ننشر هذا المقال عملا بمبدأ حقّ الرّدّ وتكريسا لحرّيّة التّعبير، رغم أسفنا لما جاء فيه من تهجّم واتهام بالعمالة والطائفية لبعض المثقّفين. وهذا التّهجم شمل موقع الأوان نفسه، إذ يقول صاحب المقال: "إن سلطة مؤسسة الحداثة في موقع (الأوان)، الممثل لرابطة العقلانيين العرب، تحاكمه (أي عبد الرّزّاق عيد) كمفكر مرتد إلى الأصولية".
كلّ ما نقوله-من باب حقّ الرّدّ أيضا- هو أنّ كتّابنا يبقون
مسؤولين عن آرائهم، وأنّ موقع الأوان ليس منبرا لحزب سياسيّ، ولا يمثّل
"سلطة الحداثة"، ولا يحاكم أحدا، ولا يشخصن القضايا، بل يحاول الإسهام في مقاومة فكر المحاكمة والتّعصّب والانطواء والنّرجسيّة الرّديئة، سواء كانت نابعة من الأفراد أو المجموعات.
هيئة التحريرقرأت مقال الدكتور هاشم صالح عن كتاب ( هرطقات ) لجورج طرابيشي، في موقع الأوان 1/3 / 2009 ، وأنا واحد من قراء د.هاشم، سيما إذا كان الموضوع يخص تنويريا مهما في الفكر
العربي كالأستاذ جورج طرابيشي. وخلال تصفحي الممتع لموضوعات المقال، فوجئت
بتوقف خاص من قبل د. هاشم عند فصل يخص د. صادق جلال العظم، لكن دون أن
يحدثنا عن رأي الأستاذ طرابيشي بكتابات العظم، نجده يقفز فورا للحديث عن
الدكتور عبد الرزاق عيد ورأيه بموضوع الموقف من المقدس، وضاعت علينا
الأمور، إذ أن الحديث كان عن العظم فأصبح عن عيد ، ولم نعد نعرف من هو صاحب
الصوت الناقد لـ د. عيد، هل هو رأي صاحب الكتاب الأستاذ طرابيشي أم رأي
المعلق على الكتاب د.هاشم؟
وينتقل مباشرة للحديث عن تمييز د. عيد : بين الإسلام الشعبي الوطني، والرسمي، ومن ثم النكوصي الظلامي، فيعقب د.هاشم على هذه التمييزات، باتهام عبد الرزاق عيد " بالبراعة في استخدام
الديالكتيك السفسطائي المطاط الذي ورثه عن الشيوعية … " حسنا حتى الآن …
مفهوم …! ومضيت متسائلا عن هذا الديالكتيك المطاط المشار إليه من قبل
الناقد، وإذا به يستنتج أن د. عيد يضع هذا الديالكتيك " في خدمة
أصولية أخرى غير الأصولية السابقة بل ومضادة لها "! يصدر هذا الحكم دون أن
نعرف حيثياته، فهل استخدام الدياليتيك المطاط أو غير المطاط بذاته يسمح
بالحكم على صاحبه
بالأصولية، طبعا هذا إذا صدقنا أن دياليكتيك عيد من النوع المطاط …!؟
وفجأة دون مقدمات سوى ما سقناه، يوجه لكمته القاضية إلى عبد الرزاق عيد
ليخلص- بناء على ذلك- ليس بحكمه بالردة نحو (الأصولية) فحسب، بل ويذكرنا بأنه تفضل علينا من قبل بحكمة حرضه على تذكرها عيد، في حين يفترض أن فصل طرابيشي كان عن العظم قائلا: " إن التقدمية العربية في معظمها ليست إلا فقاعة صابون أو زبد يرغو على السطح: سطح الأعماق الطائفية والمذهبية الراسخة …؟
ثم ينبري بأستاذية مشهدية متعالمة ليدعونا إلى متابعة
أطروحة ماركس عن " نقد الدين الذي هو بداية أي نقد " وأنه سيفعل " المستحيل
لتفكيكه وتعريته على حقيقته كما فعل سبينوزا ومن تلاه بالنسبة للتراث اليهودي والمسيحي .. "، لكن لا يلبث أن يعلن اتفاقه مع د.عيد بأنه على حق إذ يقول بأن هذا العمل لا ينبغي أن يتم بشكل مراهق فكريا أو متسرع أو تعسفي أو استفزازي …"
ثم يعود ليورد عددا من الأمثلة ليفند فيها أطروحة د.عيد عن الإسلام الشعبي الوطني، في صيغة الاستنكار الاستفهامي ! لن نطيل العرض، فبالإمكان العودة إلى المقال على رابط موقع الأوان: http://www.alawan.com
بالحقيقة دهشت من مقال د. هاشم، فرحت أبحث عن مبررات حكمه بانقلاب د . عيد
إلى الأصولية: أصولية أخرى مضادة للشيوعية … وأن تقدميته هذه ليست سوى
فقاعة صابون على سطح الطائفية والمذهبية الراسخة ؟ وأن د. هاشم هو الذي سيكون ماركسيا واسبينوزيا في نقد الدين أمام حالة تهافت التقدمية العربية … من أمثال (المرتد) عيد… يا سبحان الله.
