بقلم: أحمد الشاميكان الأسد لا يزال مستغرقاً في إلقاء خطابه المطول حين أكد رئيس أركان
الجيش الإسرائيلي، الجنرال ذي النجوم اﻷربع “بني غانتس” استعداد إسرائيل
لاستقبال علويي سوريا اللاجئين، في حال سقوط النظام على تراب الجولان
السوري المحتل ! غريبة هذه الدعوة الموجهة حصراً ٳلى طائفة الرئيس و
شبيحته و ضباط جيشه، علماً أن من يتعرض للقتل في سوريا اليوم هم في
أغلبيتهم الساحقة من السنة ! رئيس أركان جيش “العدو” يعرض اللجوء على
القاتل إن لم يتمكن هذا الأخير من الاستمرار في القتل، و يعف عن استقبال
الضحية التي تقتل يوميا تحت سمعه و بصره !
-
قد يكون العرض اﻹسرائيلي زلة لسان من ضابط محترف بعيد عن المماحكات
السياسية، تفضح ما يدور في الغرف المغلقة لصانع القرار الإسرائيلي، و قد
يأتي غداً العديد من سياسيي ٳسرائيل “لتصحيح” البوصلة وٳصلاح ما يمكن
ٳصلاحه.
مع ذلك، عرض ٳسرائيل اللجوء على زبانية اﻷسد وطائفته حصراً يعني أن ٳسرائيل
تعترف “بأفضال” اﻷسد و نظامه عليها و تريد رد الجميل له و لضباط جيشه
الغضنفر الذي سبق وأوكلت ٳسرائيل له مهمة لجم الشعب السوري و قمعه نيابة عن
“جيش الدفاع اﻹسرائيلي”. تماماً كما سبق ﻹسرائيل و استقبلت عميلها الآخر،
أنطوان لحد هو وجيشه اللبناني الجنوبي بضباطه وجنوده مع عائلاتهم وحتى
حيواناتهم الأليفة.
بعرضها هذا تصرّح ٳسرائيل بأن اﻷسد و جيشه، ومن ورائهم طائفة بأكملها هي
في طريقها لأن تؤخذ بجريرة عائلة مارقة، هم عملاء لها، قد تم اكتشاف
خيانتهم و هاهي “أمهم الحنون” تعرض عليهم اللجوء ٳلى “وطنهم الثاني” في
الجولان الذي ألحقته ٳسرائيل بها و تعتبره جزءاً من أرضها التاريخية. اﻷكيد
أن جنود العدو لن يطلقوا النار هذه المرة على “ٳخوتهم في السلاح” من
العلويين الفارين خوفاً من العقاب على الجرائم التي اقترفوها بحق مواطنيهم.
بهذا التصريح تعطي ٳسرائيل ٳشارة خطيرة ٳلى الطائفة العلوية مؤداها أن مصير
الطائفة رهن بمصير اﻷسد. ربما يكون لدى الموساد معلومات حول تململ الطائفة
العلوية من جرائم اﻷسد وتخبطه ورغبة الكثيرين من شرفاء هذه الطائفة في
النأي بأنفسهم عن نظام قاتل لا مستقبل له، ربما أراد “غانتس” من وراء خطابه
هذا حض الطائفة العلوية على رص صفوفها خلف الأسد و تخويفها من انتقام
الجماهير السنية في حال سقوط النظام.
هذه التطمينات الإسرائيلية وفي هذا الوقت بالذات تأتي لشد أزر الحليف
الأسدي وقاعدة حكمه العسكرية العلوية التي تدرك الآن أن “ظهرها مسنود” و
أن الصديق الإسرائيلي موجود في وقت الضيق.
