هل يمكن الأخذ بالتكنولوجيا الحديثة لتحقيق هدف قرآنى؟تتأسّـس فلسفة القانون على احتياجات الإنسان وفقــًـا لظروف عصره، فإذا أرادتْ دولة ما أنْ تــُـصدر قانونــًـا لتنظيم النسل ، انقسم أصحاب المرجعية الدينية قسميْن: الأصوليون يرون أنّ هذا لا يجوز، وأنه حرام لأنّ الله هو الرازق، بينما يرى فقهاء السلطة (حسب وصف الأصوليين لهم) أنه يجوز وأنه حلال شرعـًـا، لأنّ الإسلام مع (التنظيم وليس مع العشوائية) فى حين أنّ علوم العصر الحديث تحسم الموضوع بشكل علمى يتأسّس على مراعاة العوامل التالية: المساحة الكلية للأراضى الزراعية والأراضى العمرانية، حجم الموارد الطبيعية، حجم ونوعية الطاقة البشرية إلخ أى أنّ العوامل الموضوعية هى التى تــُـحـدّد العدد الملائم للسكان، والدليل على ذلك أنّ بلادًا كثيرة فى أوروبا تــُـشجـّـع زيادة النسل وتــُـقـدم مزايا عديدة للأسرة لتحقيق هذه الزيادة. وإذا أرادتْ دولة ما أنْ تــُـصدر قانونــًـا يـُـبيح نقل الأعضاء البشرية للمرضى ، فإنّ الأصوليين يرون أنّ هذا حرام لأنه يؤجل لقاء الإنسان بربه، فى حين أنّ شيخـًـا تليفزيونيـًـا شهيرًا، بعد أنْ قال هذه الفتوى، ذهب إلى لندن (بلاد الكفر كما يسمونها) وأجرى له الأطباء جراحة دقيقة، استعاد بعدها عافيته. أما الشيوخ الذين يـُـطلق عليهم صفة الاعتدال، فإنهم يتكلمون فيما لا يعنيهم، مثل متى يكون الإنسان قد مات؟ هل بتوقف ضربات القلب؟ أم بموت جذع المخ؟ وهى أمور علمية/ طبية لا شأن للمرجعية الدينية فيها. الشىء نفسه فى مسألة ختان البنات ، وفيها انقسم أصحاب المرجعية الدينية، بين مؤيد ومعارض، وكل منهما يستشهد بذات المرجعية الدينية، فى حين أنّ هذا الأمر لا يحسمه إلاّ الأطباء المُـتخصصون، وهل هو فى صالح البنت أم لا؟ كذلك الادعاء (الإسلامى) أنّ الادخار فى مكاتب البريد أو فى بنوك الدولة حرام لأنه (ربا) ورغم أنّ المُـصنفين ب (المعتدلين) أو (اليسار الإسلامى) فنــّـدوا مسألة الربا، وأنّ البنوك الحديثة لا علاقة لها بمفهوم الربا الإسلامى، رغم ذلك فإنّ الأصوليين يـُـهاجمون بنوك الدولة ويسعون لاستصدار (التشريع الإسلامى) الذى يـُـحرّم التعامل معها، ليكون البديل: شركات النصب ونهب الأموال المسماة (المصارف الإسلامية) وكتب المستشار العشماوى أنّ هذه المصارف لا تستثمر أموالها فى الإنتاج، كما فعل بنك مصر عند إنشائه، حيث أقام دعائم الاقتصاد المصرى، لكنها تودع أموال عملائها فى مصارف أوروبية وأمريكية، وتأخذ عليها فائدة تصل إلى14% سنويـًـا، توزع منها على المودعين لديها 10% سنويـًـا، زاعمة أنّ ما تــُـقـدّمه لهم هو أرباح وليس فائدة، أى أنها تلجأ إلى تغيير الاسم فقط مع بقاء الفعل كغيرها من المصارف فى كل بلاد العالم. وهى تتحايل لتحقيق أهدافها فتــُـغاير النسبة التى تــُـقـدّمها للمودعين بين عام وآخر حتى لا ينتبهوا لحقيقة الأمر (الإسلام السياسى، ص66- 67) ولو أرادتْ دولة ما أنْ تــُـحقق مقاصد الشريعة (الإسلامية) كما وردتْ فى القرآن بتطبيق تكنولوجيا العلم الحديث، فما موقف الكهنوت الإسلامى؟ مثال: ينص القرآن على أنّ المرأة المُـطلقة والأرمل لكل منهما مدة محددة (= عدة) حتى تقترن بزوج آخر. والحكمة من ذلك التأكد من خلو الرحم من الحمل لتجنب اختلاط الأنساب، فإذا اخترع العلم الحديث الوسيلة التكنولوجية لتحقيق هذا الهدف، والتأكد من خلو الرحم من الحمل، فهل يجوز استصدار التشريع الذى يسمح للمرأة أنْ تعقد قرانها على زوج آخر بعد طلاقها أو ترملها بأيام أو أسبوع إذا كانت مضطرة للسفر مع الزوج الجديد؟ وهذا المثال يضع تحديـًـا جادًا أمام المجتمع فى العصر الحديث، ويـُـفرّق بين من يـُـقـدّسون الثبات ومن يؤمنون بالتغير، بين من لا يفهمون روح النصوص وبين من يهتمون بسعادة الإنسان. وإذا أرادتْ دولة ما استصدار القانون الذى يعاقب كل من يـُـكفــّـر الآخر، فما موقف الكهنوت الإسلامى؟ وما موقف أعضاء البرلمان؟ وما الموقف من طلب إلغاء (قانون الحسبة) الذى يعطى للنيابة العامة حق إقامة دعوى (الردة) بناءً على طلب من آحاد الناس؟ وما الموقف من إلغاء خانة الديانة من كل المُـحررات الرسمية؟ وهو الطلب الذى نادى به العلمانيون المصريون (بحق وحقيق) وهو الطلب الوارد فى برنامج حزب (مصر الأم) الذى رفضته لجنة صفوت الشريف (القضائية/ الحكومية) أيام مبارك؟ فهل تغير الوضع بعد أنْ ابتعدتْ الكاميرا عن وجه مبارك؟ أم أنّ