عدنا إلى المعلم (غوغل) نستفتيه أمر أصولية د. عيد المرتد نحو (الطائفية والمذهبية الراسخة) فاكتشفنا التالي: اكتشفنا أن رد د.هاشم هو على حوار بين د. العظم و د عيد حول رواية " آيات شيطانية " لسلمان رشدي " مما لم يذكره الناقد، فإذا بنا نحو حوار من أرقى الحوارات في الثقافة العربية في عقد التسعينات بين مفكرين علمانيين، إذ يستحق أن ينفرد بكتاب أتمنى على د.
العظم أو د. عيد أن يتبنى أحدهما نشره، حيث يتجاوز أكثر من مئة وعشرين
صفحة من الحوار الهادئ والعميق بدون تشنج أو توتر، حيث المفكر العلماني
الراديكالي الدكتور العظم لم يعترض على تقسيمات
المفكر المتهم بالأصولية د.عيد التي أنها نكوص نحو الأصولية، بل عبّر
العظم- بتواضع العلماء- بأن بحث د. عيد الذي يرد به عليه (على صادق) أهم بحث كتب في الثقافة العربية عن رواية " آيات شيطانية ".
و لما عدنا إلى تقسيمات د. عيد، فهمنا سياقات تعبيره ، فإذا به
يعني مجتهدا أن الاسلام الرسمي: هو الإسلام الملحق بالسلطة الحاكمة، الذي
تستخدمه كغطاء لشرعية مفقودة وهو المنافس للدين الأصولي الظلامي التكفيري، وهو الدين المعمم رسميا في كل المؤسسات الدينية والمساجد والخطب. والثاني إسلام شعبي وطني: هو الإسلام الأنثربولوجي الذي يعيد الناس إنتاجه في ممارستهم
لحياتهم اليومية وفق عاداتهم وتقاليدهم وموروثاتهم الاجتماعية، إنه الدين
العفوي المعبر عن الحس السليم والفطرة الغريزية الاجتماعية السليمة، والذي
يقترب من معنى الهوية دون تزمت أو تعصب أو دوغمائية عقائدية ، كما يفعل
الإسلام الظلامي: الذي يسعى لإعادة إنتاج الحياة وفق المنظومات الدوغمائية
المسبقة ، وهو ما يمكن تسميته بإسلام التكفير والعنف والكراهية ومن ثم الإرهاب، وفي هذا
السياق فإن الخميني وسيد قطب والقاعدة والإسلام السياسي بشكل عام هم من
الصنف الثالث، والخميني لا يمثل الإسلام الوطني الشعبي كما يتأول هاشم-وذلك
لأسبابه التقدمية البعيدة عن الطائفية- نص عيد، بل الخميني هو إمام مدرسة حسن نصر الله الثيوقراطية التي كتب عنها د. هاشم بإعجاب في الشرق الأوسط 15/3/2005، على طريقة أستاذه أدونيس في الإعجاب بالخميني وثورته، لكن دون أن يبلغوا " أصولية" د. عيد طبعا…! لماذا؟
لأن الأصولية حكر على الأغلبية الإسلامية (السنية) وفق ما يشيع المثقف (الأقلوي) انتماء الذي لا يمكن له أن ينظر لها إلا بوصفها "أب أصولي"، في حين أن د . عيد والمفكرين العلمانيين من أوساط الأغلبية هذه ، ترى –كما عبر ذات مرة- أنها غير معنية بالطائفية
لأنهم ليسوا بحاجة لها ببساطة، لا يحتاجونها ولا تحتاجهم تحت ضغط أي شعور
داخلي بالغبن أو الاضطهاد، ولا تحت أي ضغط شعوري بغلبة وتفوق الأقليات…
