حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 تأملات أوّلية في المرجعية الفكرية لليسار المغربي الجديد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
البدر
ثـــــــــــــــائر متردد
ثـــــــــــــــائر متردد
avatar


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 27
معدل التفوق : 63
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 27/02/2012

تأملات أوّلية في المرجعية الفكرية لليسار المغربي الجديد Empty
06052012
مُساهمةتأملات أوّلية في المرجعية الفكرية لليسار المغربي الجديد

محمد أندلسي


1-
ملاحظات تمهيدية:



إن
كانت الأرضية المباشرة التي شكّلت منطلقا لهذه التأملات هي الوثيقة التي أعدتها
اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الأول للنهج الديمقراطي، وخاصة الورقة
المتعلقة بالإطار المرجعي للنهج
الديمقراطي، وهي الورقة التي "تحدد المبادئ والتصورات العامة التي يرتكز
عليها النهج الديمقراطي في عمله السياسي". إلا أن الإطار الفكري الفعلي لهذه
التأملات تتجاوز المرجعية الفكرية للنهج الديمقراطي لتشمل مختلف التصورات
والمفاهيم والرؤى التي يفترض أنها ملهمة للممارسة السياسية لليسار المغربي الجديد
بمختلف مكوناته.



إلى
جانب هذه الملاحظة الأولى المتعلقة بطبيعة الأرضية الفكرية التي شكّلت منطلقا لهذه
الورقة، هناك ملاحظة ثانية تتعلق بطبيعة هذه التأملات وحدودها. واضح أن هذه
التأملات تريد أن تكون فلسفية، لا بالمعنى التقليدي للفلسفة بما هي نظرة عقلية
شمولية للكون والحياة والمجتمع والتاريخ، ولا بالمعنى الإيديولوجي للفلسفة بما هي
ممارسة ثورية لتغيير الواقع. فالفلسفة التي تستلهمها هذه الورقة لا تدّعي أنها
تنظر إلى الأمور نظرة أساسها العقل لا العاطفة أو الهوى، أو أنها تحتكر العقلانية
بمفردها دون سواها. فهذه الفلسفة تطمح أن تكون فيما وراء ثنائية العقل واللاعقل
وغيرها من الثنائيات الميتافيزيقية كثنائية الصدق والكذب، والحقيقة والخطأ، والخير
والشر، والإيمان والكفر، واليمين واليسار..إلخ. كما أنها فلسفة لا تعد بالخلاص لا
في الآخرة على غرار النظرة اللاهوتية، ولا في الأرض على غرار النظرة الإيديولوجية
الثورية. فإن كانت هذه الفلسفة تعد بشيء، فإنها تعد بلا شيء، أو إن شئت قلت أن
وعدها هو اللاوعد. لقد حان الوقت - كما يقول هيدغر- "للكف عن التقدير الزائد
للفلسفة وعن مطالبتها من ثمة بالكثير"[1].
أو كما قال هيجل "إن الفلسفة لن تتخلى عن نعت "محبة الحكمة" لصالح
الحكمة في شكل معرفة مطلقة".



إن
هذه الفلسفة تريد أن تكون مساءلة دائمة وفحصا أو تشخيصا نقديا بمعنيين: النقد
الجنيالوجي وهو نقد يروم إزالة الأقنعة عن المبادئ والقيم والمثل العليا المقدّسة
وفضح الأوهام التي تنطوي عليها، وعلى رأسها أوهام الأصول النقية أو الطاهرة. ولقد
تحدّدت معالم هذا النقد في فلسفة نيتشه، وتبلورت بصفة خاصة في أعمال ميشيل فوكو
وجيل دولوز وجاك دريدا. أما النقد بمعناه الثاني فهو النقد التفكيكي الذي تحددت
معالمه الكبرى في فلسفة هيدغر، وتبلورت بشكل خلاق داخل المدرسة التفكيكية التي
يقترن عادة اسمها على الصعيد الفلسفي ببعض الرموز الفلسفية من أهمها: جاك دريدا،
وجان لوك نانسي، وصراح كوفمان، وميشيل ري، ولويس بوترا، ولاكو لابارت. ويسعى هذا
النقد إلى تفكيك موضوعه
من
الداخل، وذلك عبر التسرب من خلال فجوات وثغرات وبياضات بنيته، ساعيا إلى إماطة
اللثام عن مسكوتاته ومكبوتاته ولا مفكّره، وإبراز آلياته في إنتاج المعنى
والدلالة.



