بعد خمسة أشهر من خلع مبارك يتبين من هم قادة الثورة المضادة، لنصبح أمام
خيارين .. إما أن نقوم قومة يناير ثانية للقضاء على الثورة المضادة نهائيا
واستعادة البلد والحقوق أو .. أن نستسلم لموجة خوف جديدة يذوق الشعب
بسببها المُر .. ربما لعشرات السنين القادمة حتى يثور من جديد الأبناء
والأحفاد.
ببساطة وليس بخارق الذكاء يمكن التعرف على قادة الثورة المضادة .. بإجابة سؤالين اثنين:
أولا : ما الذي أخرج عشرة ملايين في يوم واحد ؟ لم يكن مطلب الدستور ولا الانتخابات ولا حتى رفض التوريث ..
كان مطلب (العدالة الاجتماعية) تحديدا هو ما أخرج فئات خروجها فاجئ الجميع .. ربات البيوت وكبار السن والأطفال والصبية والرجال والنساء والموظفون
والعمال والعاطلون والمظلومون وأهالي المعتقلين ظلما، كل المصريين الشاعرين
(بالظلم) خرجوا .
ثانيا : من هم إذن (المتضررون) من ثورة رفعت شعار الحرية والخبز والعدالة الإجتماعية ؟
أولا : رجال الأعمال
بينما كنت في يوم تصوير خلال إعداد فيلم وثائقي عن (دولة رجال الأعمال) كنت أصور مصنع الدخيلة للحديد والصلب ..
ذلك المشروع العظيم الذي بناه المصريون بشق الأنفس ، وسرقه لص اسمه أحمد عز بمساعدة لصوص آخرين.. كانوا فى السلطة ، أذهلني أن يسرق هذا الشيء العظيم منا ونحن في غفلة .. رحت أدور حول
المصنع ولا أخفيكم سرا .. تملكني الغضب .. كيف سرقت مصانعنا العظيمة بهذا
الفجور كيف ؟ بعدها .. استمررت أصور بعضا من المصانع التي نهبت باسم
(عملية مجرمة اسمها الخصخصة) .. في القاهرة والاسكندرية وطنطا وغيرهم ..
سرقونا ..
رجال الأعمال .. الذين نهبوا أراضي مصر ومصانعها وثرواتها وحتى مناجمها
ومواردها الطبيعية من الغاز إلى الذهب إلى ما لم نعلمه حتى الآن .. جمعوا
أموالا طائلة من مص دماء المصريين .. أحدهم كما روى شاهد قال :
" صرفت سبعة مليون عشان أنجح في انتخابات 2010 وعندي استعداد اصرف قدهم عشر مرات عشان الثورة دي تفشل " ، وهذا ليس شيئا مستبعدا عليهم .. فالثورة طلبت العدالة الاجتماعية ..
والعدالة تتحقق باسترجاع ما نهبوه.. مصانعنا يالصوص.. وأراضي بلدنا
وأموالنا ومواردنا ، رجال الأعمال هؤلاء هم قادة موقعة البغال وقادة
البلطجية الذين يرفعون السيوف في مواجهة الشباب المتظاهر .. وهم من يملكون
الفضائيات التي (تزن) ليل نهار بأن الثورة فوضى وأن الإنتاج معطل وأن
اعتصامات العمال تخرب الاقتصاد ووو .. وهم حيث لم تقض عليهم الثورة لا
يريدون التنازل عن (منجم الذهب) .. فراحوا يؤسسون أحزابا تدخلهم إلى المنجم
من باب جديد ، أحزاب منذ يومها الأول ينفقون عليها ملايين .. ولهم أذيالهم
من الإعلاميين المنافقين المنتفعين ، فهل ترضون أن يواصل العمال العمل
(كالعبيد) لمواصلة الإنتاج كي يربح رجال الأعمال مزيدا من الملايين ..
بينما هؤلاء العمال وأسرهم وأطفالهم يتضورون جوعا ومطلوب منهم أن (يخرسوا) ؟
كيف نطالب الفقراء بالصبر .. ولا نطالب أي
رجل أعمال بالصبر أو حتى تأجيل حصوله على مزيد من الملايين إلى أن ينال
البؤساء ولو الحد الأدنى من الحقوق ؟ لكل مواطن مصري يردد مقولة
(حرام عليكم.. حتخربوا البلد.. اتهدوا.. كفاية مظاهرات عشان الانتاج) يا
أخي العزيز : هذا كلام يراد به إلغاء (مطلب العدالة) من تلك الثورة أي
تفريغها من هدفها الحقيقي .. إذا لم يستفد المنتجون الحقيقيون من الإنتاج
فهم إذن عبيد ، البعض ربما دون أن يدري يخدم لصوص الوطن بهذا الترديد
لمقولات رجال الأعمال الأنانية ، طالما استمر رجال الأعمال في مص دم
الفقراء فلم تقم ثورة إذن .. رجال الأعمال يقودون الثورة المضادة لدفع
المصريين إلى كراهية ثورتهم .. فيا من تقولون .. (كفاية بقى) .. انتبهوا ..
أنتم تؤذون أنفسكم وتساعدون مصاصي دمائكم ..
ثانيا: أذيال السعودية
حقد العائلة المالكة السعودية على مصر حقد قديم، وقد لا يتسع المجال هنا
لذكر مؤامرات السعودية ومخابراتها على مصر، لكن لمن يريد أن يعرف فهناك
عشرات المصادر والوثائق، في إحدى تلك الوثائق كان الملك فيصل يحرض على مصر
كرها في سياسة عبد الناصر المستقلة قائلا للمندوب الأمريكي : ا
قطعوا عن مصر القمح .. جوعوا المصريين وسترون كيف تطيب لنا ولكم الأمور،
شباب المصريين الذين خدعوا باسم الجهاد كانت السعودية تشحنهم إلى
أفغانستان كالخراف .. ليحاربوا هناك معركتها ضد السوفييت وبمساندة
المخابرات الامريكية وثيقة الصلة بالعائلة المالكة السعودية ، السعودية
تنفق المال منذ السبعينات- وقبلها وبعدها وحتى الآن- لنشر الوهابية في مصر
.. ذلك الفكر المنتمي للعصور الوسطى ، جميعنا تابعنا تهديد العائلة
السعودية الكارهة لمصر والمصريين بعقاب مصر إذا حاكمت مبارك ، وإذا كان
البعض في مصر يخلط بين السعودية الدولة وبين الأراضي المقدسة، فإن الأراضي
المقدسة قداستها للمسلمين جميعا في العالم .. والمقدسات لا يمسها أن تشير
إلى عدوك حتى لو كان (مرابضا بقربها) ، الدولة السعودية وعائلتها المالكة
لا تريد لمصر نهوضا أبدا .. وهي تستعمل ذيولها الآن في مصر لنشر فتنة بين
المسلمين والمسيحيين أو لتعطيل أي مشروع للتنمية والحداثة في مصر ..
أنظروا
كيف تمكن السعوديون بأموالهم وبمساعدة نظام مجرم من اختطاف تراث السينما
المصرية والاستيلاء على حقوقه الفكرية ، ولو كان يسمح مجال المقال بعرض
بنود عقد أرض توشكى التي استولى عليها الوليد بن طلال لرأيتم كيف أن
السعوديين يستخدمون أموالهم لاختطاف مصر، لكنها أيضا لا تتمكن من
ذلك إلا بمساعدة أتباع وذيول من المصريين ، سواء كانوا لصوصا في الحكم أو
أناسا يخلطون بين المقدسات والعائلة المالكة ولا يرون غضاضة في أن مصر بكل
عظمتها التاريخية تكون تابعا ذليلا لمملكة الاستعباد والبداوة تلك ، ليس
هناك من هو أشد حرصا من السعودية على تحول مصر إلى دولة تشبه أفغانستان
يمكن السيطرة عليها ..
