ملخَّص:
استطاعت البيوإتيقا في نهاية القرن العشرين أن تسترعي انتباه الباحثين على الصعيد العالمي بفضل انشغالاتها بمعضلات الإنسان الصحيَّة والبيئيَّة والاجتماعيَّة، ولكن ببعد أخلاقي كبير. وممَّا زاد من أهميتها وبسط نفوذها على مستوى البحث العلمي والسياسي طابعها المتعدّد، إذ تنهض بالأساس من تداخل فروع العلوم البيوطبيَّة والبيوتكنولوجيَّة، وكلّ ما يرتبط بفروع التقدُّم التقنوعلمي، وأيضاً بميادين البحوث الأخلاقيَّة والفلسفيَّة والأنثربولوجيَّة والدينيَّة والسوسيولوجيَّة، فضلاً عن فروع إنسانيَّة أخرى. هذا التزاوج العلمي والموطني أعطى للبيوإتيقا طابعاً متنوعاً وبنبرات خصوصيَّة حسب البلدان والقارات التي تأقلمت معها. الأمر الذي يطرح إشكالاً رئيساً في نشأة وتطوُّر البيوإتيقا، وبخاصَّة في علاقتها باللَّاهوت وبالدور الذي ساهم به في قيامها، بحيث يتناول الكاتب هيبر دوسيه في مقاله حالة الولايات المتحدة الأمريكيَّة على اعتبار أنَّها موطن ومهد البيوإتيقا، ضمن ثلاث مراحل متتالية أو خطوات: يسترجع في خطوة أولى نشأة البيوإتيقا الأمريكيَّة وصلتها باللاهوت، ثم يفحص في خطوة ثانية تطوُّر هذه الإتيقا [على أساس أنَّ البيوإتيقا هي إتيقا خاصَّة]، قامت على أربعة مبادئ أساسيَّة: الاستقلاليَّة الذاتيَّة، والخيريَّة، وعدم الإضرار، والعدالة، وما أثارته هذه المبادئ من ردود فعل، لا سيَّما ما تعلق بأولويَّة مبدأ من المبادئ وكيفيَّة تطبيقها، وفي خطوة ثالثة ينهي الكاتب مقاله ببحث منزلة اللَّاهوت ضمن النقاشات الدائرة في البيوإتيقا الأمريكيَّة، مرجّحاً أنَّ اللَّاهوت على الرغم من إنكار البعض لأيّ إسهام له على صعيد تطوُّر البيوإتيقا إلا أنَّه لعب دوراً منذ البداية، بل اعتبره أصلاً من أصول قيام الدراسات البيوإتيقيَّة وانتشارها.