واضح
أن هذه الفلسفة التي تطمح هذه الورقة استلهامها، لن تكون وعدا بالحقيقة ولا بحثا
عنها، إذ "أل" حقيقة بصيغة ألف ولام التعريف وفي صورتها الكلّية والأحادية-
أي كما تكرّست داخل وخلال تاريخ الميتافيزيقا- أصبحت عبارة عن" خرافة"،
تماما كما أعلن عن ذلك نيتشه في أحد شذرات "أفول الأصنام"[2].



إن
الفلسفة بمعناها الجنيالوجي-التفكيكي الآنف الذكر، هي نقد لاذع للأصولية
الميتافيزيقية وللغائية الطوباوية- لاهوتية كانت أم علمانية أم ثورية. وهي قبل أن
تكون نقدا لآخرها وغيرها فهي نقد لذاتها، إذ هي توجّه بمطرقتها ضربة حاسمة لكل ما
تعد به الفلسفة من عقلانية أو صحوة أو ثورة أو خلاص، وتطالبنا أن نكون"
فلاسفة بشكل أقل، أو أن نكون أقل حذرا من الفلاسفة". وإذا كانت هذه الورقة
"موجّهة إلى الجميع وإلى لا أحد بعينه"، أي موجهة إلى كل مكونات اليسار
المغربي وليس إلى أحد مكوناته، فربما لأنه من واجب كل واحد منها أن ينتزع ذاته من
"استبداد الكل" الذي ينتمي إليه، "لكي ينفتح على ما ليسه بعد، ولكي
يصير بقلق أسئلته وتساؤلاته المنزاحة، إرادة قوة للمستقبل"[3].



2-
مرتكزات ومحاور الإطار الفكري لليسار الجديد:



لقد ركّزت الورقة على أربع
قضايا اعتبرتها هي بمثابة محاور أساسية يرتكز عليها- بشكل أو بآخر، وبشكل متفاوت-
الإطار الفكري الذي تستلهمه الحركة السياسية اليسارية في المغرب. هذه القضايا تتخذ
شكل التوجهات أو العلاقات التالية:



- العلاقة بالفكر الثوري والماركسي منه على الخصوص.


-
العلاقة بالمقدّس الديني.



-
العلاقة بالشأن السياسي.



-
العلاقة بالديمقراطية.



طبعا
لا حاجة إلى التذكير، بأن هذه الورقة هي عبارة عن تأملات أوّلية وتفكير أوّلي،
وبالتالي فهي لا تصدر عن إلمام شامل ومعرفة دقيقة بكل الأدبيات المتعلقة بالموضوع،
سواء تلك الصادرة من داخل حركة اليسار الجديد، أو تلك الصادرة عن الأوساط النقدية.
هذا مع العلم أن ما اطّلعنا عليه من تلك الأدبيات- على محدوديته- لا يشفي غليل
الأسئلة التي يطرحها المنظور الجنيالوجي-التفكيكي الذي نعتمده في هذه القراءة.



إن
هذا التحفظ سنتخذه تسويغا-طبعا إن كان الأمر يحتاج إلى تسويغ- لما سيلاحظ من
عمومية، أواختزال، أواختصار، أو تكثيف في العبارة، أوتلميحات وإشارات عابرة. لكنه
تسويغ لن يكون على حساب الصدق والجرأة والعمق والدقة والوضوح التي يقتضيها
الالتزام الفلسفي.



2-1-
علاقة
الحركة بالفكر الماركسي:



لابد أولا من الإشارة
إلى التطور الذي عرفه التصور الفكري والنظري للحركة، وهو في نظري تطور ينم على
الطابع الدينامي للحركة وقدرتها على استلهام بعض المستجدات الفكرية التي تطرأ على
المستوى النظري، واستفادتها من التجربة التاريخية الذاتية والموضوعية الجارية أخذا
ونقدا.



إحدى أهم مؤشرات ذلك التطور نشير إلى النقد الذي
توجّهه الحركة إلى الفكر الماركسي، الذي يعتبر المرجع الأساسي إن لم نقل الوحيد
بالنسبة لليسار السياسي الجديد. بيد أن هذا النقد انصب على مستوى التجربة
التاريخية وخاصة التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي سابقا. حيث ينصب النقد
على ما تنعته الحركة بالتحريفية، مثل "تحريفية" لينين وخروتشوف
وبريجنيف، أو تنميطية ستالين..إلخ. وكما هو واضح فالمسألة في اعتقاد الحركة مسألة
تتعلق بتحريف، أي بابتعاد عن أصل يعتبر نقيا وطاهرا، قد يكون هذا الأصل عبارة عن
"ثوابت" نظرية مستخلصة أو مثبتة في نصوص أو مواقف، وقد يكون عبارة عن
ممارسات أو تجارب أولى ينظر إليها باعتبارها نماذج مكتملة ومعايير نهائية للسلوك
أو الممارسة السياسية.



