حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
marcp
ثـــــــــــــــائر متردد
ثـــــــــــــــائر متردد
avatar


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 24
معدل التفوق : 56
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 12/03/2012

ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟ Empty
14032012
مُساهمةثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟

ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟ 31-12-09-1

هل من ثقافة جديدة، اليوم، مختلفة عن الثقافة وفق مفهومها التاريخي المتداول والمتفق عليه؟
المتغيرات
العميقة التي لا تزال تواصل تثبيت أركانها في حياتنا المعاصرة منذ الحوار
الأول عام 1969 بين كومبيوترين موجودين في مكانين مختلفين، قلبت المفاهيم
"الكلاسيكية" السائدة منذ قرون وأجيال، مثلما قلبت وسائط تعبيرها،
وأدواتها، رأساً على عقب. وها هي اليوم، في رأي معتنقيها، تخلق قادتها
وفلاسفتها ومنظّريها ومهندسيها وفنّانيها وأدباءها وإعلامييها وسياسييها،
الواقعيين والافتراضيين. مثلما تخلق مفاتيحها وقيمها وأمزجتها وقوانينها
وتقاليدها، وتصنع لنفسها أبطالاً وجماهير ومريدين.
لقد اهتزّت المراجع
الفكرية التي كانت تقوم عليها مفاهيمنا التاريخية، ولم تعد "مصادرنا" هي
الأفكار الفلسفية والعلمية التي أرسى مرتكزاتها فلاسفة القرون الثلاثة
الأخيرة، وعلماؤها ومفكّروها، ولا حتى منهم، ربما، هؤلاء الذين لا يزالون
يواصلون الجدل والمناقشة حتى اللحظة الراهنة.
هذا ما يعلنه روّاد العيش
الجديد، معتبرين أن ما يطاول الفلسفة والفكر، يطاول في الحين نفسه، العلوم
في أنواعها الشتّى، والمعايير، واللغة، ووسائل الاتصال والتواصل بين
البشر، والبزنس، والحب، والجنس، والجامعات، والفنون البصرية، والرقمية،
والسينما، والعمارة، والآداب، والألعاب، ووسائل الإعلام، والديموقراطية،
والحرية، والسياسة. وهلمّ.
بل هذا ما تنبئنا به وقائع العيش نفسه. وهذا ما يمارسه "الفرسان"، أبناء الأجيال الجديدة، في مستويات وتجليات مختلفة.
إذا
كان بعضنا يغامر في القول إن هناك حياةً جديدة، مغايرة، مختلفة، مضادة،
موازية، متوازية، انقلابية أو بديلة، تعاش في عالم الانترنت المغاير، أفلا
نستطيع القول إن هناك، في ضوء المصائر والأحوال المتغيرة، ثقافة جديدة،
واقعية - افتراضية، تمدّ قنواتها في جسم الحياة الجديدة، وفي عقلها؟
تالياً: إذا كان "حقيقياً" كلّ هذا الذي يجري ويُعاش، فكيف يتجلّى في
الثقافة نفسها؟
هذا هو السؤال الذي يطرحه هذا العدد السنوي الخاص من "الملحق".
تناقش
السؤالَ، وتلقي الضوءَ على إشكالياته، مجموعةٌ من الزملاء والكتّاب
والمثقفين المختصين مباشرةً بتبدلات العيش الراهن ومفاهيمه الفكرية.

ثقافة الحياة الآن، هل هي الواقع نفسه أم صورُهُ الافتراضية؟

"الملحق"

***

أن نَنسى مستحيل... وأن نُنسى كذلك!

في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام ألف وتسعمئة وتسعة وستين أشرف
ليونارد كلاينروك على فريق نجح في جعل جهاز كومبيوتر في جامعة كاليفورنيا
"يتحدث" إلى جهاز آخر، وكان مؤمنا بأن استخدام الشبكة التي ستنجم عن ذلك
سيكون بسهولة استخدام الهاتف حينذاك. في ذلك الوقت لم يكترث أحد لإختراع
كلاينروك الذي عرضه للمرة الأولى في أطروحة تخرّجه عام ألف وتسعمئة وإثنين
وستين، وسمع من الشركات التي جال فيها لبيعها الفكرة أن الخطة لن تنجح،
وحتى لو نجحت فإن الشركات لا تريد الدخول في مثل هذا المشروع.

واصل الرجل أبحاثه، على رغم كل شيء، وحصل على تمويل من وكالة تأسست للرد
على إطلاق الإتحاد السوفياتي في تلك الفترة رحلة "سبوتنيك" الشهيرة إلى
الفضاء. دخل مشروع كلاينروك في الحرب الباردة، وصار جزءاً منها، إلى أن
توصّل في عام ألف وتسعمئة وثمانية وثمانين إلى اصدار أول برنامج معلوماتي
يتضمن "جرثومة". يومذاك ولد الطفل المسمّى "انترنت".