بينما الأقليات في أشد حالات راديكاليتها لا يمكن لها أن تتحرر أو تحيد -على الأقل- تأثير العنصر الأقلوي والمنظور الأقلوي في إنتاجها الفكري والثقافي والسياسي، وهو أمر ليس سيئا في بعض
الأحوال، وذلك لأن مفاعيله الإيجابية كانت كامنة وراء نزوعاتهم العلمانية
التنويرية والنهضوية والعقلانية، لكن هذا كثيرا ما يؤدي -في أحوال أخرى- إلى تضليل منظوراتها الاستراتيجية، فتسقط في مطب التكتيكات القصيرة الأمد والنظر في محاباة الأنظمة الحاكمة ومنافقتها تاريخيا، وهذا ما تثبته الوقائع في سوريا مثلا بانحياز أغلبية الأقليات نحو النظام السوري وتحالفاته … فـ د . هاشم الحداثي: العلماني الليبرالي … لا يسعه في مقاله
هذا – كنموذج لا أكثر – إلا أن يهبط من علياء ( الترانسندنتالية )
الكانتية المعاد توليفها (أركونيا ) ليعلن تأييده لخطاب الرئيس السوري بشار
الأسد في مجلس الشعب، وذلك على أثر خروج القوات السورية من لبنان بعد اتهام نظام بشار الوريث باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وذلك من خلال (الهجوم المعاكس )، -على حد تعبير هاشم- الذي شنه بشار على ثورة 14 / آذار فيما سمي بثورة الأرز، وقد ساعده على هجومه المعاكس مظاهرة ما سمي بـ 8 / آذار التي " نظمها أسد لبنان حسن نصر الله في قلب بيروت .. " على حد
تعبير هاشم، وهكذا سقطت الابستمولوجيا طريحة الخطاب الشعبوي ( الأسدي )
للنخبوي العلماني السيميولوجي الابستمولوجي الأركوني هاشم صالح، وإذا بنا
نكتشف به ( قوموي عروبي معادي للامبريالية الأمريكية والفرنسية )، بعد أن
راح يسخر ممن سماهم " للمهللين للمشروع الأمريكي – الفرنسي – الإسرائيلي"،
ليتوحد خطاب التنوير المترفه والمترفع باريسيا عن السياسة وشؤونها الأرضية –
الذي ليس أصوليا ولا طائفيا – مع الخطاب الشعبوي التكفيري
التخويني ( القومو – اسلامي ) لحزب الله والحزب القومي السوري والبعثي
باشراف القيادة الايديولوجية والسياسية (الأمنية -السورية) الحاكمة للبنان،
باعتبار أن حركة 14/ آذار ليست إلا أولئك " الشامتون بكل ما هو سوري وعربي
… الذين القوا النفس بكل طيبة خاطر في أحضان
الأجنبي الذي لا يزال عدوا حتى الآن ." ، من هم هؤلاء المرتمون بحضن
الأجنبي الذين تم تصنيفهم بالتعاون المباشر أو غير المباشر ( بين أسد سوريا
وأسد لبنان ) على حد
تعبير د. هاشم، إنهم الحركة الاستقلالية اللبنانية الديموقراطية التي يشكل
متنها: (الليبرالية الوطنية الإسلامية السنية ممثلة بالحريرية،
والليبرالية المسيحية الوطنية بجذورها الكتائبية الاستقلالية، واليسار
الديموقراطي المنشق عن الشيوعية الستالينية –البكداشية الملتحقة شعبويا
بالنظام السوري)، وعلى هذا
يكون أبرز هؤلاء العملاء للأجنبي، هم الذين صفاهم القوميون –الثيوقراطيون
من جماعة 8 آذار المتحالفة مع النظام السوري، فهؤلاء المرتمون وفق هاشم هم
:( بيير الجميل شيخ الكتائب - جبران تويني : الليبرالية العلمانية المسيحية
