في الفلسفة كل الحل
تغريد الطاسان |
| |
الفلسفة هي علم البحث في جوانب الحياة المختلفة، اعتماداً على التفكير العميق، والتأمل في أعماق الطبيعة والوجود. هذا العلم مقدر جداً في المجتمعات الغربية، ولكنه مظلوم في مجتمعاتنا الشرقية، التي مهما بلغت تجاوزات الإنسان الدينية فيها وتفريطه، يبقى الإيمان بالله هو المحرك الأساسي لتفاصيل حياته، وهذا يتنافى مع ارتباط الفلسفة بعلماء النظرية العدمية كنيتشه وغيره ممن أسقطتهم الفلسفة العدمية إلى أسفل حفرة الإلحاد. ولكن، لو نظرنا إلى الفلسفة كفطرة سليمة مبنية على التأمل والتحليل والاكتشاف، والتوقع القائم على الاقتداء بسيد البشر في عشقه للتأمل الذي فتح له بعد الله أبواب سبر النفوس والأغوار، والدخول إلى مناطق التحكم في توجيه الظروف والبشر والزمان والمكان لتكون طوع أمرنا بإرادة الله، فهل سنكره الفلسفة هنا؟ بتحليلي الشخصي المتواضع، أجد أن الفلسفة هي علم الفهم العميق للحياة بشكل عام، وهي صندوق المفاتيح الكبير الذي حفظ الله لنا به مفاتح أبواب الحلول لكل شيء. إن أتقناها أحسنا ترتيب مخازن القيم في دواخلنا، التي تتجمع لتكون المعتقدات السليمة لكل فرد، وبالتالي يقوم عليها مجتمع كامل، ومن خلال ذلك تتيح لنا الفلسفة السيطرة على الانفعالات المختلفة كالغضب والخوف والحزن والألم وجلد الذات وغيرها، مما يجعلنا نتحكم بها، ليكون رد الفعل صادراً من الظروف الخارجية التي تسكبها علينا المواقف، لا من خلال دواخلنا التي تتلقاها فتصدر رد فعل خاطئ مصنوع من نظرة قاصرة أنتجتها مخازن ظروفنا نحن، وأسقطتها كرد فعل على مواقف تتطلب منا قراءة مختلفة تماماً. إن نظرتنا للأمور لو كانت من الداخل للخارج، فهذا معناه أنني حللت الموقف مسبقاً بناء على قناعاتي وظروفي قبل أن أستوعبه أو أفهمه بناء على المعطيات والأسباب الخارجية، ليخرج السلوك أكثر حكمة ونضجاً، وهذا ما يسبب دائماً التصادم والخلاف والمشاحنات بين الناس. الفلسفة والتحليل والتأمل تجعلنا نبحث أيضاً في ما وراء الظاهر من أقدار الله، فلا نجزع منها، وكمثال بسيط جداً، ذلك الراكب الذي كان على قائمة المسافرين في الطائرة المصرية، فأتاه اتصال من والديه يطلبان منه عدم السفر، ولكنه وصل المطار مصراً على السفر، ليكتشف أن إمكان اللحاق بالرحلة فات وقته، لتكون النتيجة أن جعله الله من الناجين! ما حدث ليس مصادفة تتسع لها الأحداق دهشة، ففلسفة التحليل والتأمل والربط بينها وبين القرآن الذي هو كلام الله عز وجل ورسائله المقدسة لنا تقول (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، لذلك فهي ترتيبات إلهية لا يفهمها إلا من تعمق بالفلسفة الإيمانية والتحليل العميق لآيات الله، فرأى الحدث نتيجة حتمية لقدرة الله وعلمه المحيط بكل شيء الذي نجا راكباً لم يحن أجله بعد (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). مشكلتنا الكبرى ليست مع الفلسفة بحد ذاتها، بل في مفهموها عندنا الذي ارتبط بنظريات الفراغ والعدمية والإلحاد، وتوجسنا الأكبر ليس من الفلسفة كعلم، بل بالخوف من الإجابة عن الأسئلة الكبرى كسؤال: أين أجد الله الذي نخشى التصريح به على رغم الإجابة السهلة الواضحة لهذا السؤال، فالله موجود في كل شيء وفي كل حقيقة وفي كل جمال وخير وإبداع، نخاف السؤال على رغم أن سيدنا موسى عليه السلام سأل الله عز وجل أن يراه (ربِ أرني أنظر إليك)، فلم يغضب منه العظيم الرحيم ولم يطرده من رحمته، بل خاطبه بما يتناسب مع عقله البشري قال (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا)، الإجابة الربانية الهينة اللينة التي قدرت تركيبة العقل الآدمي الشغوف بالمعرفة أجابته بما جعل هذا العقل وهذه الروح يؤمنان ويصدقان بالله أكثر (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين)، فكان تكريم الله له أن حمّله مسؤولية الدعوة إليه (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين). وهذا بالضبط ما يجب أن نفعله نحن، أن نكون دعاة لله بما يخاطب الروح والعقل لا أحدهما من دون الآخر، وهذا ليس مطلبا إنسانياً، بل أمر إلهي نحن جميعاً مكلفون به. (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير). الفلسفة التأملية التحليلية التوقعية خير كلها، فليتنا لا نخاف منها، فهي بعد الله منجاة لكثير من توهان الفكر في دهاليز التبعية والظلام، فأقبلوا عليها ولا تخافوا (هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون). http://www.alhayat.com/Opinion/taghreed-