علما بأن الشعب السعودي نفسه يحب مصر وفيه من المثقفين كثيرون يقرون بتلك الحقيقة ولدي منهم عديد من الأصدقاء الرائعين ، لا مفر من مواجهة المصريين لحقيقة أن السعودية الدولة ليست مقدسة وليست
صديقة لمصر.. السعودية تقود هي أيضا الثورة المضادة في مصر كما قادتها في
السابق وكما ستظل تقودها طالما لا يفيق المصريون ..
ثالثا: فلول النظام المخلوع
مازال أتباع مبارك في السلطة..
مازالوا يعوقون محاكمته مازالوا يواصلون التحالف مع رجال الأعمال تارة
ويواصلون المهادنة مع السعودية وذيولها تارة أخرى .. حتى لو حاول د. عصام
شرف التصدي لهم لن ينجح وحده فهو أضعف منهم ..
ومازالت الشرطة القوة الضاربة للثورة المضادة ومازال رجال مبارك يسيطرون على الإعلام ومؤسسات الدولة والشرطة والحكم .. ومازالوا يشوهون ويشككون في الثورة وبعض شبابها الواعي لما يدور ..
شباب الثورة المحاصر بحكم مبارك المستمر من ناحية وببلطجية رجال الأعمال
والشرطة من ناحية وباستسلام الشعب لفكرة الاستقرار الوهمية من ناحية وبلهاث
بعض الشباب ممن كانوا شركاءهم في الثورة نحو المكاسب السريعة من ناحية
أخرى ، لكن هؤلاء الشباب ورغم أن التيار أكبر منهم صامدون ، حتى لو قل
عددهم وانفضت من حولهم الكثرة ، وللعلم ..
في كل الثورات العظمى في التاريخ كانت هناك ثورة مضادة .. وكانت دائما أهم
أسلحتها هي تحريض الشعب نفسه على الثوار المطالبين له بالعدالة .. ليس جديدا لكن الأمر لابد أن يكون واضحا ..
أتمنى لو استطعت طرق كل باب لكل بيت في مصر .. لأقول لهم : انتبهوا ..
بهذا الاسترخاء أنتم وأولادكم وأحفادكم .. سوف تدفعون الثمن .. اخرجوا
جميعا الجمعة القادمة وتنادوا : الشعب لازال يريد .. اسقاط النظام ..
إلى بعض القراء وجميع القراء أعزاء
** القارئ العزيز هشام عبد العال: نعم أؤيدك أن مصر بحاجة إلى (رصد
انتماءات شعبها) ، وبطرق علمية، وهذا يحدث فقط في دولة لا تمارس الوصاية ،
لهذا نحتاج إلى الحرية .. لتأسيس هذا النوع من الدول الحديثة ، ونحتاج إلى
(العدالة الثقافية) أيضا .. فهي تسمح بأن يكون لكل مواطن انتماؤه الديني
والثقافي أيا كان دون إرهاب الوصاية .. ويكون المرجع القادر على احتواء كل
الانتماءات هو .. الوطن
** القارئة العزيزة هبة أحمد : أؤيد رغبتك بادية الإخلاص في (حوار
الاتجاهات المختلفة) لكن فقط حين يعترف جميع المتحاورين أنهم جميعا (على
الأرض) أنداد ، لا يفضل أحدهم أحدا ولا وكالة لأحدهم من السماء .. لكن مثلا
: عندما يحاورك أحدهم في أمور سياسية أو حتى حياتية يومية ثم إذا اختلفت
معه .. يرفع في وجهك سيف التكفير.. كيف يستمر الحوار؟
** جميع القراء: هونوا عليكم وخففوا قليلا من الحدة ، فكلنا سواء في الهم والرجاء، واستمتعوا معي بأبي العلاء المعري إذ يقول:
"
ارتجى الناسُ أن يقومَ إمامٌ.. ناطقٌ في الكتيبةِ الخرساء ،،، كذبَ الظنُ
، لا إمامَ سوى العقل.. مشيراً في صبحهِ والمساء ،،، إنما هذه المذاهبُ
أسبابُ .. لجلب الدنيا إلى الرؤساء"