لكن كلاينروك، الذي يبلغ اليوم خمسة وسبعين عاماً من العمر، لم يتصور
قطّ ظهور برامج مثل "فايسبوك" أو "تويتر" أو "يوتيوب" عندما ابتكر الإنترنت
قبل أربعين عاماً، ولم يفكر للحظة في أنه سيرى صوراً لزوجة الرئيس الفرنسي
نيكولا ساركوزي وهي شبه عارية أو في ثياب السباحة، ولم يكن ليفكر للحظة
آنذاك في أن اختراعه سوف يحمل على ممارسة الجنس عبر "الويب كام" على بعد
آلاف الكيلومترات، وهو طبعاً لم يكن يفكر في أن أحدهم، سيكون في مقدوره أن
ينشر "افكاره" "العظيمة" على الـBLOG خاصته بلا أدنى تحفّظ. هذا كله لم يكن
في الحسبان. فقد اعلن كلاينروك خلال احتفاله بالعيد الأربعين للإنترنت،
أنه يفاجأ بالبرامج التي تظهر، واصفاً اختراعه بأنه "لا يزال يافعاً جداً".
بيد أن الإنترنتت بطريقة مرعبة، تذهب إلى حد استحالة توقع الآتي. ففي
أعوام قليلة باتت المعلومات، التي كانت في ما مضى، أصعب ما يمكن المرء
الحصول عليها، أبسط المستطاع، فخدمات "غوغل" مثلاً تتيح لأيّ مرتاد للشبكة
العنقودية أن يحصل على ما يريد من معلومات عن الموضوع الذي يطرحه على
الشبكة. بكبسة زرّ على كلمة "بحث"، بعد كتابة الكلمات التي يحتاج المرء إلى
معلومات عنها، يحصل على كمية كبيرة من المعلومات، بمعزل عن أهميتها أو
صحّتها. هذه الخدمة، التي أصبحت من بديهيات الإنترنت، تطورت كثيراً في
الآونة الأخيرة، حتى باتت تطاول المعلومات الخاصة بمشتركي مواقع التعارف،
من وزن "الفايسبوك"، وذلك عبر نظام تبادل المعلومات بين الـ"غوغل"
والـ"فايسبوك". بمعنى أن كل مرتاد للـ"فايسبوك"، سيكون حكماً جزءاً من
الـ"غوغل"، وسيشارك العالم مرغماً المعلومات الكاملة عنه، إلا إذا أوقف هذه
الخدمة بنفسه، وهذا متاح له بطريقة أو بأخرى.

الحق في أن نُنسى

لكن المسألة تخطّت ذلك بكثير، فالمعلومات التي تحويها شبكة الإنترنت،
خرجت على طور السيطرة عليها، وباتت مباحة لكل من يريد الدخول والبحث عنها،
لتشكل مأزقاً حقيقياً لمعظم مستخدمي الشبكة. فقد طرح أحد المواقع
الإلكترونية الفرنسية المعضلة بالطريقة الآتية: "ثمة مراهق كتب ذات مرة
مقالاً فظاً ونشره على الإنترنت. شبّ المراهق، وبات شاباً يبحث عن وظيفة.
أحد مستخدميه المحتملين مهووس بالإنترنت. يقع من طريق المصادفة على المقال.
فهل يوظّفه؟ لنفترض أن رجلاً خرج للتو من السجن، لإدانته بتعاطي المخدرات
مثلاً. هو تعافى من إدمانه ويريد بدء حياته من جديد. فهل يكون ذلك ممكناً
عندما تتربص به الإنترنت لتفضحه أمام الناس؟". هذه المقاربة البسيطة، تطرح
مشكلة خارجة على السيطرة، ألا وهي عدم قدرة الزمن على لفظ المعلومات خارج
الشبكة، فالأرشيف يظلّ متوافراً فيها بشكل مباح ويمكن الحصول على المعلومات
في الوقت الذي يريده المستخدم، ويصعب محو هذه المعلومات إذا ما صارت مباحة
للعلن، لأن الإنترنت معنية بما يسمّى "الذاكرة المطلقة"، كما يسمّيها مؤسس
معهد "اوروتكنوبوليس"، حيث يحفظ كل شيء: الصالح والطالح، الذكريات
والأخطاء الماضية، كتابات لم نعد نؤمن بمضمونها، مقالات نرغب في محوها، أي
كل ما يشكل تحدياً أمام حريتنا العامة". من هنا كانت الدعوة إلى سنّ قانون
النسيان الإلكتروني في فرنسا، الذي لا يزال، على ما يبدو، عصياً على
التنفيذ.
القانون هذا يستند إلى الحق في أن نُنسى (بضمّ النون)
الكترونياً، لكنه يصطدم بمعوقات كثيرة، منها "النسخ واللصق"، حيث يقدم
مستخدمون ألكترونيون على نقل معلومات تخص مستخدمين آخرين وحفظها لديهم،
فضلاً عن أن هذا القانون، الفرنسي الأصل، ليس عابراً للقارات، ولا تعترف به
العديد من الدول، فيما الإنترنت موجودة في كل شبر من البسيطة. والحال أن
مستخدمي الشبكة هم غالباً سبب المشكلة التي ستطاردهم لاحقاً، وخصوصاً عندما
يضع كثيرون منا صوراً أو معلومات على الـ"فايسبوك"، سرعان ما تنتشر لدى
كثيرين. فمن الضرورة أن نبقى يقظين وأن نبقي المعلومات التي تعنينا تحت
سيطرتنا، وخصوصاً أن ثمة شركات مهمتها جمع المعلومات الإلكترونية من أجل
ابتزاز أصحابها الآن أو لاحقاً.

فقد تسببت صورة على موقع الـ"فايسبوك" في توقف شركة تأمين كندية عن سداد مستحقات موظفة في إجازة مرضية طويلة لإصابتها بالاكتئاب.
وبدت
ناتالي بلانشار مبتسمة في صورة منشورة في موقعها، الأمر الذي رأت فيه شركة
التأمين سبباً كافياً تنتفي معه مسببات المخصصات المرضية التي تدفعها لها.