يمكن للمرء أن يشاطر
رأي الحركة الذاهب إلى أن الفكر الماركسي هو الأكثر قدرة على تحليل آليات المجتمع
الرأسمالي وقوانين نظامه، وهو القادر على توفير أدوات نقده وتجاوزه فكرا وممارسة؛
لكن لا يمكن أن نتفق معها في إضفاء طابع ماهوي وبنيوي على تلك القدرة، واعتبارها مسألة
آلية طبيعية في الماركسية. بمعنى أنه إذا كانت الماركسية تتسم بطابع
"علمي" و"ثوري"، فإن هذا الطابع ليس معطى وحاسما ونهائيا؛
وذلك لأن حركية العلم والواقع والفكر الإنساني لم تتوقف عن التطور. ولهذا فإن تلك
القدرة التحليلية لكي تكون خصبة وخلاقة تقتضي إعادة نظر شاملة وجذرية ومستمرة في
الماركسية، لكي تستوعب مظاهر الجدة على المستوى الفلسفي والعلمي، وعلى المستوى
السوسيولوجي والتاريخي. أي ضرورة تجديد الفكر الماركسي على ضوء التطورات التي
يعرفها الفكر والمعرفة، والتحولات التي يعرفها النظام الرأسمالي والمجتمعات البشرية
بصفة عامة والمجتمع المغربي بصفة خاصة.



إن السؤال الذي يطرح
نفسه في هذا الصدد يتعلق بما إذا كانت حركة اليسار الجديد تساير بالفعل هذه
التطورات والتحولات؟



للجواب على هذا السؤال
يجب أولا معرفة طبيعة تلك التطورات الفكرية ولو في ملامحها العامة، وطبيعة تلك التحولات
ولو في خطوطها العريضة.



أ-على المستوى الفكري
والإبستملوجي:



تم تجاوز الكثير من المفاهيم التي كانت أساسية
في تحليل الظواهر، وفي توجيه الممارسة، مثل مفهوم الحتمية ومفهوم الغائية. فلم يعد
ينظر إلى التاريخ على أنه صيرورة خطية متدرّجة في تقدّمها، تمرّ بمراحل حتمية
وتتجه نحو غاية محدّدة سلفا(المهدوية، المجتمع الشيوعي). لقد انفجر الزمان وأصبح
التاريخ تواريخ. ويبدو أن فكر حركة اليسار الجديد متأخر على هذا التطور. إذ لازالت
تتبنى الخطاطة الماركسية الكلاسيكية للتاريخ. وهي خطاطة أثبت التحليل الفلسفي
التفكيكي أنها واقعة تحت نظرة مركزية أوروبية، تجعل من تاريخ الغرب تاريخا للعالم.



أحد التطورات الفكرية
الهامة أيضا اليوم يتعلق بمفهوم السلطة[4].
إذ لم يعد ينظر إليها باعتبارها صادرة عن مركز، أي متمركزة في جهاز الدولة ومؤسساتها،
بل صارت السلطة متشظية ومستوطنة لكل الفضاءات، وشبكة تطال مختلف المجالات
والعلاقات والقوى والأفكار والتصورات والسلوكات. مما يعني بأن مفهوم الصراع
والمقاومة والكفاح لم يعد مفهوما أحادي الشكل ومتمركزا، بل صارت المقاومة مقاومات،
أشكال من المقاومة متعددة ومتنوعة بتعدد وتنوع أشكال السلطة، وباختلاف مواقعها
وأماكنها ودرجة قوتها وكثافتها. فلا أفضلية لموقع على آخر، أو لشكل من السلطة أو
المقاومة على أخرى. المقاومة القوية اليوم في الغرب الرأسمالي المعاصر هي تلك التي
تمثّلها حركات البيئة والمقاومة الإيكولوجية.



