حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 صلة الدين بالرؤية الكونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد اسماعيل
ثـــــــــــــــائر
ثـــــــــــــــائر
avatar


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 73
معدل التفوق : 171
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 26/02/2012

صلة الدين بالرؤية الكونية Empty
24042012
مُساهمةصلة الدين بالرؤية الكونية

صلة الدين بالرؤية الكونية





صلة الدين بالرؤية الكونية 510011
* عبدالله نصري
* الترجمة: أحمد العبيدي
للدِّين نظريات عميقة في القضايا ذات الصِّلة بالإنسان والكون، ونحن هنا لا
نريد أن نستأنف النقاش في ما إذا كان الدين بالحد الأدنى أو الأقصى؛ ذلك
أنّ الدِّين قد نظَّر لمنظومة من المعارف والنظريات في شأن الإنسان والكون
لا سبيل للعقل البشري لنيلها.
فمعرفة الكون والإنسان جزء من منظومة يعجز الإنسان عن نيلها والتوصل
إليها... وقد ضمَّن الدين هذه المنظومة كل ما يحتاجه الإنسان لهدايته. وفي
هذه المنظومة ثمّة أجزاء مستعصية على العلم، وهنا ليس المهم الحديث عما إذا
كان الدين بالحد الأدنى أو الأقصى، لأنّ تعيين الحد الأدنى أو الحد الأقصى
يتطلب معياراً. فلو قُصد أن على الدين أن يستقصي كل شيء بما في ذلك ما
يقدر العلم على إكتشافه، فذلك لا يعني أنّ الدين بالحد الأقصى بالتأكيد،
إذا لا يقول بذلك مفكر أو متكلّم. فالدين منح العقل الحجية وعدّه مصدراً من
مصادره، وأوصى باستخدامه لمعرفة ما لم يوضحه الدين.
وقد تصوَّر بعضهم خطأً ليس على الدين أن يتحدَّث إلا في ما يعجز العقل عنه،
ولو تحدَّث في ما يتصل بالمجال العقلي أو العلمي فليس ذلك من الدين في
شيء.
تمتاز النظريات التي قدَّمها الدين في مجال الرؤية الكونية بكونها ضرورية
للإنسان. ومع أنّ هدف الدين هداية الإنسان، إلا أنّ الإنسان محتاج في مسيرة
هدايته إلى معارف عن الإنسان والكون. وقد قدَّم الدين في هذا المضمار
نظريات يعجز العقل البشري عن إكتشافها بشكلها المتكامل. فأهم ما فعله الدين
في مجال الرؤية الكونية هو انّه فتح للإنسان نافذة يطل منها على عالم
الغيب، حينما حدثه عن خلق العالم، وغاية الخلق، وخصائص الموجودات والكون،
وعلاقة عالم المادة بعالم ما وراء المادة، وأنواع الموجودات التي لا يمكن
للإنسان أن يعرفها بوساطة فكره.
- خلق الكون:
تطرَّق القرآن، في غير آية منه، إلى خلق الكون ونهايته، فقد أفادت جملة من الآيات بما يأتي:
أوّلاً: إنّ الكون كان على شكل مادة شبيهة بالدخان:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) (فصلت/ 11).
ثانياً: إنّ السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة ثمّ فُصِلتا وجزِّئتا:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا...) (الأنبياء/ 30).
ثالثاً: إنّ خلق الكون قد تم بشكل تدريجي، أي أنّ الخلق مر بأطوار كثيرة
حتى انتهى إلى ما هو عليه الآن، وقد استغرق خلق السماوات والأرض ستة أيام:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ...) (ق/ 38).
من هذه المراحل الست اثنتان مخصَّصتان للأرض واثنتان للسماء:
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ...) (فصلت/ 9).
(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ....) (فصلت/ 12).
- غاية الخلق:
تقرِّر الرؤية الكونية الدينية أنّ الكون لم يخلق عبثاً، فكل ما فيه خلق لغرض:
(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (آل عمران/ 191).
