عن وقاحة الاستمتاع بكرة القدم
أحمد تموز |
| |
إشكالية التجرؤ على الاستمتاع بمشاهدة مباريات كرة القدم العالمية تشبه، في وجه من وجوهها، تلقائية غير مفهومة، تجزم بحقنا بركوب أفخم ما تقدمه تكنولوجيا السيارات بمجرد أن نمتلك ثمنه. والأمر يُقلع من باب المزاح نحو واحدة من أكثر الجدليات مقدرة على معاينة الـ «نحن»، السياسية والتقانية والرياضية، التي تُقصف من جهة الغرب بالجديد والمبتكر، من دون أن تتحصّل هذه الـ «نحن» على إمكانية التقاط أنفاسها، كمقدمة لا مناص منها لتبيئة المقذوفات على الأقل. صنعت الفرق الكروية العالمية لنفسها خطوط انتماء «حقيقية» في عقول شبابنا، من حيث نجاحها بتعريف داخل وخارج لهذه الخطوط، وأصبح لها محازبون ناجزون يحفظون تاريخها الكروي منذ نصف قرن، ويخوضون في حجج محكمة ومثيرة للإعجاب بهدف محاصرة الخصم. لكن الشباب الأوروبي الذي خاض تجربة التظاهرات الطلابية في 1986، على سبيل المثال، هو من يشاهد كرة القدم الآن، وليس جيلا لم ينجز ويراكم ولم يتطهّر في المخاضات المجتمعية التي تحسم جدله المعرفي والقيمي. من الديموقراطية إلى كرة القدم، هل ما يجري تحديث أم استلحاق؟ هل يجوز لمن لم يدفع قرشاً نضالياً واحداً في معركة الحداثة أن يحوز على منجزاتها؟ في الغرب الذي أقلع من الاستنقاع الطائفي وشرع في البناء الإنساني، تمثل المنتخبات الكروية طريقة غير تقليدية لإعادة اختراع الأمم في عقول الأفراد، وهي بذلك تؤدي أدواراً لعبتها الجيوش تاريخياً، ولا شك أن اعتماد الرياضة لغرس الانتماء الوطني في زمن الحدود المفتوحة والمصائر المشتركة أقل تكلفة بما لا يقاس. هذا عن كرة القدم، ماذا عن السيارات؟ هل هو حقاً فعل «طبيعي» أن تنتقل بيئة تقتصر كفاءاتها التقانية في مجال النقل على «صناعة» الجمال إلى ركوب السيارات الفارهة؟ هل هذه هي حقاً الطريقة المثلى لتدارك الفوات التاريخي؟ من المؤكد أن لهذه السيارات أنظمتها السياسية ومساراتها الحداثية التي بلغت أماكن تعتبر حضارياً في مجموعة شمسية أخرى نسبة إلى ما نحن عليه. الأمر نفسه حصل ويحصل عندما تقرر مجموعة من قصيري النظر رمي «الديموقراطية» كيفما اتفق على مجتمع لم ينجز حتى بوتقة انتماء تجمع الأفخاذ في قبيلة واحدة، هذا فضلاً عن نضال معلق يجب أن يفضي بالقبائل إلى الشعب. هذه هي الحداثة - المسخ التي تتعبد لديموقراطية في مجتمع لم يشيّد حتى الآن إطارها الوطني المرجعي، الذي يمنعها من التحول إلى أداة للتذرير العبثي والردة إلى الهويات الضيّقة والمغلقة. في جانب آخر، لا يمكننا اقتراف التفاؤل بقياس أحوالنا على الحالة الغربية ما قبل الحداثية. فالغرب لم يكن له «غربه» الذي قد يستثمر في تخلفه، ويساهم في إدامته بعكس حالتنا اليوم. ثم إن التاريخ هو مجموع عوامل موضوعية وصُدف ومواضعات وقادة يصنعون الفارق، ونحن قوم نفتقر إلى العوامل الموضوعية ولا تحبنا الصدف السعيدة، و «ليس جديداً علينا اغتيال الصحابة والأولياء»، وهذا مزيج يَعد بطول إقامة في التخلف. لا شك ان هذه الإشكالية تفتح على الأفكار العالمثالثية التي تبحث عن المسار التحديثي الأكثر جدوى، من دون الخوض في ميتافيزيقيا التكرار الحرفي للمسارات