2012-01-13 التأسيس الفلسفي للتسامح في الإسلام إبن تيمية نموذجاً
عبد الحكيم أجهر |
| |
مفكران
كبيران في تاريخ الإسلام نقلا فكرة التسامح من مستواها الأخلاقي الذي
يرتبط برغبة الفرد بأن يفعل أولا يفعل، إلى المستوى الفلسفي الذي يجعل من
التسامح إلزاماً إنسانياً علاوة على كونه واجباً دينياً.
والقول بأن هذا النوع من التأسيس هو فلسفي لايقصد العودة إلى أي نص فلسفي
رسمي ينتمي إلى الفلاسفة المعروفين في الإسلام والذين استلهموا أرسطو
ونظرياته الأخلاقية. بل نقصد ذلك النوع من الفكر الذي نما وتطور في أحضان
التساؤلات الدينية نفسها والذي انتهى إلى صياغات نظرية ناضجة تستحق وصفها
بالفلسفية.
ابن عربي (638 هـ/ 1240 م) وابن تيمية (728 هـ/ 1328 م)، رغم ما يُعرف عن
عداء الثاني للأول، إلا أن ابن تيمية أخذ الكثير من أفكار ابن عربي
الفلسفية ودمجها في تصوراته وقام ببعض التعديلات عليها، لكنها بقيت في
جوهرها أفكاراً تجعل من التسامح إلزامياً إزاء أي فكرة أو عقيدة أخرى.
وبطبيعة الحال لن يتسنى لي أن أذكر كل العلاقات الفكرية المشتركة بين
الشيخين ولكن من المفيد أن نمر بسرعة على تلك المفاهيم النظرية التي تجعل
التسامح ضرورة وواجباً للجنس الإنساني حسب فهم هذين المفكرين للإسلام.
هناك ثلاثة ثنائيات أساسية تقدم لنا هذا النوع من الفهم أو إعادة فهم
القضايا الدينية بشكل تجعل نظرتنا للكون والعالم الإنساني تختلف عن الفهم
الفقهي التقليدي الذي ساد على الفكر الإسلامي زمناً طويلاً. أولاً: ثنائية
الخير والشر، ثانياً: الإرادة الكونية والإرادة الدينية، ثالثاً: توحيد
الربوبية وتوحيد الألوهية. عندما نأتي لفهم هذه الثنائيات بصورة صحيحة نجد
أنفسنا أمام فكر تسامحي مُلزم بالضرورة لكل مؤمن.
لقد صيغت هذه الثنائيات بشكل يكون الطرف الأول من أطرافها هو الأكثر
شمولاً في حين أن الطرف الثاني يمثل حالة جزئية من الأولى. الخير،
والإرادة الإلهية الكونية، وتوحيد الربوبية، مفاهيم شاملة لكل شيء في
العالم الإنساني، بينما الطرف الثاني من الثنائيات فإنه إما أن يكون أقل
على مستوى القيمة أو مقصور على حدود زمانية ومكانية. الشر مثلاً نراه
عارضاً وعابراً ويمثل حالة خاصة من الخير على مستوى القيمة. كذلك الإرادة
الدينية الإلهية لا تعادل الإرادة الإلهية الكونية التي تشمل الطبيعة
والبشر. وتوحيد الإلوهية الذي جاء مع الديانات السماوية لا يشمل كل البشر
مثل توحيد الربوبية الذي أقرة الناس جميعا منذ اليوم الأول للخلق، بينما
توحيد الألوهية عرفه الناس في زمن متأخر عبر الديانات السماوية واقتصر
وجوده على أصحابه ولم يشمل كل الناس، فليس كل الجنس الإنساني مسلم أو
نصراني أو يهودي، بل هناك عقائد غير سماوية، بينما جميع العقائد السماوية
وغيرها يؤمن أصحابها بتوحيد الربوبية الذي جاء في الميثاق الإلهي قبل
الخلق.