هل حركة اليسار الجديد
تضع اليوم والآن الفكر الماركسي موضع تساؤل على ضوء هذه المستجدات الفكرية؟ هل
تسائل التصور الماركسي للتاريخ وللسلطة؟ أي هل أعادت النظر في مفهومي التاريخ
والسلطة كما صاغتهما الماركسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؟ أم أنها
لاتزال تلوك تصوراتها التقليدية وتتشبّث بها تشبّث الغريق بخشبة الإنقاد؟



ب- على مستوى الواقع
والتطور المجتمعي:



إذا تساءلنا الآن عن طبيعة التطورات التي
عرفها النظام الرأسمالي؟ وهل مقولات الاقتصاد السياسي الكلاسيكي: كمقولة التناقض
بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، ومقولة فائض القيمة، والصراع الطبقي، والتناقض
بين البرولتاريا والبورجوازية، تمكّن الآن من قراءة المشهد السياسي عندنا وعند
غيرنا؟ وهل تمكّن من استيعاب التغيرات الكبرى التي عرفها النظام الرأسمالي
العالمي؟



يبدو
أن الفكر الماركسي وخاصة بالشكل الذي تفهمه الحركة اليسارية وينعكس في خطاباتها
متأخر جدا على هذا الصعيد:



فحسب
علماء الاجتماع المعاصرين (جاك إيلول-هابرماز-ماركوز..) فإن المجتمع الصناعي
المعاصر عمل على إحلال إيديولوجيا للعلم والتقنية محلّ التبريرات التقليدية
للمشروعية. فالدولة الحديثة ليست مؤهلة لتمثيل مصالح طبقة مضطهدة(بكسر الهاء)، بل
هي تسعى إلى إبعاد مظاهر الخلل التي تلحق بالنظام الصناعي. فتبرير فائض القيمة
بإخفاء آليته، لم يعد هو وظيفة إضفاء المشروعية، بعد أن كانت وإلى حدود بداية
القرن العشرين هي الوظيفة الأولى للإيديولوجيا الليبرالية في المجتمع الرأسمالي الذي
وصفه ماركس. وذلك لسبب بسيط، يتمثّل في أن فائض القيمة لم يعد هو المصدر الرئيسي
للإنتاجية، كما لم يعد تملّكه هو السمة السائدة للنظام الرأسمالي المعاصر. لقد
أصبحت السمة المهيمنة اليوم على المجتمعات الرأسمالية هي إنتاج العقلنة ذاتها
والمتجسّدة أساسا في الحواسيب والروبوات والعقول الإلكترونية. إن الذي أصبح يتطلب
إضفاء المشروعية عليه هو الحفاظ على النظام في شموليته ككل، والحرص على تنميته
وتطويره، فالهاجس الطبقي الخالص أصبح مذوّبا ومدرجا ضمن مشروع أشمل، هو مشروع
الهيمنة للنموذج التقني-الحضاري للغرب. وهذا ما يخدمه بالضبط الجهاز العلمي
التكنولوجي المتحوّل إلى إيديولوجيا. فالإيديولوجيا الرأسمالية المعاصرة تختلف
اختلافا بيّنا عن تلك التي وصفها ماركس، والتي لم تعد تصدق إلا على فترة قصيرة من
حياة الرأسمالية الليبرالية وليست لها أي مصداقية شمولية في الزمن.



إذن
ما يهم بالنسبة للنظام الصناعي-التقني اليوم هو أداتيته. وينجم عن هذا تصور معيّن
لشكل الصراع السياسي. بحيث لم تعد الليبرالية الجديدة تخوض الحرب بأدوات القمع
السياسي والاقتصادي التقليدي، كما حدده ماركس في حينه، وكما تستعيده الحركة اليوم
في حرفيته[5]،
كتخفيض جزء من القيمة المضافة(تخفيض الأجور المباشرة وغير المباشرة- تخفيض ساعات
العمل- تخفيض عدد العمال- الخدمات الاجتماعية- الضرائب المباشرة وغير
المباشرة..إلخ)، بل لقد أصبح الصراع يخاض اليوم على حدّ تعبير جاك دريدا في
كتابه"أطياف ماركس"، بأساليب وأدوات "الحدث الطيفي" للتقنية
العلمية[6].



من
هنا تطرح ضرورة تحويل الإرث الماركسي وإخراجه من منطق الاقتصاد السياسي الذي يقوم
على نظرية الصراع الطبقي والإيديولوجي، إلى تحليل أطياف الليبرالية وفضح التمويه
الليبرالي الذي يقوم على إخفاء تاريخيته واستراتيجيته القائلة ب"نهاية
التاريخ"، إذ تجعل من الديمقراطية الليبرالية-مدعّمة بتحالفها مع العولمة
والسوق الحرة- الأفق الوحيد للتطور والغاية النهائية للبشرية جمعاء.



التحويل
الثاني الذي يجب أن يطال الماركسية يتعلّق بأفقها. يجب تحرير ذلك الأفق من نزعته
المسيحية ومن المهدوية المتمثّلة في الوعد اللاهوتي بتحقيق الجنة/المجتمع الشيوعي.
صحيح أنه على الماركسية كحركة ثورية أن تكون واعدة، ولكن وعدها يجب أن يكون بدون
مهدوية. فما يهمّ هو حدث الوعد، واستمرار الوعد والأمل بالمستقبل بوصفه تاريخية
قادمة. فالوعد هو أن نجعل الحاضر منفتح على المستقبل، وعلى الغيرية والاختلاف
الجذري اللانهائي للحدث الآتي. ومن حيث هو كذلك، فهو موجّه ضد مقولة"نهاية
التاريخ" الليبرالية الجديدة.



