SOUFIAN ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 49 معدل التفوق : 121 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 28/01/2012
| | ربيع عالمي ينتفض على شتاء الرأسمالية المتوحشة | |
لم يكن ما شاهده العالم في يوم السبت المصادف لـ 15 /10 / 2011 حدثا عابرا ولم تكن نتيجته متوقعة. إذ ان اندلاع احتجاجات غاضبة في حوالي ألف مدينة في العالم والغرب الخصوص ضد ما وصفته حناجر المحتجين بالرأسمالية المتوحشة لا يمكن عده حدثا عابرا بكل تأكيد. لكن اشتعال جذوة هذه الانتفاضات بالشكل المفزع التي ظهرت عليه أول الأمر ومن ثم انتهائها بمثل تلك السرعة الفائقة ومن دون أن تخلف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات يؤشر إلى انكشاف خطط القائمين على إدارة وتنظيم الاحتجاجات المليونية من قبل الحكومات التي وقعت على أراضيها تلك الاحتجاجات، ونجاح أجهزة الأمن في احتوائها والتقليل من مدياتها ومنع استفحال خطر دعوتها التي انطلقت شرارتها الأولى في السابع عشر من شهر أيلول الماضي وتحديدا مع حركة (احتلوا وول ستريت) الأمريكية. هذه الحركة الشبابية التي بدت كأنها تتقمص خطوات ثورات الشباب العربي عبر استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي في الدعوة والتعبئة والانتشار من أمريكا إلى معظم الدول الأوربية لكنها لم تكن بمستوى عناد أولئك الشباب. الأمر الذي يشير إلى احتمالات تجددها مستقبلا وربما بشكل أكثر تنظيما وتمردا. ولكن لماذا كل هذه المسيرات الاحتجاجية في الدول الأكثر رخاء واستقرارا في العالم؟ بعض المتظاهرين رددوا مقولة أنهم يشاركون في حرب نسبة 99% ضد نسبة 1%، في إشارة منهم إلى عدد المحرومين في بلدانهم المتقدمة جدا بالقياس إلى عدد الأثرياء والمتخمين. فهل يعني هذا التصريح المثير أن نهاية النظام الرأسمالي أصبحت مسألة وقت ليس إلا؟ لعل الإجابة عن هذا التساؤل بكلمة نعم فيها من التسرع الشيء الكثير نظرا لقدرة هذا النظام على المراجعة والبرغماتية، وتبني خطوات إصلاحية كبرى. لكن الجواب عن السؤال المتقدم بكلمة نعم فيه من الصواب الشيء الكثير أيضا، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار التهمة التاريخية التي تحمّل النظام الرأسمالي وزر قسمة العالم إلى أقلية مترفة وأغلبية محرومة، فضلا عن تحميله وزر الأزمة المالية التي ضربت أمريكا وأوروبا في عام 2008. المفارقة أن مؤسساتنا إعلامي الحكومة العراقية لم تحفل كثيرا بخبر الانتفاضة الغربية الأخيرة. وهناك ثلاثة تفسيرات لعدم الاكتراث هذا: الأول يفيد بأن المؤسسات الحكومية لدينا تعيش بعيدا عما يدور في العالم بحيث لا تدرك مدى خطورة هذا الحدث العالمي وما يمكن أن تستتبعه من تداعيات هامة على الأوضاع الحياتية للبشرية بشكل عام. والتفسير الثاني: أن تكون مؤسساتنا الإعلامية الحكومية واعية لخطورة الحدث بيد أنها لم تحفل به لدواع سياسية جعلتها تمر مرورا خاطفا على هذا الحدث غير المسبوق في هذا القرن على الأقل، وحالت دون تغطيته بالشكل المناسب. واغلب الظن أيضا أن السبب يكمن في صميم العقيدة السياسية والاقتصادية (المتغربة) التي تتحكم بمصير العراقيين منذ عام 2003. هذه العقيدة التي تجهد منذ حوالي عقد تقريبا في قسمة المجتمع العراقي إلى طبقتين الأولى يُراد لها أن تملك كل شيء تقريبا، والأخرى يراد لها أن تفقد كل شيء تقريبا. ففي حين تسابق همة الدولة العراقية سرعة الريح كي تهدم الأحياء الشعبية (العشوائية) على رؤوس ساكنيها الفقراء مثلا تتوانى هذه الهمة عن اقتطاع مبالغ بسيطة من رواتب المسؤولين في الحكومة والبرلمان ممن شملهم التخفيض المالي المزعوم. إن التمعن في مشهد الأحداث التي ضربت أمريكا وأوربا في الأيام القليلة الماضية يمنحنا إدراكا عميقا نتعرف في ضوئه على مدى السخط الذي يبديه القسم الأعظم من المجتمع الإنساني تجاه توزيع الثروات بين البشر في جزء العالم الذي يحلو لبعض الحالمين لدينا تسميته بالعالم الأول. وفي ذات الوقت يمنحنا هذا المشهد إدراكا أكيدا نتبين من خلاله مدى سخافة نظمنا الاقتصادية التي تحاول تقليد التجربة الاقتصادية الغربية بحذافيرها وتسعى إلى دمج خططها التنموية ببرامج مالية غربية من دون مراعاة لأوضاعنا المحلية. إن هذه الحادثة ينبغي أن تحفز المسؤولين لدينا على التفكير الجدي بضرورة الكف عن ربط النظام المالي والنقدي العراقي بشروط بنك النقد الدولي – على سبيل المثال - ونبذ الدعوات المطالبة بتفعيل هذه الشروط داخل واقعنا الاقتصادي. من ذلك مثلا التخلي عن المحاولات المستميتة التي يتبناها بعض القائمين على إدارة الملف الاقتصادي العراقي والتي تدعو إلى انتزاع ما بقي من قوت الفقراء - البطاقة التموينية – بحجة الامتثال لشروط هذا البنك الجشع. ومن ذلك أيضا التوقف الفوري عن النفخ في رواتب وامتيازات قلة من العراقيين بغية تحقيق معادلة 99% ضد 1%. | |
|