بقلم: سنا السورية-
القيادة الحالية في روسيا والمتمثلة في الزوجي ميديديف بوتين وسياستهم
المتبعة الحالية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي خرجت عن الدور الذي
بدأه يلتسين بالتخلص من الحكم السوفييتي الشيوعي الستاليني الاستبدادي
والانطلاق نحو مجتمع أكثر انفتاحا له علاقات قوية مع الجانب الغربي للدولة
الروسية اقصد دول الاتحاد الأوروبي وأكثر تقبلا للتعاون مع الولايات
المتحدة الأمريكية.
حادثتان أثرتا بشكل غير طبيعي على هذا التوجه اليلتسيني وهما حركة
الاستقلال في الشيشان وامتدادها لبلاد القوقاز المجاورة, وأيضا استقلال
أوكرانيا عن السيطرة السوفييتية الروسية واتجاهها نحو بناء علاقات مستقلة
مع الدول الغربية بوصفها دولة ذات سيادة, وتهديدها أيضا بإغلاق القاعدة
الروسية الوحيدة على البحر الأسود, بحيث تمنع الأسطول الروسي من بلوغ
البحر المتوسط عبر مضيق البوسفور الدولي المفتوح.
-
العمليات القتالية في الشيشان وتكبد الروس هناك هزائم كبيرة وخسارتهم
المعركة لصالح ثوار الشيشان وزعيمهم باسييف, أحرج الروس ودفعهم لاستخدام
اقسي درجات القوة ضد الحركة الانفصالية وأعطيت صلاحيات كبيرة للقيادة
العسكرية للقوات المسلحة لتخمد استقلال الشيشان الذي تم سابقا, لتعود
القوات الروسية بقوة لتسيطر على الشيشان, هذا ما جعل القيادات العسكرية
الروسية تمسك بأدوات حكم الدولة الروسية الوليدة ديمقراطيا مما مهد السبيل
لعلو نجم بوتين خريج المخابرات الروسية ومكنه من الاستيلاء على الحكم,
وأيضا العمليات الانتحارية التي راح ضحيتها مئات من الروس نتيجة التفجيرات
في المدن الروسية وخاصة موسكو وما واكبها من حملات إعلامية ضد المتشددين
الإسلاميين, دفعت الروس للعداء لكل ما هو تحرري واستقلالي وإسلامي وخاصة
إذا ما كان يعاند حكم قائم كالحالة الواقعة في الشيشان.
-
كذلك رد فعل روسيا عن خروج أوكرانيا من تحت عباءتها كان عنيفا جدا وان لم
يخرج بشكل عسكري, فقد قام الروس بمحاصرة الأوكرانيين اقتصاديا ومنعوا
تزويدهم بالغاز ورفعوا سعره عدة مرات رغم وجود اتفاقيات تجارية بينهما لم
يلتزموا بها, بل تدخلوا بالانتخابات النيابية الأوكرانية واسقطوا الحكومة
الموالية للغرب وأعادوا تثبيت حكومة تضمن الولاء لهم.
-
استهتار الغرب عموما بالدور الروسي في العالم وابتزازهم ومحاولة عزلهم
داخل حدودهم, وعدم السماح لهم بالتدخل في السياسات الدولية, وإبعادهم عن
القرار الدولي جعل الروس يشعروا أنهم تم اضطهادهم مما شجعهم على البدا في
حركة مناوئة للتدخل الغربي الأمريكي في أنحاء العالم, ظهر التحرك هذا في
ليبيا وعندما شعر الروس بأنهم قد خدعوا ولم يستشاروا في التدخل العسكري,
وبدأوا ينظرون بحذر ويكمنوا لأي تحرك غربي في العالم ليستردوا هيبتهم
المفقودة.
جاءت الفرصة في تحرك السوريين ضد نظام بشار الأسد, فرغم انه لم يكن هناك
تحالف كبير بين الطرفين ولا يوجد علاقات تجارية كبيرة بين الدولتين مما
يستدعي تدخل الجانب الروسي لحماية تحالفاته, ولا توجد مبيعات أسلحة
بالمليارات كما تفعل دول النفط الغنية كليبيا والجزائر, ولم تكن سوريا في
يوم من الأيام ضمن المنطقة الإستراتيجية الخاصة بسياسة روسيا, وليست
القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس ذات أهمية عسكرية أو إستراتيجية
للأسطول الروسي, كل ذلك لم يمنع من اتخاذ الروس موقفا متماسكا ضد التدخل
الغربي في سوريا, واستخدمت حق النقض مرتين وهددت باستخدامه مرات أخرى إذا
لم يوقف الغرب سياسته وتدخله في الشؤون السياسية الداخلية لسوريا.
-
سوريا بالنسبة لروسيا لا تعني الكثير ويمكن التضحية بها مقابل صفقة مع
الغرب, هذا ما صدر عن بوتين في مؤتمره الصحفي, ولكن بما أن الفرصة حانت
لكي تسترد روسيا شيئا من كرامتها وترد الصفعة للغرب بعد تدخلهم في ليبيا,
فهي لم تتوانى عن الوقوف بوجه المد الغربي في منطقة البحر المتوسط, ووقفت
بعناد ضد أي تدخل عسكري في المنطقة, كل ذلك لمحاولة إيجاد موطئ قدم في
السياسة الدولية وخاصة بعد أن امتلأت خزائنها من فائض بيع الغاز والنفط
الروسي ولم تعد بحاجة للمساعدات الغربية التي تم تقديمها لروسيا في
تسعينات القرن الماضي مقابل تنازلات هامة على الصعيد العسكري الاستراتيجي
والسياسي العالمي بحيث لم يعد لروسيا دور يذكر آنذاك في السياسة العالمية.
.يشعر الروس بأنهم قد تحرروا اقتصاديا من الهيمنة الغربية وباستطاعتهم
العودة بقوة للعب في الشأن الدولي وتأمين مصالحهم السياسية وبناء تحالفات
جديدة تثبت وضعهم كدولة كبرى في العالم, يشجعهم على ذلك التنين الصيني
المتخم ماليا من تجارته الرابحة مع العالم (والذي اشترى محصول الصويا
للولايات المتحدة الأمريكية بالكامل ودفع ثمنه بصفقة بلغت مليارات
الدولارات)وهم يحنون للعودة للحقبة السوفيتية عندما كانوا يتقاسمون النفوذ
في العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية, فهل هم قادرون على ذلك؟؟؟؟.
روسيا بوتين تحاول أن تهرب من مشاكلها الداخلية ورفض غالبية السكان
لمعاملتهم على الطريقة السوفياتية بافتعال انتخابات مزورة معروفة نتائجها
قيل إجرائها والإبقاء على سياسة حكم الزعيم الواحد, لذلك فبوتين ينتهج
سياسة العداء لكل ماهو حراك ديمقراطي لشعوب المنطقة العربية لتبقي الروس
ضمن القوقعة التي تم إحكامها حول أعناقهم, مخافة أن يمتد الربيع العربي
إلى حدودهم ويهدد سياسة تبادل السلطة بين الزعيمين العائدين من الحقبة
السوفيتية.