هكذا
فـ"التاريخية الجديدة"- وهو نعت للماركسية المأمولة- تقوم وتفتح على الوعد، لكنه وعد بلا شيء، إنه
انتظار بلا أفق انتظار، أو ترقّب بدون شكل مسبق. فلأنه وعد لا نهائي، فهو يتخلى
بالضرورة عن كل ملكية أو حتمية أو غائية[7].
إنه كما قلنا توجّه نحو الحدث الآتي وانفتاح على المستقبل خارج كل الثيولوجيات
والأنطولوجيات المضادة للحدث.



وهكذا
إذا كانت الحركة تقرّ بطابع القطيعة الجذرية التي أحدثتها الماركسية مع الفكر التأمّلي
الميتافيزيقي، إلا أنها لم ترق في فهمها لهذه القطيعة إلى المستوى المطلوب لأنها
ظلت أسيرة لمفاهيم الحتمية والغائية. فهذه القطيعة صيرورة مستمرة ولانهائية، مما
يعني بأن الفكر الماركسي ذاته يولّد خلال مسيرته وصيرورته التاريخية أشكالا من
الميتافيزيقا ومن الأوهام، يجب على المناضل الثوري الوعي بها، والسعي إلى إحداث
القطيعة معها وذلك بشكل مستمر لا يتوقف.



ولعلّ
أحد أهم الأوهام التي ولّدتها الماركسية عن نفسها، نجد وهم التقديس، حيث يتم النظر
إلى الماركسية كديانة جديدة أتت لتحل محل الديانة القديمة الآفلة، ديانة يدين بها
المناضل حيث يقف منها موقف المبجّل والمقدّس. وهذا التعلق الأعمى يمنع الحسّ
النقدي، ويعيق القدرة على الخلق والابتكار.



وهناك
وهم آخر لا يقلّ خطورة وأهمية عن الوهم السابق، إنه وهم النموذج الأمثل.
فالماركسية لم تكن ولن تكون نموذجا مكتملا يجب الاحتداء به، بل هي ما يجب خلقه
وإعادة صياغته باستمرار على ضوء مستجدّات التطور الفكري والتجربة الإنسانية. فليست
الماركسية صيغة جاهزة ونهائية للعمل التاريخي، بل هي بالأحرى سيرورة لا ينتهي
تشكّلها. وإذا كان هذا هو الحال، فلا مناص للحركة من خلق ماركسيتها الخاصة بمجتمعها
وتاريخها، إذا أرادت فعلا أن تؤثّر في مجرى الواقع وأن تفعل في التاريخ.



2-2-
علاقة الحركة بالمقدّس الديني:



تأصيل
الماركسية يمرّ أولا عبر إعادة النظر في موقف الماركسية من الدين. وهنا تطرح ضرورة
تجذير الحركة لنقدها للتصور الماركسي للدين، وتفكيك مقولة "الدين الأفيون"
أو "الدين الوهم"، وإعادة النظر من جديد في أصول الدين ووظيفته داخل
المجتمع. فالإنسان بالإضافة إلى كونه كائنا اجتماعيا كما ترى الماركسية، فهو أيضا
كائن ميتافيزيقي مهتم بالحياة والموت والأصل والمصير والحرية والخير والشر..إلخ.
وهذا النزوع الميتافيزيقي الدفين لدى الإنسان، والتساؤلات التي يثيرها، لا يمكن
إنهاؤه أو إشفاء غليله بواسطة الأجوبة التي تقدّمها الفلسفة والعلوم وحدها، بل
يقوم الدين هنا بوظيفة أساسية، متوهّم من يعتقد بأنه يمكن تعويضها، لأنه تعبير
رمزي أصيل عن بعد من أبعاد الإنسان، حيث يضرب بجذوره في أعماق الشرطية الإنسانية
البيولوجية والحياتية الأولية. هاهنا تطرح ضرورة التمييز بين الدين والتدين، بين
نزوع الإنسان الصميمي والدفين في أعماق النفس الإنسانية نحو المطلق واللامشروط
واللامحدود، أي نحو الحرية المطلقة؛ وبين التقعيد والتقنين والتنظيم الذي خضع ويخضع
له ذلك النزوع عبر تاريخ الإنسان والذي يختلف باختلاف الثقاقات والتراث ومستوى
التطور الحضاري للشعوب والجماعات.



وانطلاقا
من هنا تطرح ضرورة إعادة قراءة تاريخ الإسلام كدين وكتجربة، والعمل على تحريره من
المقاربة الإيديولوجية والتوظيف السياسي، مهما كان الموقف الذي ينطلق منه، أكان
معتزليا أم أشعريا، فلسفيا أم كلاميا، أصوليا ماركسيا أم إسلاميا..إلخ. ذلك لأن
القراءة الإيديولوجية كيفما كان الموقع الذي تنطلق منه، هي في آخر المطاف قراءة
اختزالية لرمزية المقدّس الكثيفة[8].



2-3-
تصور
الحركة للشأن السياسي:



يتعلق
الأمر هنا بمحاولة التفكير في الأسئلة التالية: كيف نفكّر في التنظيم السياسي بدل
أن نفكّر به ويفكّر بنا؟ كيف نتحرر من تقديس الرمرز ومن فيتيشية النماذج؟ كيف
نتحرر من الأفكار بما هي تيارات جارفة؟[9].



يبدو
لي إن المنطلق الضمني للحركة في تصوّرها للسياسي هو التصور الماركسي الذي ينظر إلى
السياسة بما هي صراع مصالح. وهذا التصور ملتبس لأنه يقوم على خلط بين السياسة
la
politique

والسياسي
le politique. ومثل هذا الخلط تكون له مضاعفات سلبية على مستوى الممارسة
السياسية، وعلى مستوى الاستراتيجية النضالية.



السياسي هو الفضاء الذي
تمارس فيه السلطة ويتم إدارتها وتدبيرها دون أن يتم امتلاكها، فضاء توضع فيه
السلطة بين الجميع ووسطهم. هذا المفهوم للسياسي يتأسس على إدراك عميق مفاده أن
الحياة الإنسانية هي حياة جماعية، وأن هذه الحياة تتم داخل المدينة أي البوليس
بالمصطلح الإغريقي. وهي فضاء تدبّر فيه شؤون المدينة بمساهمة الجميع وفي استقلال
عن أي سلطة خارجية أو مفارقة. قد يختلف هذا التدبير من مجتمع إلى آخر، لكن المبنى
واحد: وهو أن شؤون الإنسان/المواطن في المدينة بيد الإنسان ويشارك فيه الجميع. وهو
الذي يعني أن الشأن السياسي يمكن أن يكون موضع تفكير عقلاني تداولي، لأنه يخضع
لقوانين وضعية يمكن مناقشتها والجدل حولها بل وتغييرها أو استبدالها بأخرى.

لا يعني هذا أن المجتمعات التي عرفت السياسي لم
تعرف السياسة. بيد أن السياسة ليست هي السياسي: فالسياسة تفترض أولا وقبل كل شيء
وجود الدولة، أي وجود سلطة لها منطقها الخاص بحيث يمكن لمن يمتلك أجهزتها أن يعمل
على تسويد مصالحه، وتوسيع نفوذه، وبسط سلطته. بهذا المعنى تغدو السياسة
"صناعة" تمارسها أحزاب، وتتكفّل بها تنظيمات سياسية تسهر على سير
الأمور، وحماية حقوق أفرادها وفئاتها. هكذا فإذا كان السياسي نسيج الحياة البشرية
ولحمة المجتمع وسداه، فإن السياسة هي منطق الدولة وهي منظمات وأحزاب وتيارات،
ولعلّها أيضا وأساسا حنكة ومهارة ودهاء وتضليل ومكر. لهذا قد يتخلى عنها البعض
ويهجرها- وأعتقد أن هذا حال الوضع المغربي- لكنه مع ذلك لا يستطيع أن يتخلى عن
السياسي.



إن
هذا الخلط بين المسألتين يترجم عندنا في الواقع المغربي إلى هيمنة السياسة على
السياسي، أي هيمنة المكر والدهاء والانتهازية السياسية على الإيتيقا في السياسة.
وهذا يجعل كل حزب وكل تيار ينغلق داخل جدران إيديولوجيته، ويظل أسيرا لمبادئ تياره.
مما يعيق عملية التفاعل والحوار والانفتاح والمساءلة، أي يجعل الحركة السياسية
تتحوّل من حركة دينامية مرنة منفتحة، إلى حزب سياسي أو تيار دغمائي. وهذا التحول
يجعل التنظيم المفتوح على الآتي يتحول إلى تيار مذهبي مغلق، فيتم إقصاء التعددية
داخله وإلغاء الاختلاف. ذلك لأن التيار المذهبي يميل دوما إلى الوحدة والتوحيد، أي
إلى الضم والجمع، أي يسعى نحو الوحدة والقضاء على الفوارق بهدف خلق الانسجام
والتطابق. وهكذا يصبح التيار مؤسسة: فهو يؤسس عائلات إيديولوجية، وجماعات تنضوي
تحت لواء أب روحي، أو شيخ رمزي، فتنتهي إلى تكريس علاقة الشيخ بالمريد[10].
بهذه الكيفية يصبح التيار عقيدة وتعاقدا وقرانا.



وهكذا
فإذا كان ما يميز التنظيم المرن المنفتح هو قدرته على الترحال والتناسل، فإن ما
يميز "التيار" هو الألفة والاستقرار. فالتيار موقف يقف في موقع بعينه،
ويستند إلى جهة بعينها. لهذا لا يجب أن ننخدع بآلية التسمية التي يوظفها في نعت
نفسه (كالديمقراطي، أو الاشتراكي، أو الإسلامي، أو السلفي، أو الاستقلالي، أو
الجبهوي، أو الثوري..إلخ)، ذلك لأن التيار مبدئيا "مدّ أو سيل جارف بالنسبة
لمن يريد أن يجرّهم ويفكّر بهم ويقولبهم ليجعلهم من طينة واحدة"[11].
لعل هذا ما يفسّر لنا أن أغلب المفكرين الكبار الذين تريد التيارات أن تجرفهم
غالبا ما يعلنون تبرؤهم منها. لنتذكر ما قاله ماركس عن الماركسية، أو فوكو عن
البنيوية. إن هؤلاء يجدون أن ما كان بالنسبة لهم حياة ومخاضا فكريا قد تحوّل إلى
أمر واقع، وكليشهات جاهزة. ما كان أداة انفلات من القهر قد تحوّل إلى سلطة تشدّهم
إلى ثوابت بعينها. وما كان يتما قد غدا انتسابا لعائلة إيديولوجية، وانضواء تحت ظل
موحّد[12].



إن
السياسة التي ينهجها مثل هذا التيار هي بلا منازع سياسة الاستمرارية والاتصال. وهي
سياسة تقليدية في جوهرها تعتمد الذاكرة كأساس. فهي ترسّخ الأفكار، وتحفظ المعاني،
وتنقل المواقف والأجوبة. وسياسة من هذا النوع لا يمكنها أن تستوعب الحداثة
السياسية، كما لا يمكنها أن تؤثّر على الواقع. فهي تواجه الحداثة السياسية ببنية
فكرية وذهنية تتنافى مع الحداثة. ذلك لأن هذه الأخيرة تقوم أساسا على القطيعة
والانفصال وليس على مفهوم الاستمرارية والاتصال. فعلى عكس السياسة التقليدية التي
تدأب على وصل الفروع بالأصول، وقياس الغائب على الشاهد، والبحث عن التأثيرات
والتشابهات والتناغمات، تقوم الحداثة السياسية لتجعل الكائن في بعد دائم عن نفسه،
ولتجعل الانفصال نسيج المعرفة والسياسة والتاريخ، وتجعل السياسة تستجيب كل لحظة
لواقع ما يفتأ يتنكّر لذاته. إن الحداثة السياسية تقيم ضد ثقافة الذاكرة أو سياسة
الذاكرة، ثقافة اللحظة، أي ثقافة الاستجابة المتجدّدة للعالم ومتغيراته[13].
من هنا تطرح على حركة اليسار الجديد، ضرورة الانفصال والانفلات من قبضة التيارية.
طبعا هذا الانفصال ليس مسألة يسيرة ولا أمرا متناهيا. ذلك لأن المذهبية أو النزعة
التيارية ليست مجرّد نماذج ذهنية، أو اختيارات إيديولوجية تجد وجودها في الأذهان.
وإنما سرعان ما تتجسّد في مؤسسات، وترتكن إلى سلطات، وعلى رأسها سلطة اللغة
والشعارات الإيديولوجية. فالتيار أو المذهب يجد حياته في الشعارات، أي في اللغة
وقد أصبحت ميتة جامدة راسخة. بناء على ذلك فالانفلات منها جزء من عملية التحرير
والتحديث المتواصل للسياسة، والتحويل الدائم للذات والواقع واللغة. من هنا تطرح
ضرورة نحت لغة سياسية جديدة تنهل من الدوارج واللغات المحلية والأجنبية، للوصول
إلى فرادة لغوية تكون أساس هوية سياسية جديدة.



2-4-
تصور الحركة للديمقراطية:



هناك
مفهومان أساسيان يوجدان في أساس الديمقراطية هما: مفهومي الوحدة والاختلاف. فكيف
تفهم الحركة الوحدة وكيف تدبّر داخلها الاختلاف؟



يمكن
التمييز بين مفهومين متعارضين عن الوحدة والتوحيد: هناك المفهوم الميتافيزيقي عن
الوحدة وهناك المفهوم الديمقراطي عن الوحدة. الوحدة الميتافيزيقية هي عبارة عن
وحدة اختزالية هدفها الأساسي هو إرجاع كل العناصر إلى عنصر أساس وردّها إليه، بحيث
لا تصير العناصر الأخرى تفرّدات تقوم إلى جانبه، وإنما فروعا تصدر عنه. هذا
التوحيد هو في حقيقته وجوهره إلغاء للتعدد المشكّل للوحدة واختزال له.



إن
هذا المفهوم الميتافيزيقي للوحدة لا يتم تجاوزه بالمطالبة بإلغائه، بل هو لا يقهر
إلا بتفكيكه ومواجهته بموقف مضاد ومفهوم مخالف عن الوحدة. هذا الموقف المخالف لا
يختزل العناصر الأخرى، وإنما يترك لكل عنصر نصيبه من التميّز والفرادة، ويتيح لكل
العناصر حرية الحركة. هاهنا لا يتعارض التوحيد مع التعدد، وإنما يضمه ويحتضنه.
هكذا فإذا كانت الوحدة الأولى الميتافيزيقية تقوم على عمليات الاختزال والقسمة،
فإن المفهوم الثاني للوحدة هو مفهوم يقوم على التعددية والكثرة.
لكنها تعددية ليست حسابية، بمعنى أنها لا تهدف
إلى إقامة وحدات أخرى إلى جانب الوحدة القائمة. لأن مثل هذا التعدّد هو تعداد، أي
مفهوم عددي حسابي يقوم على مفهوم الوحدة كمولّد للعدد.



لكن التعددية لن تكون تعددية فعلية إلا إذا
خلخلت المفهوم الميتافيزيقي للوحدة، فلا تكتفي بأن تقيم وحدات أخرى إلى جانب
الوحدة القائمة[14]،
وإنما تجعل التعدد يسكن الوحدة ذاتها. على هذا النحو لن تكمن التعددية السياسية في
كثرة الأحزاب والتنظيمات، أي في كثرة التيارات السياسية، وإنما في إقحامها التعدد
داخل مكوناتها، أي في انفلاتها من المذهبية والتيارية. وذلك لسبب أساسي وهو أن
المذهبية أو التيارية رغم قولها بالكثرة والتعدد والاختلاف، إلا أنها تقوم على
المفهوم العددي عن الوحدة والتعدد. أي الوحدة التي تسعى إلى اللم والضم، والقضاء
على الفوارق وخلق التطابق.



كذلك
يمكن التمييز بين مفهومين للاختلاف: بين المفهوم الساذج للاختلاف والمفهوم الجوهري
للاختلاف. ففي الاختلاف الساذج تبدو الأشياء متباينة مختلفة عن بعضها اختلافا بحيث
لا يبالي أحدها بالآخر مادام كل منها مطابقا لذاته ومكتفيا بها. في هذا الاختلاف
إذن يبدو الكائن مجزّءا إلى عناصر متعددة، وأطراف متبعثرة خارج بعضها عن البعض.
هذا الاختلاف يجعل الشيء لا يدخل في علاقة مع الأشياء الأخرى. بيد أن التنوع
والتعدد لا ينتعش إلا إذا تلقت الأشياء التي تشكّله السلب أو النفي الذي هو سر الحركة.
والسلب لا يكون إلا بجرّ المخالف نحو آخره لا بإبعاده عنه. آنئذ يغدو الآخر ضروريا
للذات، ولا يتحدد المخالف إلا بمخالفته لذاته وابتعاده عنها. هكذا فالاختلاف
الجوهري هو ذاك الذي يجعل الذات في بعد دائم عن ذاتها وينخرها من الداخل ولا
يجعلها مكتفية بذاتها مستغنية عن كل خروج وانفصال
[15
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

تأملات أوّلية في المرجعية الفكرية لليسار المغربي الجديد :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

تأملات أوّلية في المرجعية الفكرية لليسار المغربي الجديد

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» "لا لباس للوجه" تأملات في قضية "البرقع"
»  عبد الله العروي تأملات ورؤى في ضوء الحوار
» السلبية الفكرية
»  تأملات في السياسة وسوسيولوجيا الاحتفال
» الأسباب الفكرية لسقوط الاخوان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: