حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 ن اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
سالار
ثـــــــــــــــائر نشيـط
ثـــــــــــــــائر نشيـط
سالار


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 239
معدل التفوق : 547
السٌّمعَة : 22
تاريخ التسجيل : 28/01/2012

ن اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي - صفحة 2 Empty
16042017
مُساهمةن اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي

من اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي- ف. ديفيد بيت

ترجمة : خليل الحاج صالح 
نقلا عن موقع الأوان .
______________

في العام 1900 تحدث اللورد كلفن عن انتصارات الفيزياء وكيف يمكن توسيع نظرية نيوتن في الحركة لتشمل ظاهرتي الضوء والحرارة. ومضى في خطابه ليشير إلى "غيمتين" تحجبان "جمال ووضوح" النظرية: تضمنت الأولى الطريقة التي ينتقل بها الضوء عبر الفضاء، أما الثانية فهي مشكلة انتثار الطاقة بالتساوي بين الجُزيئات المهتزّة. وانتهى الحل الذي اقترحه كلفن، في الحالين، إلى أن يكون مسلكاً بعيداً عن المقصد. فمما يُثير السخرية أن ما اعتبره كلفن غيمتيْن تحجبان الأفق كانتا في الواقع قنبلتين على وشك أن تُحدثا انفجاراً هائلاً في فيزياء القرن العشرين. تُسميان نظرية النسبية ونظرية الكوانتا، ولدى كل منهما ما تقوله حول الضوء.

والضوء، تبعاً لأمثال كلفن من علماء الفيزياء، هو اهتزاز، ومثله مثل أي اهتزاز آخر تتوجب معالجته من خلال قوانين نيوتن في الحركة. لكن علماء الفيزياء يُحاججون في أن اهتزازاً ما لا بد مهتز في شيء ما. وعليه فقد افترض الفيزيائيون أن الفضاء ليس فارغاً بل مليء بهلام غريب سموه "الأثير المضيء". إلا أن معنى ذلك أن سرعة الضوء كما تُقاس في المخابر على الأرض -السرعة التي يبدو أن الاهتزازات تنتقل بها عبر الأثير- لا بد أن تعتمد على سرعة واتجاه حركة الأرض عبر الأثير. وبما أن الأرض تدور حول الشمس فإن هذا الاتجاه يتبدل على الدوام، وإذن فإن سرعة الضوء المُقاسة من اتجاه معطى يجب أن تتغير تبعاً لتغيّر الزمن خلال السنة الواحدة. تالياً، توقع العلماء أن يكشفوا تغيّراً في سرعة الضوء المُقاسة في أزمنة مختلفة من السنة الواحدة، إلا أن تجارب دقيقة أظهرت أن الأمر ليس كذلك. إذ لا أهمية لاتجاه حركة الأرض بالنظر إلى الخلفية المشكّلة من النجوم البعيدة، فسرعة الضوء تبقى هي نفسها.

لغز سرعة الضوء هذا ووجود، أو عدم وجود، الأثير تمَّ حلّه من خلال نظرية النسبية الخاصة لآينشتاين، النظرية التي أظهرت أن سرعة الضوء ثابت مستقل عن السرعة التي تتحركون بها أو يتحرك بها مصدر الضوء.

إلا أن الغيمة الأخرى في أفق كلفن، الطريقة التي تتشاطر بها الجزيئاتُ المهتزّة الطاقةَ، تتصل بمشكلة عويصة أخرى، هي مشكلة الإشعاع الصادر عن جسم ساخن. في هذه الحالة تطلّبَ الحلُ ثورة في التفكير لا تقل جذرية عن نظرية النسبية، هي نظرية الكوانتا.

