حمزة قناوي
فوجئت كغيري من المثقفين المصريين والعرب بتصريح للروائي جمال الغيطاني
في مهرجان أصيلة بالمغرب الذي أتم فعالياته مؤخراً لدورته الثالثة
والثلاثين، يقول فيه في إحدى الندوات إنه هو وجيله من بشروا وقادوا ثورة 25
يناير بمصر!
كان أول رد فعلٍ قام به الحاضرون للندوة أن غادر معظمهم
القاعة استياءً مما قاله الغيطاني، واستنكاراً لتزييف الحقائق والتاريخ
الذي حاول أن يروّج له.
ما قاله الغيطاني ليس سوى (سرقة للثورة
وانتهازية تاريخية) يحاول أن ينسب من خلالها لنفسه وجيله بطولةً لم يبادر
إليها أحد منهم. ولكيلا يكون كلامي مرسلاً فإن هناك الكثير من الأسئلة
المطروحة على عبارة الغيطاني، أتمنى فقط لو وجدنا لها إجابات لديه.
فالغيطاني
نفسه لم يرهُ أحد في ميدان التحرير طيلة الثورة، لم يبت ليلةً في خيمة
بالميدان، ولم يتظاهر أو يهتف ضد فساد مع الشباب ولم يذهب إليه أصلاً كما
فعل صنع الله إبراهيم رغم ظروفه الصحية الصعبة - أو بهاء طاهر. فكيف يكون
جمال الغيطاني أحد صُنّاع الثورة والمبشّرين بها؟
أما الأمر الثاني فهو
أن الكاتب السبعيني الذي ينسب ثورة قام بها ملايين (الشباب) في مصر، ينسب
على الأقل مقدماتها والتبشير بها، وممهداتها إلى أعماله وجهود جيله، فهذا
هو التزييف بعينه. فالغيطاني شخصياً كل إبداعه الروائي يدور في فلك اللغة
المهوّمة التي تتكئ على الصوفية وتعمد إلى الغموض والإلغاز وتدور خارج
الزمن، وتعتمد على معاجم ومفردات ليس لها من لغة الكتابة الحديثة أو
الواقعية مكاناً .. وذلك مثل مشروعاته الروائية ( دفاتر التدوين )
و(التجليات) و (رن)! وغيرها .. وكلها كما يتبدى من عناوينها لا علاقة لها
لا بثورة ولا بواقع مصري.. فأين هي هذه الكتابات التي بشرت بالثورة يا
أستاذ غيطاني؟
وحتى عندما عمد الغيطاني إلى الواقعية في عمله (حكايات
المؤسسة) فسر الكثير من النقاد المنتبهين العمل بأن إشاراته جميعاً تشير
إلى تصفية حسابات مع مؤسسة الصحافة التي يعمل بها.. وهذه في حد ذاتها تشكل
تناقضاً آخر في مسيرة الكاتب الذي يتمسح بالثورية بينما ظل طيلة عمره
الوظيفي منتمياً إلى مؤسسة صحفية حكومية تابعة للنظام- آنذاك- ومديراً
لتحرير إحدى مطبوعاتها هي 'أخبار الأدب'.
إن جميع معارك الغيطاني ضد
وزير الثقافة فاروق حسني التي ملأ الدنيا صخباً بها انكشفت عندما قبل جائزة
الدولة التقديرية من فاروق حسني نفسه عام 2007، بعد سنوات طويلة ظل فيها
يهاجم الجائزة وبعدها لم نقرأ له مقالاً يهاجم فيها الجائزة. وكان من
الأشرف له أن يرفضها كما فعل صنع الله إبراهيم مع جائزة الرواية في المجلس
الأعلى للثقافة على الملأ ويذيع بيانه (الحي) آنذاك من أن مصر تسير إلى
كارثة بسبب النظام الذي يمنحه الجائزة الآن، ولهذا فلن يقبلها.
والأمر
نفسه فعله مع عماد أبو غازي، فقد ظل جمال الغيطاني يهاجمه عبر مطبوعته
عندما كان الأول نائب الأمين العام للمجلس الاعلى للثقافة، وبعد أن صار
وزيراً و(منحه) أمانة مكتبة القاهرة ليصبح مديرها العام لم نقرأ له مقالاً
بهاجم فيه الوزير!
إن الغيطاني الذي أدخل باب (الأدب العبري) إلى
مطبوعة أخبار الأدب، والغيطاني الذي عاش حياته مهاجماً للنظام حتى يحصل على
امتيازاته لم يذهب إلى ميدان التحرير أبداً طيلة ثورة الشباب النقية، وهذا
في حد ذاته كافٍ ليدحض ادعاءاته عن تبشيره وقيادة كتاباته للثورة.
عندما
كنت في باريس قالت لي صديقة فرنسية مثقفة: لماذا لا تنشر في (مطبوعتنا) في
مصر؟ فسألتها عن أي جريدة تتحدث؟ فقالت لي (أخبار الأدب) التي يرأسها
الغيطاني.. بعد دقائق من الحوار كنت قد عرفت أن الجريدة التي لا تفوّت
فعالية فرنسية أو مناسبة للمعهد الثقافي الفرنسي في مصر، في المقابل لا
يفوت القائمون على الفعاليات الثقافية الفرنسية فرصةً إلا ويدعون فيها
الروائي ليتحدث ويبيت في الفنادق الفخمة ويحصد الأوسمة الفرنسية كوسام
الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس.
إن الغيطاني وُجِدت الثورة المصرية
وقامت لتمحو نموذجه، لا ليدعي أنه من قادها وبشّر بها. وعارٌ عليه أن يتمسح
في ثورةٍ لم يسهم فيها سوى (بالفُرجة) .