علي النقاش ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 48 معدل التفوق : 116 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 12/03/2012
| | حو بناء حضارة جديدة | |
نحو بناء حضارة جديدة سياسات الموجة الثالثة إن تجارب الإنسان بوصفه حيواناً عاقلاً دفعته لتسجيل ملاحظة تبدو ساذجة في ظاهرها وإن كانت مساهمة في إحداث تغييرات أساسية في الفكر الإنساني. تقول هذه الملاحظة بأن الظواهر المتكررة لا يمكنها أن تفسر بمبدأ الصدفة لأن هذا المبدأ يبعد عن الصدفة صفة التكرار. انطلاقاً من هذه الملاحظة اكتشف العلماء، الدورات الزمنيّة ومنها مثلاً معاودة ظهور المذنّب هالي مرة كل ثمانين عاماً .لقد ساهمت هذه الملاحظة في نشوء علم المستقبليات وانتقال تطبيقه إلى الميدان السياسي. لكن صدفة عجيبة اعترضت تطبيق هذه الملاحظة ومتفرعاتها على الوضع السياسي– العالمي الراهن. هذه الصدفة العجائبية كانت "النظام العالمي الجديد" الذي جاء ليتحدى مبادئ الاستقراء التاريخي التي تسجل تكرار الظواهر، مهدداً بذلك مبادئ علم المستقبليات كافة. الجذور النظرية لهذه الصدفة تعود إلى الصراع الفكري، الذي دار طوال السبعينيات وقسم كبير من الثمانينيات، بين الأكاديميين وبين العسكريين في وكالة الاستخبارات الأميركية، حيث كان الأكاديميون يؤكدون استحالة تزعم أحد طرفي الحرب الباردة للعالم. وعلى هذا الأساس كانوا يرون أنه لا داعي لحماسة العسكريين لإلغاء الدور السوفياتي. كما كانوا لا يرون داعياً للخوف من الانتصار السوفياتي. ثم كان قيام النظام العالمي الجديد وكأنه هزيمة للأكاديميين. لكنه لم يكن في الواقع إلا انتصاراً لهم. ذلك أن العسكريين باتوا يفتشون عن قطب آخر للعالم. وباتوا مدركين لهول الأحادية، مرددين أقوال الأكاديميين عن الفشل التاريخي لكل محاولات الهيمنة الأحادية على العالم. لعل مرد هذا الموقف يعود إلى إدراك العسكريين لوجود قطب خفي في معادلة النظام العالمي الجديد. هذا القطب الذي احتمل عدة تسميات (وكأنها وثائق مزوّرة) منها : الإرهاب والجريمة المنظمة وبقايا الإيديولوجيات 000 الخ .هذا الواقع فتح الأبواب عريضة أمام الدراسات المستقبلية. ومن أهم هذه الدراسات واحدة اشترك في تأليفها ألفن وهايدي توفلر وصدرت تحت عنوان : "نحو بناء حضارة جديدة– سياسات الموجة الثالثة". من العنوان يرى القارئ أن الكتاب عبارة عن محاولة استقرائية. فالموجة الأولى كانت زراعية والثانية صناعية أما الثالثة الموعودة فهي معلوماتي. حتى أن القارئ يطرح ومنذ البداية السؤال عن ماهية هذه المعلوماتية وعمّا إذا كانت تعريفاً غائماً يفرضه انحسار الموجة الثانية بسبب عوائق وأزمات مثل البطالة وصعوبة استمرارية السيطرة على مصادر المواد الأولية وميل العمال للتحول إلى القطب الخفي في النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما خلفه هذا الانهيار من فراغ إيديولوجي لم يصب الشيوعية وحدها بل امتدّ تأثيره إلى التطلّعات الاشتراكية بمذاهبها المتعارضة كافة لدرجة التناقض. فكان الإعلان الاجتماعي عن هرم الموجة الثانية والمتظاهر باختلال الهيكلية الأسرية وتباين النظريات والمواقف القيمية بمثابة إنذار بعجز الموجة الثانية عن الاستمرار وبضرورة ظهور الموجة الثالثة للوجود. لكن هذه الطريقة الاستدلالية لا تخرج كثيراً عن طرق التفكير التقليدي. فها هم علماء الفلك يتكلمون عن قدوم عصر الدلو (نسبة إلى برج الدلو) وها هي نظرية المعادن تعلن التحول إلى عصر اليورانيوم وأيضاً نظرية ابن خلدون في الدولة. كلها تشير إلى اقتراب التحول الذي يترافق مع تغيّرات جذريّة تغطي النواحي الإنسانية كافة. لكن هذه التغييرات لا تحدث عادة إلاّ بوجود البديل. لذلك فإن المؤلفين يدعمان الاستدلال على بداية الموجة المعلوماتية بالافتراض بأن ثورة المعلومات ستكون على كل الجبهات وستغير على كل منها نسيج الحياة وخطواتها وإيقاعها ومادتها. وهم يستدلون على هذا التغيير بتأثير المعلوماتية الراهنة على استراتيجية رجال الأعمال والسياسة داخل وخارج الولايات المتحدة، وخصوصاً في الصين واليابان وسنغافورة وغيرها من المناطق ذات النمو السريع. فهل نسلم بأن الموجة الثالثة ستكون معلوماتية؟.في الواقع أن كتاب "توفلر" قد ظهر في العام 1994 (وهو قد لاقى قبوله في أوساط المهتمين استناداً إلى كتاب مستقبلي آخر للمؤلفين هو "صدمة المستقبل" الذي ظهر العام 1970 وحمل من المستقبليات ما يوحي بالثقة في رؤية مؤلفيه المستقبلية). لكننا نعاود مناقشته بعد ثلاث سنوات على صدوره بسبب تعارض رؤيته مع الرؤى المستقبلية الأخرى، وفي طليعتها رؤية صموئيل هانتغنتون التي لم تشترط امتلاك التقنية المعلوماتية من قبل الإسلام والكونفوشيوسية ليلعبا دوراً محورياً في المرحلة المقبلة. فصدام الحضارات قد لا يكون تكنولوجياً بالضرورة كما يرى "توفلر"؟ فالصين والدول الإسلامية ليست مرشحة راهناً للتنافس في ميدان تكنولوجيا المعلومات. لكن ذلك لم يمنع ترشيحها لتكون قطباً عالمياً جديداً. فماذا يبقى من كتاب "الموجة الثالثة" الصادر للمؤلفين عام 1980 ومن الكتاب موضوع مناقشتنا؟!.قبل محاولة الإجابة على هذا التساؤل من الضروري أن نعرض ملخّصاً لوجهة نظر المؤلفين التي يتمحور حولها الكتاب. ففي التمهيد للكتاب يذكر مؤلفاه بكتابهما السابق "صدمة المستقبل" ويريان أن طروحاته قد تحققت ثم يشيران إلى فقدان العديد من المصطلحات السياسية لدلالاتها بحيث باتت "الدراسات المستقبلية" هي الحل ويستشهدان بإنشاء الكونغرس "للجنة الدراسات المستقبلية". ثم يأتي تقديم للكتاب بقلم نيوت غنغريش بعنوان "دليل المواطن للقرن الحادي والعشرين". وهو يستعرض فيها بعض التغييرات السياسية الخارجة على المألوف (مثل سقوط الحزب الكندي الحاكم في انتخابات 1993) التي خلقت نوعاً من الفوضى في نطاق الإطار الإيجابي لمستقبل دينامي مثير. ويشير إلى طبعة 1980 ليبيّن بدايات اهتمام المؤلفين بالآثار المستقبلية للمعلوماتية، وإن كانا يعودان بملاحظاتهما إلى العام 1955. الفصل الثاني من الكتاب يحمل عنوان "صدام الحضارات" ويبدأ بفرضية بداية النهاية بالنسبة لعصر الصناعة. بل يفترض أن التراجع كان قد بدأ بالفعل منذ العام 1970 عندما تحدث المؤلفان عن الأزمة العامة للعصر الصناعي في كتابهما "صدمة المستقبل". هذه الأزمة التي تستدعي روافدها وقوع المزيد من الحروب وإن كانت حروباً ذات مواصفات مختلفة لأنها مسخرة للحفاظ على مكتسبات أصحاب المصالح من الموجة الثانية. وينتهي المؤلفان إلى شرح أسباب استخدامهما مصطلح "موجات" فيريان أن التغييرات الكثيفة لا تحدث عادة بدون صراعات. فالموجات متحرّكة-دينامية، وإذا ما اصطدمت ببعضها البعض فإنها تنتج التيارات المتعارضة القوية. وهذا يجعلنا أقدر على فهم ما يبدو فوضوياً وعشوائياً. في عالم اليوم، إذا أهملنا كونه نتيجة لصراعات بين هذه الموجات. وهذا التفسير (الصراعي – الاهتزازي) ينطوي ضمناً على رفض تفسيرات الصراع الأساسية، كمثل الصراع بين الإسلام (مضافاً إليه الكونفوشيوسية لاحقاً) وبين الغرب أو بين الغرب والعالم الأفقر، أو أن هذا الصراع هو إعلان عن بداية نهاية سطوة الولايات المتحدة أو تعبير عن نهاية التاريخ.من هذا المنطلق يرى المؤلفان أن العالم اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يحصل تفاهم دولي يحفظ الثقافات الوطنية من الذوبان ويسهل التعايش في عالم يتنافس فيه الفأس (الزراعة) وخط التجميع (الصناعة) والكومبيوتر (المعلوماتية) بصورة مخففة فيأتي انتصار الكومبيوتر بعد زمن كنتيجة منطقية، وإما أن تستمر محاولات فرض ما يسمى ب "الثقافة العالمية" وفي هذه الحالة فإن دولة عظمى ما (معلوماتياً) عليها أن تتولى قيادة صراع سيطرتها. وبهذا يخرج المؤلفان الدول التي لا تملك تكنولوجيا المعلومات من المسرح العالمي. مما يهيئ الأجواء للاستعمار بالكومبيوتر ومن غير حروب. وبهذا يمكن أن تنشب حروب تراق فيها الدماء غزيرة خلال السنوات القليلة المقبلة. في الفصل الثالث وعنوانه : "البديل النهائي" يأتي دور استخلاص النتائج وفق التسلسل المنطقي المطروح في الفصلين السابقين. فالنظم الاقتصادية – الصناعية ارتكزت على قاعدة معرفية أنتجها العقل البشري عبر آلاف السنين وهي ذاتها التي أنتجت عوامل الثورة الصناعية. لكن إهمالاً تخلل هذه النظم وهو إهمال المعرفة الذي تأخرت ظهور أعراضه حتى ظهور الكومبيوتر كمنافس في حسابات هذه النظم. ويتابع الفصل عرضه لتطور المعرفة في أحضان الموجة الصناعية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه (أقمار اصطناعية – شبكات معلومات000 الخ) حتى باتت هذه المعرفة قادرة على التغيير في عناصر الإنتاج وعلى توليد مواد جديدة. فأثبتت المعلومات تفوّقها عن طريق تقليلها الحاجة إلى المواد الخام وإلى العمالة والوقت والمكان ورأس المال. مما جعلها مدخلاً رئيسياً ومورداً مهماً لأي اقتصاد متقدّم. فتكون النتيجة زيادة قيمتها واتساع تأثيرها بما يكرسها كـ : "بديل نهائي". أما الفصل الرابع فيحمل عنوان : "الطريق إلى صناعة الثروة". في هذا الفصل تأكيد على إشارات وردت في الفصل السابق تعتبر أن المعرفة هي الأكثر أهمية لتكوين الثروة لكونها طليقة الحركة ومتعددة الاستعمالات