بقلم: محمد فاروق الإمام-
بين كل فينة وفينة يخرج علينا حسن نصر اللات من خلف شاشته العملاقة حيث
يختبئ في أحد جحور الضاحية الجنوبية، ليكيل للمعارضة السورية سيلاً من
النصائح الملغمة تارة ومن الدعوات المحبطة تارة أخرى، إلى أن وصل به الأمر
أخيراً إلى التهكم على المعارضة السورية وتأنيبها، فقد نقلت وكالة رويترز
عنه يوم الثلاثاء المنصرم قوله: “إن حركته اتصلت بالمعارضة السورية
لتشجيعها على الحوار مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد لكنها رفضت”.
وقال نصر اللات في مقابلة اجراها مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج ونشرها
موقع المنار التابع لحزب اللات الثلاثاء 17 نيسان الحالي “أنا أول مرة أعلن
أننا اتصلنا بجهات في المعارضة من أجل أن نشجعها ونسهل عملية حوار مع
النظام ولكن هذه الجهات رفضت الحوار”.
وأضاف “إذن منذ البداية هناك نظام مستعد للقيام بإصلاحات ومستعد للحوار. في
المقابل هناك معارضة ليست مستعدة للحوار وليست مستعدة لقبول الإصلاحات وكل
ما تريده هو اسقاط النظام. إذن هذه مشكلة.. أمر آخر.. ما يجري في سورية
يجب أن ننظر إليه بعينين وليس بعين واحدة. الجماعات المسلحة في سورية قتلت
الكثير من المدنيين”.
-
لا أعرف عن أي إصلاحات لهذا النظام المجرم يتحدث عنها نصر اللات وينبهر
بها، هل بات الأمر مشقلباً في نظر هذا المعتوه، فيرى دمار المدن وتقطيع
أوصال البلاد والخراب الذي لحق كل معالم الحياة فيها، والموت الذي يلاحق كل
من يدب على الأرض فيها من إنسان وحيوان، هو مظهر من مظاهر الإصلاحات التي
يجريها النظام في سورية ويتعهد بإجراء المزيد منها، وعن أي حوار يطلب هذا
المعتوه من المعارضة أن تقبل بإجرائه مع هذا النظام الذي تلوثت اياديه
بدماء ما يزيد على اثني عشر ألف مواطن مسالم وبريء، وأضعافهم من الجرحى
والمفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين، وهو بالأمس القريب يرغي ويزبد
ويهدد ويتوعد بأنه سيقطع اليد التي تمتد لأي عنصر من عناصر ميليشياته، على
أثر اتهام المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لعدد
من عناصره بتورطهم في هذه الجريمة، وكأن هذا السادي العنصري يعتبر عناصره
من النوع النازي محرم الاقتراب منهم كما كان يعتقد هتلر، في مقابل احتقاره
للألوف المؤلفة من الشهداء السوريين الذين قضوا على يد صديقه سادي الشام
وسفاحها بشار الأسد؟!
وكيف لا ترفض المعارضة السورية أي حوار مع هذا الطاغية الذي استباح الشام
كلها من أقصاها إلى أقصاها منذ أكثر من سنة ولا يزال، يفعل فيها ما لم
يفعله نيرون في روما والقرمطي بمكة وأرناط بالقدس وهولاكو ببغداد وتيمور
بدمشق وقاظان في حلب وفيليب بغرناطة.. والثورة في سورية انطلقت أيها
المعتوه لانتزاع الحرية المغتصبة والكرامة المداسة على يد هذا النظام
السادي الذي حكم سورية بيد من حديد لنحو نصف قرن. وقال نصر اللات في
البرنامج الحواري (العالم غداً) الذي بدأ بثه الثلاثاء تلفزيون (روسيا
اليوم): “بالتأكيد هناك دول تقدم المال تقدم السلاح تشجع على القتال في
داخل سورية وبعضها دول عربية ودول غير عربية هذا من جهة. هناك أمر خطير آخر
وهذا مؤكد كلنا استمعنا إلى الدكتور أيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة)
عندما دعا إلى القتال في سوريا”.
-
وأضاف “إذن هناك مقاتلون من تنظيم القاعدة وصلوا إلى سورية وآخرون يلتحقون
أيضا بهم من مختلف البلدان ويريدون أن يحولوا سورية إلى ساحات قتال.
الأطراف التي تقدم المال والسلاح تستطيع أن تفرض على جماعات المعارضة أن
تجلس على طاولة واحدة وحل الأمور سياسيا”.