بوهر وآينشتاين

النسبية الخاصة تصورها عقل واحد-عقل ألبرت آينشتاين. لكن نظرية الكوانتا كانت نتاجاً لعقول مجموعة من الفيزيائيين الذين عملوا إجمالاً سويةً واقرّوا بفضل عالم الفيزياء الدانمركي نيلز بوهر كزعيم لهم على الصعيد الفلسفي. وكما ثبت في نهاية المطاف، فإن التوترات بين اليقين واللايقين، التي تشكل لب هذا النص، لا تجد تمثيلاً أفضل لها من هذا الذي يقدمه هذان الموقفان حول نظرية الكوانتا اللذيّن اتخذتهما الأيقونتان العظيمتان في فيزياء القرن العشرين، آينشتاين وبوهر. وبتتبع مساريهما الفكريين نستطيع أن نكتشف جوهر هذه القطيعة الهائلة بين اليقين واللايقين.

عندما تجادل الرجلان خلال العقود الأولى من القرن العشرين، تجادلا بذاك التوق إلى الحقيقة الذي جعل آينشتاين يُعرب عن شعوره بالحب تجاه بوهر. لكن، ومع تقدم الرجلين في السن، أصبحت الفروقات بين موقفيهما الخاصين غير قابلة للتجاوز إلى حد لم يبق معه إلا القليل مما يمكن أن يقوله أحدهما للآخر. يروي عالم الفيزياء الأميركي ديفيد بوهم قصة زيارة بوهر إلى جامعة برنستون بعد الحرب العالمية الثانية. في تلك المناسبة رتّب الفيزيائي أيوغن فيغنر استقبالاً لبوهر سيحضره آينشتاين أيضاً. أثناء الاستقبال وقف آينشتاين وتلاميذه في ركن من القاعة ووقف بوهر وزملاؤه في الركن الآخر.

كيف حدث هذا الشقاق؟. ولِمَ، مع توقهما المشترك إلى البحث عن الحقيقة، تصدعت روح التواصل المفتوح بين الرجلين؟. إن الإجابة على هذا السؤال تختزل الكثير من تاريخ فيزياء القرن العشرين ومن مشاغل التشوّش الجوهري بين اليقين واللايقين. تتضمن القطيعة بينهما واحداً من أعمق مبادئ العلم والفلسفة-الطبيعة الجوهرية للواقع reality. وأن نفهم كيف حدث ذلك يعني أن نتصدى لواحد من أكبر التحولات في فهمنا للعالم، قفزة أكثر ثورية بكثير مما أحدثه كوبرنيكوس أو غاليليو أو نيوتن. وللوقوف على الكيفية التي أدت إلى ذلك علينا، ابتداءً، أن نقوم بجولة في فيزياء القرن العشرين.

النسبية

ارتبط اسم آينشتاين شعبياً بفكرة أن "كل شيء نسبي". وقد أصبحت مفردة "نسبي" هذه محملة بعدد كبير من التداعيات المختلفة. فعلى سبيل المثال، يتحدث علماء الاجتماع عن نسبوية ثقافية، وبذا يشيرون إلى أن ما نحسبه "واقعاً" هو إلى حد بعيد بناء اجتماعي وأن المجتمعات الأخرى يبني كل منها واقعه بطرق أخرى. فيحاججون، إذن، في أن "العلم الغربي" لا يمكن أبداً أن يكون وصفاً موضوعياً كاملا للعالم لأنه جزء لا يتجزأ من نمط لمفترضات ثقافية بعينها. ويقترح بعضهم أن العلم ليس إلا واحداً من روايات تتساوى في صحتها، ومتعددة يرويها مجتمع من المجتمعات ليمنح بنيته سلطةً؛ في حين يمثل الدين رواية أخرى.

في هذا الاستخدام لكلمتي "نسبي" و"نسبية" ابتعدنا كثيراً عما قصده آينشتاين في الأصل. من المؤكد أن نظرية آينشتاين تخبرنا إن العالم يتبدى مختلفاً لمراقبين يتحركون في سرعات مختلفة، أو لمن يكونون في حقول جاذبية مختلفة. فعلى سبيل المثال، نسبةً إلى مراقب واحد ستتقلص الأطوال، و ستمشي الساعات بسرعات مختلفة، والأشياء الدائرية ستتبدى إهليليجية. إلا أن ذلك لا يعني أن العالم نفسه محض ذاتي. إذ أن لقوانين الطبيعة الأولوية على المظاهر النسبية، وهذه القوانين هي نفسها لكل المراقبين مهما كانت السرعة التي يتحركون بها أو أينما كان موقعهم من الكون. اعتقد آينشتاين جازماً بواقع موضوعي جملةً للعالم و، كما سنرى، عند هذه النقطة تنفض شراكة آينشتاين مع بوهر.

