تعتبر القصة القصيرة جدا كيفية وصيغة سردية حديثة في السرد
، وقول الحكاية بأقل ما يمكن ودون خسارات . فكان من الطبيعي جدا، أن يثار
خلف منجزها الإبداعي نقاش ـ كسائر الأنواع الأدبية ـ متعدد الأوجه
والخطابات ، ويمكن فك ذلك كالآتي :
ـ تاريخ الأدب ومحاولة وصف بدايات هذا النوع . يقول الباحث سعيد بن عبد الواحد في هذا السياق
: " عرفت أمريكا اللاتينية ثورة أدبية ثانية بعد الرواية خلال الثمانينات
والتسعينات من القرن السالف ، فكان السرد القصير أغلب نوع يحظى بالاهتمام
والممارسة ، ثم انتقل لاسبانيا وأمريكا الشمالية ." وبعد ذلك للآداب
العالمية. هل قدرنا أن نحاكي النماذج النقدية ؟ مثلما نحاكي التشكيلات
القصصية ؟
متى كانت المحليات كملامح ورائحة ..ضد التوجه الإنساني في الحلم والاحتمال ؟
ـ
خطاب النقد ودراسة نماذج وتحديد قوالب قصصية ، غالبا ما تؤخذ كهندسات
قصصية . يتم ملؤها دون محليات، وهو ما خلق تشابها نصيا واجترارا لتقنيات
غدت بدورها نمطا ، ظنا أنها التجريب عينه دون وراء أو أمام. أقول هنا مع
محمد أنقار : " القصة القصيرة بالمغرب تكون في أحسن أحوالها عندما تفلح في التعامل مع عقدة : الوعي بالمنهج " أو " المذهب " أو حتى " بالنطرية السردية " ذاتها ، ثم تصبو إلى تغييبها والانطلاق في روابي التخييل بعيدا عن شبحها المتربص دوما "
ـ نظرية الأنواع الأدبية والبحث عن خصوصية هذا النوع في القول
والرؤيا للحياة والعالم . فكانت هذه القصة ، قصيرة جدا من خلال تقضيمها
لعناصر السرد وخلق تركيبها النوعي . وهنا يمكن أن نثير العلاقة بين مفاصل
القص في المغرب
: هل الأمر يتعلق بمسيرة على قدر من المشترك الأدبي وخصوصيات من واقعية
واعتماد أصول الحكي ( موباسان ، تشكيوف ..) ، إلى توازي الواقعي مع
الفنطازية في السبيعانات
، إلى تعدد ضربات السرد وإيلاء الأهمية للغة الملساء التي لا تقوم على شيء
ماعدا نفسها ، على حساب الأصل الحكائي من حدث وخبر..
هنا وجب الفصل بين الخطاب النظري والخطاب الإبداعي المتحقق في القصة القصيرة جدا ، فالأول مؤطر وهو في الأساس
خطاب قيمة يتغيا حقيقة ما ، والثاني خطاب وهم يذوب المقروء ، مقطعا إياه
بوعي أو بدونه استنادا على ذاتية المبدع المكتظة بالتجارب والمقروء والبحث ،
أقول ذاتية تتوسل في التخييل استعمالا لغويا، أساسه الخرق وإعادة البناء الأدبي .
لذا أتساءل هنا، عن نوع المصاحبة بين النقد أساسا والقصة القصيرة جدا ؟
نعم يمكن للنقد، أن يسبق هذه القصة، ويدعو للنموذج والإطار النظري. أو يبني نصه عبر نماذج ومرجعيات . ويعود ليبحث عن مماثلة في مرجعية
وثقافة أخرى . أو يصر على خدمة أصوله . من هنا يمكن مساءلة القصة لنفسها
كتعدد حكائي...وللنقد للانطلاق من عينات بمعنى البحث العلمي والابتعاد عن
التعميمات والاختزال الناتج عن التصنيف الجيلي أو الزمني..وهو ما يقتضي
الإصغاء وتتبع التجارب في أفق تحديد التقطيع القصصي لكل مبدع بين بصمات خاصة ومشترك ما. طبعا في المقابل لا يمكن الكتابة دون التفكير في نوع الإقامة السردية وضوابطها، لممارسة اللعب الحاذق عوض الغافل الذي يربك المسيرة. ويسقط في العزف الضال الذي لا أفق له ولا سؤال .
بعد هذا العرض والذي يجد امتداداته في أوراق أخرى حول القصة القصيرة جدا في المغرب. يبدو أن الكم الكيفي لا يتولد من تعدد المجموعات القصصية ، ولا من التكتلات القصصية ، بل في خلق
قول قصصي حكيم يصغي لذاته أولا ، المتحصلة بين منجز القصة القصيرة جدا
والنظريات والنظر الموازي لمسيرتها . والبحث عبرها عن أشكال للتواصل مع
روافد تراثية، ومع مشهد الواقع على غرابته وتعدد مسالكه واليومي السالب،
ومع التراجيديا العامة التي تدفع إلى التأمل في التحولات والمصير. في هذا الصدد
، لا يمكن التنكر لعطاءات جميلة تخطو على انفراد ، نحو أفق جمالي بدأت
تتشكل ملامحه، وسيكون على محتمل أدبي منفلت باستمرار كما السمكة في ماء القصة .
تحية لكتاب القصة دون مناسبة أو يوم . وكل عام والقصة تسبح في مجراها دون لغو أو إجماع ! .