لماذا تركيا هي أكبر الفائزين في 2011.. ولماذا سوف تصبح قوة عظمى؟
قصة نجاح في الوقت الذي تشهد فيه منطقة اليورو أسوأ أزماتها على مر التاريخ، هناك، على الأقل، دولة واحدة – تركيا - تقف خارج ذلك المشهد
بسعادة. فقد نما الاقتصاد التركي بمعدل ثلاثة أضعاف منذ تولي رئيس الوزراء
رجب طيب أردوغان منصبه، كما طرحت حكومته رؤية لكي تصبح تركيا عاشر أكبر
اقتصاد في العالم بحلول 2023، وهو العيد المائة
للجمهورية التركية. ويعد حجر الزاوية في قصة النجاح التركية القيادة
القوية للحكومة التي - في تناقض واضح مع القيادات الأوروبية - تلتزم بالسعي
وراء الإصلاح وتركز على استغلال الفرص الناجمة عن الأزمة الحالية.
أردوغان خلال حضوره قمة العشرين في مدينة كان الفرنسية
هناك ثلاثة عوامل ترجح أن تتمكن تركيا من التغلب على المخاطر المتعلقة بالفترة الحالية، وتستمر في الإفادة من إمكاناتها.
أولا، أنها تمكنت إلى حد كبير من حل مشكلة أزمة الهوية الخاصة
بها. فبدلا من أن تعمل على تحديد الهوية في ضوء التناقض بين الهوية
الأوروبية والشرق أوسطية والتناقض بين الهوية الدينية والعلمانية وبين الشرقية والغربية، حددت تركيا عوامل قوتها عبر الشراكة بين: المسلم والعلماني، الشرقي والغربي، الإقليمي والعالمي.
وفي ذلك الإطار، تمكنت تركيا من طرح خطاب يستعين بكافة مناحي ثقافتها
الثرية وتاريخها وموقعها لكي يساعدها على تحقيق رؤيتها في أن تصبح من القوى
العالمية المؤثرة. وقد أصبح الأمن الإنساني وسيادة القانون من الأنماط المركزية في ذلك الخطاب.
وثانيا، حازت الحكومة التركية الثقة اللازمة لاتخاذ قرارات سياسية صعبة. فقد شرعت إدارة أردوغان في الإصلاحات المالية والنقدية فيما كانت تقوم بمراجعة صعبة للدستور من خلال عمليات عامة مكثفة.
ويعود جانب كبير من الفضل في ذلك الإحساس بالثقة إلى فريق عمل مذهل تمكن
أردوغان من تشكيله وهو ما مكنه من تجاوز الإشكالية التقليدية للقيادة
القوية المحاطة بأتباع ضعفاء. ومن ذلك المنطلق يعود جانب كبير من الفضل في تلك الثقة إلى كل من: علي باباكان، نائب رئيس الوزراء، وأغمان باغيش، الوزير المكلف بشؤون الاتحاد الأوروبي وكبير المفاوضين، وأحمد داود أوغلو ، وزير الشؤون الخارجية، ومحمد شيمشك وزير المالية والذين أعلنوا عن رؤية مشتركة حول التحديات التي تواجه تركيا وأعلنوا التزامهم بمقاربة مشتركة للسياسات التي يجب تنفيذها.
كما عمل حزب العدالة والتنمية على تعزيز الروابط مع العديد من المواطنين الأتراك. فقد أتاح الفرصة لتقديم خطاب مشترك والأدوات اللازمة لحشد الدوائر الانتخابية والقنوات المناسبة لحشد الأجيال الشابة.
وثالثا، دخلت الحكومة في شراكة حيوية مع القطاع الخاص، حيث قادت تغييرا أصيلا في تشكيل ووظيفة الجانب الاقتصادي. في الماضي، كانت النخبة المالية في تركيا تعتمد على دعم الحكومة وحمايتها. وكان اقتصاد تركيا المنغلق يمثل نظاما معرضا للكوارث حيث كان معدل التضخم يقضي على المدخرات ويؤثر بشكل هائل على الفقراء.
علي باباكان
وعلى النقيض من ذلك، أصبحت المشروعات التركية الجديدة وكذلك رجال الأعمال جزءا من المدرسة الصعبة التي تعتمد على المنافسة العالمية، وهم يركزون بدأب جهودهم على تأسيس سمعة طيبة بين مجموعة متنوعة من الدول. وقد أصبحت مرونة تركيا حاليا جلية في ممارستها المالية: فقد أعادت البلاد توجيه اقتصادها للتنافس عالميا.
كما برزت صناعة البناء التركية كلاعب أساسي، حيث يمتد نشاطها من روسيا إلى
كردستان العراق. وتركز الشركات التركية التي يتنوع نشاطها من المنسوجات إلى الإلكترونيات وصناعات الدفاع، جهودها على الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم.
ويتم العمل حاليا على تحول ثنائي الجانب: فلم تعد الحكومة تعمل على تقييم وتصويب مسار عمل الشركات بل أصبحت تؤيد استقلالها وتساعدها على زيادة فرصها في السوق العالمية. وفي المقابل،
يقر القطاع الخاص بحاجته إلى بيئة عمل متوقعة ولكنها تحتوي في الوقت نفسه
على ضوابط حكومية صارمة ويطالب الدولة أن تعزز استثماراتها في تنمية
القدرات البشرية التي تعد حجر الأساس في التنافس الوطني. وتستهلك تركيا
أعلى نسبة من موازنتها في التاريخ على التعليم لتمكين الشباب وتعزيز الحراك
الاجتماعي.
ومما لا شك فيه أن الشرعية في الداخل هي الأساس لسياسة خارجية نشطة. وقد لعبت تركيا دورا رياديا على الساحة العالمية. فهي تتحدث الآن باستقلالية حول القضايا الدولية، بدءا من أفغانستان وصولا إلى الربيع العربي وأوروبا ومن الأزمات المالية
إلى فلسطين والصومال، كما أن تعاونها مع الجامعة العربية حول اتخاذ رد فعل
بشأن الأزمة الحالية في سوريا يعد دليلا وإقرارا بتبني تركيا المبكر للتغيرات التي تحدث في الشرق الأوسط.
محمد شيمشك
ربما ما زالت الأشباح القديمة تقف حجر عثرة أمام إفادة تركيا من إمكاناتها، مثل التوترات بين الحكومة والمواطنين الأكراد، وتراث التوترات المزعجة بين القادة المدنيين والعسكريين، والنزاعات المجمدة في قبرص وأرمينيا، والركود في أوروبا، والغموض الذي يحيط بالأوضاع الاقتصادية العالمية، والتي تعد جميعها عوامل يمكنها تهديد المكاسب التي حققتها تركيا وتجديد الأزمات الماضية. ولكن في اللحظة الراهنة، يبدو أن تركيا تركت تلك العقبات في الماضي.
وبعدما أصبحت قوة حقيقية في العالم الإسلامي، قدمت تركيا نموذجا على المزايا التي يمكن الحصول عليها من ممارسة الإرادة السياسية والالتزام الديمقراطي. ومن ثم لن يصبح هناك احتفال بالعيد المئوي للجمهورية التركية أكثر ملاءمة من أن تصبح البلاد قوة عالمية وملتقى للأفكار والبضائع والناس من جميع أنحاء العالم.
خاص بـ”المجلة”
أشرف غاني – فورن بولسي ديسمبر 2011
المحرّر السياسييتابع الشأن السياسي ويرصد الأخبار والتحولات السياسية في الوطن العربي والعالم. السياسة عند المحرّر
السياسي ليست نقل الخبر فقط بل تتعداها الى ما راء الخبر.. كل خبر لا
يرتبط بحياة الأفراد والشعوب والأمم لا يصلح أن يكون مادة جديرة بالتحليل
أو المتابعة.
More Posts
مواضيع مشابهةاردوغان, اقتصاد, التركي, العدالة والتنمية, اوروبا, تركيا