ربما يتوجب هنا إضافة شيء من التوضيح، لأن مفردة "النسبية" تغطي نظريتين. ففي العام 1905 (وفيما ستُعرف لاحقاً بنظرية النسبية الخاصة) عالج آينشتاين مسألة كيف تتبدى الظواهر مختلفة لمراقبين يتحركون في سرعات مختلفة. كما بيّن أن ليس ثمة إطار مطلق لمرجع في الكون يمكن قياس جميع السرعات عليه. وكل ما يمكن المرء التكلم عنه هو سرعة مراقب واحد عند قياسها بالنسبة لسرعة مراقب آخر. ومن هنا يأتي مصطلح "النسبية".

بعد ذلك بثلاث سنوات خطب عالم الرياضيات هرمان مينكوفسكي في الدورة الثمانين للمجلس القومي الألماني للعلماء والفيزيائيين في كولون. افتتح خطابه بالكلمات المشهورة التالية: "من الآن فصاعداً، قُدر على المكان بنفسه وعلى الزمان بنفسه أن يضمحلا إلى مجرد أطياف، ونوع من الاتحاد بينهما فقط هو ما يُبقي على واقع مستقل". وبعبارة أخرى، نظرية النسبية الخاصة عند آينشتاين تشير ضمناً إلى أن المكان والزمان يجب أن يُوحدا على أرضية رباعية الأبعاد جديدة سُميتْ الفضاء-الزمان.

عند هذه النقطة بدأ آينشتاين يتفكر في كيفية إدخال قوة الجاذبية إلى هذا المخطط. وكانت النتيجة هي نظرية النسبية العامة، التي نُشرت في العام 1916، (ها قد غدت نظريته الأولى حالة خاصة تنطبق في حالة غياب حقول الجاذبية). بيّنتْ النظرية العامة كيف تعمل المادة والطاقة على بنية الفضاء-الزمان وتتسبب في انحنائها. فعندما يدخل جسمٌ منطقةَ فضاء-زمان منحنية، فإن سرعته تبدأ في التغير. ضَعْ تفاحة في منطقة فضاء-زمان وستراها تتسارع، مثل التفاحة التي تسقط من شجرة على الأرض تماماً. وقوة الجاذبية التي تفعل في هذه التفاحة، منظوراً إليها من منظور النسبية العامة، ليست إلا تأثير جسم متحرك عبر الفضاء-الزمان المنحني. وانحناء الفضاء-الزمان هذا ناتج عن كتلة الأرض.

والآن لنعد إلى قضية الموضوعية في عالم نسبي. تخيّل مجموعة من العلماء هنا على الأرض، ومجموعة أخرى من العلماء في مختبر يسير بسرعة تقارب سرعة الضوء، ومجموعة أخرى تتموضع بالقرب من ثقب أسود. كل مجموعة من هذه المجموعات تراقب وتقيس ظواهر مختلفة ومظاهر مختلفة، إلا أن القوانين الأساسية التي يستنتجونها حول الكون ستكون متطابقة في كل واحدة من الحالات الثلاث. بالنسبة لآينشتاين، هذه القوانين مستقلة جملةً عن حالة المراقب.

هو ذا المعنى الأعمق لاكتشاف آينشتاين العظيم. فوراء الظواهر كافة ثمة قوانين الطبيعة، وصورة هذه القوانين، تعبيرها الرياضي الأكثر أناقة، مستقل جملةً عن أي مراقب. في المنقلب الآخر، الظواهر هي تجليات لهذه القوانين الأساسية لكن في ظل ظروف وسياقات خاصة فقط. هكذا، وبينما تتبدى الظواهر مختلفة بالنسبة لمراقبين مختلفين، تتيح نظرية النسبية للعلماء أن يترجموا، أو يحولوا، ظاهرة إلى ظاهرة أخرى وأن يعودوا، تالياً، إلى وصف موضوعي للعالم. من هنا، يقبع اليقين، بالنسبة لآينشتاين، بواقع وحيد وراء تعدد المظاهر.

