وحفر أخاديد عميقة للفتنة الوطنية الطائفية التي
هي سلاح النظام الوحيد من أجل البقاء، فالنظام من الناحية الميدانية
والواقعية قد انتهى أمره وما نراه اليوم من حمامات دم وعمليات قتل وثأر
وانتقام هي الفصل الأخير والحاسم لمسرحية دموية تراجيدية مأساوية عاشها
أهل الشام الحرة منذ نصف قرن ويزيد وأيام كان للانقلابات العسكرية
وللراديكاليات الحزبية وللعقيدة الفوضوية والعبثية البعثية دور في صناعة
الأحداث بالتعاون مع مخططات الغرب خلال مرحلة الحرب الباردة، وهي مرحلة
انطوت أيامها منذ أكثر من عقدين في العالم بينما لا يزال عالمنا العربي
يئن من تحت ركامها وبقاياها. لقد تحالفت العقلية البعثية الفاشية
الدكتاتورية مع العقلية الطائفية المسخ الهوجاء لتشكل حالة فريدة من حالات
التسلط الدكتاتوري والتي هي كيان حضاري متألق عبر التاريخ ساهم في رفد
الحضارة الإنسانية بإبداعات وتجليات رائعة منذ مرحلة ما قبل الإسلام وعصور
الفينيقيين مرورا بالمرحلة الإسلامية التي شهدت أيام الأمويين ازدهارا
استمر عطاؤه رغم تبدل الإمارات والدول ثم جاءت مرحلة النهضة العربية
والشرقية أوائل القرن الماضي لتتربع سوريا ومبدعيها على عرش الإبداع
والتألق والعطاء ولتكون درة الشرق القديم وحاضرته التي لا تعرف الإنتكاس
ولا النكوص، وما يروج له النظام وأتباعه من مخاوف مستقبلية على مستقبل
سوريا ووحدتها الوطنية مذكرين بالتجربة العراقية المرة هي مجرد تخريصات
وتخاريف وأوهام لا علاقة لها أبدا بالواقع السوري، فمن دمر سوريا هو نظام
البعث العسكري بشكله الطائفي، فلا خلاف ولا صراع ولا اقتتال بين الطوائف
والملل والنحل في سوريا أبدا، ومن يعبث بهذا الملف الصاعق هو النظام ذاته
الذي يخبئ عقليته الطائفية المريضة خلف شعارات التقدم والإشتراكية
المزعومة والخاوية فيما يستمر نهب الشعب وتدمير الوطن والتطاول على دماء
أبنائه. لقد قدمت الطائفة العلوية الكريمة في سوريا خيرة رجالها ومناضليها
لمقارعة نظام البعث المتوحش وكانت دماء العلويين في طليعة قوافل الشهداء
السوريين من أجل الحرية والتحرر، وما معسكر الشر والجريمة والتخلف
المتمحور حول النظام السوي والمدافع عنه من أقطاب التحالف الإيراني الصفوي
سوى فقاعات هوائية مريضة تعوي ضد منطق التاريخ وحقائق الأمور، عندما يكون
نظام حزب البعث السوري مدعوماً علنا من النظام الإيراني وأتباعه وأذنابه
في المنطقة، فأعلموا إن في الأمر مؤامرة واضحة المعالم، فكيف يدافع معسكر
الولي الصفوي الفقيه الذي صدع الدنيا بصراعه مع الفرع العراقي للبعث
البائد عن أفكار وتوجهات وسياسة البعث السوري الذي لا يختلف في النهاية عن
صنوه العراقي الراحل إلا في الأسماء وبعض التفاصيل الصغيرة الأخرى؟ تصوروا
أن أحد الصفويين المشعوذين في العراق مثلا وهو الملا إمام مسجد براثا
المدعو جلال الدين الصغير عضو المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق
يصرح علنا بأن البعث السوري غير البعث العراقي!! رغم أن الفرع السوري يؤكد
على أحقيته الآيديولوجية في التعبير عن العقيدة البعثية ويعتبر نفسه يسار
البعث بينما يصف الفرع العراقي باليمينية والعمالة للغرب!! والسبب في ذلك
التصنيف هو كون الصغير وشلته أيام اللجوء الذليل في الشام كانوا مجرد
وكلاء يقدمون تقاريرهم المريضة لنيل رضا عناصر أمن النظام ومخابراته وهذه
حقيقة يعرفها الجميع؟ لذلك فحينما يحتشد اليوم معسكر أتباع النظام
الإيراني وحلفاء البعث السوري الستراتيجيين ويبشرون بدجلهم وخرافاتهم
و»أحلامهم» المثيرة للسخرية الممجدة للنظام السوري، فهم إنما يعبرون عن
عقلية الولاء والإصطفاف لصالح السياسة الإيرانية الخبيثة التي تعتبر
انهيار نظام بعث الشام بمثابة بداية النهاية للمشروع التخريبي الإيراني في
المنطقة.
وقد أضحكني فعلا التبرير الساذج الذي ساقه «أحدهم» للدفاع عن بقاء النظام
السوري متحججا بأن سقوطه سيطلق سراح الإسلام السياسي في المنطقة!! رغم أن
ذلك الشخص محسوب على معسكر النظام الإيراني؟ وهنا أتساءل ماهي هوية النظام
الإيراني المعلنة؟ أليست هي الإسلام السياسي ذاته الذي يحذر منه الآغا
المحترم؟