أدمنوا السلطة.. وانساقوا وراء غرورهم وازدرائهم للآخرين
| 11/01/2012 |
الطغاة مرضى نفسيون... محرومون من العلاج!
القاهرة- غادة قدري:
الحرص على السلطة وطول البقاء في الحكم من أكثر العوامل المؤثرة بالسلب في
شخصية الحكام, ليس هذا فقط, بل تؤدي الى إصابتهم بالأمراض النفسية, هذا ما
أكده خبراء علم النفس وأثبتته الدراسات التي تناولت ذلك, حيث أجمعت على
أنها تنمي بداخلهم الكثير من الصفات السلبية, وتزيد من استبدادهم بالقرار,
وانعزالهم عن الشعوب ومطالبها, وربما التصرف معهم بشكل "جنوني" مبني على
التجبر والاستعلاء, وكل تلك العادات والصفات تؤدي في النهاية الى اصابتهم
بالغطرسة, هذا ما يتناوله المتخصصون في التحقيق التالي لـ"السياسة" حول
"غطرسة الطغاة".
يقول د.حربي عباس -أستاذ الفلسفة والتاريخ بكلية الآداب جامعة الاسكندرية-
ان اشكالية الطغاة من الحكام ليست بجديدة, فجذورها متعمقة في أرض التاريخ
منذ القدم, وأكبر نموذج لها, فرعون, الذي سار على نهج "الثيوقراطية" أي
الحكم السياسي اللاهوتي, باعتباره مفوضًا الهيًا, أو مبعوثًا للعناية
الالهية. وظل الطغيان سمة في العالم الغربي حتى عصر التنوير في القرن
الثامن عشر, وبمراجعة التاريخ نجد أن مصير الطغاة جميعًا أو أغلهم
مأساوية, ولم يعد الناس يذكرون سوى مساوئهم, وهذا ما حدث مع هتلر, زعيم حزب
العمال النازي المتطرف, وكان معتنقًا لأيديولوجيات عنصرية تجاه العنصر
الآري, وقاد شعبه نحو حرب عالمية, كانت آخرها معركة "ستالينغراد" التي
خسرها أمام الروس ليقرر بعدها الانتحار.
وهناك ستالين الملقب بالطاغية الفولاذي, فقد أباد كل ما يتعارض مع
أيديولوجيته, وكل ما يغاير فكره, حتى أنه أباد اللجنة المركزية البلشفية.
ونجد أيضًا موسوليني رمز الفاشية, الذي حكم ايطاليا بالحديد والنار, وفي
النهاية فر الى سويسرا بعد هزيمته أمام الجيش الألماني, فترصده معارضوه
وقتلوه بالرصاص. وبمطالعة الماضي نجده مليئاً كذلك بسير الجبارين العرب
أمثال, صدام حسين الذي أباد الأكراد, ودفع ببلاده نحو الهاوية, بفعل حروب
ثلاثة انتهت باحتلال العراق واعدامه. وفي ظل الربيع العربي هناك مبارك الذي
حكم البلاد ثلاثين عامًا بالطوارئ والقوة والاستبداد والفساد طيلة تلك
الفترة, ثم تنحى مجبرًا بعد "خراب مالطا", وتلاه القذافي "غريب الأطوار"
كما يصفونه دائمًا, بعدما ألف كتابه الأخضر, وقدمه على القرآن والشريعة
الاسلامية, ووصف شعبه بالجرذان, في حين ان الثوار عثروا عليه في مخبأ سيئ
للغاية, وقتلوه شر قتلة بعد اذلال وتعذيب.
برج عاجي
ويشير د.أحمد عكاشة - أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس,
ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي- الى أن هناك ما يعرف ب"متلازمة
الغطرسة" التي تصيب كل صانع قرار, أو مسؤول يتولى سدة الحكم لأي دولة أو
مؤسسة, حيث انها مرتبطة بكل من كانت له علاقة بسلطة أو سلطان, ويمتلك
القرار, والقدرة على التحكم في الآخرين. وهناك علاقة مباشرة بين ازدياد
القوة, والاستعلاء وبين اضطراب "متلازمة الغطرسة", فالحاكم أو القائد يهتم
بصورته بشكل مبالغ فيه, ويضع نفسه في مقدمة اهتماماته, حيث تتضخم صورته
الذاتية, حتى أنه يعتبر نفسه امتدادًا للوطن, وينمو بداخلة الاحتقار
والسخرية من الشعب, ويعتبرهم دونه, بينما يعيش هو في برج عاجي, لا يشعر
بمعاناتهم. وفي تلك الحالة لا يعترف الحاكم بأنه مخطئ في أي أمر, بل يرى
نفسه الملهم, والقائد, والزعيم, ويختار لنفسه أفخم وأعظم الألقاب ودائمًا
يستخدم عند حديثه عن نفسه لفظ "نحن" لتعظيم وتبجيل ذاته.
ويؤكد "د.عكاشة" أن الحاكم المتغطرس تلازمه صفات الاستبداد واحتكار السلطة
بشكل مطلق, وهو يمتلك شخصية نرجسية, عاشقة لذاتها, في حين أنه لا يمتلك أي
بصيرة, ويتسم بالعناد والاندفاع, وتجمد الفكر, ورفض الحوار أو النقاش, على
اعتبار أنه معصوم من الزلات والأخطاء. كما أن صاحب تلك الشخصية يعاني من "
البارانويا" والتعالي, وكثرة الشك, وسوء الظن, فهو لا يثق بأحد ويتوقع
دائمًا الغدر من أقرب الناس اليه, ويتصور أحيانًا أن الجميع أعداء له,
يحيكون ضده المكائد, ما يجعله يعيش حالة من الحذر, والحرص على امتلاك
المزيد من السلطات والصلاحيات, وأدوات القوة والتنكيل والتجسس. التي تساعده
على البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة. فالأمر بالنسبة لهم مسألة حياة أو
موت, وهذا ما نشاهده الآن, وما يفعله بشار الأسد, فهو مستميت لأبعد حد في
التمسك بالسلطة, وان اضطر لابادة شعبه كاملاً, غير عابئ بالشجب والادانة
الدولية. أو بمصير من سبقوه من الطغاة والمستبدين من الحكام, أمثال صدام
حسين والقذافي ومبارك, وغيرهم.
ويرى د.عكاشة أن صاحب الشخصية المتغطرسة يعيش بمعزل عن كل ما يحيط به من
أحداث, فهو بعيد عن كل هذا المصير الأسود, ولا يعتبر بمن سبقوه, لأنه
ببساطة يعاني من تضخم الذات, وكأنه محور الكون, فقد خلق للسلطة, والسلطة
خلقت له, لما يعتقده من تفرده بين من حوله بصفات القدرة, والقوة, والحكمة.
وتزداد حدة الغرور, والعقد كلما التف حوله المنافقون والمنتفعون, أو
الخائفون من بطشه وسطوته. وهذا الحاكم الديكتاتور المتشبث بالبقاء في
السلطة الى الأبد كثيرًا ما ينتهك القيم والأعراف والمحظورات, نتيجة
للانغماس في الفساد, والاصرار على أخذ ما هو ليس من حقه, ان السلطة في تلك
الحالة ما هي الا ادمان تمنحه نشوة الانبساط نتيجة ارتباطات شرطية, وعندما
تصبح تلك السلطة مهددة, أو محاطة بالمخاطر, فمن الصعب أن يتخيل الانسان حجم
الخوف والرعب الذي يسكن قلب الحاكم.
الوقاية خير علاج
ويلفت د.محمد المهدي - أستاذ الطب النفسي بكلية طب جامعة الأزهر, وعضو
مجلس ادارة الجمعية الاسلامية العالمية للطب النفسي- الى أن الحاكم المصاب
بداء السلطة, فاقد للبصيرة, ولا يرى سوى نفسه, والعلاج الأمثل للتخلص من
أمراض السلطة, وعلى رأسها الاستبداد والغطرسة, هو الوقاية منها, فمن الواجب
على أي مسؤول أو قائد أو حاكم ألا يمكث في منصبه أكثر من أربع سنوات, وان
كان مضطرًا ومدفوعًا الى ذلك باختيار الأغلبية, يمكنه الاستمرار لنفس المدة
مرة أخرى كحد أقصى, مع ضرورة متابعة الأطباء والمداومة على العلاج النفسي
للتخلص من الأمراض المصاحبة للسلطة, والملازمة لها, مثل القلق والاكتئاب,
وادمان العقاقير والمهدئات والكحوليات, وغيرها. كما أن التجمد الفكري
والعناد والسلوك الاندفاعي, كلها سلوكيات وصفات لها مسارات عصبية خاصة في
الدماغ, وبعضها مرتبط بالفص الأمامي, وبتدفق "الدوبامين", وهو من الموصلات
العصبية في الدماغ, المسؤول عن اللذة والمتعة.
والحاكم المستبد مستعد للقيام بأي سلوك عدواني, من تعذيب, ووحشية, وقتل,
وتنكيل, في سبيل البقاء بالسلطة. والا سوف يعاني من أعراض انسحابية, قريبة
مما يعانيه المدمن عند انقطاعه عن تناول "المخدرات". ومن هنا فان السلطة
تحتاج لاجراءات وقائية وعلاجية, تحول دون اصابة صاحبها بمتلازمة الغطرسة,
وتمنعه من التحول الى ديكتاتور مستبد.وتتلخص هذه الاجراءات في شرعية
السلطة, من خلال الانتخاب النزيه, الذي يعبر عن ارادة الشعب, واختياره
الحقيقي, دون تزييف للوعي. وعلى الحاكم أن يحترم ارادة الناس, وأن يراعي
مصالحهم. وعدم اطالة مدة الحكم, مهما كانت عبقريته, ونزاهته أو انجازاته,
فكلما زاد البقاء في السلطة, ترسخت وتراكمت الأمراض والمشكلات النفسية في
الذات. ومع تلك الاجراءات تبقى القوانين والدساتير عاملاً أساسيًا للحد من
سلطة الحاكم المطلقة, وابعاده عن الطغيان والاستبداد, وعند خروجه من السلطة
يجب تكريمه, وتوفير الحياة الهادئة والمستقرة له, والتي تعتبر حقا لأي
مواطن. وبالنسبة للشعوب والمحكومين, فمن الضروري لهم حتى لا يقعوا تحت سطوة
الحكام وغطرستهم, أن يثقفوا أنفسهم, وأن ينشروا بينهم الوعي بما لهم من
حقوق, وما عليهم من واجبات والتزامات, وعليهم أن يزرعوا بداخلهم وبداخل
أبنائهم قيم الحرية, والعدالة, والمساواة ومبادئ المواطنة والمشاركة,
فالجميع وان اختلفت طباعهم وتوجهاتهم, ومذاهبهم, وعقائدهم فهم أبناء وطن
واحد, ومصير مشترك, من هنا فعلى المواطنين أن يعملوا بروح الفريق, بعيدًا
عن البطولات الفردية.