ثورة سقوط الاقنعه 0
نوفمبر 29, 2011 - سياسة وأخبار - arabvoice
الرابط : سياسة واخبار (:::)
محمد صالح البحر – مصر * (:::)
الوجه النفعي، والقلب الذي يهفو للسلطة بأي شكل أو ثمن لجماعة الإخوان
يتكشفان رويدا رويدا، وستسقط الجماعة في نفس البئر التي سقط فيها نظام
مبارك، والمجلس الأعلي، والأحزاب السياسية، والشخصيات العامة، والمفكرين،
والإعلاميين، وما يسمي بكبار المثقفين، وما يسمي برجال الأعمال، وكل من
إكتشفنا أنهم في خندق واحد، أنهم مجرد وجوه متعددة لعملة قديمة منتهية
الصلاحية، بحيث ستصبح هذه الثورة العظيمة لهذا الشعب العظيم، النقي، ثورة
لسقوط الأقنعة وكشف الزيف بكل أشكاله، قبل أن تقيم العدل وترد الوطن
لأصحابه الحقيقيين الذين ينيرون شوارعه وميادينه بدمائهم وأرواحهم الطاهرة.
إن نظرة سريعة متأملة لمسيرة جماعة الإخوان منذ بدء صعودهم الذي اكتسب
شرعية واقعية في الشارع المصري مع إنتخابات البرلمان المصري عام 2005، بعد
أن كان مقتصرا علي داخلهم كجماعة منطوية علي نفسها، يصعب الدخول فيها إلا
عن طريق التجنيد السري مثلها في ذلك مثل أي جماعة سياسية سرية بغض النظر
عن أيديولوجيتها التي تصدرها كمرجعية لها تجتذب بها الكوادر، وتقدم نفسها
من خلالها كبديل سياسي عن النظام القائم، إن هذه الشرعية الواقعية في
الشارع المصري لم تكن نتيجة طبيعية لكفاح جماعة الإخوان الذي بدأ منذ
أواخر عشرينيات القرن الماضي، فقد ظلت حتى نهاية هذا القرن مجرد جماعة
منكفية علي نفسها، تبرز علي فترات متباعدة بموقف سياسي، أو تحالف سياسي
أيضا مع الكثير من الأحزاب السياسية التي تمتلك أيديولوجيا مخالفة
ومتناقضة في الكثير من الأحيان، ثم تخبو الجماعة بعده لفترات طويلة بما
يشبه توافقا سياسيا مضمرا مع النظام السابق، ذلك أن فترات صعودها
المتباعدة علي المسرح السياسي دائما ما كان يأتي في مواقف تختلف فيها
مصلحة الجماعة مع مواقف النظام السابق بعد أن يكون قد قضي وطره من تحالفه
منها، أو ما يمكن تفسيره كمحاولة من الجماعة لكسب المزيد من المكتسبات
التي تحقق لها شرعية واقعية بين الجماهير العريضة، علي أن النظام السابق
كان من الذكاء الصناعي بحيث يقدر دائما علي تحجيمها ووضعها في مكانتها
الحقيقية، وحجمها الحقيقي، ثم في سياقها الذي يريده من وجودها واستمرارها
في الخلفية، كبديل سياسي وحيد له ـ بعد أن قضي وسيس كل التيارات السياسية
الأخرى، بحيث لم يعد لها وزن يذكر ـ ليس ليمكنها من إحتلال المشهد السياسي
من بعده لا سمح الله، ولكن ليخوف بها الدول الغربية، وخصوصا أمريكا سيدة
العالم التي يستمد شرعية وجوده وبقائه من رضائها عنه، فيضمن بذلك استمرار
وجوده في سُدة الحكم وهو السيناريو الذي نجح النظام السابق في اللعب علي
وتره، وتنفيذة بدقة متناهية، وبمساعدة كاملة من جماعة الإخوان ـ بقصد أو
دون قصد ـ من خلال المواقف المتشددة دينيا لهم والتي تثير فزع المجتمع
الغربي كله فيضطرون للإبقاء علي نظام مبارك وإستمرار التحالف معه كحليف لا
بديل له إلا الشيطان الذي لا يرغبون في وجوده بكل تأكيد.
لم تستطع جماعة الإخوان عبر تاريخها الطويل هذا تحقيق الشرعية
الواقعية، لكن الشارع المصري الفاهم والعارف في صمت الحكيم، منحه لها
طواعية في إنتخابات البرلمان التشريعي عام 2005 م، ليس حبا في ” علي ”
ولكن كرها في ” معاوية ” كما يقول المثل العربي، ليس حبا في الجماعة التي
يدرك الشعب تاريخها الدموي عبر مجموعة الاغتيالات الشهيرة لها حتى مع
تعاطفه المضمر، واتفاقه الضمني علي فساد بعض الشخصيات التي تم اغتيالها أو
عدم رضائه عنها ولكن ليس عن طريق القتل بكل تأكيد، وأيضا إدراكه لتاريخها
النفعي عبر مجموعة التحالفات الكثيرة حتى مع نظام مبارك نفسه في بعض
الأوقات التي تتوافق مصالحهما فيها خصوصا مع واحدية أيديولوجيتهما
الإقتصادية الواحدة التي تؤمن بالسوق الحر وهذا هو مربط الفرس لأي تيار
سياسي، وأيضا لأن نظام مبارك يمتلك شرعية التحدث بنفس أيديولوجية الخطاب
الديني ـ بإعتبار إن الإتنين مسلمين يعني ـ لم يمنح الشارع المصري هذه
الشرعية الواقعية للجماعية إلا كرها في نظام مبارك الذي أذله سياسيا،
وجوعه إقتصاديا، وشرده إجتماعيا، وكتم علي أنفاسه إلي حد الإختناق والموت،
في نفس الوقت الذي تمتد فيه أعمار رجال مبارك، ومبارك نفسه، إلي ما بعد
السبعين والثمانين دون أن يقترب ملك الموت منهم، أو يمشي حتى في الشوارع
القريبة من شارعهم الذي يسكنون فيه، وأيضا في نفس الوقت الذي خلا فيه
الشارع المصري من تيار سياسي حقيقي يستطيع أن يدافع عن مصالحه في وجه
النظام المباركي، بعد أن إستطاع نظام مبارك تسييس كل التيارات السياسية،
ودحض المخالفين له إلي حد التجاهل والاقصاء، أو التجويع والنبذ، أو السجن،
أو حتى القتل والإختفاء غير المبرر.
هنا تحدي الشعب نظام مبارك في موقف بطولي لم يقدر عليه كل السياسين
وذهب إلي صناديق الإقتراع ليعطي الإخوان فرصة الوجود المؤثر في مجلس الشعب
للدفاع عن مصالحه، وهو ما لم يتحقق طوال خمس سنوات كامله ظلت جماعة
الإخوان فيها تحت قبة البرلمان تدافع عن أخلاقيات نستطيع الإختلاف حولها،
وحول نسبيتها، فما كان من الشعب المتدثر بعباءة الفهم والوعي الصامتة إلا
أن سحب هذه الشرعية منهم كما منحها إياهم، فلم تقدر الجماعة علي خلق وجود
مؤثر لها في المشهد السياسي إلا من خلال الإعلام الذي يكذب أكثر مما يقول
الصدق، ويعطي لمن يُحب حجما أكبر بكثير من حجمه ليظل موجودا، حتى لو كان
هذا الوجود وجودا شكليا بلا مضمون أو محتوى، وقد أحب نظام مبارك وجود
جماعة الإخوان في خلفية المشهد السياسي كفزاعة للخارج والداخل، وكمتنفس
للناس، وكدليل للوجود الوهمي للديمقراطية الوهمية له، تماما مثلما أحب
وإخترع وجود سياسييه الذين ألبسهم لباس المعارضة، وزرع في حناجرهم مكبرات
الصوت الزاعقة، ثم أطلقهم علي شاشات الفضائيات ليلعبوا نفس دور الجماعة
بثوب مختلف، دور المعارض الجميل
وقد ظل هذا الدور يحشر جماعة الإخوان داخل ردائه الضيق حتى جاءت
البواكير الأولي للثورة يوم 25 يناير، فتمهلوا حتى ينكشف الأمر علي عدم
وجود مؤامرة لجرهم إلي ساحة التضييق السياسي بعد التضييق المالي الذي
زنقهم فيه نظام مبارك قبلها بقليل عندما صادر أموال أغنيائهم وأودعهم
السجن، وعندما تأكدوا نزلوا إلي ساحة الميدان أبلوا في تاريخ الثورة الذي
امتد لثمانية عشر يوما ستخلد في تاريخ الإنسانية كلها، بلاءً حسنا كان
كفيلا لو أنهم تمسكوا برداء وطنيته الخالصة لأن يغفر لهم كل الناس كل
أخطائهم، وأن يجعلهم في صدارة المشهد السياسي بديلا حقيقيا للشعب العظيم
بكل طوائفه وتياراته المختلفة، بيد أن الطبع غالب، ومن شب علي شئ شاب
عليه، وأيضا لأن التعليم في الكبر صعب وعسير إلي درجة المستحيل كالنقش علي
الحجر، فقد بدأ الوجه النفعي في الظهور، والقلب الذي يستعجل السلطة نبض
سريعا لانتهاز الفرصة التي ظنوا خطأ أنها قد لا تعود، وأنها قد أينعت
وأصبحت قاب قوسين أو أدني من أياديهم، فما إن سقط نظام مبارك وظهر المجلس
الأعلي للقوات المسلحة كبديل مؤقت له حتى تكالبوا عليه جميعا، كل الذين
كانوا في الخندق الواحد أيام نظام مبارك من تيارات سياسية ورقية وشخصيات
عامة وإعلاميين ومثقفين كانوا كبارا ورجال أعمال، ولأن جماعة الإخوان كانت
منهم ومعهم في نفس الخندق وتحت ظل ذات العباءة فقد تكالبت معهم لنصحوا
بعدها بوقت قريب جدا علي صراع ديني كان قد انمحي تماما في أيام الثورة
الخالدة، وإختراع سياسي اسمه الاستفتاء علي تعديل الدستور القديم، وقد كان
صحوا مفزعا ومربكا إلي أقصي مدي استطاع أن يفرق الجمع المتحد، وأن يضع
اللبنة الأولي للسير بالثورة في الطريق الخطأ الذي تسير فيه إلي الآن،
بديلا عن تشكيل مجلس رئاسي مدني وحكومة انتقالية حقيقية ودستور جديد
وتطبيق كامل وحقيقي لقانون العزل السياسي لكل رجال النظام البائد وإعمال
المحاكمات العادلة فيهم، المسار الحقيقي للثورة كان يعني القطع الحاد
والكامل والعادل مع ما يتصل بصله بنظام مبارك وإقامة عقد إجتماعي جديد،
لكن لعبة الاستقطاب السياسي لجماعة الإخوان ـ وتزكيتها بايقاظ التيار
السلفي وإخراج رموز الجماعات من المعتقلات ـ أفسد هذا المسار وجرنا إلي
معارك وهمية لاختلافات دينية مرة وأيديولوجية مرة أخرى تمثلت في صراع
الإخوان مع التيارات الليبرالية، مع العلم بأن هذه الصراعات الدينية
والأيديولوجية هي صراعات طويلة لا يحدها المدي الزمني، ولا الحسم
العقائدي، ولا تتناسب مع طبيعة المرحلة الإنتقالية للثورة أوالمجتمع.
انتقل الإخوان إذن بالثورة من مرحلة البناء وتحديد المسار إلي مرحلة
الصراع الأخلاقي والأيديولوجي ظنا منهم أنه الطريق السهل والمضمون لكسب
التعاطف والوصول إلي السلطة من أقصر الطرق وبأقل مجهود ممكن، متناسين أن
الثورة لما أسقطت نظام مبارك أسقطت معه كل الأساليب القديمة، ولأنها لعبة
السياسة التي تعتمد المصلحة الوقتية، ولا تستمر فيها التحالفات، فقد إنتهي
شهر العسل قريبا وراح الذين يديرون شأن البلاد للسير في طريق أخرى
وليتحالفوا مع قوي أخري تتناسب معه، ووجد الإخوان أنفسهم وحيدين في
الساحة، ومضطرين إلي مواجهة حليف الأمس القريب، وبدأت محاولات استعراض
القوة، والحرب الكلامية في وسائل الإعلام التي تنفخ وتعلي من شأن فضائها
الممتد في اتساع الكون بعيدا عن أرض الواقع، الذي لم تثمر فيه شجرة الخطأ
لتغيير المسار إلا ايغالا في طرح ثماره، وقد أثمرت شجرة الخطأ عن تنفيذ
إجراء الإنتخابات البرلمانية التي تمسكت بها الجماعة رغم علمها بخوض فلول
النظام البائد لها بكل قواه وأسلحته الممكنة من مال وقبلية وبلطجية، لكنها
قبلت التحدي في إختيار أخير وبائس، وكنتيجة وحيدة للخطأ الذي اقترفته
الأيادي في لعبة السياسة المتداولة، معتمدة علي أسطورة وجودها الراسخ،
وقدرتها الخارقة علي الحشد، ويقينها الوهمي للفوز بالأغلبية الساحقة، حتى
غافل الشعب المصري العظيم ـ الواعي والفاهم ـ الجميع بأنه علي استعداد
لإستكمال ثورته التي بدأها وحيدا وحده أيضا دون الحاجة لكل الذين نزلوا في
حلبة الصراع السياسي في الشهور الأخيرة، خلع الشعب عباءة الصبر الصامت
فوجد الجميع نفسه، فجأة، في مواجهة مباشرة معه، ومنهم الجماعة طبعا التي
وجدت نفسها وحيدة خارج حدود الميدان الحقيقي الوحيد الآن، ميدان التحرير
في القاهرة وفي كل ربوع مصر، فسقط في أياديهم ولم يدركوا ماذا يفعلون؟!
بعد أن خابت الحرب الكلامية في وسائل الإعلام الزائفة عن تبرير موقفهم،
حتى طلعت مبادرة مليونية الأقصي بالأزهر في مواجهة مليونية الشعب الثائر
في ميادين تحرير مصر، وحسنا فعلوا إذ أنه من المحتمل الذي يصل إلي اليقين،
أن مليونية الأقصي هذه بغرضها الظاهر لكل عين تري قد تكون المسمار الأخير
في نعش وجود الجماعة ومصداقيتهم إذ هم عجزوا عن الحشد المتوقع، وأظنه
سيكون.
إنها نفس البئر التي سقط فيها نظام مبارك، وكل من كانوا يتدثرون بردائه
القديم المهلهل، ويلعبون أدوارهم في عمي التواطؤ الذي يظنونه مخفيا عن
عيون الشعب التي تري في صمت، وتفهم في حكمة ــ من مجلس أعلي وأحزاب
كرتونية وشخصيات عامة ومفكرين وإعلاميين ومن يُسمون بكبار المثقفين
والمبدعين ومن يُسمون برجال الأعمال، إنها بئر الشعب التي يلقي فيها
مخلفاته الزائدة عن الحاجة لحين التخلص منها نهائيا، بعدما كُشف زيفها،
وسقط غطاء أقنعتها، وأصبحت عظاما مأكولة بلا لحم يسترها، أو يكسبها الشكل
والمضمون، فيا ثورة الكشف، وسقوط الأقنعة، سيري بخطاك المتمهلة الواثقة
قبل أن تقيمي العدل، وتردي الوطن لأصحابه الحقيقيين الذين يُنيرون شوارعه
وميادينه بدمائهم وأرواحهم الطاهرة