2012-03-18 مابين المثقف و السلطة و مسيرة الحكم
عماد علي |
| |
بداية
لابد ان نشير الى ان الثقافة بشكل عام هي العامل الاساسي في تحديد و تسيير
نوعية و شكل الحكم و مضمونه، و ان المثقف الحقيقي مخطط و مبرمج و مؤثر
فعال على الوضع السياسي و في كافة المجالات و ان لم ينتمي الى اي حزب او
تيار و ان كان بشكل غير مباشر ، فالقدرة الواسعة التي يمكن ان يتمتع بها
المثقف و يستخدمها في توضيح و تعين و تحديد الطرق السليمة امام السلطة
وبسبل كثيرة التي لها الدور الكبير في المسيرة السياسية لاية حكومة و في
اية منطقة ، و لكن بنسب تتراوح تاثيراتها من درجة لاخرى حسب المستوى
الثقافي العام و وعي الشعب و ادراكه لما يجري و حيويته و اشتراكه العقلاني
في الحكم كسلطة كانت او معارضة ، و يكون اشتراكه مستندا على وضع المنطقة و
مدى عمل الراي العام و شكل الحكم و الوضع الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي
و تعامل الشعب و السلطة و ارتباطهما مع البعض و مستوى ترسيخ المباديء
الاساسية و الخبرة و نسبة المثقفين و الواعين للعملية السياسية و مدى
ادراكهم و تحليلهم للمعادلات السياسية الواقعية و نظرتهم الى الحياة و
تاثيرات التاريخ و العلاقات الاجتماعية و الموروثات على عقليتهم و عملهم .
و عند تمحصنا و تدقيقنا لما هو عليه المثقف و ماهي مواقع عمله و
مؤثراته،نراه كثيرا كناقد متشدد و احيانا محافظا على نظرات و فلسفات
النظام القائم ،او ثوريا او شبيها لموظف حكومي من حيث العمل و الفكراو
متمردا في الاوساط الثقافية و الاجتماعية العامة، و يدلي بما لديه من
الاراء و المواقف المختلفة حول القضايا العامة مستندا على عقليته و
معتقداته و تفكيره و كيانه الذاتي بشكل عام و من خلال قرائته للظروف و
الوقائع و المفاهيم التي يحملها ، و يختلف من حيث الفكر و العمل و التاثير
عن الاخر ، و يقف ضد السلبيات المفروزة و المؤثرة على حياة المجتمع بشكل
من الاشكال . و يتعامل المثقف مع القادة و الحكم بما يفيده ان كان يفكر من
زاوية المصلحة الخاصة ، اما ان كان مثقفا بحق و حقيقة و هو لن يدع مصالحه
الخاصة تسيطر على عقليته و تعامله مع الاحداث و مايجب ان يكون جل تفكيره
من اجل الشعب بشكل عام ، و عليه ان ينظر الى اعمدة الحكم و السلطة بتجريد
كامل عما لها من العلاقة الوطيدة مع حياته الشخصية و يجب ان يكون شخصان في
كيان واحد ، عندئذ يمكن ان يكون لرائه وقعه وقوته و تاثيره المباشر على
الحكم و القيادة ، و لمواقفه العامة دور في توجيه الراي العام و من ثم
السلطة ، و هو لن يرتمي بنفسه في حضن اي طرف مهما كانت ملذات المعيشة
مرتبطة به ، و يجب ان تكون له القدرة و السيطرة على الذات و ما يخص نفسه و
يكون مجتهدا في اختصاصه و نظيفا و بريئا و منقذا ، و هو يختلف عن غيره
بالصفات و الجواهر و العمل و الانتاج .
و كلما ننظر الى دور المثقف و الثقافة بشكل عام و تاثيرهما على السلطة عبر
التاريخ نكتشف الوجهين المضادين نتيجة تعامل المثقفين الحقيقيين و
المحسوبين عليهم دون وجه حق او ممن خلقهم السلطات و القيادات للاستفادة
منهم عند وقت الحاجة ، و اكثرهم مواليا للحكم و مثبطا لعزيمة الاصلاحيين،و
ان اردنا ان نصف المثقف و جواهره هو الذي يجب ان يكون المدافع عن الحقوق و
الداعم الشعب نحو التقدم و التنمية ، و يجب ان لا يكون موقف المثقف مستقرا
على راي حول كافة القضايا كما نرى اليوم و هو منقسم بين الرفض و التايد و
الدعم حسب موقعه و ارتباطاته ، و ان لا يكون التعبير عن الراي مستندا على
عواقبه من حيث المصالح في توجيه القائد او السياسيين نحو ما يفتح الطريق
امام عموم الشعب وفق الظروف السياسية و الاجتماعية . و دور المثقف لا
يقتصر على موقفه و رايه حول السلطة او معارضة او المعارضة و انما مساحة
عمله و ارائه و افكاره و مؤثراته على المجتمع و تكون لها مؤثراتها
المباشرة و السريعة على مسيرة الحكم في اية منطقة ، و يجب ان يتصف المثقف
قبل غيره بالصفات التقدمية و يكون في الطليعة من حيث العمل او الموقف و
منفتح و مدرك لجوهر الحقائق على الارض في كافة المجالات و محلل بارع
للقضايا و دارس و باحث متعمق في الاختصاصات التي يهتم بها و مؤمن بفكره و
عمله و مواضب في اداء واجباته و قاطع لطريق نشوء الدكتاتوريات و مهتم
بتفصيلات و دقائق و مضامين ما يهم مستقبل الاجيال