أولاً: الخير هو أصل العالم وهو مطلق، ذلك أن الله هو الخير ذاته،
وبالتالي لايصدر عنه إلا الخير. ولكن السؤال هنا هو كيف يمكن تفسير وجود
الشر في العالم؟ والإجابة عند ابن تيمية تقول: إن الشر شيء عارض على الخير
ذاته، بمعنى أن الشر هو نتاج للخير وليس معادلاً له، لذلك هو نسبي وعابر،
ولا يتمتع بحضور جوهري في العالمين الإنساني والطبيعي. لو طرحنا أمثلة عن
ذلك كما يفعل ابن تيمية، لقلنا إن المطر خير، ولكن عندما يتحول إلى سيول
وفيضانات فإنه يصبح شراً بالنسبة للمتضررين منه، وهذا لايلغي خيرية المطر
رغم الشرور العارضة التي تنتج عنه. وينطبق هذا على العالم الإنساني،
فالشرور التي يرتكبها الإنسان لا تعكس شراً مطلقا ونهائياً في الجنس
الإنساني، وإنما كلها تتبع في وجودها الخير المـتأصل الذي يمثل ماهية
الإنسان. ومن السهولة ملاحظة التفاؤل الذي تبشرنا به وجهة نظر كهذه، ذلك
أن الإقرار بأولوية الخير وإطلاقيته تجعل الإنسان ينظر إلى الشر نظرة أقل
انفعالية من المعتاد، وتجعلنا نعترف بوجوده الطارىء، ونخفف عن أنفسنا
الانفعال الأخلاقي الذي يحرضنا أحياناً على الانتقام مما نعتقده شراً
بطريقة عنيفة.
تنطبق ثنائية الخير والشر على الأفعال والسلوكيات الإنسانية، ويبدو
التسامح هنا ضرورة محتمة طالما أن الشر ليس سوى جزء مُكمل وتابع لوجود
الخير ذاته، فهذا مايقتضيه الكون وهذا مايجب على الإنسان أن يفهمه. هذا
الفهم للخير والشر يختلف عن فهم المعتزلة، لأن هؤلاء قالوا عن الله إنه
كائن خيّر وإنه لا يخلق إلا الأصلح للإنسان وبذلك جعلوا من الله بريئاً من
الشرور التي يُحدثها الإنسان في العالم، ونسبوا هذه الشرور للفعل الإنساني
فقط. ولذلك استحق الإنسان عند المعتزلة العذاب الأخروي الأبدي، لأن كل
مايفعله من شرور يحصل بحريته وإرادته هو، ولا علاقة لإرادة الله باختيارات
الإنسان وأفعاله، الأمر الذي يجعل الإنسان مسؤولاً مسؤولية تامة ويوجب
عليه عقاباً لا مكان فيه للرحمة، على خلاف تصور ابن تيمية الذي سيدفعه
فهمه الخاص للخير والشر إلى اعتماد الرحمة الإلهية كصفة وجودية معادلة
للخير ذاته، وليس كشفاعة مجهولة.
ثانياً: الثنائية المهمة الأخرى هي ثنائية الإرادتين الإلهيتين، الإرادة
الكونية والإرادة الدينية. الإرادة الكونية هي الأساس والأكثر شمولاً
لأنها تعادل كل ما تم بالقدرة الخلاقة لله التي تظهر في تنوع وسحر هذا
العالم، وسميت إرادة كونية لأنها ترادف الأمر الإلهي (كن). الإرادة
الكونية هي العالم كما نراه ونختبره بنوعيه الإنساني والطبيعي، هي نفسها
قوانين العالم الفيزيائي، وسماواته وكواكبه، وولادته وفناؤه، وهي نفسها
البشر كما نعايشهم في تنوعهم وتعددهم، في عقائدهم وألوانهم ولغاتهم ومستوى
أفهامهم وكثرة أديانهم، في ملحديهم ومؤمنيهم....، الإرادة الكونية هي
العالم بحقيقته وواقعه.
