بقلم/ تشانغ شنغ جو،نائب رئيس معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة بكين للمعلمينأشعل
أستاذ العلوم السياسية الأمريكي المعروف صأمويل فلبس هنتنجتون قبل 18 عاما
نقاشاًت ساخنة حول العالم في العلاقات الدولية بنشره كتابا شديد الأهمية
والتأثير بعنوان " صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي".حيث خلص إلى
القول بأن صراع الحضارات سيحكم السياسة العالمية. و الفوالق بين الحضارات
ستكون خطوط القتال في المستقبل. وأن التباين بين الحضارات لا يؤدي إلى
ظهور العنف الاجتماعي المستمر فقط، بل يصعب توقيفه أيضا. ويبدو أن الهجمات
الإرهابية على الولايات المتحدة في " 11.9" قبل 10 سنوات، أكدت صحة هذه
التنبؤات المزعجة. لكن بعد 10 سنوات،زعزعت الأزمة المالية العالمية وأزمة
الديون السيادية اليوم الاستقرار في العالم. و بدأت تتلاشى الأنظار عن "
صراع الحضارات" للتحول إلى " قلق الحضارات".
وأعلن عن قدوم عصر "
الربيع العربي" و" قلق الحضارات". وأصبح السعي لتحقيق الحرية والحقوق مصدر
قلق الحكام والشعوب أيضا. حيث لم يقتصر هذا القلق على دول شمال أفريقيا
وغرب آسيا بل تعدى إلى أن وصل إلى أوروبا وأمريكا. إلا أن الأخيرة لم تنل
نفس مستوى الاهتمام الذي لقيته الاضطرابات في دول غرب أسيا وشمال أفريقيا،
مع أن كلاهما كانا نتيجة استياء كبير إما لقمع النخبة السلطة على الشعب أو
جشع النخبة الرأسمالية،آملان في ظهور التغيير السياسي والاقتصادي.
لقد
ثارت الشعوب في الشرق الأوسط ضد الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية
الجامدة.ومع ذلك،فإن إنشاء القوى الديمقراطية الجديدة سوف لن يتم تلقائيا
بعد تدمير الأنظمة القديمة. في حين أنه في أوروبا والولايات المتحدة
،وبالرغم من أن حركة " احتلوا ووستريت" انتشرت إلى أكثر من 80 بلدا وآلاف
المدن عبر أنحاء العالم،إلا أننا لا نزال نرى اتجاه النضال والاهتمامات
محدودة،لكن هذا الفضاء مشبع بـ " قلق الحضارات".
لقد مر على
انتهاء الحرب الباردة 20 عاما حتى الآن،ولا يمكن لأحد تجاهل ظهور العولمة
من خلال السياسات الليبرالية الحديثة في الثمانينات من القرن الماضي.ومع
ذلك، فإن التجربة القاسية للازمة المالية،جعلتنا اليوم نرى بوضوح تزايد
عولمة أحادية الجانب. ونظرا للتسويق فإنه تم ربط جميع التجارة والتمويل
بين جميع البلدان، وهذا ترتب عليه عواقب لا مفر منها: من جهة،تراجع واضح
للدول الغربية،بينما تشهد القدرة الإنتاجية في الاقتصادات الناشئة تزايدا
مستمرا، وفي ظل قضية فقدان " اليد الخفية"و"اليد المرئية" على الصعيد
العالمي،من المؤكد أن يؤدي إلى اندلاع أزمة اقتصادية وأزمة مالية ضخمة.ومن
جهة أخرى،تجميع البلدان المصنعة الحديثة قوة كبيرة، التي أصبحت أكثر
المشاكل خطورة على توزيع النمو الوطني للبلدان المتقدمة،والذي أسفر عنه
أزمات اجتماعية واسعة النطاق.وإن أزمة المالية العالمية في عام 2008،
و"القلق الحضاري" الحالي هو نتيجة حتمية للعولمة حين تمثل في أبعادها
الإستراتيجية ذلك المنظور الأحادي والمنهج الانفرادي .
إن أخطر ما
في العولمة نسبية الحقيقة التي تقوم عليها، وهي التي تتصادم تصادماً
مباشراً مع الثقافة السياسية.حيث تأكد بعد 20 عاما من نهاية الحرب الباردة
أن " صدام الحضارات "حقا مجرد وهم. وإن الحضارة الغربية والمتمثلة عند
الأغلبية الساحقة من الأوروبيين والأمريكيين،هي حقيقة تاريخية.لكن في
العصر الحديث تقع جذور " قلق الحضارات" في التفوق المطلق لحضارة واحدة على
الآخرى. وفي هذه الحالة، ليس هناك تفاعل ايجابي بين القيم والثقافة،ولا
يمكن إخراج قيمة ونور الحضارة إلا باتجاه واحد فقط.
شددت وزيرة
الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مؤخرا على أن "إحدى أهم المهام خلال
العقد المقبل ستكون الدخول في استثمار دبلوماسي واقتصادي واستراتيجي
متزايد في منطقة آسيا ـ المحيط الهادئ". وربما قالته الأخيرة صحيح، لان
آسيا تشعر باستمرار بـ" قلق الحضارات". وإذا قلنا علينا أن نفكر في "
الحضارات" في أجزاء أخرى من العالم، فإنه على ما يبدو وبدون تردد التفكير
في أجزاء كبيرة من أسيا.فمنذ سنوات عديدة، وبلا شك هناك معجزة اقتصادية في
المنطقة الناشئة. مصحوبة بالطفرة الاقتصادية الآسيوية، وتتأخر الحضارة
الشرقية القديمة بين المد والجزر.
إن ازدهار وتقدم حضارة واحدة
بالتأكيد سوف يضغط على الحضارات الأخرى وإمكانات التطوير وفرص التنمية.
وتعتبر الصين أكثر دول آسيا شعورا بضرورة مواجهة أثر الصدام القوي
للحضارات في المحيط الهادي، وأن توسيع حجم حضارة البر الرئيسي حتى يمكن
تشكيل صراع لائق. في حين أنه يمكن أن يكون إحياء الحضارة الصينية القديمة
هو إكمال لما بعد الحضارة الغربية.لكن في الوقت الحاضر، تتقدم الولايات
المتحدة إلى الأمام لإكمال " احتواء الحضارات" في أسيا،وحصار الحضارة
الصينية بما يسمى " الجبهة الديمقراطية" و"نموذج دبلوماسية القيم". وإن
رقص وإتباع الدول المجاورة للصين الولايات المتحدة ليس فقط فشل لتوازن
القوى،ولكن أيضا فشل ميزان الحضارة. وبات من الضروري أن تفكر الدول
الأسيوية عميقا في " قلق الحضارات".