وقد عدّد موظف التأمين لبلانشار مجموعة من الصور الشخصية لها منشورة على
"فايسبوك"، منها واحدة وهي تبدو مستمتعة بوقتها في بار، وأخرى لحفل عيد
ميلادها، وثالثة وهي متعطلة تحت الشمس.

واتخذت شركة التأمين الصور كأدلة دامغة على تعافيها من الاكتئاب
واستعدادها للعودة إلى العمل. هي ابتسامة إذاً في صورة فوتوغرافية على
الـ"فايسبوك"، افقدت هذه السيدة مخصصات مالية كانت تستحقها.

ثمة مشكلة برزت لدى إطلاق موقع الـ"فايسبوك"، حيث قيل إن هذا الموقع
تابع لوكالة الإستخبارات الأميركية الـCIA، التي وضعت الموقع في الأسواق
لتجمع معلومات عن كل مستخدمي الشبكة، ليتم الاستعانة بها أمنياً. وخرجت
مقالات وتقارير لتؤكد هذا الأمر، وقد يكون صحيحاً، لا بل يمكن التسليم بأنه
صحيح، لكن السؤال الأصعب: هل يمكننا أن نقاوم رغبتنا بالخوض في اللعبة؟ هل
يمكن أن نقف متفرجين خوفاً من أن تحصل الإستخبارات الأميركية على معلومات
عنا؟ شعرة لا تنقطع قط، تفصل بين الوجودية والإفتراضية، بين افتراض الوجود
والوجود في الإفتراض. حتى الـCIA تصبح عرضة للرقابة والخرق في الشبكة التي
لا حدود لها.

لا نسأل ردّ القضاء بل...

الـ"فايسبوك" هو الموقع الذي يجاهر صراحة بإفشاء المعلومات وطرحها في
سوق التبادل، ففيه يتم البحث عن الأشخاص بالصور والأفلام والمعلومات
الدقيقة، ويمكن التأكد من الإسم عبر الصورة أو الفيديو، أو مستندات أخرى
ينشرها المستخدم. كما أنه اصبح وسيلة إعلامية وإعلانية، غاية في القوة
والنفوذ. عبره يستطيع المرء أن ينشر المقالات والأفكار، الصور والأفلام،
والمستندات. يمكن المرء أن يبحث في الـ"فايسبوك" عن الكثير من المعلومات
التي تجعله يخترق خصوصيات الغير لمعرفة التفاصيل الدقيقة عن الأشخاص، ويمكن
كل شخص أن ينشر صوراً أو معلومات عن أشخاص آخرين ويعرض هذه المعلومات على
العلن عبر خدمة "التاغ" TAG، وبذلك تصعب السيطرة على كيفية استخدام
المعلومات. فإذا وقعت واقعة الـTAG، فلا

رامي الامين

***

الأطفال لا يحبّون الجنّة...
يفضّلون الجحيم

لو افترضنا أننا نعيش بدل الحياة الواحدة حيوات، وأننا بعد الموت ننبعث
مرات ومرات من دون أن نبلغ العدم أو ربما الحياة الأبدية. لو افترضنا أننا
نستطيع أن نحكم العالم بكبسة زر وأن نتملّك أراضي وبنايات وأن نشغل وظائف
تجعلنا من أغنى أغنياء العالم، ولو افترضنا أننا نحن الخصم والحكم، في يدنا
أن نختار قدرنا وأن نغيّره بحسب مشيئتنا...

فرضيات. جميعها فرضيات كان العقل البشري قبل اختراع ألعاب الفيديو،
يجسّدها على شاكلة تخيلات وهمية إلى أن تجسّدت مرئياً على الشاشات بأبعادٍ
ثنائية وثلاثية. بات الأمر يتخطّى الخيال الإنساني اللامرئي ليتجسّد في
عوالم افتراضية متعددة تطاول جوانب الحياة كلها.

بدأت هذه العوالم الإفتراضية المرئية بالظهور في عام 1947 عندما اخترع
البروفسور الأميركي توماس غولد سميث الإبن، أول لعبة فيديو سمّاها "أداة
أنبوب الأشعة المهبطية المسلية". كان الزمن وقتذاك زمن الألعاب المصنوعة
يدوياً التي يشهد علم النفس بأهميتها في تحفيز الخيال عند الأطفال ما
يجعلهم خلاّقين، على اعتبار أنهم يخترعون لعبهم وينفّذونها بمهاراتهم
الشخصية. في ذلك الوقت كان الأطفال هم الذين يخترعون عالمهم الإفتراضي
ويخترعون أصدقاءهم الوهميين ويحددون ملامحهم، كلٌّ بحسب مخيّلته.