وأنّ العالم لم توجده مصادفةٌ عمياء كي يكون بلا هدف، بل للكون بما فيه غاية يتحرك نحوها:
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ...) (الأنعام/ 73).
- الخصائص العامة للكون:
يمتاز الكون، في النظرة الكونية الدينية، بجملة خصائص منها:
النِّظام: الكون مخلوق بأسره وفاقاً لنظام دقيق، فالنظام يحكم الكون بجميع
تفاصيله من الذرة وحتى المجرة. فالأرض والسماء والنبات والحيوان وجسم
الإنسان وجميع المخلوقات خاضعة لنظام محدَّد لا تحيد عنه:
(الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (الرحمن/ 5).
(وأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (الحجر/ 19).
التقدير: بمعنى أنّ الكون يسير وفاقاً لمقادير محسوبة داخل نظام الكون:
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (يس/ 38).
(والسَّماءَ رَفَعَها ووَضَعَ المِيزانَ) (الرحمن/ 7).
وحدة الكون: جميع أجزاء الكون، مرتبط بعضها ببعض، ومنسجمة في وحدة ونظام
الكون نظام واحد. والدليل على هذه الوحدة الإتقان والنظام الحاكم لمسيرة
وحركة الكون، إذ لو كانت أجزاء الكون منفصلة ومستقلة ومستقلٌّ، بعضها عن
بعض، لافتقد الكون الوحدة، ولما كان نظامه على كمال الإتقان والتنظيم:
(صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيءٍ) (النمل/ 88).
الكون آية: الكون آية لله تعالى تدل عليه. فالكون دليل قدرة الله التامة
وحكمته البالغة. فقد خلق الليل ليكون للناس سكناً، والنهار ليكون لهم
معاشاً، ونزول الماء من السماء، ونمو نبات الأرض وثمرها، وإنتشار الطير في
جو السماء، ذلك كله آيات لله سبحانه:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ) (آل عمران/ 190).
جمال الكون: الكون جميل، وجمال الكائنات في مستوى يشبع غريزة حب الجمال لدى
الإنسان. وقد أشار تعالى في كتابه إلى جمال السماوات والنجوم والأرض
بسهولها وجبالها والدواب والإنسان:
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) (الصافات/6).
عظمة الكون: تؤكِّد الرؤية الكونية الدينية أنّ الكون عظيم مهيب، فلو جُعل
البحر مداداً والأشجار أقلاماً لتكتب وصف هذه العظمة والهيبة لما كفى.
(قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ
الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا
بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (الكهف/ 109).
نهاية الكون: والكون، على الرُّغم من هذه العظمة كلِّها، آيل للفناء، وليس
له حظ من الخلود، وسيأتي اليوم الذي تتلاشى فيه السماوات بشمسها وقمرها
ونجومها، وتزول الأرض بجبالها وبحورها، فلن يبقى منها شيء. وأنّ ذلك واقع
لا محالة يوم يُنفخ في الصور، فيزول كل شيء فجأة:
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ...) (الزمر/ 68).
- خصائص الكائنات:
يذكر القرآن، في إطار رؤيته الكونية، خصائص لعالم الكون، نشير إلى جانب
منها: التَّسوية والتَّقدير: فكل كائن له ما يناسبه من التسوية والتقدير:
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى/ 1-3).
والتَّسوية تعني جعل أجزاء الموجود الواحد متسقة منسجمة في ما بينها.
فعندما يوضع كل جزءٍ من أجزاء الشيء في محله المناسب له، يعمل المجموع بشكل
متناسق يؤدي الغرض المخلوق له.
أمّا كلمة "التقدير" فهي مشتقة من لفظة "قدر"، والتي تعني الحد والمقدار.
فلكل موجود في الكون حدُّه المقدَّر له وفاقاً لنظام الوجود. أي أن لكل
موجود أبعاده وهندسته الوجودية الخاصة به، والتي هي منشأ تمايز الموجودات
واحدها من الآخر.
حركة الموجودات: جميع الكائنات في حركة دائمة، السماء والأرض والشمس والقمر جميعها من حركة دائبة.
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ...) (النمل/ 88).