دعاوي نصر اللات بأن هناك دول عربية وأجنبية تقدم المال والسلاح للمعارضة
وتشجع على الاقتتال في سورية هو وهم ودعاية رخيصة سوقها النظام ولاقت عنده
الترحيب والتطنيب، ودعواه بوجود عناصر من القاعدة في سورية جاءت متناغمة مع
ما يدعيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي قال: “إن قوى خارجية
تسعى لتقويض جهود المبعوث الدولي كوفي عنان لإنهاء إراقة الدماء في سورية”.
-
غريب أمر نصر اللات هذا الذي يتخذ من تصريحات للظواهري دعا فيها إلى القتال
في سورية على أنها دليل على وجود عناصر القاعدة في سورية، في الوقت الذي
تنتشر عناصر ميليشياته وميليشيات الصدريين وعناصر من الحرس الثوري الإيراني
إلى جانب الشبيحة ورجال أمن النظام وكتائبه في كل المدن والبلدات والقرى
السورية وترتكب أبشع الجرائم بحق السوريين، وهو لا يعترف بذلك رغم أسر
العديدين منهم من قبل الجيش السوري الحر، وتم إظهارهم بالصوت والصورة على
شاشات العديد من القنوات الفضائية العربية والعالمية وهم يدلون باعترافاتهم
وما ارتكبوه من جرائم، ووصول عشرات الجثث من قتلى حزبه والحرس الثوري
والصدريين إلى لبنان عن طريق الهلال الأحمر السوري. وقال نصر اللات “تجربة
الثلاثين سنة من عمر حزب الله تثبت بأنه صديق لسورية وليس عميلاً لها…
عندما أقول بأننا نؤيد الحل السياسي فبالتأكيد نحن سنكون مستعدين لأي جهد
لأي مساهمة تساعد على تحقيق الحل السياسي. في السابق قلت لك أننا عرضنا
واتصلنا مع بعض الجهات ولكنها رفضت أن تدخل في حوار مع النظام. الآن أي جهة
تريد أن تدخل في حوار مع النظام وترضى بنا وسيطا نحن جاهزون لأن نقوم
بوساطة من هذا النوع. لأننا نطالب الآخرين أساسا بأن يبذلوا جهودا لتحقيق
حل سياسي فهل نتهرب نحن من هذه المسؤولية؟ بالتأكيد لا”.
-
لا أعرف هل حسن نصر اللات غبي أم يتغابى، فإن كان غبي فتلك مصيبة وإن كان
يتغابى فالمصيبة أكبر، حيث يضع نفسه في مصافي الدول الكبرى التي بيدها الحل
والعقد في المنطقة وينظّر ويقدم الحلول ويعرض الوساطة بين جلاد هو النظام
السوري الذي يقتل شعبه منذ ما يزيد على ثلاثة عشر شهراً والضحية التي هي
الجماهير السورية التي انتفضت ثائرة بشكل سلمي وحضاري مطالبة بالحرية
والكرامة والديمقراطية والدولة المدنية بعد نصف قرن من الحكم الشمولي
السادي، والتي جوبهت بكل ما يملكه النظام من ترسانة حربية وبما يمده به
حلفاؤه في موسكو وقم والضاحية الجنوبية، وكان من الإنصاف يا نصر اللات أن
تتوجه إلى النظام الذي تدعي صداقته “والصديق عليه أن يَصدق صديقه” وتطلب
منه أن يتوقف عن قتل الناس وتدمير بيوتهم وإحراق جثثهم ونهب محالهم واعتقال
الآلاف وتشريد عشرات الآلاف داخل الوطن وخارجه، وأن يتوقف عن انتهاك أعراض
الحرائر وبتر أعضاء الأطفال وتقطيع أطراف الرجال وتشويه وجوههم وسرقة
قلوبهم وأكبادهم وكلاهم، وأن يكف عن تدمير المساجد ودور العبادة والمباني
والأحياء والمعالم الأثرية.
-
ولو كنت فعلت هذا ودعوت النظام لوقف سفك دماء الأبرياء والكف عن تدمير
المدن وإحراق المنازل ونهب البيوت والمحال، وقلت له أن من حق الشعب أن
يختار حكامه، لكان لنا موقف آخر منك. إلا وأنك تصر على الوقوف إلى جانب
الجلاد الذي يفجر الدماء أنهاراً في سورية، وتعتز وتتمسك بصداقته والتحالف
معه، فإنك لا تقل عداوة للشعب السوري من هذا الجبار الطاغية وشريك له في كل
ما اقترفت يداه من آثام وفواحش وجرائم، ولن تفلت من العقاب آجلاً أو
عاجلاً سواء على يد المظلومين في الدنيا، وهذا ما نتمناه، أو أمام أعدل
العادلين يوم الحساب!!
الجمعة أبريل 20, 2012 10:19 pm من طرف سيكل