العزلة الاجتماعية تنهش العقل ... والجسم
ادارة الموقع |
| |
عندما ينسحب الشخص بعيداً من الآخرين ليعيش في مكان يشبه إلى حد ما الإقامة الجبرية، فإن هذا السلوك يدخل ضــمن نطــاق ما يعرف بالعزلة الاجتماعية. يقول تيموثي سميث أستاذ علم النفس في جامعة بريغهام يونغ في ولاية يوتا الأميركية، مــــوضحاً أمراً مهماً حول العزلة، ان الأشخاص لا يفكرون عادة في تأثير العوامل الإجتماعية عندما يفكرون في الصحة، بل في الأشياء الملموسة، كضغط الدم المرتفع، ومستوى الكوليسترول في الدم، وأخذ العلاجات الدوائية المخفضة. أما ليزا جاريميكا الأستاذة المساعدة في العلوم النفسية والمخ في جامعة ديلاوير في نيويورك فتقول إن على البحوث التي تجرى في هذا المجال الأخذ في الإعتبار تأثير مشاعر العزلة على الأشخاص الذين يعانون منها، بغض النظر عن الشبكة الاجتماعية الفعلية المحيطة بهم، موضحة أن هناك أشخاصاً هم بالفعل على اتصال مباشر ومستمر مع الآخرين، إلا أنهم يشعرون بالوحدة. في المقابل هناك آخرون لا يرون في شكل منتظم أفراداً في محيطهم الاجتماعي إلا أنهم لا يشعرون بالوحدة مطلقاً. وتفيد دراسات نفسية مرتبطة بالعزلة الاجتماعية بأن هذه الأخيرة لا تؤثر في شخصية الفرد وفي علاقاته بالآخرين فحسب، بل يمكن أن تترك تداعيات صحية ونفسية خطيرة على صاحبها. ووفق دراسة أجراها علماء من جامعة كونكورديا الكندية على 60 طالباً قدموا من بلدان مختلفة لمتابعة دروسهم في الجامعة، تبين أن الحالة الصحية للطلاب الذين تمكنوا من إقامة علاقات اجتماعية جديدة خلال فترة خمسة أشهر من وجودهم في كندا كانت أفضل من الآخرين الذين لم يتمكنوا خلال هذه المدة من إقامة مثل هذه العلاقات، لذا كانوا يعانون من حالة نفسية سيئة مثلما كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، لذلك أوصى العلماء الذين أشرفوا على الدراسة بضرورة أن يسرع الشخص في التعارف وإقامة علاقات صداقة مع المحيطين به. وعلى الصعيد نفسه حذرت دراسة جديدة من أن العزلة الاجتماعية قد تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان. فبعد مراجعة دراسات وبحوث سابقة شملت 181 ألف مشترك، من ضمنهم 4628 شخصاً مصابين بأمراض القلب، إضافة إلى 3002 شخص مصابين بالسكتة الدماغية، تبين أن العزلة الاجتماعية ترفع من احتمال الإصابة بأمراض القلب بنسبة 29 في المئة تقريباً، إضافة إلى ارتفاع احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 32 في المئة، وأن العزلة تؤثر في الأشخاص من خلال ثلاثة عوامل هي: السلوك الفردي في التعامل مع الأشخاص، وارتباط العزلة بالعامل النفسي الذي يزيد خطر الإصابة بالاكتئاب واضطرابات النوم، ثم العامل الجسدي حيث تضعف العزلة رد فعل الجهاز المناعي لدى الأشخاص، إضافة إلى رفع ضغط الدم لديهم. وحذر علماء من خطورة العزلة الاجتماعية كونها تشكل خطراً قاتلاً على الصحة، خصوصاً أنهم وجدوا صلة بين المرض وحدوث تغيرات في الجينات البشرية، وأن احتمالات الضرر الناشئ عن هذه التغيرات تماثل آثار التدخين والسمنة ومرض السكر. ويقول عالم النفس الأميركي ستيف كول الذي درس التغيرات الجينية أن الباحثين يعرفون، منذ سنوات، أن الذين يعانون مرض العزلة الاجتماعية معرضون أكثر من غيرهم للأزمات القلبية والسرطان وداء ألزهايمر وأمراض أخرى. وعلى صعيد الجينات كشف باحثون وجود علاقة بين العزلة وازدياد الجينات المسؤولة عن الإصابة بالالتهابات، إضافة إلى تراجع في الدور الذي يلعبه الجسم في محاربة الفيروسات، ما يجعل الأشخاص الذين يعيشون في عزلة يعانون من نظام مناعي أضعف ويصابون بأمراض أكثر مقارنة بالآخرين. وقد ساهمت وسائل التواصل الحديثة في تفشي مرض العزلة الاجتماعية، لأنها لعبت دوراً هداماً على صعيد التعامل المباشر وإقامة العلاقات الاجتماعية بحجة الانشغال بهذه الوسائل، ما أدى إلى ضعف هذه العلاقات وإلى ندرة القيام بالزيارات الاجتماعية وتبادل الخبرات والمشاعر. والأخطر من هذا أن التعامل مع هذه الوسائل ساهم في إضعاف علاقة الأبناء بوالديهم وفي نشر أمراض نفسية، بينها العزلة والانطوائية. والمصابون بالعزلة الاجتماعية هم من أكثر الفئات تعرضاً لخطر إدمان الانترنت التي وجدوا فيها مجالاً رحباً لتفريغ مخاوفهم وقلقهم وإقامة علاقات غامضة، إن لم تكن مزيفة، مع الآخرين بعيداً من العلاقات الإنسانية الطبيعية. ان علاج العزلة يقوم على الأمور الآتية: - تشكيل حلقات اجتماعية للتواصل المباشر مع الآخرين، خصوصاً الأصدقاء. - النشاطات الرياضية المختلفة. - الأعمال التطوعية. - مكافحة الأفكار والمعتقدات السلبية التي يكوّنها المصابون بالعزلة عن أنفسهم. - إذا أخذنا بمعطيات باحثين كثر فإن العلاقات الاجتماعية المتينة هي البلسم الشافي من مرض العزلة الاجتماعية، وأن مفعولها أقوى من اللقاحات التي تعطى للوقاية من الأمراض، وأن تمضية وقت سعيد مع الأهل والأصدقاء يقلل من خطر الموت المبكر بنسبة 50 في المئة. في المختصر إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يسعى دائماً الى التواصل مع الآخرين بشتى السبل، لكن في بعض الأحيان يأتي مرض العزلة الاجتماعية ليكسر هذه العلاقة بالآخرين، وقد تكون هذه العزلة عابرة سرعان ما تزول، لكن في غالب الأحيان تكون إجبارية يظل فيها الشخص سجيناً في قوقعته من دون أي لقاء مع أي شخص، وهنا تصبح العزلة مشكلة ذات