النماذج الدقيقة كهذه التي توصلنا إليها، من الممكن أن تساعد في فهم الديناميكيات المعقدة الفاعلة في الدماغ البشري – جيولم هينيكين.
إن التمثيلات المصممة حديثاً وذات الدقة العالية، والتي تمثل الطريقة التي تتصرف بها الخلايا العصبية عندما يقوم الإنسان بحركاتٍ معينةٍ كتناول شيء ما، تستطيع أن تحسن من فهمنا للديناميكيات الفاعلة في الدماغ. كما أنها تساعد أيضاً في تطوير أطراف روبوتية قادرة على أداء حركاتٍ أكثر تعقيداً وأقرب للطبيعية.
استجهارٌ فوتونيٌّ متعددٌ لخلايا عصبية حركية لفأر. حقوق الصورة: ZEISS Microscopy على فليكر، تخضع الصورة لرخصة المشاع الإبداعي (نسب المصنف-غير تجاري-منع الاشتقاق [size]
قام باحثون من جامعة كامبريدج، ويعملون بالتعاون مع جامعة أوكسفورد والمؤسسة الفدرالية السويسرية للتكنولوجيا في لوزان (
EPFL)، بتطوير نموذجٍ جديدٍ للشبكات العصبية، مقدمين بذلك نظرية مبتكرة حول كيفية عمل الخلايا العصبية مع بعضها البعض عند القيام بالحركات المعقدة. نُشِرت النتائج في العدد الثامن عشر من حزيران/يونيو من دورية
Neuron.
قد يبدو فعلٌ ما كتناول فنجان القهوة فعلاً بسيطاً مباشراً، لكن هناك ملايين الخلايا العصبية في القشرة الحركية للدماغ، والتي عليها أن تعمل مجتمعةً من أجل التحضير لتنفيذ هذه الحركة، وكل ذلك يتم حتى قبل أن تصل القهوة لشفاهنا. وعندما نقوم بتناول فنجان القهوة المرغوب به كثيراً، تقوم العصبونات بالانطلاق وتنفيذ العمل، مرسلةً سلسلة من الإشارات من الدماغ إلى اليد. هذه الإشارات يتم نقلها عبر التشابكات العصبية (الوصلات بين الخلايا العصبية).
تعتبر عملية التحديد الدقيق لكيفية عمل هذه الخلايا العصبية مع بعضها لتنفيذ هذه الحركات أمراً صعباً على كل حال. ولكن إلهام العلماء بالنظرية الجديدة أتى من تجارب حديثة تم القيام بها في جامعة ستانفورد، والتي كشفت النقاب عن بعض الجوانب المهمة للإشارات التي تطلقها الخلايا العصبية قبل وخلال وبعد الحركة. قال د.جيولم هينيكين
Guillaume Hennequin: "هناك تآزر مذهل ما بين النشاط الذي سُجِّل بشكلٍ متزامنٍ بين مئات الخلايا العصبية. وعلى النقيض من ذلك، فإن النماذج القديمة لديناميكيات الدارات الكهربائية القشرية تتنبأ بالكثير من التكرار الزائد، وبالتالي فإنها توضيحٌ سيء لما يحدث في القشرة الحركية خلال الحركات". د.جيولم هينيكين من قسم الهندسة في الجامعة هو من قام بقيادة هذا البحث.
ستساعدنا النماذج الأفضل حول كيفية تصرف الخلايا العصبية على فهم الدماغ، كما أنها قد تُستَخدَم في تصميم الأطراف الصناعية التي يتم التحكم بها عن طريق الإلكترودات المزروعة في الدماغ. وبشأن ذلك أوضح د.هينيكين: "قد تقدم نظريتنا تخميناً أكثر دقةً يخبرنا كيف سترغب الخلايا العصبية في إرسال إشارات كل من قصد الحركة وتنفيذ الحركة إلى الطرف الروبوتية".
يمكن تشبيه تصرف الخلايا العصبية في القشرة الحركية بمصيدة الفئران، أو بصندوق مزود بنوابض، والذي تكون النوابض فيه مستعدةً لأن تنطلق بمجرد فتح الغطاء، أو بمجرد تناول الفأر للطعم. بينما نقوم بالتخطيط لحركةٍ ما، يتم شد وضغط "النوابض العصبية" بشكلٍ متزايد، وعندما تُترَك، فإنها تنظم لحناً من هبات الفعل العصبي، والتي تحدث جميعها خلال طرفة عين.
يمكن أن تكون الإشارات التي تنتقل عبر التشابكات العصبية في القشرة الحركية خلال الحركات المعقدة إشاراتٍ تحفيزية أو تثبيطية، والتي هي بشكلٍ أساسيٍّ انعكاساتٌ مرآتيةٌ لبعضها البعض. تقوم الإشارات بإلغاء بعضها البعض في أغلب الأحيان، تاركةً بذلك هبّاتٍ متقطعة من النشاط العصبي.
باستخدام نظرية التحكم control theory، وهي فرعٌ من الرياضيات مناسبٌ جداً لدراسة الأنظمة المعقدة المتفاعلة مع بعضها كالدماغ، قام الباحثون بابتكار نموذجٍ للتصرف العصبي، والذي يستطيع الوصول إلى توازنٍ بين الإشارات التشابكية التحفيزية وبين الإشارات التشابكية التثبيطية. يستطيع هذا النموذج أن يعيد إنتاج مدى معينٍ من أنماط الحركة ذات الأبعاد المتعددة.
وجد الباحثون أن الخلايا العصبية في القشرة الحركية قد تكون غير متصلةٍ مع بعضها بالقدر من العشوائية الذي كانوا يظنونه من قبل. قال د.هينيكين: "يُظهر نموذجنا أن التشابكات التثبيطية قد يتم ضبطها من أجل تحقيق الاستقرار لديناميكيات الشبكات الدماغية هذه. نحن نظن أن النماذج الدقيقة كهذه يمكنها في الحقيقة أن تساعدنا في فهم الديناميكيات شديدة التعقيد، والتي تكون قيد العمل في دماغ الإنسان".
تتضمن التوجهات المستقبلية للأبحاث بناء نموذج "الحلقة المغلقة" الأكثر واقعية، والذي يشتمل على ابتداء الحركة، والذي يستخدم فيه الدماغ التغذية الاسترجاعية من الأطراف من أجل تصحيح الأخطاء البسيطة في تنفيذ الحركة. سيُعرِّض هذا النظريةَ الجديدة إلى الفحص الأكثر تدقيقاً للتوثيق السلوكي والفيزيولوجي لهذه النظرية، مما قد يقود إلى فهمٍ ميكانيكيٍّ أكثر كمالاً لهذه الحركات المعقدة.
[/size]
[size]
يخضع النص المنشور هنا لرخصة المشاع الإبداعي. إذا أردت استخدامه على موقعك، يجب أن تضع رابطاً لـ الصفحة الأصلية. أما من أجل حقوق الصور، فراجع حقوق كل صورة على حدة.
[/size]