-
لكن ما معنى أن تعرض ٳسرائيل اللجوء على علويي سورية حصراً في الجولان ؟
اﻷكيد ٳن ٳسرائيل نتانياهو، مع اعترافها بأفضال الأسد، لا ترغب في أن يختلط
علويو سوريا الهاربين بمواطنيها من “اليهود اﻷنقياء” في “أرض الميعاد”
لذلك تريد زرع علويي سوريا في الجولان و بهذا تحقق ٳسرائيل مجموعة أهداف
استراتيجية لا يستهان بها. أول هذه اﻷهداف هو خلق “حزام شيعي” متصل من
الجولان ٳلى المتوسط، يتشكل من أغلبية علوية سوف تستوطن في الجولان جنباً
ٳلى جنب مع أقلية درزية في مجدل شمس، هذه المجموعة السكانية سوف تتناغم مع
اﻷغلبية السكانية الشيعية في جنوب لبنان و الخاضعة لنفوذ حزب الله
“المقاوم”. يبدو أن إسرائيل تفضل “الزنار” الشيعي على شمالها لدرجة استدعاء
علويي سوريا لحمايتها من خطر قيام دولة سنية في سوريا لن تسكت طويلاً على
احتلال الجولان.
-
هنا يكمن الهدف الثاني من إسكان العلويين في الجولان، فهؤلاء سوريون لن
يقبلوا بالعودة لحضن الوطن ذي الأغلبية السنية خوفاً من المحاسبة، هكذا سوف
توظف إسرائيل عملاءها من هذه الطائفة و من آل الأسد مرة ثانية و ستستفيد
منهم سواء كانوا يحكمون سوريا أو كانوا لاجئين على أرض سورية محتلة وتحت
حماية إسرائيلية في الحالتين. لا شيء مجاني لدى الدولة العبرية، إسرائيل
سوف تتحجج بوجود هؤلاء اللاجئين السوريين لعدم إعادة الجولان بل وربما تنشئ
لهم دولتهم العلوية الموعودة، لكن في الجولان وتحت حراب جيش الدفاع
الإسرائيلي “الصديق” تماماً كما كانت تخطط مع جيش لبنان الجنوبي ذي
الأغلبية المسيحية.
الغريب أن نفس الخطاب الذي أكد استعداد إسرائيل لاستقبال لاجئين من الطائفة
العلوية، ناقش إمكانية أن يشن الأسد حرباً على إسرائيل “إن وجد نفسه في
موقف صعب…”. إسرائيل تعرض اللجوء على ضباط نظام يريد محاربتها !!
-
هناك تفسيران ممكنان لهذه الأريحية الإسرائيلية : الأول هو إصابة إسرائيل
بحالة مرضية من الكرم والإنسانية المفاجئة بحيث تستقبل من يعلن عليها الحرب
و تحميه من انتقام شعبه أيا كانت الظروف. هذه الإمكانية مستبعدة لأن
إسرائيل ليست دولة مشهوداً لها بالكرم والجود.
الاحتمال الثاني و هو الأقرب للمعقول : أن إسرائيل لا تستبعد منح نظام
الأسد المتهاوي الفرصة للقيام بحرب مسرحية ضدها. هذه الحرب قد تمنح الأسد
فرصة لالتقاط أنفاسه ولإحراج معارضيه. إن نجحت هذه التمثيلية ينجو الأسد
ونظامه و تستمر لعبة الممانعة لجيل آخر، و إن فشلت، فقلب إسرائيل و أبوابها
مفتوحة على الدوام لاستقبال حليف قديم هو و ضباطه و أفراد جيشه وعائلاتهم،
لكن على أرض سورية محتلة.
-
في مقالة سابقة لي (هل كان حافظ اﻷسد عميلاً ﻹسرائيل؟) نشرتها بيروت
اوبسرفر في 23 آب الماضي تركت الجواب على هذا السؤال للتاريخ. وقتها كان في
ذهني الوثائق التي سيجدها الثوار حين يفتشون قصر اﻷسد الخاوي بعد ٳسقاط
هذا اﻷخير. في مقالة أخرى (هل الجيش السوري جيش وطني؟) تساءلت عن وطنية جيش
يقتل شعبه و يتصرف كجيش احتلال، رئيس أركان الجيش اﻹسرائيلي، العسكري
المحترف الذي لا يجيد الكلام الخشبي المنمق، تطوع على ما يبدو بالرد على
السؤالين السابقين.
-
خطاب الجنرال “بني غانتس” قد يكون قبلة الموت من قبل العراب الإسرائيلي
لخادم مطيع، ما عاد في إمكانه الاستمرار في تأدية مهمته، وآن أوان عودته
إلى الحضن الإسرائيلي الدافئ.
المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع الثورة السورية وإنما تعبر عن رأي مؤلفها