ملخص:
سيجد القارئ في هذا الملفّ عمليّة تفكيك من منظورات مختلفة لهذه القضيّة.
ففي بحثه: المواطنة الطائفيّة، العراق من حلم المواطنة إلى المواطنة الطائفيّة، يهتمّ الأستاذ الباحث عبد المنعم شيحة من تونس بعمليّة الرّسكلة التي تمارس للتقسيم الطائفيّ لبعض الشعوب العربيّة، انطلاقاً من نموذج العراق، ويفسّر الكيفيّة التي تجري بها عمليّة التحيين هذه من قبل القوى الإقليميّة والمحليّة المتحكّمة في عراق ما بعد صدّام حسين لهذه الظاهرة، وذلك عبر إلباسها ثوب المواطنة. إنّ هذا الثوب كما يقول الباحث هو الثوب الحديث الذي تقدّم فيه الطائفيّة وتمأسس وتضبط بواسطة القوانين والتشريعات.
ومن جهتها تثير الأستاذة الباحثة حذامِ عبد الواحد من تونس، في بحثها "البهائيّة هل هي فرقة أم طائفة أم عقيدة؟" مشكلة الدلالة المفهوميّة للمصطلح، وذلك اعتماداً على تحليل عيّنة طائفيّة هي البهائيّة الشيعيّة، فعرّفت بها وبتعاليمها الدينيّة، وكشفت عن التراكب الدلاليّ المؤسّس لهذا المفهوم في هذه الفرقة الذي يجعل منه نسيجاً، تتآزر خيوطه على إحكام شبكة التسييج المانعة لكلّ اختراق في كلّ تقسيم طائفيّ شبيه. ولأجل هذا عادت إلى البحث في المستندات المعرفيّة والدينيّة لهذا التشكّل العقديّ ودلالاته المختلفة على معايير التجزئة والتوحيد في الثقافة العربيّة الإسلاميّة.
أمّا الباحث الأستاذ التونسي علي بنمبارك فقد حاول في بحثه أن يتفهّم ظاهرة الطائفيّة تاريخيّاً عبر دراستها من الناحية الجيوسياسيّة والهويّاتيّة، وذلك بالبحث في علاقاتها المتشعّبة على مختلف الأصعدة الهوويّة والإقليميّة والدوليّة، التي تلبّس بعضها بطابع العلميّة، لا سيما مع الاستشراق الغربيّ، ومراكز الفكر الغربيّة ومشاريعها لتقسيم مستقبليّ للعالم العربيّ الإسلاميّ.
وانطلاقاً من دراسة عيّنة من ظاهرة القتل الطائفيّة اقترفت ضدّ الشيعة في مصر بعد ثورة 2011، يهتمّ الباحث المصريّ سامح محمّد إسماعيل في مقاله تحت عنوان "الشيعة في مصر محنة الخلاص في تاريخ الآلام"، بظاهرة الطوائف الدينيّة من منظور اجتماعيّ، ويبحث في مدى قدرتها على التحوّل من وضع الاستثناء مقارنة بالهياكل الاجتماعيّة الدائمة إلى مرحلة الاندماج الذي يحوّلها إلى مكوّن من مكوّنات النسيج الاجتماعيّ. ولهذا أنجز قراءة تاريخيّة لتاريخ تكوّن مفهوم الطائفيّة بمدلوله الدينيّ الذي عمّق التفرقة الإثنيّة مع الآخر، وبيّن أنّه مرتبط بمفاهيم تقليديّة في الوعي الإسلاميّ من أبرزها مفهوم الأمّة. وشرح تعطّل عمليّة اندماج الطائفة الشيعيّة في المجتمع المصري بوصفها عيّنة على صعوبات اندماج الطوائف في المجتمعات.
من المنظور نفسه الذي يهتمّ بتجلّيات الطائفيّة في نماذجها المحليّة يشرح الباحث التونسي بدر الدين هوشاتي وجهاً آخر لإشكاليّة الطائفيّة هو وجهها السياسي الذي يمثّل أحد التحدّيات المطروحة على الدولة الوطنيّة، فهي كما يصف تمثّل أحد المخاطر المهدّدة للعقد الاجتماعيّ المؤسّس لكيانها، ولكنّها من جهة أخرى قناة تمثيل ضروريّة للتعدّد الثقافي يؤمّن التوازن السياسي بين مكوّنات المجتمع المتعدّد وحقوق الأقليّات المنضوية تحته.
ويسعى الباحث التونسي امبارك الحامدي إلى الإجابة عن أبرز الأسئلة المفهوميّة التي توجّه هذا الملفّ، وهي المتعلّقة بالمفهوم اللّغوي الاصطلاحي الذي يختزل مختلف ارتباطات المفهوم الثقافيّة انطلاقاً من اللّغة، فيبحث من ذلك المنظور عن عمقها التاريخي واستمرارها.
وفضلاً عن هذه البحوث والمقالات، فقد تولّى الباحثان الأستاذ منتصر حمادة من المغرب، وفوزي بن عمّار من تونس تعريب مقالين من مجلّتين مختصّتين في الموضوع، بينما حاور الأستاذ والباحث المغربي يوسف هريمة الأستاذ المصري حسن حمّاد حول موضوع الطائفيّة ومتعلّقاته من مباحث العقل الإسلامي.
وفي قسم قراءات الكتب، قرأ الباحث المغربي مصطفى الزاهيد كتاب كاظم شبيب في الموضوع نفسه تحت عنوان "المسألة الطائفيّة: تعدّد الهويّات في الدولة الواحدة"، بينما اهتمّ الأستاذ الباحث التونسي رؤوف دمّق بإنجاز قراءة نقديّة لكتاب "الطائفيّة بين الدين والسياسة".