في المقابل فإن الإرادة الدينية هي الحالة الخاصة التي أراد فيها الله أن
يرشد الإنسان إلى الطريق الأفضل لخلاصهم الدنيوي والأخروي، فالدين هو قول
إلهي للجنس الإنساني داخل هذا التنوع لإبلاغ البشر أن هناك طريقاً يؤدي
إلى الحقيقة ومن الأفضل لهم أن يأخذوا به. هذا المُراد الإلهي هو مادفع
ابن تيمية ليجعل الإرادة الدينية أو الإسلام ذاته مُعادل لحب الله ورضاه.
بمعنى أن الله يحب للبشر أن يذهبوا في الطريق الذي يبلغهم به بواسطة
أنبيائه، ولكن إذا لم يفعلوا فإنهم سيسيئون إلى محبة الله ورضاه فقط ولكن
ليس إلى إرادته الكونية، لأنهم لن يخرجوا أبداً عما أراده الله لهم إرادة
كونية أزلية، ذلك أن حب الله لشيء وإرادته للشيء ذاته كثيراً ما يتعارضان
عند ابن تيمية، فالله قد يكره شيئاً ولكنه يريده، وقد يحب شيئاً ولا يريده
إرادة كونية. الأمر الذي يعني أن واقع الإنسان يرتبط في المصير المقرر له
منذ الأزل وفقاً للمشيئة الإلهية. إن الله يحب من البوذي والهندوسي وعبدة
الأوثان والملحد.. أن يستجيبوا لنداء الحقيقة الإلهي، والله سيغضب إذا لم
يفعلوا، ولكن الله في النهاية يعرف أن هؤلاء هم خلقه الذين أراد لهم منذ
البدء أن يكونوا كذلك. فالمشهد الكوني لا يعكس القدرة الخلاقة لله إذا لم
يكن على هذه الدرجة من التنوع والتعدد.
وحتى القيم الإنسانية النبيلة لن تكون كذلك إذا لم يكن هناك قيماً أخرى
تعارضها، والمعصية هي كذلك لأنها فقط خالفت أمراً شرعياً ولكنها في الأصل
ليست معصية لأنها لم تخالف إرادة الله الكونية، يقول ابن تيمية بوضوح:
"والمعصية هي مخالفة الأمر الشرعي، فمن خالف الله...فقد عصى وإن كان
داخلاً فيما قدره الله وقضاه، وهؤلاء طنوا أن المعصية هي خروج عن قدَر
الله، وهذا لايمكن، فإن أحداً من المخلوقات لا يخرج عن قدَر الله" (مجموع
الفتاوى، ج. 14، ص. 357). التنوع في العالم لا يُفسَر فقط بالإرادة
الكونية بل حتى صفات الله التي هي مصدر وجود العالم متنوعة على شكل
ثنائيات متقابلة، فالله رحيم وقهار، ظاهر وباطن، مذل ومعز، محيي
ومميت....، لذلك لا بد من وجود التناقضات والتعارضات في وجود البشر لأن
العالم هو آثار هذه الصفات.
الإسلام إذن هو درب من جملة دروب أخرى يعتقد فيها الناس، والله قد أقر كل
هذه الدروب وأرادها بالمشيئة العامة والقَدَر الأول، وإن كان يحب درباً
بعينها. وهنا تبدو مسألة الحرية والجبرية مصاغة بطريقة محددة، فالإنسان
ليس حراً مطلقاً لأنه بالنهاية نتاج الشروط التي نشأ فيها وجعلته على ماهو
عليه، ولكن مع ذلك فإن الإنسان يمتلك قدراً من الحرية، ذلك أنه مسؤول عن
ممارسة الاختيار بين الدروب المتعددة تلك، وهنا مسؤوليته التي تتحدد بدرجة
الممارسة الخاصة للحرية في الاختيار الذي يؤدي به إلى الحقيقة. هذا
التفسير الخاص للإسلام يحث الإنسان على اختيار مايحبه الله له، ولكن إذا
لم يتمكن فإنه مازال يعمل وفق شروطه المكونة الأولى. وفي هذا السياق تظهر
نتيجة بدهية وهي أن المسلم بالتقليد يتساوى في عدم ممارسة حريته ومعرفته
للحقيقة مع الذين يؤمنون بعقائد أخرى. لأن المسلم بالتقليد هو شخص لم يختر
بوعيه درب الحقيقة الأقصر ولم يدرك مايحب الله ويرضاه وإنما تصرف مثل أي
شخص آخر غير مسلم بأن استسلم لشروطه التي كونته. وهذا يُذكرنا بكتابات
الأشاعرة المبكرين كالبلاقلاني والجويني الذين كانوا يقولون إن أول واجب
على المكلف (المسلم) هو النظر، أي المعرفة، قبل أي شيء آخر، لأن المعرفة
فقط بوصفها تكليفاً دينياً هي التي تفصل بين من اقترب من الحقيقة ومارس
حريته في اختيارها وبين من انساق لها دون فحص.
