التوازن المدهش في الأرضالأرض
أهم عالم عرفناه، إذ توجد فيها أحوال لا توجد في شيء من هذا الكون الواسع،
وهي في ضخامتها (كما تبدو لنا) لا تساوي ذرة من هذا الكون العظيم، ولو أن
حجمها كان أقل أو أكثر، مما هي عليه الآن لإستحالت الحياة فوقها، فلو أنّها
كانت في حجم القمر مثلا؛ بأن كان قطرها ربع قطرها الموجود فعلا. لكانت
جاذبيتها سدس جاذبيتها الحالية، ونتيجة لذلك لا يمكن أن تمسك الماء والهواء
من حولها، كما هي الحال في القمر، الذي لا يوجد فيه ماء ولا يحوطه غلاف
هوائي، لضعف قوة الجاذبية فيه. وإنخفاض الجاذبية في الأرض إلى مستوى جاذبية
القمر سيترتب عليها إشتداد البرودة ليلا حتى يتجمد كل ما فيها، وإشتداد
الحرارة نهاراً حتى يحترق كل ما عليها.
وكذلك يترتب على نقص حجم الأرض إلى مستوى حجم القمر أنّها لن تمسك مقدراً
كبيراً من الماء. وكثرة الماء أمر ضروري لإستمرار الإعتدال الموسمي على
الأرض، ومن ثمّ أطلق أحد العلماء على هذه العملية لقب "عجلة التوازن
العظيمة" (Great Balance Wheel) وكذلك سيرتفع الغلاف الهوائي للأرض في
الفضاء ثمّ يتلاشى. ويتبع ذلك أن تبلغ درجة حرارة الأرض أقصى معدلها، ثمّ
تنخفض إلى أدنى درجاتها.
وعلى العكس من ذلك، إذا كان قطر الأرض ضعف قطرها الحالي لتضاعفت جاذبيتها
الحالية؛ وحينذ ينكمش غلافها الجوي – الذي هو على بعد خمسمائة ميل – إلى ما
دون ذلك. وسيترتب على هذا أن يزيد تحمل كل بوصة مربعة من خمسة عشر رطلا
إلى ثلاثين من الضغط الجوي، وهو ضغط يؤثر أسوأ الأثر في الحياة.
ولو أنّ الأرض تضاعف حجمها، فصارت مثل حجم الشمس مثلا، لبلغت قوة الجاذبية
فيها مثل جاذبيتها الحالية مائة وخمسين مرّة، ولاقترب غلافها الهوائي، حتى
يصير منها على بعد أربعة أميال فقط، بدلاً من خمسمائة ميل، ولارتفع الضغط
الجوي إلى معدل طن واحد على كل بوصة مربعة. وذلك يؤدي إلى إستحالة نشأة
الأجسام الحيّة. وهو من الناحية النظرية يعنى أن يصير وزن الحيوان الذي
يزيد رطلاً واحداً – تحت الكثافة الهوائية الحالية – خمسمائة رطل. كما يهبط
حجم الإنسان حتى يصير في حجم فأر كبير، ولاستحال وجود العقل في الإنسان،
لأنّه لابدّ للعقل الإنساني من أنسجة عصبية كثيرة في الجسم، ولا يوجد هذا
النظام إلا إذا كان حجم الجسم بقدر معيّن.
نحن قائمون على الأرض ظاهراً، ولكن الأصح أن نقول: نحن ملقون على رؤوسنا،
ولتوضيح ذلك نقول: إنّ الأرض مثل كرة معلقة يسكنها الإنسان، فوضع الناس
بعضهم بالنسبة إلى بعض على هذه الكرة، أن سكان أمريكا سيكونون تحت سكان
أهالي الهند، وسكان الهند سيكونون تحت أقدام سكان أمريكا.
فأرضنا هذه ليست بثابتة، وإنما هي تدور بسرعة مقدارها ألف ميل في الساعة،
وذلك يجعل وضعنا فوقها أشبه بحصاة وضعت على محيط عجلة تدور بسرعة، يوشك أن
تقذف بها في الفضاء، ولكن الأرض لا تقذفنا؛ بل نحن مستقرون عليها، فكيف
تمسكنا وهي تدور بهذه السرعة؟!!..
إنّ في الأرض جاذبية غير عادية، وهي بهذه الجاذبية تشد كل شيء إليها،
فجاذبية الأرض وضغط الهواء المستمر يمسكانا فوقها بنسبة معلومة، وهكذا صرنا
مشدودين بهاتين العمليتين إلى كرة الأرض من كل ناحية.
وضغط الهواء الذي يكون على كل بوصة مربعة ما يقرب من 15 رطلا معناه: أن كل
إنسان يتحمل ما يقرب من 228.40 رطلا من الضغط الجوي على جسمه، ولكن الإنسان
لا يحس بهذا الوزن، لأنّ الهواء يضغطه من كل ناحية، كما يحدث عندما نسبح
في الماء ثمّ إنّ الهواء – وهو علم على مركب معيّن من الغازات – ذو فوائد
كثيرة، لا يمكن حصرها في كتاب.
لقد توصل نيوتن، من خلال مشاهداته ومطالعاته، إلى أنّ الأجسام يجر بعضها
بعضاً، ولكنه لم يستطع تعليل هذا، ولذا سلم بأنّه لا تفسير لديه لهذه
العملية.
ولقد ذكر هذه المسألة "وهايت هيد" قائلاً:
"لقد كشف نيوتن – حين سلم بهذا – عن حقيقة فلسفية عظيمة؛ هي أنّ الطبيعة لو
كانت بغير روح فلن تفسر نفسها، كما أنّ الشخص الميت لا يستطيع أن يحكي لنا
واقعاً. إنّ جميع التفسيرات الطبيعية والمنطقية لم تزد أخيراً على أن تكون
إظهاراً لهدف، لأنّ الميت لا يمكن ان يكون حامل أهداف".
وسوف أدفع حديث (وهايت هيد) إلى الأمام، قائلاً: إنه إذا لم يكن هذا الكون
تحت سلطان "وجود ذي إدراك" فلماذا توجد فيه هذه الروح المدهشة؟
إنّ الأرض تتم دورة واحدة حول محورها، في كل أربع وعشرين ساعة. ومعنى ذلك
أنها تسير حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة، فإذا فرضنا أنّ هذه السرعة
انخفضت إلى مائتي ميل في الساعة، لطالت أوقات ليلنا ونهارنا عشر مرّات،
بالنسبة إلى ما هي عليه الآن، ويترتب على ذلك أن تحرق الشمس – بشدة حرارتها
– كل شيء فوق الأرض، وما بقي بعد ذلك ستقضي عليه البرودة الشديدة في
الليل.
وهذه الشمس، التي نعدها اليوم وسيلة حياتنا، تبلغ حرارة سطحها اثني عشر ألف
درجة فهرنيت؛ والمسافة بينها وبين الأرض تبلغ ما يقرب من 93.000.000 ميلا.
وهذا البون الهائل دائم، لا يتغير أبداً بزيادة أو نقص، وفي ذلك عبرة
عظيمة لنا؛ لأنّه لو نقص، واقتربت الشمس من الأرض. بمقدار النصف، مثلا، من
الفاصل الحالي، فسوف يحترق الورق على الفور من حرارتها، ولو بعد هذا
الفاصل، فصار ضعف ما هو عليه الآن فإنّ البرودة الشديدة التي تنجم عن هذا
البعد، سوف تقضي على الحياة في الأرض، ولو أنّه حل محل الشمس سيار آخر غير
عادي، يحمل حرارة تزيد على حرارة الشمس عشرة آلاف مرة، فسوف يجعل من الأرض
تنوراً رهيباً..
ثمّ إنّ هذه الأرض دائرة في الفضاء، وهي تؤدي عملها بزاوية 33 درجة، الأمر
الذي تنشأ عنه المواسم، ويترتب عليه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة
والسكنى، فلو لم تكن الأرض على هذه الزاوية لغمر الظلام القطبين طول السنة؛
ولسار بخار البحار شمالاً وجنوباً؛ ولما بقي على الأرض غير جبال الثلج،
وفيافي الصحراوات؛ وهكذا تنجم مؤثرات كثيرة تجعل الحياة على ظهر الأرض
مستحيلة.