وبالتالي فهي أقدر على المنافسة. وهكذا فإن احتمال تحصيل الثروة يتنامى كلما ازدادت إمكانيات التعامل مع المعرفة سواء لجهة القدرة على اكتسابها أو توليدها أو توزيعها أو تطبيقها (استراتيجياً وعملياً) بحيث تتحول الأصول الثابتة إلى ثانوية وغير مؤثرة في تحديد حجم الأرباح ولتأكيد هذا التفوق يشير المؤلفان إلى قدرة المعلوماتية على الإنتاج بالتجزئة على عكس الصناعة التي تحتاج إلى إنتاج الجملة لتدعيم قدرتها التنافسية بما يستتبع حاجتها إلى أسواق التجارة الكبيرة التي يفترض المؤلفان بأن المعلوماتية ستفككها لأنها ستصل مباشرة إلى المستهلك (الكومبيوتر، البريد، شبكات المعلومات، نظم القنوات التلفزيونية000 الخ) دونما حاجة إلى هذه الأسواق.هل تقع حروب جديدة أكثر دموية من حروب الماضي ؟هذا الواقع سيخلق الحاجة إلى العمالة المتخصصة الداعمة لقدرة الابتكار الضرورية للمنافسة وأيضاً ستكون الحاجة إلى ضغط التكاليف وراء حلول الشركات الصغيرة مكان الشركات الكبيرة000 الخ. من ملامح اقتصاديات الموجة الثالثة كما يسميها الكتاب.الفصل الخامس يحمل عنوان "المسميات المادية" حيث يلاحظ المؤلفان تحولاً من العمل اليدوي إلى العمل الخدماتي والنشاط شديد الرمزية (المميز للموجة الثالثة). وتنتهي الملاحظة إلى أن صادرات العالم من الخدمات والملكية الفكرية تساوي صادراته من الالكترونيات والسيارات. أو هي تساوي صادراته من الغذاء والطاقة معاً.وهكذا فإن هذا الاقتصاد شديد الرمزية سيؤدي إلى تغيير مفاهيم العمل والبطالة وإعداد العاملين وتأهيلهم. ويستنتج المؤلفان نشوء إيديولوجيتين : الأولى تكون مسمياتها مادية مرتبطة بإيديولوجية التصنيع بالجملة القائمة على مستويات دنيا من العمل العقلي. أما الثانية فتقوم على مستويات عليا من هذا العمل (المعرفة) وهي إيديولوجية الموجة الثالثة.الفصل السادي يأتي نتيجة طبيعية لتسلسل أفكار سابقة ويحمل عنوان "صدام الاشتراكية في المستقبل". حيث يبيّن المؤلفان سقوط الحكومات الاشتراكية بعد تخلي موسكو عن دعمها. ويخصص المؤلفان الفصل السابع لمناقشة إيديولوجية مقارنة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي فيعيدان طرح مواضيع من كتابهما "الموجة الثالثة" الصادر عام 1980. ثم يأتي الفصل الثامن ليقرر أن الإنتاج المعرفي لا يتم في المصانع وهو لا يحتاج لتكتلات قدر حاجته للمهارات الفردية. أما القرارات فهي تصدر في الموجة الثالثة عن المصادر التي تملك المعلومات لإصدارها وهي لا تحتاج للقمة. كما أنها ستكون أقل حاجة للعمالة وأكثر حاجة للخدمات. وأخيراً نبوءة المؤلفين حول عودة النظام الأسري بعد انحسار ماديات الموجة الصناعية لمصلحة الموجة الثالثة. بذلك يأتي المؤلفان إلى الفصل التاسع والأخير والذي يعنونانه بـ : "ديمقراطية القرن الواحد والعشرين" حيث يطالبان بإعادة النظر في دستور الولايات المتحدة ووثيقة الحقوق. فيدعوان إلى توسيع "قائمة الحقوق" ويطلقان خمسة مبادئ أساسية يعتبرانها ضرورية لبقاء الولايات المتحدة ضمن الموجة الثالثة. هذه المبادئ هي :1- سلطة الأقلية : أي أن الأقلية العارفة والمالكة للمعلومات يجب ألاّ تنصاع لرأي الأغلبية غير المالكة للمعلومات. 2- الديمقراطية المباشرة : بمعنى التقليل من الاعتماد على النواب والممثلين الشعبيين واستفتاء الشعب مباشرة عن طريق وسائل الاتصال المتطورة. 3- تقسيم القرار : بحيث يتحول القرار من القمة إلى مالكي المعلومات.4- مبدأ النخبة الموسعة : بحيث تتوزع أعباء القرار على الكثير من الخبراء في المجالات المختلفة. بل وعلى الشعب نفسه.5- التصدي للقدر : على الجيل الراهن أن يقبل التحدي وأن يضع الأسس لديمقراطية القرن الحادي والعشرين. إن الاتفاق والاختلاف مع طروحات هذا الكتاب يحتاج إلى الكثير من التأمل والحذر. فهذا الكتاب هو الدرجة الثالثة في سلم الإبداعات المستقبلية لمؤلفيه اللذين أثبتا صلاحية رؤيتهما المستقبلية من خلال كتابين سابقين. كما أن الدراسات المستقبلية لا تحتمل النفض لأن الصدفة لا تزال مبدأ معترفاً به. والصدف غالباً ما تكون هي المقررة قريباً أو بعيداً عن المنطقيات التي تقوم على محاولة تحييد الصدف عن طريق إيجاد نظم وروابط منطقية لها (أي للصدف). بهذا فإن التباين في التوقعات المستقبلية يبقى خارج إطار الصدف لتبقى حدوده ضمن إطار استقراء الراهن. وفي هذا الإطار تحديداً نختلف مع المؤلف. ونقاط الاختلاف هي التالية :1- لقد بلغت ثورة المعلومات والاتصال قمة مذهلة لكنها لم تتخطَّ حاجز الحياة – الموت. وبذلك حافظ العامل الديني على فعاليته كعنصر بالغ التأثير في تحديد ملامح المستقبل. هذه المحافظة تستتبع استحالة قيام ثقافية عالمية لاستحالة طمس الثقافات الوطنية بما يستتبع استحالة ما طرحه الكتاب عن احتمال تفاهم عالمي ليبقى الاحتمال الآخر الذي يفترض الصراع بين ثقافة عالمية تريد فرض قيمتها وبين ثقافات محلية (خصوصاً دينية) تريد المحافظة على قيمها. وعلى هذا الأساس طرح هونتينغتون مبدأه "صدام الحضارات" مفترضاً له قطبين الغرب والإسلام – الكونفوشية.2- يطرح الكتاب مسألة التسارع الزمني الذي جعل الموجة الأولى (الزراعة) تمتد لآلاف السنين واختصر الموجة الثانية (الصناعة) في ثلاثة قرون. فجعل المؤلفان يتنبآن بحصر الموجة الثالثة في بضعة عقود. 3- ينطلق الكتاب من رؤية أحادية للراهن العالمي. فهو يؤمن بسقوط الإيديولوجيات ويركز على موت الاشتراكية محدداً أسباب الوفاة. بذلك فإنه يتجاهل بأن الحداثة وما بعدها قد عجزتا عن ملء الفراغ الإيديولوجي، مما أذكى موجات القوميات وشكل عاملاً محركاً للتطرف الديني بغض النظر عن الأديان أو البلدان، فها هي قوميات أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق تتفجر وتنبعث بقوة كأن لها مفعول العدوى بحيث أيقظت القوميات في أنحاء عديدة من العالم ومن بينها مطالبة شمال إيطاليا بالانفصال وظهور الانشطار بين القوميات السويسرية الذي تبدى من خلال التصويت على اتفاقية الحاجات… الخ.4- يرى المؤلفان أن حروباً عديدة ستندلع وإنّ دماءً غزيرة ستسيل. لكنها ستكون حروباً من نوعية مختلفة. وهما يردان ذلك إلى الصراع الذي ستخوضه قوة عظمى مالكة للمعلومات. في المقابل فإن القراءة الهادئة لخريطة العالم المعاصر تبيّن لنا أنها مزروعة بالتناقضات القومية والاتنية التي تشبه براكين الصراعات الإفريقية وتليها براكين بدأت بالتحرك في أمكنة أخرى من العالم. وإذا كانت هذه البراكين خامدة في العالم المتقدم فإن خمودها يعود إلى رخاء اقتصادي لم يعد مستقراً. وحسبنا أن نذكّر ببراكين بلجيكا وإيطاليا وسويسرا000 الخ. 5- لكن البركان الأكبر يبقى الولايات المتحدة نفسها حيث نكتفي بسرد بعض الأحداث تاركين للقارئ مسألة تحديد إمكانية اعتبارها مجرد صدف أم لا :1- إن أول ثورة طلابية عالمية حدثت في الولايات المتحدة (64 – 65) في بركيلي / دعم حركة مارتن لوثر كينغ. و 2 – إضراب عمال جنرال الكتريك (133 ألف عامل) شتاء 69 – 70. ثم 3 – إضراب موظفي البريد – 1970. و 4 – التحركات المعارضة لحرب فيتنام ولحرب الخليج. و 5 – الحوادث العنصرية المتكررة (لوس انجلوس). و 6 – انفجار أوكلاهوما… الخ. من علائم انفجار التناقضات الأميركية.في مقابل هذه الملاحظات فإن أحداً لا يشك بأن ثورة المعلومات وعصرها مقبلان، بل يمكن تسجيل بداياتها مع اختلاف بسيط في التواريخ، بحيث يؤرخها البعض عام 1955 مع بدايات استخدام الكومبيوتر ويؤرخها البعض إلى 1991 إبان الاستخدام التطبيقي لهما في حرب الخليج الثانية. لكننا نرى في المقابل أن هذه المعرفة ستكون أشبه بالنفط. أي أنها ستكون العنصر الفعال في الموجة المقبلة دون أن تكون سيطرة مالكيها ضرورية.بهذا النمط المعرفي يمكننا استشفاف دور المليار صيني في القرن المقبل. وهو الدور الذي تجاهله المؤلفان عن غير حق. خصوصاً بعد اكتمال شروط الثورة العالمية ضد النظام العالمي الجديد وهي :1- تجنب الظلم والتفاوت في العلاقات الاقتصادية والسياسيةوالاجتماعية والعرقية. 2- إعلان عدم الرضى عن إدارة الولايات المتحدة للنظام العالمي. ويتعلق عدم الرضى هذا بتبديد الموارد الطبيعية والبشرية والانحراف عن غايات التقدم العلمي وإساءة استخدامها. 3- التدخل السياسي سواء من حيث المصدر أم المبدأ أم من حيث تقنية السلطة. بحيث تصادر السلطة (اعتقال نورييغا) وتمنح وتوزع وتمارس بأشكال تتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة التي كادت أن تتحول إلى مؤسسة غير نفعية أميركية. 4- تجنب التسلط الثقافي الذي يرفض احترام الخصوصيات الوطنية : العادات والمعتقدات السائدة والأدب والفلسفة والدين000 الخ. بما في ذلك توجيه وتوظيف المثقفين في قنوات تكرس النقاط السابقة. 5- النظرة الأحادية لليبيرالية. حيث تتعلق المفاهيم (حقوق الإنسان، الحرية الفردية، حقوق الأقليات000 الخ). وترتبط بالمصلحة السياسية. لكن هذا التغيير لن يحصل ضمن اللحظة السياسية – الاقتصادية الراهنة فهو يحتاج إلى زلزال اقتصادي تتحول بعده المعرفة إلى مادة أولية برسم التصدير. ولمجرد التذكير نعرض للأحداث التالية : 1 – الاثنين الأسود في وول ستريت. و2 – تراجع العملة المكسيكية. و 3 – الأزمة النقدية الراهنة عند النمور الآسيوية | |
|