- سمير قصير: أحد قادة اليسار الديموقراطي، والزعيم الشيوعي المخضرم
المعروف جورج حاوي الذين وحدّهم القتل (القومي الثوري) الذي بدأ برفيق الحريري …..وفق استقراءات الدكتور هاشم للمعسكرين : (أسد سوريا بشار من جهة، وأسد لبنان السيد حسن نصر الله من جهة، في مواجهة
المهللين للمشروع الأمريكي – الفرنسي –الإسرائيلي من جهة أخرى الذين وجب
تطهيرهم)، ولم يبق لنا بعد هذه الاستقرءات الحداثية السياسية للسيد د. هاشم
صالح إلا وأن نردد بـ(الروح والدم .. الخ ).
هذا أحد مشاهد الصورة الأصولية للمفكر السوري د. عبد الرزاق عيد
وفق تصنيفات مدرسة الحداثة الباريسية الأركونية كما رسمها تلميذها الدكتور
هاشم صالح، فلنتحر هذه الصورة في مرآة صحافة الأصولية الوهابية السعودية، لكي نسبر الفرق بين المدرستين في تناولها
لصورة المفكرين العرب إعلاميا، وذلك من خلال تناول نموذج مفكر عربي
كالدكتور عيد الموصوف أصوليا ومن ثم نعود الى كاتبنا د . هاشم صالح، لنسأل
لماذا هذه القراءة الوظيفية …؟
— عدنا إلى المعلم (غوغل)، نستفتيه بأصولية الدكتور عيد وإذا بنا نقع على اسمه ملحقا بعنوان:( أكبر فضيحة في الصحف السعودية ….تبا لك يا الخنزيرة )، ويعقبها :
"فضيحة الجزيرة" الرياض (القمة) منار الابراهيم، حيث يعرض ما نصه:
علمت القمة من مصادرها الخاصة أن الكاتب السوري د/ عبدالرازق عيد والذي يكتب
في جريدة الجزيرة ،،،كاتب فاسد فاسق يسب صحابة رسول الله صلي الله علية وسلم ويقدح ويسب الملك عبد العزيز رحمه الله
ولا تعلم ((القمة )) هل خالد بن حمد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة، يعرف خلفيه هذا الكاتب أم لا فأن كان يعلم فتلك مصيبة وأن لم يعلم فالمصيبة أكبر وأخطر
قال أحد كتاب الإنترنت المشهورين ((لم أكد أصدق عندما رأيت احتفاء جريدة الجزيرة – الملحق الثقافي –
واستكتابهم للمدعو المجرم الدكتور عبد الرزاق عيد ، حيث كانت المفاجاءة
التي أصابتني بالذهول ، عندما أشار لي بعض الأخوة إلى كتاب عبد الرزق عيد (
سدنة هياكل الوهم ) والموجود في عدة مصادر على الانترنت ومن بينها هذا المصدر والذي تستطيع أن تتم تحميل الكتاب عن طريقه.
حيث يتهم هذا المجرم الصحابة ويتكلم عن بيت الملك عبد العزيز مؤسس
هذه البلاد رحمه الله بكلام خسيس ومنحط، فهل بلغت الجرأة بوزير الإعلام
ومعاونيه – في سبيل انفتاحهم الإعلامي كما يسمونه - أن يسمحوا للزنادقة والحاقدين على هذا البلد ودينه وملوكه أن يكتبوا في صحافته ؟! وأكيد أنهم لن يكتبوا بالمجان! إنما سيكافئون بالأموال على مقالاتهم
طعنه في الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه
يقول عيد في كتابه ( سدنة هياكل الوهم ) ص60-63 تحت فصل بعنوان ( أبوهريرة واختلاس أموال البحرين ) !!