فلو كان قياس العلماء صحيحاً، وهو: أنّ المادة قد نظمت ذاتها على هذه
الهيئة المناسبة المتوازنة، فما أعجب هذا القياس، وما أكثر إثارته
للدهشة!!. يقولون: إنّ الأرض انشقت من الشمس، ومعنى هذا: أن درجة حرارتها
كانت في مبدأ أمرها، نفس حرارة الشمس، وهي اثنا عشر ألف درجة فهرنيت، ثمّ
بدأت الأرض تبرد؛ إذ لا يمكن إتصال الأوكسجين بالهيدروجين إلا بعد أن تنخفض
الحرارة إلى أربعة آلاف فهرنيت – وفي هذه المرحلة وجد الماء، وهكذا استمرت
عمليات التقلب على سطح الأرض ملايين السنين، حتى جاءت الأرض في صورتها
الحالية، منذ أكثر من بليون سنة مضت، وذهبت الغازات في فضاء الأرض إلى فضاء
الكون، وتحولت بقايا الغازات بعد ذلك إلى المركب المائي، أو انجذبت إلى
الأشياء الأرضية، أو بقيت في صورة الهواء؛ وأكثرها في صورة الأوكسجين أو
النتروجين. وهذا الهواء، في كثافته، يعد جزءاً واحداً من 2.000.000 من
أجزاء الأرض. ولم تنجذب كل الغازات إلى الأرض، كما أنّها كلها لم تتحول إلى
(هواء). ولو أنّه حدث، لاستحالت حياة الإنسان، فلو أننا فرضناالمستحيل،
ووجدت الحياة في ظروف كهذه – تتحمل فيها البوصة المربعة آلاف الأرطال من
الضغط الجوي – لكان من المستحيل أن توجد الحياة في صورة الإنسان الحالية.
ولو كانت قشرة الأرض أكثر سمكا، بمقدار عشرة أقدام من سمكها الحالي، لما وجد الأوكسجين، وبدونه تستحيل الحياة الحيوانية.
وكذلك لو كانت البحار أعمق بضعة أقدام، أكثر من القاع الحالي، لانجذب (ثاني
أكسيد الكربون)، والأوكسجين، ولاستحال وجود النباتات على الأرض؛ فضلا عن
الحياة.
ولو كان الغلاف الهوائي للأرض ألطف مما هو عليه الآن، لاخترقت النيازك كل
يوم غلاف الأرض الخارجي، ولرأيناها مضيئة في الليل، ولسقطت على كل بقعة من
الأرض وأحرقتها، فهذه النيازك تواصل رحلتها بسرعة أربعين ميلا في الثانية،
ونتيجة لهذه السرعة العظيمة، فإنّها ستحرق كل شيء يمكن احتراقه على الأرض،
حتى تصبح الأرض غربالا في وقت ليس ببعيد..
فلولا أن غلاف الأرض الهوائي يقينا من هذه الشهب لاحترقنا. فإن سرعتها أكثر
من سرعة طلقة البندقية تسعين مرّة كما أن حرارتها الشديدة لإهلاك كل شيء،
بمافيه الإنسان. فنحن إذن في حماية هذا الغلاف الكثيف الموزون، الذي لا
تخترقه "الأشعة الشمسية ذات الأهمية الكيماوية" (Actinic Rays) إلا بالقدر
الذي يكفي لحياة النبات، وإيجاد الفيتامينات، والقضاء على الجراثيم الضارة،
وما إلى ذلك..
إنّ هذا التوازن للكميات، المحتاج إليها، عجيب جدّاً؛ فالغلاف الذي فوق
الأرض مكون من ستة غازات؛ منها 78 في المائة من النتروجين، و21 في المائة
من الأوكسجين، والغازات الأخرى توجد بنسب قليلة، وهذا الغلاف يضغط الأرض
بنسبة 15 رطلاً في البوصة المربعة، ونسبة الأوكسجين في هذا الضغط 3 أرطال
في البوصة المربعة، والمقادير الأخرى للأوكسجين الموجود اليوم قد انجذبت
إلى الأرض، وهي تمثل 8و0 من الماء الموجود على سطح الأرض، والأوكسجين هو
الوسيلة الوحيدة لتنفس سائر حيوانات الأرض، ولا طريق إلى ذلك من غير
الفضاء.
المصدر: كتاب الإسلام يتحدى