azahma ثـــــــــــــــائر متردد
الجنس : عدد المساهمات : 27 معدل التفوق : 75 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 12/03/2012
| | لاشئ يستحق ..؟! | |
يتجه في تلك الساعة من كل صباح إلى قبلته المعهودة ، يغرد مع أسراب العصافير المنطلقة صوب كل اتجاه، ويتماهى مع لمعان الشمس على سطح تلك البحيرة معشوقته الأولى على مشارف قريته الصغيرة ، يعتلي تلك الصخرة بخطى ثابتة محبوبته الثانية التي أدمنت همسه إليها ، تحنو عليه كنهر يتهادى أمام مجيئه، تمنحه الكثير من الحنان والعطف فهكذا يبدو لأي شخص يتتبع خطواته المحسوبة بعناية على أطراف أصابع قدمه، يعتليها بصمت ويصعد على تلك القمة يمدد رجليه صوب الأسفل ويضع يده على خده بشكل شاعري كأنه مثقل بأطنان الحزن أو العشق "قد لا يوجد لديك لحظتها تفسير آخر"، تنظر إليه فتتخيل للحظة أن المنظر بأكمله لا يعدو عن كونه لوحة مرسومة بعناية وفي غاية الجمال ، حركات شبه قدسية وجلوس أشبه بالطقوس الدينية، ثم يجوس بعينيه التي تنشطان بغتة لتجوبان كل المحيط من حولهما ثم تهدأ لتقف في اتجاه ثابت نحو سطح ماء البحيرة الذي يترقرق أمامه بتموجات خفيفة، منسابا بخرير صامت خوفا من تعكير كل ذلك الهدوء وحرصا على عدم تشويه تلك الصورة الحالمة المليئة بالجمال والتساؤل في نفس الوقت .. أولئك الأولاد كالمعتاد يلهون بالكره ويتقاذفونها في صياح وضجيج بينما هو في مكانه المقدس ينظر إليهم بهدوء، تراه يظهر ابتسامة خفيفة عند وقوع احدهم ثم يعود إلى ذلك التحديق وذلك الجمود المُرهب، يلازم مكانه طيلة النهار تقريباً ثم يعود إلى البيت مع بداية انسدال الظلام .
مجموعة من نساء القرية يتبادلنْ الهمس ألم تَرْنّ "بهاء"؛ ذلك الطفل الصغير الذي لا احد يستطيع تفسير حركاته وميوله.. ذلك الصغير صاحب العينين العسليتين والوجه الصبوح، مررت بجانبه لمسافة رغبة في الحديث إليه ولكنه يمشي بخطواته تلك وكأن لا احد من حوله، هادئ كالمعتاد ويتجه إلى ذلك المكان كأنها الكعبة بالنسبة إليه؛ لا بد أن هناك شيئا غير طبيعي البتة، ألم تُلاحظنّْ ذلك. تجيبها أمينة: أن أمه نفسها غريبة، لا ندري من هو أبيه ولم نره هنا مطلقاً منذُ أتَتْ إلى هنا، كنا نشاهدها وهي حامل تذهب إلى ذلك الجبل ثم تنزل بعد فترة، قد يكون أباه الجن. تجيبها أخرى: نعم اخبري الأطفال أن يبتعدوا عنه حتى لا يصبهم شره. الشيخة حسناء : اتقي الله يا هذه، ما هذه الخرافات التي تقولينها، إنه طفل مسكين مغلوب على أمره؛ انظري فقط إلى عينيه كم تمتلئ بالبراءة والطهر، لا يعقل أن يكون شريراً . ترد عليها أمينة قائلة: انظري أنت، أنا لا أريد أن أرى شيئا؛ فقد نظرت إليه يوما فرأيت عينيه تلمعان في الظلام كعيون القط و... - اصمـُتنَّ بالله عليكن أمه قادمة باتجاهنا. مرت بجوارهن كأنها على عجلة من أمرها ملقية تحية مقتضبة ثم واصلت سيرها باتجاه البحيرة. كانت الشمس على مشارف الغروب ولا شيء يدعو إلى الذهاب لتلك البحيرة، قالت إحداهن إنها ذاهبة باتجاه ابنها، إنها أول مرة تذهب إليه إلى تلك البحيرة أليس كذلك؟ - نعم أنها أول مرة بالفعل. وبعد تبادل حديث قصير عن هذه وتلك.. الشيخة حسناء مرة أخرى قائلة : ألن تذهبن إلى بيوتكن وتدعن الناس في حالهم و.... تقاطعها أمينة: شاهدن "أم بهاء" ألا ترين أنها صعدت إلى جانبه. - ماذا تفعل تلك المجنونة إنها تكاد أن ترمي نفسها.
- يا الهي لقد رمت نفسها في البحيرة. النساء يصرخن في القرية ، يستنجدن ويجرين باتجاه البحيرة بينما الطفل ينزل بكل هدوء من على تلك الصخرة وعلى وجهه ابتسامه صغيرة تظهر عليه لأول مرة وإحداهن تصرخ فيه: ماذا حدث؟! يجيب بصوت أشبه للإنسان الآلي الخالي من أي مشاعر: لا شيء، لقد ذهبت إلى نفس المكان الذي أرسلت إليه أبي.
العويل متواصل بينما هو بكل هدوء وبنفس الخطى المتثاقلة المعتادة عائدا إلى بيته، ولم يعد احد يراه بعد ذلك يذهب إلى تلك البحيرة | |
|