الآلة تتحكم بالطفل لا العكس

بعد سنوات عدة، وفي عام 1972، أُطلقت أول لعبة فيديو لغرض تجاري تحت اسم
"كومبيوتر سبايس"، فكان أول جهاز ألعاب فيديو يتصل بالتلفزيون لعرض الصور.
بعدذاك تكاثرت الألعاب الإلكترونية بسرعة، فأفقدت الألعاب البدائية
مكانتها، ورويداً رويداً حلّ العالم الإفتراضي الإلكتروني الذي يتفاعل فيه
الطفل مع أبطال لعبة الفيديو مكان العالم الإفتراضي الخيالي اللامرئي الذي
يخترعه الطفل، إلى أن أصبح عسيراً فصل الواقع الإفتراضي عن الواقع الحقيقي
في حياة الأطفال اليومية، فصارت الشركات الكبرى المصنّعة للألعاب
الإلكترونية هي التي تضع قيم العالم الإفتراضي بعدما كان الطفل هو صانع
عالمه. غابت خصوصية الخيال عند الأطفال فتشاركوا بعالم افتراضي واحد ترسمه
الدولة المنتجة للعبة الإلكترونية الأكثر جذباً للجمهور. غابت خصوصية
الخيال لأنه بات مطابقاً إلى حد كبير للواقع. كانت الألعاب الإلكترونية
عالماً في ذاته، لا يشبه الواقع ولا يشبه الخيال حتى. لنا أن نتذكر لعبة
"النينتاندو" مثلاً. لعبة بسيطة، الشخصيات فيها غير واقعية وغير خيالية
أيضاً. شخصيات بسيطة بأقل من خيال يمكن ابتكارها. فلويجي وماريو، بطلا
اللعبة الشهيرة، كانا شخصيتين أقل من عاديتين. وظائفهما بسيطة جداً.
يتحركان ويقفزان. وهذا كان كفيلاً تمكينهما من تفادي الحواجز. الجيل الجديد
من الألعاب يقترح معادلة أكثر تعقيداً: الخيال هو أن نرتقي إلى الواقعية
ما استطعنا. فألعاب سلالة "النينتاندو" أوصلت إلى الـ"بلاي ستايشن"، التي
وضعت الحياة في مجالات مختلفة في آلات تحكّم موصولة إلى اللعبة في يد
الأطفال. كنا نسمّيها "مسكة"، أي أننا من خلالها نمسك بالشخصيات ونحرّكها
على سجيتنا. وكان ذلك مبعث فرح طبعاً، لأن إحكام القبضة على الشخصيات يُشعر
الطفل بسلطة استثنائية. في ألعاب اليوم، باتت السلطة في يد اللعبة، أي
انتقلت "المسكة" إلى يد اللعبة، لتتحكم هي بالطفل. وبهذا، فقد الطفلُ
السلطة.
"الكارثة" هذه، أي فقدان الطفل السلطة، جعلته عموماً، يفقد
السيطرة. لهذا، انترنتياً، نجد الكثير من الأطفال فاقدي السيطرة، يهيمون في
الألعاب الكثيرة التي تتحكم بهم، وتجعلهم عرضة لأمراض نفسية وجسمانية.

تصاعدت الأصوات المحذِّرة من خطر هذه الألعاب الإفتراضية الإلكترونية
على الأطفال، نفسياً وصحياً. فقال خبراء الصحة إن تعوّد الأطفال على هذه
الألعاب قد يعرّضهم إلى أخطار إصابات في الرقبة والظهر والأطراف، وإن
الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة فيها قد
يتسبب في حدوث نوبات صرع، ووصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بضرورة كتابة
تحذيرات عليها، من مثل التحذيرات المكتوبة على علب السجائر.

أما علماء النفس فقالوا إنها تشجع على الانحرافات السلوكية الخطيرة التي
قد يكتسبها الطفل، كالعنف والعدوانية والتفتح المبكر على الجنس والميل إلى
الإنزواء والإنطوائية، وأحياناً العزلة التامة. كما أنها تخفف من الذكاء
وتقلل من الخلق وخصوصاً أن الأطفال يدمنون هذا العالم الإفتراضي ويمضون
معظم وقتهم فيه، فيستيقظون في الليل للتحقق من شخصياتهم الإفتراضية
والإطمئنان اليها، وأحياناً يهربون من المدرسة ويقصدون أماكن تمكّنهم من
الإتصال بعالمهم الإفتراضي. دفع هذا الإدمان الدكتور كليفورد هيل، المشرف
العلمي في اللجنة البرلمانية البريطانية لتقصي مشكلة الألعاب الإلكترونية
في بريطانيا إلى القول: "لقد اغتُصبت براءة أطفالنا أمام أعيننا وبمساعدتنا
بل وبأموالنا أيضاً. وحتى لو صودرت جميع هذه الأشرطة فإن الأمر سيكون
متأخراً للغاية في منع نموّ جيل يمارس أشد أنواع العنف تطرفاً في التاريخ
المعاصر".

غياب البراءة

مع غياب البراءة، بات كل شيء مباحاً ومتوقعاً من الأطفال. فغريزة
"الجريمة" التي تسكن كل طفل، تجد تصريفها في الألعاب التي تجري غالباً في
شوارع وأحياء ومدن افتراضية، تعمّها الفوضى والسرقات والقتل والإغتصاب.
يمكن الطفل أن يفعل كل ما يريد في بعض الألعاب الإفتراضية. يمكن أن يضرب
ويقتل ويمزّق ويحرق ويفجّر. يمكن أن يحتل ويسرق ويغتصب. له أن يفعل ما
يريد. أن يطلق النار، أن يكون شريراً أو خيِّراً، لصاً أو شرطياً، جلاّداً
أو ضحية. بكبسة زرّ يختار ما يريد. في الشوارع الإفتراضية يهيم، يبحث عن
ضحاياه، يبحث عن نفسه، عن امه وأبيه. يحدث أحياناً أن يقتلهما عمداً في
لعبة ما. يُنزلهما من السيارة، ويطلق عليهما النار. ثم يحييهما من جديد.
ويعيد قتلهما في محلّ للمجوهرات، ثم يحييهما ويقتلهما في المقهى، وهكذا
دوليك. هو مفهوم العقاب المتعاقب والمتكرر الذي يقول به الله في الجحيم.
تتيح الألعاب ابتكار الجحيم التي نريد، أما الجنّة فليس لها روّاد كثر.
غالباً تبدو في الألعاب كمعرض للرسم، رتيب ومضجر.
الأطفال لا يحبّون الجنّة، في الغالب الأعمّ، يفضّلون الجحيم!