الهداية: تبدأ الموجودات، بعد أن تتم التسوية والتقدير، بالسير على جادة
الهداية، ولهذه الهداية أشكال وأنحاء مختلفة. فالجمادات ذات هداية طبيعية،
والحيوانات هدايتها غريزية، أمّا الإنسان فيحمل هداية فطرية، إلى جانب كلا
الهدايتين الطبيعية والغريزية:
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل/ 68).
(وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد/ 10).
علم الموجودات وإدراكها: تتمتَّع جميع الكائنات في هذا الوجود بعلم وإدراك، كل حسب مستواه وإستعداده:
(قالوا أنطَقَنَا الله الذِي أنْطَقَ كُلَّ شُيْءٍ) (فصلت/ 21).
وتقدِّم الآيات المتعلِّقة بيوم القيام شهادة على تمتُّع الموجودات
بالإدراك والعلم. فقد ورد أنّ الأرض ستشهد على ما فعله الإنسان من أعمال
يوم الزلزلة، وإعطاء الشهادة لا يمكن له أن يتحقق ما لم يكن هناك علم
وإدراك.
(وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا *
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)
(الزلزلة/ 2-5).
الأجل: ومن خصوصيات الكائنات أن لكل منها "أجلاً" مسمَّى:
(.. مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى...) (الروم/ 8).
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ...) (الأنعام/ 2).
وهاتان الآيتان تتحدَّثان عن نوعين من الآجال، أجل مسمَّى، وأجل غير مسمى.
والمراد بالأوَّل هو المصير الحتمي الذي لا يقبل التغيير، ويراد من الثاني
المصير الطارئ المعرَّض للتغيُّر.
ونسبة الأجل المسمّى إلى غير المسمّى كنسبة المطلق المنجَّز إلى المشروط
المعلَّق، فمن الممكن أن يتخلَّف المشروط المعلَّق عن التحقق، لعدم تحقُّق
شرطه الذي عُلِّق عليه، بخلاف المطلق المنجَّز، فإنّه لا سبيل إلى عدم
تحققه البتة.
الحشر: إنّ الكائنات ستحشر جميعاً بعد أن تفنى هذه الدنيا وتصير إلى الحياة الآخرة:
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا
أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ
إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام/ 38).
- عالم الغيب:
تحدَّث الدين، ضمن رؤيته الكونية، عن حقائق غير مادية، بما يدل على عمق هذه
الرؤية. لأنّها حقائق يعجز الإنسان معرفتها وإكتشافها. وحتى الرؤية
الكونية الفلسفية لم تعط هذا النوع من الحقائق ما تستحقه من الإهتمام
والدقة. وبهذا يكون الدين بكشفه عنها وتعريفه بها قد قدم خدمة جليلة في
سبيل تطور الفكر الإنساني، حيث فتح له نافذة يطل منها على العالم الآخر،
ليتأمَّل فيه بأفق يتجاوز عالم الطبيعة والمادَّة.
- الكرسي:
من المفردات التي ذكرها القرآن الكريم، وتحدَّث عنها في غير آية من آياته، الكرسي:
(.. وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ...) (البقرة/ 255).
وقد ذكر المفسِّرون للكرسي معاني كثيرة، منها العلم، أي أنّ الكرسي هو
كناية عن نطاق نفوذ علم الله. بتعبير آخر: إنّ المراد من كرسي الله هو علمه
بالسماوات والأرض ومن فيهنّ. والمعنى الآخر الذي قيل للكرسي هو سلطة الله
وقدرته، فقدرة الله نافذة في جميع السماوات والأرض لا يعزب عن قدرته أحد من
الخلق، صغيراً كان أو كبيراً. والمعنى الثالث للكرسي، هو أنّه مخلوق
يستوعب السماوات والأرض، فهي مستقرة فيه.
- العرش:
وقد ورد العرش أيضاً في غير آية من القرآن:
(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ...) (النمل/ 26).