الثنائية الثالثة تشير إلى وحدة الجنس الإنساني في اعتقاداته الأساسية.
إنها ثنائية توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية. حيث يتفق البشر جميعاً على
مبدأ واحد هو توحيد الربوبية حسب ماقال القرآن نفسه، ففي صورة رمزية جميلة
أخذ الله من البشر ميثاقاً أجمعوا فيه على أن الله رب واحد لكل الكون،
"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألست
بربكم، قالوا: بلى" (الأعراف: 172)، هذا الاعتراف يجعل البشر متساوين في
الاعتقاد الأول، لدرجة يصير فيها التوحيد الأولي فطرة في الطبيعة
الإنسانية. يقول ابن تيمية: "فيشهد الجمع الذي يشترك فيه جميع المخلوقات
سعيدها وشقيها،..المؤمن والكافر، البر والفاجر، والنبي والصادق والمتنبىء
والكاذب، وأهل الجنة وأهل النار، وأولياء الله وأعداؤه، الملائكة
والشياطين، فإن هؤلاء كلهم يشتركون في هذا الجمع وهذه الحقيقة الكونية وهو
أن الله ربهم...لا رب لهم غيره". (درء تعارض، ج. 9، ص. 344). ويذهب ابن
تيمية ليؤكد تفسيره ذاك للأية إلى القول إن البشر لم يعرفوا في تاريخهم
الإيمان بإلهين متساويين في كل شيء "وإن إثبات ربين للعالم لم يذهب إليه
أحد من بني آدم".
ولكن هذه الوحدة الإنسانية لا تلغي وجود اختلافات بين البشر في تفسير هذا
الاعتقاد الأولي، إذ تنشأ اختلافات الناس في تفسير هذه الوحدة على درجات
متباينة، لأن التوحيد الخالص أمر صعب، وحتى بعض المسلمين لم يتخلصوا من
فهم متعثر للتوحيد، وقد كان الله يعلم أن معظم البشر على هذه الحال
الشائكة من فهم التوحيد، وقد عبر عن علمه باختلاط التوحيد مع الشرك بالآية
التي تقول: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" (يوسف: 106). إن فكرة
المصدر الواحد للعالم التي هي جزء من طبعنا الذهني يتم تأويلها بطريقة
تفتح باب الإشراك بصوَر متعددة، فالذين يعبدون الأوثان كالعرب قبل الإسلام
والذين يعبدون الكواكب والذين يعبدون عناصر الطبيعة رغم اتفاقهم على مصدر
واحد للعالم إلا أن شيئا من الإشراك يدخل في فهمهم للتوحيد، لذلك يقترح
ابن تيمية أن التوحيد الحقيقي الذي يناسب توحيد الربوبية الأول هو توحيد
الألوهية، أي التوجه لله في العبادة مباشرة دون وسائط بين البشر وبينه.
إننا هنا مرة أخرى أمام فكر يعترف بوحدة الجنس الإنساني في إدراكهم
للحقيقة الأولى ويعترف بتعدد فهم الناس لهذه الحقيقة. لذلك جاء النداء
الإلهي مطالباً البشر بتوحيده في ألوهيته كدرب أكثر قرباً للحقيقة
الأصلية.
لقد عُرف عن ابن تيمية أنه كان متشدداً في تكفير الآخرين، وهذا حقيقي،
ولكن من الخطأ الفادح أن نتوقف عند عباراته التكفيرية التي تأخذ طابعاً
إنشائياً ولأسباب سياسية غالباً وننسى البنية التحتية النظرية لفكره
القائمة على التسامح في جوهرها. إن أصل العالم خير، والشر عارض وطارىء،
والكون والإنسان يعملان وفق مشيئة الله الكونية، فالكل مطيع لإرادة صارمة
حتى لو كفر أحدهم وألحد واعتقد بأي اعتقاد كان، كما أن البشر كلهم مشتركون
في حقيقة واحدة، واختلاف تأويلاتهم يبقى ضمن الحقيقة الأولى وإن كانوا
سيدفعون ثمن جهلهم بالحقيقة الأصلية. كل ذلك يجعلنا نرى الجانب الآخر من
فكر شيخ الإسلام، فهناك الكثير من نصوصه التي يكتبها وهو في حالة هدوء
بعيد عن التأثيرات السياسية الصعبة التي عاشها، نجده يرفض أي شكل من أي
أشكال التكفير ويعتقد ان التشوش في معرفة الحقيقة أمر طبيعي ويجب أن يُعذر
الناس في ذلك.
ويبدو ابن تيمية مدركاً تماماً لما يكتب ويؤسس، لذلك نجده يتابع أفكاره
حتى نهايتها ليصوغ في المحصلة فكراً متكاملاً على المستوى المنطقي. وفي
هذا السياق يبرز السؤال الأخطر، وهو: أنه إذا كان أصل العالم خير وأن
البشر لا يخرجون عن إرادة الله الكونية رغم ممارستهم لحرية الاختيار، وأن
الجنس الإنساني متفق على المبدأ الفكري البدئي في أصل العالم، إذن لماذا
العقاب الأخروي؟ وكيف نفسر العذاب الأبدي مع كل هذه الثنائيات والمقدمات
النظرية؟
من بين عدة أقوال يرددها ابن تيمية يبدو في النهاية ميالاً إلى القول إن
فكرة الأبدية في العذاب الأخروي لا وجود لها، وإن عقاب الله للبشر مؤقت
يتناسب مع محدودية الشر الذي ارتكبوه، فعذاب الإنسان محدود بقدر طروء الشر
على الخير، وبقدر جهله وعدم إدراكه لما يحب الله له، وبقدر وقوعه في الشرك
مع إيمانه بالتوحيد. الإنسان يُعذَب لجهله وعدم ممارسة اختياره الحقيقي،
وبسبب سوء تأويلاته للحقيقة الأصلية، لذلك سيكون عذابه مؤقتاً، إذ في
النهاية ستُطفىء جهنم نارها وتغلق أبوابها يوما ما، ويعيش جميع البشر في
نعيم أبدي. يقول ابن تيمية متحدثاً عن الله في كتاب النبوات: "كما جعل
إطفاء النار طريقاً إلى رفع حريقها، وكما جعل الترياق طريقاً إلى دفع ضرر
السم". وقد توسع تلميذه ابن القيم في شرح كيفية إطفاء النار بواحدة من
أجمل النصوص في التراث الإسلامي، فقال إن الرحمة مرادفة للذات الإلهية
بينما الغضب الإلهي عابر، وأنه من الصعب، بل من الخطا الفادح الاعتقاد أن
الله يتلذذ بتعذيب البشر لمجرد تعذيبهم.
إن هدف الله من العذاب هو تطهير الإنسان من جهله وسلوكه السيء، والإنسان
في النهاية كائن خير، ولا يستقيم الاعتقاد بتعطيل الرحمة الإلهية وبقاء
الغضب إلى الأبد. ويستعين على ذلك بنصوص عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن
مسعود، اللذين اعتقدا أن جهنم ستصفق يوماً أبوابها ولايبقى إلا النعيم
الأخروي. وهنا يبلغ فكر التسامح الإلزامي بين البشر ذروة الصياغة النظرية.