النسبية تشبه، بعض الشيء، الانتقال بين بلدان مختلفة وتبديل الأموال من الدولارات إلى الجنيهات أو الفرنكات أو الينات أو اليوروات. فإن تغاضينا عن الرسوم المصرفية، فإن مقدار النقود يبقى هو ذاته تماماً، أما ما يتغير فهو مظهرها المادي-الأوراق النقدية إلى دولارات أو جنيهات أو ينات أو يوروات. وعلى نحو مشابه، فإن خطاباً يُلقى في الأمم المتحدة يُترجم في الآن ذاته إلى عدد من اللغات المختلفة. وفي كل حالة محددة تكون المادة الصوتية للخطاب مختلفة تماماً إلا أن المعنى الأساسي يبقى هو نفسه. يمكن موازاة الظواهر المُلاحظة بالخطاب في لغات مختلفة، لكن المعنى الأساسي، وهو منبع هذه الترجمات المتنوعة، يُقابل القوانين الموضوعية للطبيعة.

هذا الواقع الأساسي مستقل تماماً عن أي مراقب بعينه. لقد شعر آينشتاين أنه إذا لم يكن العالم يعمل على هذا النحو، فإنه ببساطة خال من المعنى وأنه، آينشتاين، سيتوقف عن العمل في الفيزياء. وهكذا، وبالرغم من كلمة "النسبية" ثمة، بالنسبة لآينشتاين، يقين واقعي حول العالم، وهذا اليقين مودع في القوانين الرياضية للطبيعة. وعند هذه النقطة الأكثر جوهرية تنفض شراكة بوهر معه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ن اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي :: تعاليق

الما نسأل: ما هي طبيعة الواقع الكوانتي؟. وما هي الطبيعة الأساسية للعالم؟. هل ثمة واقع على المستوى الكوانتي؟. نجد أنفسنا وقد وقعنا في شرك كلمات وصور وتصورات ذهنية ونماذج وأفكار مصدرها العالم ذو المقاسات الكبيرة. والنتيجة، كما يشير بوهر، خلط ومفارقة. وفي النهاية، البقاء على الصمت يَفضلُ خلق خلط فلسفي لا نهاية له؛ وربما يكون هذا هو السبب الذي حكم على النقاشات بين بوهر وآينشتاين لأن تنتهي بالصمت. فما بدأ كنقاش للمصادفة واللاتعين تطور إلى تحول جذري في أفكارنا حول طبيعة الواقع ذاتها. والرابطة الوجدانية العميقة بين آينشتاين وبوهر لم تكن كافية لتجاوز التصدع المتنامي بين مقاربتيهما الخاصتين للفيزياء.
تلاشي الواقع النهائي