مع ذلك، فقد لاقى العالم الإفتراضي الإلكتروني رواجاً جعله أمراً واقعاً
لا مفرّ منه، فلانت أصوات علماء النفس الذين عادوا ورأوا في هذه العوالم
بعض الإيجابيات قائلين إنها أداة مفيدة لمساعدة الاطفال في التمرن على ما
يتعلّمونه في الحياة الفعلية. على اعتبار أن العالم الإفتراضي تفاعلي يتعلم
الأطفال من خلاله الكثير من جوانب الحياة الفردية والإجتماعية من دون خشية
التعرض الى عواقب أفعالهم أو الخوف من الوقوع في الخطأ او العقاب، كما هي
الحال في العالم الواقعي. وقد استغلّت دول كبرى هذه النظرية فوظّفت
اختراعاتها لتدريب الصغار على مستقبل ترسمه لهم.

حروبٌ افتراضية الأطفالُ أحصنةُ طروادتها

هكذا بدأت حروب العالم الواقعي لتدريب الأطفال من خلال العالم
الإفتراضي، فأطلقت الولايات المتحدة الأميركية لعبة غزت السوق العربية عن
احتلال الجنود الأميركيين لعواصم عربية من بينها بيروت وبغداد، ردّ عليها
"حزب الله" بإطلاق لعبة "القوة الخاصة" تحت شعار الممانعة، مروّجاً لها
بأنها نصر على العدو الذي يحاول بث معتقداته من خلال ألعاب أميركية مضرّة
نفذت إلى عقول الشباب والأطفال. المفارقة أن هذه اللعبة لا تختلف في
مضمونها عن الألعاب الأميركية من حيث العنف الموجود فيها، فهي تعتمد على
القتل وإسالة الدماء، لكن تحت راية المقاومة.
"مسلّحاً" بالنجاح الذي
لاقته لعبته الأولى، طرح "حزب الله" في عام 2006 لعبة جديدة تروي حكاية
"الوعد الصادق" مطلقاً عليها اسم "القوة الخاصة -2". يقوم سيناريو اللعبة
على عملية أسر الجنديين في 11 تموز 2006، وفيها يتمكن اللاعبون من إطلاق
الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية. واعتبر الحزب أن "من حق الطفل
اللبناني أن يعرف ما حصل في الجنوب ليقوم بمحاكاة للفعل الجهادي ولفعل
تحرير الارض" (في مقابلة مع مسؤول الانشطة الاعلامية في "حزب الله" الشيخ
علي ضاهر لجريدة "الأخبار"). وافاد "حزب الله" في لعبته هذه من تقنية
الأبعاد الثلاثية التي يقول عنها رائد الواقع الافتراضي الباحث جارون
لانيار إنها "الأخطر لأنها الأفعل"، فالإدراك والمعرفة الانسانية مصممان
للعمل على الأبعاد الثلاثية، ما يسهّل عمل العالم الإفتراضي الثلاثي البعد
للتحكّم في العقول.

يعود تاريخ دخول تقنية الأبعاد الثلاثية إلى الألعاب الإلكترونية من
طريق الإنترنت الى عام 1999 مع الأميركي فيليب روزدال الذي أسس شركة "ليندن
لاب" بهدف تقديم خدمة جديدة لزوار الإنترنت. مع هذه التقنية تخطى جمهور
العالم الإفتراضي الأطفال فجذب الناس من جميع الأعمار، الأمر الذي استغلّته
الشركات الكبرى فجعلت من هذا العالم الإفتراضي ميدان اختبار ثلاثي البعد
لأغراض التسوق، كما فعلت شركات "سوني بي إم جي ميوزيك إنترتايمنت"، و"صن
مايكروسيستمس" و"نيسان" و"أديداس/ ريبوك" و"تويوتا" وفنادق "ستاروود"،
وقامت الشبكات الإخبارية بدخول هذا العالم أيضاً، من مثل شبكتي "سي ان ان"
و"رويترز." وافادت الشركات من هذه الميزة الجديدة التى جذبت العديد من
المستخدمين، فأطلقت عوالم افتراضية جديدة، كشركة "غوغل" التي أطلقت عالمها
الافتراضي تحت اسم "لايفلي" "Lively".

حياة ثانية

في عام 2003 أُطلق موقع "الحياة الثانية" "second Life" تحت شعار
"العالم عالمك والخيال خيالك". يملك زوار هذا الموقع الحقوق الفكرية لما
يخلقونه، وبمجرد الدخول إلى "الحياة الثانية" ستجد الكثيرين من زوّاره
يحاولون التعرف اليك، ويمكنك تكوين صداقات او الدخول في علاقات حب أو
غيرها. وافاد بعض الباحثين من هذه البيئة فخلقوا شخصيات تعكسهم بأسمائهم
الحقيقية، وتجوّلوا في هذا العالم الإفتراضي وقدّموا محاضرات وروّجوا
كتبهم. وهذا ما فعله لاري ليسيغ الذي اتفق مع ما يقارب مئة شخصية افتراضية
للتجمع في مكان افتراضي وتحدّث معهم عن كتابه الجديد "Free Culture" ووزّع
نسخاً إلكترونية منه ووقّعها افتراضياً.
لو افترضنا أننا نستطيع أن نحيا
حياة عادية. أن نسكن في منزل عادي، في قرية نائية، بعيدة من التكنولوجيا
والعالم. لو افترضنا أننا نستطيع التواصل مع كائنات حقيقية من لحم ودم،
ونلعب في الحقول. لو افترضنا أن علاقاتنا العاطفية يمكن أن تكون أكثر
واقعية وأن القبلات ليست مجرد رسم لشفتين حمراوين، وأن الحب ليس مجرد رسم
لقلب أحمر. لو افترضنا أن العالم الإفتراضي غير موجود، كيف كان عالمنا
ليكون؟

