لبيان إشكال علاقة الدين بالدولة وانعكاساته التاريخية والفقهية والأصولية والإيديولوجية على الثقافة العربية منذ "دولة" الرسول ـ صلى الله عليه سلم ـ إلى اليوم، اخترنا عنوان هذا الملف البحثي بـ"الدولة والدين في الفكر العربي المعاصر"، والذي يضمُّ مجموعة من الأوراق الفكرية المهمّة لباحثين من مختلف الأقطار العربية.
يحتوي باب "الأبحاث والمقالات" على ثلاثة بحوث:
أوّلها عن: "الأصولية الإسلامية بين الدعوة الدينية والإيديولوجيا السياسية" للباحث المصري محمد عبده أبو العلا، الذي ركز على ضرورة تعقب الأسباب السياسية والاجتماعية والفكرية وراء نشوء الحركات الأصولية لفهم ممارساتها واستراتيجياتها. وهو المنحى الذي ألحّ عليه الباحث التونسي عمر بن بو جليدة في بحثه: "في جدل الديني والسياسي بين اقتضاء الإصلاح واستراتيجيات التحديث"، حيث حرص على التوكيد على أنّ عملية التفكير في السياسي والديني تستلزمُ الاقتناع بدور البعد النقدي في التعاطي مع هذا المنجز، وبذلك فلا يمكن إدراك مقتضى الحياة السياسيّة في عصرنا دون التساؤل عن الحدود التي في مستواها ما يزال الدين يشكل عنصراً فاعلاً في تكوين الوعي السياسي والمدني العربي المعاصر. أمّا البحث الثالث: "الدين والسلطة من منظور ناصيف نصار" للباحث المغربي محمد بنحماني فيرصد رؤية المفكر اللبناني ناصيف نصار للسلطة وعلاقاتها بالدين والمجتمع والسياسة وكيفية اشتغال منطق السلطة.
وفي باب الحوارات، جاء حوار د. جبرون، مستهدفاً بيان حقيقتين:
الأولى: طبيعية حضور المرجع الديني في السياسة والاجتماع، وهي حقيقة واجهتْ جلّ الحضارات. والحقيقة الثانية التوكيد على ضرورة الانتباه إلى دور الدينامية والفواعل الاجتماعية والتاريخية في تأسيس دولة المدينة والبحث كذلك عن الشرعية والمشروعية.
أمّا في معرض باب قراءات كتب فقد جاءتْ قراءة يوسف بن عدي لكتاب: "الدولة والدين في الاجتماع العربي الإسلامي" للمفكر المغربي عبد الإله بلقزيز قصدَ الوقوف عند إشكالية الدولة والدين باعتبارها ملتبسة تاريخياً ونظرياً وسياسياً، وتتأرجحُ بين فرضية حاجة الدولة للدين وبين فرضية أنّ مجال الدين كمجال خاص بالفرد وإيمانه ينفصل عن مجال السياسة والدولة المحكومة بقواعد التنظيم والصراع الاجتماعي.
أمّا قراءة خالد طحطح لكتاب: "مطالع السعادة في فلك سياسة الرئاسة" لعلي السملالي، فتتجه نحو كشف الاطلاع على المؤلفات اليونانية والفارسية والتراث السياسي السلطاني وآدابه، ثمّ بيان محدودية هذا النوع من التفكير السياسي.
تلك هي أوراق هذا الملف البحثي الذي نتمنى أن يفتح شهية القارئ نحو مزيد من البحث والتأمل والنظر بروح النقد والمساءلة والتفاعل المثمر.