سوسية ثـــــــــــــــائر نشيـط
الجنس : عدد المساهمات : 159 معدل التفوق : 341 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 05/03/2012
| | ظاهرة المحميات الثقافية | |
[size=44]ظاهرة المحميات الثقافية[/size] - اقتباس :
سامي عبد العال الحوار المتمدن-العدد: 5492 - 2017 / 4 / 15 - 23:09 المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
الآن تجد المجتمعات العربية نفسها في مفترق طرقٍ. لقد تركت عليها البؤر الارهابية أثاراً لا تُمحى بسهولة. وسواء أكانت سلفية أم وهابية أم اخوانية أم داعشية فمازلنا في انتظار الجديد ليحل محل الأخرى إنْ انهارت. وجميعها – لو نلاحظ- لا يقبل إلاَّ بابتلاع الواقع كل الواقع. مما أدى إلى انعدام الابداع الحقيقي عبر نهر الثقافة الإنسانية.
لقد تحول السؤال التقليدي: لماذا تخلف المسلمون(العرب) وتقدم غيرُهم؟ إلى سؤال: كيف نوجد فقط فوق الأرض؟ حتى هذا المعنى الذي أثاره أحد مؤلفات المستشرقة سيجريد هونكه(شمس العرب تسطع على الغرب) أصبح سراباً. فلم تعد للعرب أضواء حضارية تعطيهم بريقاً راهناً. هم بقع مظلمة على كوكب سيار نحو الهاوية. ومارس الناس حياتهم يوماً بيوم للاكتفاء بإمكانية البقاء ليس أكثر.
ونتيجة غياب صناعة التاريخ تحولت الثقافة العربية إلى أشباه محميات متفرقة. كل بلد عربي يراها الحد الأخير للشعور بهويته الفاصلة. وذلك بفضل التقاليد البالية والجمود الفكري وعدم الانفتاح على إنسانيات العصر وتغيرات المعرفة فضلا عن تخلف الوضع السياسي. حتى بقي العرب حفريات تتحرك ببطء على مسارح العالم. وباتوا يتحاربون بهويات منقرضة لا تقوى على الاستمرار بعيداً عن محمياتها. كل شيء يمرح داخل المحمية: الأنا، الآخر، الأنظمة السياسية، المعتقدات، الأخلاق، المرأة، الحقائق، العائلة. يصعب فهم هذه المقولات بعيداً عن آثار تلك الإقامة الجبرية. هذا بالرغم من كون العصر الراهن عصراً عصفاً. ولم تجد الثقافات باختلافها - شرقاً وغرباً- طريقاً للإفلات من تياراته. إذ قلما نجد ثقافة محلية تستطيع الانطواء على موروثاتها فقط. فإن استطاعت الرجوع إلى جذورها فلن تكون الأغصان والثمار إلاَّ بألوان عالمية. العالم- بجميع تطوراته وفلسفاته وتقنياته- أشبه بالقدر الحياتي في كافة المجالات. أنْ تعيش المجتمعات للعالم في داخلها يبدو انطلاقاً نحو الآخر اللامتناهي. وإذا كان ايمانويل ليفيناس يعتبر الآخر اللامتناهي بصيغة اللاهوت، فالثقافة العالمية تخللته وجعلته أرضياً ونسبياً إلى أقصى مدى. حيث تحلل هيكله الروحي والفلسفي داخل التاريخ الكوني بصيغ إنسانية.
بخلاف ذلك جاء الصراع بين الدول العربية كأبرز معالم محميات الثقافة. فلا توجد بين دولة عربية وأخرى سوى التراشق الضمني أو المعلن بالهويات. وليس أخرها التلاسن بين السودان ومصر بصدد أصل الحضارة الفرعونية. يردد السودان أنَّ الأصل ينتمي إليه حصراً بينما المصريون ظلوا لسنوات ماضية يدرسونها بخلاف ذلك. مع أنه لا توجد قضية من الأساس. نظراً لأن الوثائق والآثار الفرعونية موجودة في بلد الحضارة.
وانتقل التقاتل بين الطرفين إلى حظائر الاعلام. فأعلن الاعلام السوداني كون الاهرامات المصرية سودانية ليرد عليه الاعلام المصري بالمثل. ويدخل البلدان في نفق مظلم من القيل والقال. على أثرهما تجددت مشكلة مثلث" حلايب وشلاتين" وقضية سد النهضة. هل الأرض من حق الدولة المصرية أم أن السودان أعلن تأييده الكامل للمشروع الإثيوبي؟ هكذا الخياران لا يؤديان إلى حل القضية بل إلى مزيد من الاحتقان. دائما الأسوأ يكمن في حل أية مشكلة بين بلدين عربيين!!
وما حدث بين هاتين الدولتين نجده مكرراً بين جميع الدول العربية بلا استثناء. العراق ودول الخليج، قطر والسعودية، السعودية واليمن، سوريا ودول الخليج، تونس وليبيا، المغرب والجزائر، قطر وجميع دول الربيع العربي. الخلافات إنْ لم تظهر بالعلن فهناك حساسيات وتدخلات في الشأن الداخلي. والغريب أن الوضع مازال ناشباً حيث يستنزف العقول والموارد والأفكار. ولم يعد يعني العرب اللحاق بركب الحضارة. لأنهم ببساطة أفرغوا طاقاتهم في مشكلات جانبية. وانكفئوا على قضاياً هامشية. وانخرطوا في تحرشات ببعضهم البعض. تاركين المجال واسعاً للجماعات الاسلامية.
من ثم لا تنفرد الحيوانات بمحميات لتوفير أجواء الحياة الطبيعية لها، بل قد يرتع الانسانُ أيضاً داخل محميات ثقافية تصنعها المجتمعات. القاسم المشترك هو توهم الاثنين بأنهما كائنات طليقة. تعيش حاضرها بلا قيود. بينما هناك اسوار تراقبها العيون بطريقة أو بأخرى. وأنه بمقدار الانطلاق تحت سقف السماء ليس هناك إلاّ مكان قريب. كما أنَّهما مهددان عند الحد الأدنى بالانقراض وسط تغيرات العصر والبيئة.
وإذا كانت المحميات الطبيعية تحافظ على عناصر معينة من الحيوان النادر فالمحميات الثقافية تكفي أجيالاً. تمنعهم من الانخراط في حداثة حقيقية. لأنَّها تحكم إطارها على التفكير وأساليب الحياة. وبالتالي قد تحافظ محميات الحيوان على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والابقاء على التوازن البيئي، غير أن الثقافة – وبخاصة جوهرها التقليدي- قد تغلِّب نمطاً معيناً وترسخ سلطة سائدة خارج التاريخ.
إجمالاً ترتبط الثقافة بعملية بنائية لها طابع التأسيس. إنها مسألة العمل على صقل الكائن الإنساني بشكل طويل الأمد. تثقيف الرمح في العربية يعني شحذه وجعله مستقيماً. ويبدو أن الثقافة هي شحذ العقول لتأدية الوظائف وممارسة طرائق الفكر. لكن ماذا لو كانت تلك العملية تخضع لنكوص ماضوي؟ وفوق هذا ينخرط فاعلو الثقافة في اجترار حياتهم معتقدين أنهم يتقدمون نحو الأمام. تزداد المسألة ضراوة عندما نشهد التغيرات في كافة الرؤى على صعيد الإنسانية العامة. بينما نحن كعرب نبقي داخل "منطاد ثقافي هوائي" يعزلنا عن إنسانية آتية من كل مكان.
من هنا تبدو المفارقة واضحة بين ذهنيات العرب وحال العالم اليوم. لدينا كل مظاهر التحديث لكننا لا نمتلك حداثة. لدينا التقنيات وافرة بجميع أنماطها لكن لا يوجد العقل العلمي. لدينا جميع الازياء والملابس العصرية لكن بقي الجسد محنطاً في مراسم وطقوس ماضوية. لدينا الطائرات والصواريخ لكننا نحبو ونزحف في حل المشكلات. لدينا وزارات للإعلام والثقافة بينما لا يوجد مثقفون ولا علماء. لدينا أفكار وآراء بينما لا يوجد مفكرون ولا فلاسفة!!
لو أردنا تغييرا علينا أن ننظر خارج هذه المحميات التي ترسخت في أذهاننا. تحطيم الأسوار هو الأولوية حتى التحرر من التقاليد. كحال المعمار يصعب إقامة بناء دون تنكيس سابقه. ودون دراسة حول صلاحية المكان لهذا الكائن الجديد أم لا. وهندسة الموقع تفترض زواياً الاطلالة والرؤى والدروب التي تحوطه. التخطيط مهم لتعاشق وظائف المباني مع عناصر الحركة والتداخل الخروج. وفي النهاية يتردد التساؤل: هل البناء متناغم مع الثقافة المعمارية أم لا؟ عادة ما يكون البناء غير ملائم لموقعه. مما يعني تشوه بصري. أما بصدد العيوب المادية فالأمر أكبر. فقد تنضح فيزياء المبني بمركبات التربة وعناصرها. إذ ذلك تغلب البيئة على كل ما يبز فوقها. تاركة تقرحات وطفوحات بنائية على المظهر والجوهر!!
هكذا قضايا الفكر والتنوير. حيث يجب تنظيف الأدمغة قبل معرفة ما إذا كانت قادرة على التفكير الحر أم لا. وهي المسألة المعروفة بانفتاح العقل على كافة الابداعات العالمية معرفة وفلسفة. إنَّ جميع الكوارث الارهابية آتية من هذه الزاوية. فلم يكن لينتشر العنف إلاَّ في مجتمع مغلق. لا ننسى أن الجماعات الاسلامية بنت وجودها على حجب الواقع. ولهذا عندما اعتلى بعضها كرسي الحكم -كما جرى مع اخوان مصر- تبين أنهم لا يجيدون قراءته. وقد فشلوا في أول تجربة... كيف لمن كان يعيش تحت الأرض أن يرى العالم؟! والملاحظ أن الثقافة العربية قد سقطت نفس السقطة. الفارق أن الأخيرة تحيا تحت عوامل القصور الخاصة بها. | |
|