أدخلتْ نظريةُ الكوانتا اللاتعين إلى الفيزياء؛ لاتعين لا ينشأ عن مجرد الجهل بل لاتعين أساسي حيال الكون ذاته. اللاتعين ثمن ندفعه لنصبح مشاركين في الكون. قد لا تكون المعرفة النهائية ممكنة إلا لكائنات أثيرية، تقبع خارج الكون وتراقبه من أبراجها العاجية. لكننا ككائنات ذات جسد، نعيش في قلب العالم المادي. نحن جميعاً مساهمون في هذا العالم، وضريبة الدخول التي ندفعها هي العيش مع قدر من اللاتعين.
اللاتعين يوجد بطريقة أخرى أيضاً وأكثر إقلاقاً، بوصفه لاتعينا إزاء الهدف الدقيق من العلم والفلسفة. كان البشر قد تساءلوا، ومنذ زمن الإغريق، عمّا يشكل العالم. فسعوا للوصول، من خلال التأمل والتجربة، إلى أرضية نهائية أو فكرة نهائية يستند عليها الواقع بأسره. وقارب علماء القرن العشرين فكرة الأرضية النهائية هذه بتحطيم المادة إلى كِسرٍ أصغر فأصغر فاكتشفوا من ثمّ الجزيئات والذرات والجُسيمات الأولية، ومعها نظرية الكوانتا.
لكن، عندها تحدى نيلز بوهر قدرة العلم والعقل البشري على المضي قُدماً. بدا تقريباً وكأنه يلمح إلى أن العلم كما نعرفه قد وصل أخيراً حدوده ولن يستطيع المضي إلى أبعد من ذلك بوصفه وسيلة للبحث في طبيعة الواقع[7].
عندما تحدث الفيزيائي والفيلسوف برنارد ديسبانا عن العالم دون الذري بوصفه "واقعا محتجبا" كان يُضمر أن ثمة شيئا ما واقعيا لا بد موجودا وراء الحجاب. ومرة أخرى يُحذرنا بوهر من هذه الأفكار. فليس بمقدورنا البدء بمناقشة ما يكمن وراء هذا الحجاب، أو حتى أن ثمة "شيئا ما" وراء الحجاب يمكن القول بوجوده. وفي التحليل الأخير، ربما لا وجود لواقع كوانتي. فقد لا يكون الواقع الكوانتي موجوداً إلا كتصور في عقولنا.
وهكذا نُترك أمام لغز. فربما لا وجود لأسس لعالمنا. وربما لا وجود لهدف نهائي يمكن للعلم التوجه نحوه. وربما تكون تصورات "الوجود" و"المستويات الأساسية" من سرعة الزوال بحيث تتلاشى ما أن نلمسها.
شيء شبيه لهذا ظهر مع الحركة الفلسفية المعروفة بـ"موت الله"، التي تمد جذورها في كتابات نيتشه. فبدلاً من إنكار وجود الله، حاججت هذه الحركة في أن التركيب البشري، "فكرة" الله، المفهوم البشري عن الألوهة قد مات. وما يبقى في مكانه، في مكان الله، يكمن وراء حدود الخطاب والمفاهيم والأفكار واللغة. ما يتبقى ينأى عن مس الفكر البشري وتلوثه. إنه لغز مطلق.
فهل تخبرنا نظرية الكوانتا أن بمقدور العلم وحده المضي بعيداً في فض ألغاز الوجود؟. هل ما تعنيه أن نقطة معينة، خطوة إضافية، ستقود فقط إلى تشوش لا طائل من وراءه؟. نظرية الكوانتا تُجبرنا على رؤية حدود قدراتنا على تأليف صور ذهنية، على خلق تشبيهات وعلى دفع اللغة إلى نهاياتها. وحينما نجهد أنفسنا في إمعان النظر في حدود الطبيعة، فإننا نبدأ، على غير جلاء، بتمييز شيء ما مستتر في الظلال المعتمة. وأن شيئاً ما يتألف من ذواتنا وعقولنا ولغتنا وذكائنا وخيالنا، وكلها قد توسعت لتبلغ حدودها.
• يمكن لقارئ هذا النص أن يستعيض عن مصطلحي يقين ولايقين بمصطلحي تعين ولاتعين. فللأوليّن نفس فلسفي ويرتبطان بنظرية المعرفة، فيتلونان بتلونها. وللتالييّن دلالة محددة في سياق فيزياء الصغائر في القرن العشرين، وعليهما استقر رأي معظم مَنْ ترجموا العلوم الطبيعية إلى اللغة العربية . المترجم.