لو...
حنين الأحمر

***

برمجة للحياة وللأبدية

ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟ 31-12-09-2تدور
الروايات والافلام التي تستشرف مستقبل البشر على كوكب الارض حول موضوعين
أساسين، الاول يتعلق بفناء الجنس البشري على يد آلات اخترعها ثم سيطرت على
الكوكب الازرق، والثاني يدور حول اختراع البشر لعالم افتراضي يحتوي على كل
تفاصيل حياتهم السابقة بعد انتهاء الحياة على كوكب الارض نتيجة لتغييرات
كارثية في المناخ او لحروب طاحنة استخدمت فيها شتى أنواع الاسلحة الفتاكة.
من
هذه السيناريوات لنا أن نتصور أن البشر تمكنوا من صناعة آلات لديها مشاعر
انسانية وتمتلك عواطف، على أن تساعدهم في إنجاز الاعمال الصعبة وفي التفكير
لتطوير حياتهم على كوكب الارض. كانت الآلات ذات الهيئة البشرية تعمل
بالطاقة الشمسية، ثم مع تطور مجتمع الآلات وتطور ذكائها ومعرفتها أسرار
الحياة البشرية، قررت الانقلاب على البشر واستعبادهم والسيطرة على كوكب
الارض، فلم يجد البشر مفرا من تدمير الغلاف الجوي بواسطة أعاصير من غيوم
رمادية تخفي الشمس كي لا تتمكن الالات من شحن طاقتها.
كانت تلك الخطوة
الاولى في تدمير الحياة على الارض بواسطة البشر، او ربما هي الخطوة الثانية
اذا افترضنا ان الخطوة الاولى كانت في اختراع هذه الالات. لكن إخفاء الشمس
لم يمنع الآلات الذكية من إكمال حياتها على كوكب الارض، والطاقة التي
تحتاجها باتت تحصل عليها من أجساد بشر تصنعهم بواسطة الاستنساخ. فالجسم
البشري يوفّر يوميا طاقة كهربائية يمكنها من إضاءة لمبة في غرفة. هكذا
سيطرت الآلات على البشر بأجسادهم. لكن البشر كانوا في سبيلهم الى الفناء
بعدما خسروا الشمس مصدر الطاقة الاول الذي يمكنهم من البقاء على قيد
الحياة. لكن مجموعة منهم تمكنت من النزول الى نقطة قريبة من نواة الارض حيث
تتدفق الحرارة وبنوا مدينة فيها، ومنها انطلقوا الى مقاومة الآلات. ولم
تحقق هذه المقاومة أي هدف في مواجهة آلات تمكنت من صناعة أجساد بشرية في
ماكينات هي أشبه بأرحام النساء.

لكي تتمكن هذه الآلات التي تملك أشكالا بشرية من إكمال الحياة على سطح
الارض الذي أصبح رمادا لا حياة فيه، اخترعت برنامج كومبيوتر يشبه حياة
الارض القديمة بكل تفاصيلها. وبات البشر الذين يولدون في هذا البرنامج
يعتقدون ان هذه هي الحياة الحقيقية، وكانت كذلك بالنسبة اليهم. فهم يتنفسون
ويأكلون ويهرمون ويموتون في داخل البرنامج. كل ما نقوم به نحن البشر في
هذه السنوات من القرن الحادي والعشرين كان يقوم به بشر البرنامج
الكومبيوتري الذي برمجته الآلات. هؤلاء البشر في الداخل، يمتلكون عقائدهم
الدينية ويرتدون ملابس بحسب الموضة ويقرأون الكتب الجديدة والقديمة ويزورون
المتاحف ويشعلون حروبهم الخاصة، وينتظرون الحياة الآخرة. لكن الفرق الوحيد
ان جماعة من البشر كانوا يعرفون ان الحياة في هذا البرنامج ليست حقيقية
ويعرفون من يديرها. وكان سكان البرنامج، كلما تمكن بشري حقيقي من الدخول
اليه ليبلّغهم بما يعيشون فيه ويبشّرهم بالعالم الآخر، يتهمونه بالجنون.
وكانوا محقّين، فهو يخبرهم بأنهم غير حقيقيين وبأنه عليهم كي يصيروا
حقيقيين أن يحاربوا فكرة عيشهم في ذاك البرنامج وينتفضوا على سلطة الآلات
التي لا يعرفون بوجودها لأنها محض برمجة الكترونية. الرجال الآليون الذين
كانوا يديرون البرنامج، كانوا يعرفون بوجود هؤلاء الدعاة فيحاربونهم
ويقتلونهم. وهؤلاء لم يكفّوا عن النضال منتظرين مخلّصا أنبأتهم العرّافة
بوجوده، وهو سيولد داخل البرنامج لكنه سيكتشف سريعا كذبته، وسيساعده عدد من
البشر المحاربين في اكتشاف نفسه وقدراته المكنونة كي يخلّصهم مما هم فيه.

استشراف المستقبل؟ لِمَ لا!

حين ألقى رجال الآلات القبض على قائد المناضلين، حاولوا تحويله آلة عبر
مسح كل ما يعرفه من دماغه واعادة أدلجته بما يجعله يقبل بالعيش داخل
البرنامج. لكن لشدة عزيمته وتمسكه بمبادئه لم تتمكن الآلات من الدخول الى
مفاتيح دماغه، فقال له أحد الرجال المبرمجين: "لماذا تريد ان تبقى بشريا،
فأنتم البشر كالفيروسات، تتقاتلون لتجدوا مستقرا، ثم تستنزفون كل قدرات
المكان، فتعودون الى التقاتل من أجل مكان آخر، حتى يفني بعضكم بعضا، بينما
نؤمّن لكم في برنامجنا حياة سهلة وبسيطة نبرمجها بحسب الحاجة الى الاستقرار
فيها". لكن القائد لا يستسلم، والرجل "المنتظر" يتمكن بعد حرب طويلة مع
برنامج الكومبيوتر من أن يدمره ويعيد سيطرة البشر الحقيقيين على الارض.
هذه
باختصار القصة التي تطرح قضية العالم الافتراضي الذي ستنتجه التقنية
المتطورة. الصورة الاولية، أن هذه التقنية المتطورة مستقبليا هي إبنة
التطور التقني الحالي وثورة الاتصالات التي نعيش مراحلها الاولى في هذا
العصر. بالطبع، لم يكن في إمكان كتّاب قصة الفيلم الشهير "ماتريكس" استشراف
هذا المستقبل لولا اعتقادهم انه سيكون إبن هذا الحاضر، وأن ثورة الاتصالات
التي نعيش في خضمّها اليوم ستكمل دورة تطورها حتى تصنع عالما بذاتها.

تريد القصص والافلام والنظريات التي تستشرف المستقبل أن يحمل البشر
مسألة العالم الافتراضي على محمل الجد، على أساس ان العيش الافتراضي هو
خيار وليس قدراً. فمن قال اننا في حياتنا التي نعتبرها حقيقية، لا نعيش في
عالم افتراضي هو انعكاس لصورة عالم حقيقي آخر؟ يمكن كل فرد أن يعتقد أنه
يعيش حياته الإفتراضية الخاصة في انتظار حياة حقيقية أخرى. أليس الوعد
بالحياة الابدية بعد الموت تحويلاً لحياتنا هنا على الارض حياةً مفترضة،
علينا ان نقوم فيها بمجموعة من المعاملات تخوّلنا الصعود الى الجنة او تهبط
بنا الى أسفل الجحيم؟! هذه هي الفكرة الاولى التي يأتي منها "المخلّص".
فهو أولا وأخيرا محوّل الحياة الافتراضية حياةً حقيقية بسبب قدراته العظيمة
التي يمتلكها. هذا شبيه ببرنامج الكومبيوتر، الذي يستطيع أن يعيد خلق
العالم في داخل الشاشة على هوى الذي يعمل فيه.

عالم الشاشة ليس أكثر افتراضية من العالم الذي نسمّيه "حقيقياً"، أي
الواقع خارج الشاشة. وهو عالم ليس مسطحاً على ما قد يوحي، بل هو عالم
بعوالم كثيرة ومتداخلة ومتشابكة، يؤمّن في داخله كل وسائط التواصل بين
البشر وبينهم وبين الافكار، وهذا التواصل يدخل في صلب الحياة الحقيقية. لذا
قد يكون العالم المخلوق داخل شاشة الكومبيوتر بالنسبة الى خالقه أكثر
حقيقية من عالم الخارج، هذا اذا استثنينا اضطرار من يحيا في عالم الانترنت
(في مواجهة الكومبيوتر) الى الأكل والتحرك اللذين يؤمّنهما عالمنا الحقيقي
هذا، ما يجبره على ترك عالمه ذاك الى العالم الحقيقي ليتزود الطعام وليحرك
عضلاته، قبل ان يعود اليه.
من الانترنت الى العالم الافتراضي... درْ!
فكرة
العالم الافتراضي ليست بعيدة كل البعد عن الواقع، ولو أنه لا يمكن الجزم
بها طالما أننا في بداية مرحلة التطور "التواصلي" الذي "يحوّل العالم
قرية". لكن هناك بعض الشواهد التي يمكن أن تدلل على صحة مزاج "توقعي"، من
مثل مزاج صنّاع فيلم "ماتريكس" وغيره من الافلام المستقبلية. ففي هذه
الآونة بات الكومبيوتر آلة الكتابة الاولى في العالم، والمصدر الاول
للمعلومات، وهذا ما يدفع الى الاعتقاد أن دور المطبعة والكتاب والصحيفة الى
تلاشٍ. وليس خافياً على احد أن الصحف العالمية ودور النشر تشتكي في هذه
الآونة من تأثير الانترنت على إنتاجها.
بات الكومبيوتر الموصول الى
شبكة الانترنت اليوم من الوسائل الاولى والاساسية لعرض البضائع وبيعها،
مهمِّشا الاسواق الواقعية. وهو مكان لإتمام الاعمال، فهناك عدد لا يحصى من
الاعمال الجديدة التي لا تحتاج الى القوة البدنية، يمكن البشري أن يؤديها
هي نفسها من قرية في جنوب لبنان او من قرية نائية في الهند. إنه استخدام
جديد للأصابع على لوحة مفاتيح الكومبيوتر وللافكار المنهمرة من الرأس. ولا
يظنن أحد أن حاجة البشرية حاليا الى العودة للعمل في الارض لإعادة الاعتبار
الى الانتاج الزراعي الطبيعي، هي من قبيل المصادفة. على العكس تماما، فإن
انتشار التعليم المترافق مع ثورة المعلوماتية هو الذي يؤدي بشكل مباشر الى
ترك العمل بالقوة البدنية او بالارض، والعمل بالقوة الفكرية. أما البشر
الذين يهربون الى الغابات او الى قرى نائية، على ما يجري في بلاد كثيرة
تصنَّف بالمتقدمة، فإنما يهربون من عالم افتراضي يخافون أن يسحبهم الى
افتراضيته، الى عالم يعتقدونه حقيقيا. انها عودة الى ما قبل ثورة الاتصالات
المعاصرة. وهناك منظّرون كثر للافكار المناهضة لـ"العولمة الثقافية"، اي
لتأثيرات العولمة على الثقافات المحلية والاجتماع والعلاقات الانسانية.
وهناك مناهضون عالميون لنتائج ثورة الاتصالات والمعلوماتية على حياة البشر
لم يتكرسوا كمراجع بعد، لأن التأثيرات الجديدة لثورة المعلوماتية لم تتكرس
بدورها وهي في تطور دائم ومستمر. لم يصب هؤلاء شهرة حتى الآن كالتي أصابها
مفكّرو مدرسة فرانكفورت الذين ناهضوا تأثيرات الثورة الصناعية على حياة
البشر خلال الخمسينات والستينات من القرن المنصرم وكان في مقدمهم هربرت
ماركوز ("الانسان ذو البعد الواحد") وأريك فروم ("الانسان بين الجوهر
والمظهر"). وهذان النوعان من التنظير الجديد والقديم يدوران حول المقولة
(الفكرة) نفسها، أي تشيئ الثورة الصناعية وثورة الانترنت للانسان وتحويله
آلة.

عبر الكومبيوتر الموصول الى شبكة الانترنت تنشأ جماعات منتظمة، إن من
الاصدقاء او من العاملين في المجال نفسه، او من أصحاب إيديولوجيات متقاربة.
هؤلاء جميعا يمكنهم تنظيم لقاءاتهم واجتماعاتهم وأفكارهم وخططهم وعملياتهم
عبر شبكة الانترنت من دون الحاجة الى اللقاء في مكان واقعي. هذا ينطبق على
عرض الكائن "الانترنتي" لخصوصياته من أفلام وصور، وإمكان مشاهدتها لدى
آخرين، وعلى تفشي معلومة او شائعة تفشيا لا يمكن وقفه بأيّ طريقة من الطرق.
للقيام بهذا كله لا بد من استخدام الكومبيوتر وشبكة الانترنت لساعات طويلة
من النهار، ولم يعد مهما المكان الذي يتم استخدامهما فيه طالما ان
الانترنت باتت متوافرة في كل مكان، ومقاهيها منتشرة في كل المناطق السكنية
حتى الفقيرة منها. لذا يمكن المداوم على الشبكة أن يمضي قسما كبيرا من
نهاره أمام الكومبيوتر، وفي اللحظة التي يتوقف عن ذلك، يكون في حالة
استراحة قبل العودة الى مواجهة الشاشة.
الحال هذه شبيهة بحالة الهاتف
الخليوي. عندما تفرغ بطارية الهاتف او يتعطل لسبب ما ولو لوقت قصير، فإن
صاحبه يشعر بأنه في حالة انقطاع عن العالم، وكأن الهاتف المحمول هو الذي
يبقيه في حالة تواصل مع الحياة الواقعية. لا يمضي شاب يحمل الهاتف الخليوي
وقتا طويلا من دون هاتفه، وإلا شعر أن هناك شيئاً ما يجري وقد أُقصي عن
المشاركة فيه. الشعور نفسه ينسحب على علاقات التواصل في شبكة الانترنت. على
المداوم أن يتفقد بريده الالكتروني وصفحة الـ"فايسبوك" خاصته وصفحات
أصدقائه "الفايسبوكيين" في فترات قصيرة ومتلاحقة. انقطاع الانترنت لمدة
قصيرة، سيشعر هذا المداوم بأنه منقطع عن عالمه داخل الكومبيوتر، وكأنه
مطرود عنوةً من العالم الافتراضي الذي تشابك وجوده فيه مع شبكة الموجودين
جميعا، وبات حضوره فيه عضويا. هذه المشاعر تجاه وسائل الاتصال ليست إدمانا
البتة. إنها ارتباط بمجتمع آخر له حركته المنسقة والدائمة وتفاعلاته ذات
التأثيرات المباشرة على الحياة الواقعية. كلّ انقطاع عن التواصل مع هذا
المجتمع، هو بمثابة نفي، سواء أكان قسريا ام إراديا. لا فرق. هذا ينطبق على
متابعي الشبكة من أجل إتمام الاعمال او التعارف او جمع المعلومات او
المشاركة والتنافس في الالعاب الكثيرة والمتنوعة. هؤلاء جميعا ما عاد في
إمكانهم نقل حاجتهم الى شبكة الانترنت من عالم الشبكة الافتراضي الى العالم
الواقعي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟ :: تعاليق

ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟ Rdd63uj
 

ثقافة الحياة الآن، الواقع أم صورُهُ الافتراضية؟

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: