"الليبراليون" وأبناء القبائل
نعتقد
أن الإسلاميين في بيئتنا الكويتية نجحوا على ما يبدو في جذب رجل الشارع
بسبب تمكنهم من ملامسة مشاعره الروحية الفطرية. وربما نجحوا أيضاً في
مخاطبة العاطفة الدينية لعامة الناس. بل وأوضح دليل على نجاح ذوي التوجهات
الإسلامية السياسية في كسب تعاطف عامة الناس هو بروزهم المتميز في
الإنتخابات البرلمانية الأخيرة. أما القوى الفكرية والسياسية الليبرالية
أو التقدمية فلا يبدو انها تمكنت من جذب رجل الشارع في الكويت وذلك على ما
يبدو بسبب عدم تواصلها البناء معه ربما بسبب عدم تكريس أهل الفكر
الليبرالي التقدمي لعلاقات إجتماعية فاعلة مع كل شرائح المجتمع.
فالإسلاميون لا يزالون حاضرين في غالبية المواقع الإجتماعية والسياسية
المحلية, ويبدو انهم يسيرون وفق خطط سياسية وإعلامية واضحة ويستمرون في
البناء على نجاحاتهم السابقة. أما القوى التقدمية والليبرالية ولا تزال
تعمل إستناداً إلى وهجها الفكري والإعلامي الذي حدث في ستينات وسبعينات
القرن الماضي! ولكن المشكلة الحقيقية في هذا السياق تكمن في الأفول
التدريجي لشمس القوى التقدمية والمدنية والليبرالية في المجتمع وذلك بسبب
ضعف تواصلها مع الأجيال الكويتية الجديدة. وربما بسبب ما يراه البعض
تقوقعها الطبقي وضعف علاقتها مع اولئك الذين ينتمون إلى شريحة إجتماعية
كبيرة دعمت بشكل ملاحظ التوجهات القبلية والإسلامية في الانتخابات
البرلمانية (أبناء القبائل).
وفق رأينا, ستنجح القوى التقدمية في المجتمع في إسترجاع بعض مكانتها
السابقة وتأثيرها الفاعل في الحيزين الإجتماعي والسياسي الكويتي إذا حققت
تواصلاً ملموساً مع عامة الناس: وبخاصة مع من تتوافق وجهات نظرهم العامة
مع "الفكر المدني" الكويتي. أما إستمرار الوضع الليبرالي (التقدمي) كما هو
عليه الآن: شجب ما يصفه بعض الليبراليين بتدخلات بعض أعضاء الأغلبية
البرلمانية في الحياة الخاصة للناس, وإصدار بيانات يتيمة تستنكر بعض
إقتراحات القوانين الجدلية أو ما يصنفه البعض تعدياً على الحريات الخاصة
للأفراد, فلن يجدي نفعاً في إعادة إحياء الصوت التقدمي والمدني في الكويت !
الإسلاميون والقبليون نجحوا في صنع أغلبية برلمانية وربما سيكون لهذه
الأغلبية وقعاً كبيراً في حياتنا اليومية (هذا بالطبع إذا إستمرت الأغلبية
متماسكة). وربما سيستمر التآكل التدريجي للفكر الليبرالي المستنير وستضعف
الأصوات التقدمية في المجتمع طالما ان كثيراً من مؤيديها لا يزالون
يحاولون النهل فقط من إنجازات سابقة يبدو ان بريقها خفت الآن. وربما لم
تعد التوجهات الفكرية الليبرالية والتقدمية تتوافق فعلاً مع معطيات عصرنا
الحاضر, ولم تعد تعكس المتطلبات الفعلية لشريحة كبيرة من الأجيال الكويتية
الجديدة.