]-بما أن الكوانت الواحد غير قابل للقسمة وهو مشترك بين الملاحِظ والملاحَظ، فليس بمقدور الفيزياء أن تقول ما إذا كان فوتون واحد ناتج عن الجهاز، أو عن الإلكترون الملاحَظ، أو عن كليهما. وبسبب ذلك لا يمكن حساب أثر التشويشات على السرعة والموقع وتالياً إجراء معادلة لإنقاص اللاتعين.
[2]- أفضى بوهر بتعليقاته هذه إلى ليون روزنفيلد. ووردت في كتاب Quantum Theory and Measurement (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1983). وقد حرره كل من جون أريشبالد ويلر وويجشيا هوبرت زيورك.
[3]- وردت في كتاب: Glimpsing Reality: Ideas in Physics and the Link to Biology (Toronto: University of Toronto Press, 1996). وقد حرره كل من باول بكلي وإف ديفيد بيت.
[4]- إن وجد القارئ هذه العبارة عصية على الفهم، فإن مفكرين ذوي عمق من ميداني الفيزياء النظرية وفلسفة العلم يتشاطرون أيضاً هذا الإلغاز بعينه.
[5]- باسيل هيلي في محاثة مع المؤلف.
[6]- ويلر وزيورك، المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[7]- في فترة شبابه، ناقش ديفيد بوهم مسألة الواقع هذه مع آينشتاين من خلال سلسلة من الرسائل. وقد تشبث آينشتاين باعتقاده في واقع مستقل يمكن مقاربته بالعقل. وفي أحد ردوده، يُحاجج بوهم أنه ربما يكون ثمة مستويات أخرى من المعرفة تكمن تحت المستوى الحالي لمعرفتنا، مستويات غير متوقعة وغير مكتشفة.
كانت فيزياء نيوتن كافية لوصف العالم طوال مائتي عام- فمن حالة إلى أخرى، فسرت فيزياء نيوتن ظواهر العالم. ومع إجراء تجارب أكثر دقة في نهاية القرن التاسع عشر بدأت الفيزياء تستنتج وجود تناقضات في قوانين نيوتن وبهذا دخلت عالم نظرية الكوانتا. لكن، وكما أشار بوهم، الحاجة إلى نظرية الكوانتا تظهر فعلياً عندما نتعامل مع مسافات وفواصل زمنية قصيرة للغاية فقط أو مع أشكال من الطاقة شديدة للغاية.
ومن أجل خبراتنا الباقية لا نحتاج إلى ما سوى الفيزياء الكلاسيكية، أي الفيزياء النيوتونية. ومعنى ذلك أن عالم الحياة اليومية غير حساس إلى حد بعيد حيال ما يجري فيما دونه على المستوى الذري، هذا المستوى المخفي بشكل فعال عن الخبرة العادية التي احتاجت إلى مئتي عام من العلم لتكتشفه.
لكن، ماذا إن كان ثمة مستوى آخر يقبع تحت نظرية الكوانتا؟. ربما تمضي عقود وعقود من العلم الدقيق قبل أن يتم اكتشاف هذا المستوى الخفي. وماذا إن كان ثمة مستوى آخر تحت هذا المستوى، وآخر، وهكذا إلى الأبد. ربما يكون الواقع منتاهياً في دقائقه، وسيكون العلم قادراً على النفاذ مسافة قصيرة للغاية من سطحه فقط. أما رؤيا بوهم فهي عن علم يواصل تقدمه دون حد. لكن السر التالي يغدو أصعب فأصعب على الكشف مع كل خطوة إلى أن يُقلع العلم ذاته مستنفداً.
على أي حال، حاجج بوهر في أن قدرتنا على الدخول إلى "واقع نهائي ما" للكوانتا محكوم عليه بالغموض والتشوش. وحتى مفاهيم بوهم عن المستويات والأفكار بوصفها أساسية ونهائية هي جميعاً صور ذهنية من المقياس البشري. إذ تستند، على سبيل المثال، على تشبيهات معمارية. ما أن نفتح أفواهنا لنطرح مثل هذه الأسئلة حتى تُؤثِّم أراؤنا المسبقةُ البحثَ.
مجهود اكثر من رائع اصالة عن نفسي ونيابة عن الجميع اشكرك جدا جدا
 

ن اليقين إلى اللايقين: نهاية السببية واستحالة الواقع الموضوعي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: