قراءة الأفكار الغربية ليست مهمة سهلة، بل عسيرة إلى الحد الذي يجعل امتلاك نظرة شاملة حول ديناميكية التكوين الفكري الأوروبي تحتاج إلى كتاب من نوع "مغامرة الفكر الأوروبي، قصة الأفكار الغربية"..
فالكتاب لمؤلفته "جاكلين روس روس" يعدّ بسيطا مدهشا لتاريخانية الأفكار الغربية، وتطورها وديناميكيتها الحاضرة منذ نشأتها إلى اليوم على هيئة تيارات كبرى تخلِّق الوعي والأفكار وتنتج الحضارة التي شكّلت أوروبا على نحو ما انطوى عليه جدل الطبيعة والعقل والتاريخ، والنظام الأخلاقي والعقل العلمي، وبما تضمنه من سبر لأغوار الأزمنة المسيحية وأفكار القرون الوسطى، والكون "البروميثيوسي" ، وحتى القرن العشرين حيث يتجلى "دوار العقل". الأمر الذي ينطوي على مصداقية عالية وموضوعية يوثق بها في أن "جاكلين روس" توطئ لمغامرتها المدهشة في سبر أغوار "مغامرة الفكر الأوروبي" بجملة مثقلة بالإحالة التاريخية إلى هذا الشرق الأوسط الذي يضج بالتحديات والتحولات والصيرورات؛ حيث تقول في كتابها :"إننا ورثة رؤيتين للكون، كلتاهما ولدتا ما بين الفرات والنيل، منذ آلاف السنين".
من الطبيعة واللوغوس، ومن "الحرية" و"الشخص والتاريخ، تتفجر قيم الأفكار الأوروبية، وبقدر ما قاومت الرؤى المتعالية أفكار العقل والطبيعة، بقدر ما كانت الرؤى العقلانية ذاتها تشكل تحديا أمام سياقاتها وتحقيق انتصاراتها، وهنا تعتبر روس، أن العقل البشري نفسه الباحث عن الأسس المطلقة، اكتشف منذ بدايات القرن العشرين أن هذه الأفكار التي يبحث عنها ما زالت محظورة عليه.
وتذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن سلسلة الاكتشافات العلمية جعلت الإنسان ابناً للطبيعة، وأنه طارئ وعرضة للاختفاء، وأن وجوده عابر وليس مطلقا، ما أصاب هذا الإنسان بحيرة متفجرة. هي الحيرة القادمة من محاولته الإمساك بسلطان المعرفة، مقابل خسارته لفردوس اليقين. ومن هذا التصدع "العقلاني" انبثقت فكرة "اللاعقلاني" عبر تجليات الجمالية الحديثة، فترى أن كل هذا، يشكل محور التنوير الذي أردناه من هذه المغامرة.
وتشير جاكلين روس في قراءتها لتطور الأفكار الأخلاقية والجمالية الأوروبية، وهذا جزء من قراءتها لأفكار القرن السابع عشر:
"يقود غليان الأفكار، إلى الأسس الروحانية، التي سترتكز عليها العصور الثلاثة القادمة في أقله، حتى تساؤلات نهاية القرن العشرين، وستتكون الحضارة والثقافة انطلاقاً من فكرة الحق، وحق الإنسان والمواطن، من فكرة الأخلاقية الاجتماعية، وفكرة التاريخ، والسعادة على الأرض، والتطور والعلم، لقد انفتح التطور اللامحدود على الإنسانية جمعاء".
وتقول على شكل نبوءة قادمة من "كومينيوس" تصلح لوصف أوروبا الحاضر:
"توضحت فكرة أوروبا الموحدة، على مدى القرن السابع عشر، وضع كومينوس اسمه الأصلي، جان آموس كومنسكي 1592 – 1645، وهو كاتب تشيكي، مفاهيم إنسانوية تهدف إلى جمع البشر داخل اتحاد للشعوب، قال: نحن الأوروبيين، علينا أن نعتبر أنفسنا مسافرين جميعا في مركب واحد، أما "ليبنير"، فحلم