وقد فُسِّر العرش من قبل بعض الباحثين بالإستيلاء والحكم، فكلمة الاستواء
التي وردت في بعض الآيات التي تتحدَّث عن العرش، تشير إلى سلطة الله
واستيلائه على الخلق. أي أنّ المراد من العرش هو المقام الذي تصدر عنه جميع
تدابير عالم الإمكان:
(الرَّحْمنُ عَلَى العَرْشِ استَوى) (طه/ 5).
ورأى بعض المفسِّرين أنّ العرش شامل لمقام العلم إلى جانب مقام التدبير،
وبذا يمكن لعلم الحق تعالى بالموجودات أن يمثِّل تفسيراً آخر للعرش. وفي
ضوء ذلك، يمكن أن يكون علم الله بجميع مخلوقات عالم الطبيعة تفسيراً
للكرسي، فيما يشكل علمه تعالى بعالم الأرواح والملائكة، أي عالم الغيب،
تفسيراً للعرش.
- اللّوح والقلم:
وذكر القرآن أيضاً حقيقتين غيبيتين هما "اللوح" و"القلم":
(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم/ 1).
وروي عن النبي أنّه قال: "إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فقال له: اكتُبْ، فَجَرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ".
فالقلم هو مرتبة من الوجود تتحقَّق فيها الموجودات على نحو الإجمال
والبساطة، أمّا اللوح فهو المرتبة التي توجد فيها الحقائق بنحو التفصيل.
فحقائق عالم الخلق مجملة في القلم، مفصَّلة في عالم اللوح. والقلم هو وساطة
الفيض بالنسبة لوجود المخلوقات التفصيلي، وهذه الحقائق الوجودية مجردة عن
المادة مقارنة للعلم والحياة.
وقد ميّز القرآن بين نوعين من الألواح: اللوح المحفوظ، ولوح المحو
والإثبات. معبراً عن اللوح المحفوظ بتعابير مختلفة منها: الكتاب المبين،
وأم الكتاب، والكتاب المكنون، والكتاب المسطور. فجميع ما في عالم الخلق
مكتوب ومدوَّن في كتاب مبين قبل أن يُخلق ويخرج إلى عالم الوجود. فقد كتب
فيه منذ الأزل كل ما هو كائن وما يكون:
(وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (النمل/ 75).
(وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس/ 12).
أمّا كتاب المحو والإثبات، فيمتاز بقابلية التغيير والتبديل. أي أن كل ما
فيه معرَّض للتغيُّر والمحو. فمن الممكن أن يُمْحى شيء مكتوب فيه في ضوء
ظروف وتغيُّرات تطرأ على العلل الناقصة التي تتوقف عليها الأحداث:
(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد/ 39).
في حين أن ما دُوِّن في أمِّ الكتاب واللوح المحفوظ قطعي، لأنّه ذو صلة
بعلل الموجودات التامة التي لا تحتمل التغير والتبدل. إذن، فكل ما لا يقبل
التغيير مدوَّن في كتاب مبين، وكل ما هو عرضة للتغيير والتبدل مدوَّن في
لوح المحو والإثبات.
- مخلوقات العالم:
وتتحدَّث الرؤية الكونية الدينية عن مخلوقات لا طاقة لعلم الإنسان على
إدراكها. وبذلك قدَّم الدِّين، في هذا المجال، خدمة جليلة للفكر البشري،
عبر تقديمه لمعطيات واقعية عن مخلوقات غير محسوسة وخارجة عن قدرات الإنسان
العقلية والعلمية. فقد عرّف الدين الإنسان بمخلوقات من عالم الغيب منها:
- الرُّوح:
والآيات التي ذكرت الروح كثيرة منها:
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر/ 4).
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) (النبأ/ 38).
وهذا المخلوق هو أقرب المخلوقات من الله، وهو وساطة الوحي والمرافق
للملائكة في كثير من المهام المنوطة بها. وبه يؤيد اللهُ أنبياءه، بل وكذلك
المؤمنين من عباده:
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ...) (البقرة/ 87).
(أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (المجادلة/ 22).
- الملائكة:
وهي مخلوقات مجرّدة تكرّر ذكرها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة لدورها في
عالم الخلق. وقد عدّ القرآن الإيمان بالملائكة ملازماً للإيمان بالله
والأنبياء.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ...) (البقرة/
285).
وهي مخلوقات مؤمنة بالله مخلصة له، دائبة في تسبيح الله وتقديسه والسجود له.
(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء/ 20).
مطيعة لله لا تعصي أمره:
(لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6).
والملائكة على درجات كثيرة، ولكل منهم مقامه الذي يناسب مرتبته:
(وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) (الصافات/164)
دور الملائكة في عالم الخلق: تؤدي الملائكة مهمَّاتٍ وأدواراً مختلفة تكشف
عن أهمية مقامها وعلو منزلتها، وهي رسل الله الموكلة بأمره:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا...) (فاطر/ 1).
1- تدبير شؤون الكون بأمر الله.
2- تبليغ وحي الله إلى أنبيائه.
3- تدوين الأعمال.
4- قبض أرواح الناس.
5- تبشير الأنبياء والأولياء: وذلك من خلال إطلاع أولياء الله على بعض الأمور، كما بشرت الملائكة زكريا بولادة ابنه يحيى.
6- إنزال السكينة على قلوب المؤمنين، والشد على قلوبهم، فالله ينزِّل
ملائكته على من يثبت من عباده على سبيله ويستقيم، لتبشرهم بالجنة ولتربط
على قلوبهم.
7- دور الملائكة يوم القيامة: تؤدِّي الملائكة، إضافة إلى واجباتها في الدنيا بتنفيذ أوامر الله، أدواراً ومهمّات أخرى يوم القيامة.
- الجن:
المخلوق الآخر الذي تطرَّقت الرؤية الكونية إليه وأكَّدت وجوده هو الجن، وهي موجودات مخلوقة من النار.
(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) (الرحمن/ 15).
وهي مخلوقات مكلَّفة عاقلة الهدف من خلقها عبادة الله كالإنسان.
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56).
وللجن أنبياء ورسل يبعثهم الله إليهم ينذرونهم ويهدونهم لعبادة الله وطاعته:
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) (الأنعام/ 130).
وهم فرقتان كالإنسان، منهم المؤمنون ومنهم الكافرون الصادُّون عن سبيل الله وأنبيائه.
- الشيطان:
كما صرَّحت الرؤية الكونية الدينية بوجود مخلوق اسمه الشيطان، ينتسب إلى كفّار الجن:
(.. فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ...) (الكهف/ 50).
وقد عصى الشيطان أمر الله، إذ تمرَّد عندما أمره بالسجود لآدم وامتنع مستكبراً، فغضب الله عليه، ولعنه وطرده من جنته.
لكنه طلب من الله بعد أن طرده أن يمهله إلى يوم الدين.
وكان هدفه من هذه المهلة أن يجد متسعاً من الوقت يسعى فيه إلى إضلال الإنسان وغوايته، كي يثبت أفضليته عليه.
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر/ 39).
فعلى الإنسان أن يتجاوز الكثير من العقبات والمطبّات، ويواصل سيره في حركة
دؤوبة توصله إلى مراتب الكمال. فإن استطاع التغلُّب على وساوس الشيطان
والإعراض عنها بإرادته وإختياره ليخطو باتجاه هدفه، وإلا فلو لا وجود هذه
الوساوس، سواء الصادرة منها من الشيطان أم من النفس الأمارة، لما بقي
لتكامله معنى.
المصدر: كتاب الدين بين الحدود والتوقع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

صلة الدين بالرؤية الكونية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

صلة الدين بالرؤية الكونية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» القوانين الكونية للنجاح (1 من 7
» لقد ساهمت في هذا الموضوع العرب والثقافة العلمية - حتى لا نخلط الدين بالعلم الدين بالعلم
»  أترككم مع المعلومات الكونية
»  الكونية و السلم عند KANT الكونية و السلم عند KANT
»  ماهية الدين - قضايا أولية لإصلاح الفلسفة ونصوص أخرى - فويرباخ اهية الدين - قضايا أولية لإ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المدونات العامة-
انتقل الى: