دعونا من نظريّة التطور ودعُونا من أصلِ الكونِ لنذهب إلى الفكر الربوبيِّ قليلًا، بعيدًا عن الأديان أعزائي كُلُّ شيءٍ نسبي، أما المُطلق فهو يُناقض نفسه بنفسه، كون وجود شيءٍ مُطلقٍ أو مُتطرفٍ فهذا يعكس الفكرة التي تمنحه هذه الصفة. سأقدم طرحًا من شقين وأدمجهما معًا في محاولةٍ لقولبة التصوّر للمُطلق.
قبل ذلك قمت بالبحث عن تعريف المُطلق في الانترنت فلم ترضني كل التعريفات التي وجدتها، ليس لعدمِ ملامستها للحقيقة ولكن لإمكانية تأويلها بعدِّة أشكالٍ بحسب رغبة القارئ، حيث يلعب الانحياز التأكيدي دورًا كبيرًا في ذلك، لذا قررتُ أن أقدِّم تعريفي للمُطلق والذي يتطابق مع التعريفات التي وجدتها ولكن دون فتح المجال للتأويل.
المُطلق: هو حالةٌ غير مشروطةٍ وغير محدودةٍ تم إسقاط مفهومها من واقعٍ موجودٍ على فكرة اللانهائية وربطهما معًا لإلغاء المحدودية.
الحب والكره، الخير والشر، الكبر والصغر، القدرة والوهن، الجمال والقبح، كلها صفاتٌ لا تقبل المُطلق.
مُطلق الخير يعني شر، ومُطلق القوة يعني ضعف، ومُطلق المحبة يعني كره، ربما ينظر إليّ شخصٌ ويستهزئ بما أقول ويقول لي أنت تناقض نفسك، ولكن فكر قليلًا عندما ننطلق في وصفِ شيءٍ يحمل صفاتٍ مطلقةٍ فإننا نعكس هذا المُطلق من طبيعةِ الثقافة التي نمتلكها وننسى أن المُطلق أعلى من ذلك بكثير ولنأخذ مثالًا مُطلق القدرة أن تستطيع عمل كل شيءٍ وحتى ما لا يمكن أن يتصوره بشر، وحتى ما لا يُمكنك انت تصوّره، لحظة .. كيف لا يُمكنك تصوّره إذًا هناك من هو قادرٌ على كل شيء وحتى قادر أن يتصوّر كل شيءٍ، يعني حتى قدرته على عدم القدرة ولكن هناك أيضًا من هو أقدر منه وهو القادر على ألا يكون عنده قدرة بتاتًا.
ببساطة بهذه الحالة نحن ندخل في دوامةٍ لا منطقيةٍ وغير عقلانيةٍ وذلك لأن الأمور نسبية، فكل صفةٍ في مُطلقها حين تُنسب إلى شيءٍ ما، ونقول أنّها لا يمكن أن يتواجد أكثر منها فهي فارغةٌ، لأنه دومًا هناك الأكثر وبالنتيجة تصل في التضخم إلى التناقض الذاتيّ.
كل شيءٍ هناك أبعد منه وهذا الأبعد يوجد أبعد منه، كل شيءٍ يوجد أصغر منه والأصغر يوجد أصغر منه.
حتى عندما نصل حاجز بلانك وندّعي أنه المُطلق في الصغر فرياضيًا هناك رقم أصغر منه، أي ببساطة لا وجود للمُطلق أو التطرف النهائي فكل شيءٍ نسبي في كل المُدركات وغير المُدركات.
وإن قُمنا بتحديد هذا المُطلق من صفةٍ بنسب صفةٍ أخرى له، فإننا ننزع عنه المُطلق لأن طرحنا لن يكون مجردًا، فعندما تقول لي الأقوى من البشر فأنت نسبتَ صفة البشرية للقوة وبهذا نزعتَ عنها التجريد، ومنه نزعتَ الفكرة المُطلقة لطرحك كذلك عندما تقول أكبر مجرة أو أسرع حيوان أو أصغر حشرة.
قد يسألني سائلٌ: ما أدراك بغير المُدركات، فقد تكون هناك أمورٌ مُطلقةٌ لا ندركها؟ أجيب وما أدراك أنت بغير المُدركات نحن نقيس على ما وجدناه أما أنت فعلى ماذا تقيس! إذًا كونكم تنسبون صفة المطلق لهذا الإله فاعذروني، إلهكم متناقض ذاتيًا فما بالكم بإله يحمل في كل صفاته المطلق؟
هنا قُدِم لي سؤال وأعتبره من الحنكة بمكان وبنفس الوقت يؤيد ما أقدمه من أن المُطلق حالةٌ مرفوضةٌ منطقيًا .. السؤال هو «هل تعتبر ما تقدمه من طرح حالة مطلقة»
تمامًا. هنا يتضح لكم ما عنيته بالتناقض الذاتي أو الـ paradox فعندما أقدم الطرح على أن المُطلق مستحيلٌ فهذا الطرح ليس مطلقًا وإنما هو نسبيٌ على ما أحمله من معارفٍ ومدركاتٍ، وبهذا أنتقل وإياكم إلى تقديم أي شيء اعتمادًا على ما نملكه من إرثٍ فكريٍ ومنطقيٍ وعلميٍ وحضاري.
هكذا عندما نقدم أي طرحٍ فإن هذا الطرح ينبغي أن يعتمد على أسس ما نعرفه وما توصلنا له، لا على ما لا يمكن أن نصل له بمعنى أننا عندما نقول إن هناك شيءٌ ما، فإننا ينبغي أن نملك من جمل المقارنة مجموعةً لتصف هذا الشيء، وتقيس صفاته رياضيًا وإلا فتقديم هذا الشيء الغير قابل للقياس والمحاكاة الرياضية مرفوضٌ لأنه غير موجود وإن كنا لم نتوصل بعد لإدراكه فانه من الغير منطقي ومن غير العقلاني أن نقبل ما لا ندركه، وإلا فإننا سنقع في فخ إبريق راسل.
إن التقديم الغيبيِّ لدى المؤمن أو الربوبيِّ يعتمد على تجاهل متناقضات المُطلق والتعلق بهويةٍ غيبيةٍ لا دليل عليها، تفتقر لأبسط أسس المنطق لتثبيت حالةٍ من الراحة النفسية نتيجة الخوف من المجهول أو الرغبة بالإحساس بالأمان. وهنا أقول لكم مرةً أخرى عذرًا أنا لا أكذب على نفسي لأحصل على راحةٍ زائفة، الملحد هو من وصل لحالةٍ من المصالحة مع فكرة الفناء ولم تعد تعتبر ذلك الرعب. والحالة هنا ليست مطلقة.