فيصل ثـــــــــــــــائر قـــائد
الجنس : عدد المساهمات : 546 معدل التفوق : 1488 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | سقوط التابو في العقل العربي (1) رائد قاسم ظهرت -كالعادة- دعاوى للإيقاف وتهديد بالملاحقة القانونية من قبل أفراد وجماعات وتيارات دينية ضد مسلسل “الحسن والحسين”، الذي حصل منتجوه على فتاوى تجيزه من قبل رجال دين من الشيعة والسنة . ولعل ما وآجهه منتجو هذا المسل | |
سقوط التابو في العقل العربي (1) رائد قاسم ظهرت -كالعادة- دعاوى للإيقاف وتهديد بالملاحقة القانونية من قبل أفراد وجماعات وتيارات دينية ضد مسلسل “الحسن والحسين”، الذي حصل منتجوه على فتاوى تجيزه من قبل رجال دين من الشيعة والسنة . ولعل ما وآجهه منتجو هذا المسلسل من معارضة وضغوط أقل حدة وكثافة ممن سبقوهم . فقبل أكثر من نصف عقد أراد الفنان الراحل يوسف وهبي تجسيد شخصية النبي محمد (ص)واجه حرباً شرسة من قبل علماء الأزهر ورجال دين من مختلف الأصقاع العربية، الأمر الذي انتهى بإعلانه إيقاف طموحه الفني إلى الأبد. في العام الماضي، عرضت بعض القنوات الفضائية مسلسل ” المسيح” وبعد ضغوط من جهات دينية مسيحية وإسلامية أوقفت عرضه، إلا أنه -في هذا العام- أقدمت عدة قنوات على عرضه مجددا ، كما أنه انتشر على الانترنت، وقبل عدة سنوات عرضت قناةmbc مسلسل”أبناء الرشيد” فاعترض المعترضون على عرضه وطالبوا بإيقافه؛لأنه بنظرهم جاء بمغالطات تاريخية لسيرة الخلفاء العباسيين ويجسد شخصية الإمام علي الرضا ، ورغم ذلك عرض المسلسل كاملا . في الكويت لا يزال مسلسل ” للخطايا ثمن” ممنوعاً من العرض؛ لأنه يناقش قضية” زواج المتعة” التي يجيزها الفقه الأمامي، بالرغم من كونه يناقش الموضوع من زوايا اجتماعية، بعيدا عن المنزلقات المذهبية والطائفية. ووفقاً للصحف فإن الفنان السوري رشيد عساف سيجسد شخصية الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب بعد إجازته من قبل مجموعة من رجال الدين . يأتي كل هذا بعد عدة سنوات من إنتاج مؤسسات فنية إيرانية مسلسلي ” مريم المقدسة” و” يوسف الصديق” وتجسيد شخصيتي (السيدة مريم العذراء والنبي يوسف الصديق ) من قبل ممثلين إيرانيين. ورغم اعتراض عدد من القوى الدينية على عرض العملين على قنوات فضائية عربية، إلا إنهما عرضا وحصلا على نسبة مشاهدة عالية، علاوة على إعجاب نقاد معروفين بالمسلسلين من نواحيهما الفنية المختلفة. إن هذه الأعمال الفنية التي تقبلها المشاهد العربي تأتي في خضم مشهد ثقافي وسياسي عربي جديد بدا من منتصف التسعينات في القرن الماضي، يتجسد بالانتقال إلى مرحلة جديدة مختلفة كلياً عما كان سائداً في الخمسين عاماً الماضية، حيث سيادة التابو السياسي والديني، الذي يحرم الخوض في شئون الدين والسياسة، ويحظر انتقاد رموزها. إنها مرحلة جديدة في عالمنا العربي تتجه للفصل ما بين كل ما هو سياسي وكل ما هو ديني، مرحلة أصبحت فيها كل قيمة منفصلة عن الأخرى، تكتسب شرعيتها من كونها منتج بشري عصري لا بد منه، أي إنها ذات قيمة مستقلة لها مسوغاتها الخاصة واعتباراتها الذاتية، ولم تعد بحاجة لاكتساب المشروعية من المؤسسة الدينية أو السياسية. إنها مرحلة تتميز بالفصل ما بين الذات الفردية ذات الطبيعية المركزية والحياة الجماعية المتسمة بالتعدد والتنوع ، إنها باختصار سقوط المقدس والمحظور والمناطق المحرمة في العقل العربي،لصالح نشوء مساحات خضراء واسعة ، يمكن للفكر فيها أن يتحرك كما يشاء. ومن الطبيعي أن ثورات الاتصال الهائلة كانت أحد أهم العوامل التي ساهمت في تحطم التابوهات الدينية والسياسية وتحطيم ديكتاتورية التفكير الفردي والجماعي لصالح انطلاقة جديدة تقوم على ذاتية التدين ودستورية المؤسسات السياسية، وفردية ونسبية القوانين الدينية، وتحويل المناصب القيادية العليا في المجتمع لوظائف عامة، بعد أن كانت في عداد المناطق الحمراء . في التصور الإسلامي فإن النبي ليس معصوماً سوى في تبليغ الرسالة، وأهل بيت نبي الإسلام محمد(ص) وصحابته ليسوا بمعصومين فهم يخطئون ويصيبون، والاتفاق ما بين الفرق الإسلامية بشكل عام هو على تقواهم وصلاحهم، وأما في ممارساتهم السياسية والاجتماعية فهم خطاءون كغيرهم من بني البشر. وقد مارس العديد منهم السياسة والإصلاح الاجتماعي وخاضوا أتون الحروب . وفي غمار خوضهم تلكم الأصعدة فإنه يمكن أن يتعرضوا للوقوع في الخطأ، ونقدهم لا يكون إلا في هذا . فلماذا هذا التشنج ؟ أو ليس بالنقد تزدهر الأمم؟ أو ليس بمراجعة التاريخ وتحليله تستنير الشعوب وتهتدي ؟ من ناحية أخرى تكمن العقدة المستحكمة في العقل العربي المعاصر هو في التوأمة والالتحام النسيجي ما بين الدين والسياسة، حيث أصبحت بعض الجوانب المقدسة دينيا مقدسة سياسيا وبالعكس ، إلا إن الأخطر هو في ممارسة الشخصيات الإسلامية الأولى السياسة، علاوة على اجتهادها الديني، فأصبح الدين والسياسة مؤسسة واحدة وشي واحد! وحتى اليوم فإن العقل العربي لم يتمكن من الفصل التام ما بينهما نتيجة لذلك، بل وتستشهد تيارات الإسلام السياسي بكون الإسلام دين ودولة من سيرة العصر الإسلامي الأول ، الذي كان فيه الخلفاء حكام سياسيون وفقهاء في نفس الوقت، متجاهلين بدائية ذلك العصر قياسا بعصرنا ، بل إنه سرعان ما تفرعت مؤسسة الحكم في بعض الدول العربية الإسلامية إلى فرعين سياسي وديني ، وتحديدا منذ بداية العصر الأموي وحتى اليوم. لقد رسخت هذه العقيدة في سنوات ما يعرف بالصحوة الإسلامية ، التي ابتدأت تقريبا من منتصف السبعينات من القرن الماضي، إلا أنها وبفعل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا وما أحدثته من تدفق رهيب للمعلومات والأفكار وتلاقح للثقافات بدأت تنهار شيئا فشيئا، وبلغت أوج مراحلها في العقد الأول من الألفية الثالثة وحتى الان . لم يكن العقل العربي يميز ما بين الممارسات السياسية والدينية للشخصيات التاريخية في صدر الإسلام ولم يكن يفرز شخصيتها الدينية عن السياسية، ولم يلاحظ أنها لم تكن مقدسة من قبل أبناء عصرها، فقد كان لكل منها أنصارها ومريديها إلى جانب أعدائها وناقديها ، يدعمه في ذلك قلة مسارات البحث والاطلاع وصعوبة النقد والتحليل والمقارنة ، حتى ظهرت وسائل الاتصال الحديثة التي كسرت سلطة الرقابة واخترقت الأوطان والبلدان وأزالت حواجز اللغة ، فبدا منها سقوط التابو في العقل العربي. قبل ذلك ومنذ مئات السنوات كانت الساحة الدينية والسياسية العربية تشهد ما بين فترة وأخرى ظهور حركات تمرد على التابو الحاكم في العقل العربي، إلا أن سلطته كانت قوية جدا، بحيث لم تشهد هذه الساحة انتصار فعلي لحركة التنوير ضد سلطة التابو، منها آراء الشيخ الحميد الزهراوي ، وهو رجل دين سوري ، توفي شنقا بأمر السلطات العثمانية عام 1916م ، بسبب آرائه المناوئة للحكومة العثمانية وسلطتها الدينية والتي دونها في كتابه ” الفقه والتصوف” الذي دعا فيه إلى مكافحة التحجر الفقهي والصوفية وتقديس التاريخ والأزمنة المتقدمة، كان يعتقد أن علمي الفقه والتصوف من العلوم قليلة النفع، فالفقه يشتمل على العبادات والمعاملات، التي هي أعمال قام بها النبي (ص) والصحابة ، وانتهى إلى الفقهاء ، الذين انشئوا عنهم الموسوعات الطويلة المضخمة الحافلة بالصراعات المذهبية التي لا حد لها، وأن معظم ما يقول به الفقهاء يناسب أزمنتهم فقط ولا يمكن أن تفرض على زمان وأمكنة غير أزمنتهم وأمكنتهم، يقول” أن هناك أمم ليس عندها هذه الكتب ( كتب الفقه) قد أغناهم الله بفضل عقولها في تدبير التجارة والمعاهدات وإدارة المنافع وتنظيم الجيوش.” وينتقد المتفقهة ويصف الفقهاء بأنهم أرباب مهنة ” أنها مهنة اتخذها الكثيرون ديدنا في كل عصر ومصر، وهي لم تكن في يوم من الأيام موضع إجماع فكيف يتم تقديسها وهي تعكس التحزب والتشيع للرؤساء والمذاهب والأجناس ، فحارب هؤلاء بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضا”. ويتابع” أن أكثر ما يقوله الفقهاء يستند إلى الظن والتخمين والفرض والتقدير، وأن الإجماع بشأنه هو مما لم يقع ويمتنع أن يقع ، وأن الفقه لا يخلو من تلميحات عجيبة وتخيلات غريبة في لغة العقل والنقل ، من هنا ينبغي أن يكون للمتأخرين حق في أن يجتهدوا ” وفي الشأن السياسي كان يعتقد بان النظام السياسي الدستوري الضامن لمشاركة الشعب هو الأفضل للبلدان العربية:” كلما كانت مشاركة الشعب للحكومات أكثر، كان وجوده اضمن، وأفضل شكل لها هو الدستوري وأفضل أشكال الدستورية هو اللامركزية__________________ نحن مجانين إن لم نستطع أن نفكر ومتعصبين إن لم نرغب أن نفكر وعبيد إن لم نجرأ على التفكير! ( أفلاطون) | |
|