( غدا مضرب الأمثال في الكذب ) !!
طعنه في الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه
يقول عنه في كتابه السابق ص 74 : ( شخص غير مؤتمن ) !!
ويقول ص 74: ( فهل يمكن لمن كانت هذه سيرته أن يؤتمن على عقل الأمة ) !!
أما قذفه لبيت الملك عبد العزيز رحمه الله أنه بيت يُمارس فيه …… !!!
تجدونه ص 167 في الحاشية رقم واحد وهذا ما نصه :
وفي هذا السياق يروى أنه كان حدث أن عبد العزيز آل سعود عندما يعود من غزواته بعد أن يغيب شهوراً ، فيجد في قصره نساء حاملات من العبيد، فيقسمن
أن حملهن كان من الجن. لكن يبدو أن عبد العزيز لم يكن يجيز تناكح البشر مع
الجن، فكان يقتل النساء والعبيد ( الشياطين )!، ويضيف الزهراوي: ورأيتُ
منهم من حلل بنتاً تولدت بالزنا من مائه … الخ
وفي النهاية يوجه الكاتب (أبو ، ج) رسالة يقول فيها
فيا ولاة أمورنا
أدركوا إعلامنا
فقد وصل تهجمه إلى ديننا
ومن تجرأ على الدين سيتجرأ على ما دونه وخير مثال طعنهم في بيت الملك عبد العزيز رحمه الله .
فلا تغتروا بأكاذيب من يدعو لفتح الحرية الإعلامية، فهو يقصد حرية نقد الدين والتطاول عليه والذي هو سبب عزكم
وفخركم وأمنكم
هذا النص يذكر بكل نصوص الفقهاء عبر التاريخ من علماء السوء على حد
تعبير الإمام الغزالي، الذين يستقوون بالسلطة لتحريضها ضد كل العقلانيين
عبر التاريخ من ابن رشد إلى طه حسين، حيث العريضة الشهيرة التي تكفر طه
حسين وتدعو الدولة إلى التدخل لإنقاذ الدين، وأخيرا لا آخرا كتاب نقد الفكر
الديني لصادق جلال العظم الذي من حسن حظه وحظ طه حسين أن أتيح لهما زمنا
ليبراليا تنويريا دستوريا مدنيا أنقذهما، في حين أن السلطة الشعبوية التلفيقية بين العروبة والاسلام والنزعة التغريبية التابعة سياسيا، فرضت على نصر حامد أبو زيد هجرة وطنه إلى المنفى.
لكن الحظ التعيس لعبد الرزاق عيد أن المؤسسة الدينية في السعودية تكفره وتلجأ للسلطة لاسكاته كمفكر مرتد (فاسد فاسق…مجرم- زنديق-ملحد…هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإن سلطة مؤسسة الحداثة في موقع (الأوان) : الممثل لرابطة العقلانيين العرب تحاكمه كمفكر مرتد إلى الأصولية على يد
هاشم صالح بدون أية بينة أو حجة نصية، مما تبدو حجية المحاكمة الأصولية
(الوهابية) أكثر وجاهة عندما تقدم كتابه "سدنة هياكل الوهم " كوثيقة قابلة
لقراءتهم التكفيرية ،لكن مع ذلك فإن لغة التكفير ذات بنية ابستمية عصبوية احدة إن كانت أصولية أم حداثية …!
ويختتم التقرير السعودي بوحدة المصير بين الدين والسلطة للفقيه والحاكم: "فمن تجرأ على الدين سيتجرأ على ما دونه…وخير مثال طعنهم في بيت الملك عبد العزيز…
هكذا فالفقيه الذي يقدم نفسه كمدافع عن حقوق الله، فإنه يوحد في ذاته المهمتين معا للدفاع عن ذات الله وذات السلطان.
وتتوالى التعليقات: تصف الصحيفة والكاتب:
— صحيفة نتنة قذرة.
— الكاتب علماني حقير عليه لعنة الله…
ومن ثم فإن المسؤولين (سيشوفون صرفة لهذا الحقير… ) فالمسؤولون
السعوديون –كما يرى الفقيه الوهابي- مسؤولون عن كل العرب والمسلمين حتى ولو
كان عبد الرزاق عيد سوريا …!
— أما المشهد الثالث لصورة المثقف التنويري الإشكالي العربي من
خلال نموذج د.عيد بوصفه (المرتد الأصولي حداثيا – والمرتد الزنديق الملحد
وهابيا ) ، سيأتي عنصر ثالث وهو موقف نظامه السياسي منه ليضيف التخوين إلى
التكفير، إذ يصفه أحد كتاب السلطة السورية قائلا : ذو العقل (الطالباني- الطائفي الشرق أوسطي والسلفي والفوضى الخلاقة) موقع الحوار المتمدن العدد2406: "عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجا" http://www.ahewar.org/debat/nr.asp وعلى هذا
فلابد من أن (أن يشوفون صرفة لهذا الحقير) كما يقول الخطاب الوهابي
السعودي ، تماما كالنظام السوري (القومي/العلماني ) الذي وجد صرفة لعبد
الرزاق عيد بتهجيره من وطنه لأنه كتب مقاله الشهير الذي يدافع به عن د.
فداء حوراني ( التي يفترض أنها أصولية وفق خطاب الدكتور هاشم )، ودافع من
خلال مقاله هذا عن باقي معتقلي إعلان دمشق من الكتاب والمثقفين الديموقراطيين والليبراليين اللذين لم يوقع أحد على التضامن معهم من كل حداثيي موقع (الأوان) وكتاب رابطة العقلانيين العرب السوريين بمن فيهم
صاحب كتاب الهرطقات الأستاذ جورج طرابيشي، بل وأدونيس، ولا نستثني منهم
سوى صادق جلال العظم إلا إذا صنفته (الحداثة الأقلوية ) بأنه أصولي كعبد
الرزاق عيد …
هكذا يتقلب المفكر السوري عبد الرزاق عيد على سفود التكفير السعودي ممثل المحافظة العربية (الوهابية) ، وعلى حرارة تكفير شواية الميكرويف الحداثي لهاشم صالح، أما على الجانب (الثوري البعثي) فإن فقهاء النظام الأمني السوري الذين هجروه مع عائلته، فإنهم يطلقون النار عليه من قبل كتاب موظفين لدى الأجهزة الأمنية المتنافسة على رقابة مواقع الانترنت، وذلك بعد فتحه ملف الطائفية في سوريا.
في هذا الإطار تشن الحملة الأمنية (العلمانية) على عبد الرزاق عيد بوصفه (أصوليا) ، لكن د.هاشم لا يريد أن يجد نفسه في طبقة واحدة مع كتبة مكلفين رسميا، فقرر أن يخوض معركته من موقعه ليقوم بواجبه الوطني العلماني نحو (أسد سوريا ولبنان) على حد تعبيره، في مواجهة (المهللين للمشروع الأمريكي –الفرنسي- الإسرائيلي - ) وهذا ما يفسر لنا تمويهه أسباب هجومه على د.عيد، فترك الأسباب المباشرة وعاد إلى حوار قديم بين العيد والعظم، لكي لا يجد نفسه منضدا مع المثقفين الطائفيين الذين تكفلوا بالدفاع عن وطنية النظام وعلمانيته بل وديموقراطيته، ولهذا فقد وجد نفسه ينتج خطابا تكفيريا مضادا لوهابية شكلية لكن من ذات نوعها معرفية، إذ التكفير بالأصولية يوازيه ويناظره التكفير بأنه (علماني حقير عليه لعنة الله )، وفق المنظور الثقافي السعودي، وفي الوقت ذاته بوصفه (عقلا طالبانيا طائفيا مغلقا وشرق أوسطي) وفق المنظور (القومي –الحداثي –الأقلوي ) سوريا، كما أشرنا …
حيث يحشد خطاب النظام كل الصفات التي تحيل إلى (الأصولية)
–باستثناء إيران وحزب الله وزعيمه أسد لبنان- التي رماها هاشم صالح دون أية
قرينة نصية دالة، سوى الاستجابة الذاتية لتوجيه النداء الداخلي العاطفي الذي يكشف عنه هفوة (الحديث عن أسد لبنان) أو الخارجي الطائفي الأقلوي
الذي يكشف عنه الهفوة الشعارية عن الشامتين بسوريا والعرب …. والمهللين
لأمركا وفرنسا ..، ليتلقفها مثقف الجهاز مرددا لها بكل ثقة معرفية أمنية، بغض النظر عن المشترك الذي يجمع كل الصفات المتناقضة تحت عنوان واحد (طالباني طائفي من جهة- شرق أوسطي وفوضى خلاقة من جهة أخرى)، ويضيف موقع اسمه (الحقيقة) على لسان صاحبه وعلى ذمته المخلصة لـ( الحقيقة) الطائفية بأن الدكتور عبد الرزاق يرغب في" تقديم أوراق اعتماده للعاصمة الوهابية "، التي كنا قد كشفنا عن مدى احتفائها التكفيري بالرجل، وذلك على إثر الحوار المطول والشهير الذي أجراه الموقع التنويري العلماني (شفاف الشرق الأوسط) على ثلاث حلقات مع الدكتور عبد الرزاق عيد منذ أربعة شهور تقريبا فاتحا به ملف الطائفية في سوريا، بل وفي الآونة
الأخيرة تم توجيه التهمة الأخوانية له ما دام قد طرح سؤال إمكانية الحوار
بين الأخوان والنظام السوري حيث يهاجمه الاثنان أيضا …!
وفي المآل: كيف يمكن للمفكر العربي أن يتحرك بين كماشات وطماشات وسياجات الأنظمة العربية والإسلامية بين سندان السلفية
: الوهابية- الأخوانية، ومطرقة البعثية: القومية واليسارية، والآيتية
-الملوّية والحزب اللاهوية، الذي بسبب هذا المحور السوري-الإيراني خطف
د.عبد الرزاق من أمام بيته من قبل مخابرات أمن الدولة لأنه نقد حزب الله وفي جريدة صديقة للنظام السوري وهي جريدة (السفير)
اللبنانية، وهدد بقطع لسانه إذا عاد إلى نقد ولاية الفقيه الإيرانية -
اللبنانية (الحزب اللاهوية) المتحالفة مع النظام السوري، وذلك وفق ما
أوردته عشرات الصحف والمواقع التابعة لمنظمات حقوق الإنسان، التي يندرج
خطاب د. هاشم في سياقاتها كما عبر عن ذلك إعجابا بـ(الأسدين السوري واللبناني).
وأخيرا: فأينما تولى المثقف في هذا العالم العربي والإسلامي المترامي الأطراف: من (الإيراني) الملتي الثيوقراطي، إلى الوهابي السلفي(السعودي)، إلى يسارية العلمانية البعثية الطائفية (السورية)، إلى حداثية قناع الترفع والتعالي على اليومي السياسي الذي يتم الانخراط به مواربة، عبر اتهام الآخر معرفيا في حين تكون دوافعه سياسية وثقافية يومية بحتة كما كاتبنا د.هاشم، والسياسية بمعناها الغث الإلتحاقي بالسلطان، رغم البنية الطائفية
لدولة السلطان (الجمهوري الثوري) التي تؤسس تحالفاتها مع كل أشكال
الثيوقراطيات: الشيعية (الحزب اللاوية الإيرانية) أو السنية (الحماسية)،
فحيثما توليت فثمة استبداد وطغيان يتشخصن بسلطة واحدة موحدة –دينية
وسياسية- ضد المثقف: هدفها الأساسي الحرب ضد الحرية!
ولعل اتفاق كل السلطات ضد نموذج المثقف كـ(عبد الرزاق) يمنحه وسام
شرف المثقف الحديث الفولتيري الكواكبي الملاحق أبدا من الطغيان السياسي
والديني والمذهبي الطائفي …!