16 ديسمبر 2011
رامي الخليفة العلي
نيران البوعزيزي التي اشتعلت قبل عام
من الآن لم يقتصر سناها على تونس بل امتدت إلى بقاع العالم العربي من
المحيط إلى الخليج. كانت الشرارة التي فجرت مخزون الغضب العربي العارم،
فانطلقت الجماهير العربية تحاول أن ترسم مستقبلها بيدها، تتأخر هنا، تتعثر
هناك، و لكنها مستمرة في نضالها من أجل تحقيق مستقبل أفضل. مستقبل يهدم كل
الأسس القديمة التي كانت تقوم عليها الدولة العربية الحديثة لكي تبني دولة
جديدة على أساس الإرادة الشعبية باعتبار الشعب هو المصدر الأساس للسلطة.
هرب بن علي و مبارك يحاكم و القذافي قتل و علي صالح حرق و
الثورة السورية تقاوم بعين حريتها مخرز النظام، جرت الانتخابات في تونس و
المفاصل الأساسية في السلطة بدأت تتوضح، ومع ذلك كله فإن الربيع العربي
مازال في بدايته. ليس لأن ثورات لم تصل إلى نهايتها أو المراحل الانتقالية
ما زالت متعثرة في بعض الدول فحسب و لكن الأهم من ذلك أن الربيع العربي كشف
الغطاء عن الكثير من القضايا التي تم تجاهلها أو تم تغطيتها بخطابات
شعاراتية لطالما أجادتها الأنظمة السابقة.
الإسلام و موقعه في الحياة السياسية، التيارات الإسلامية و
تصارعها، المرأة و نموذج تحررها، العلمانية و معناها و حدودها، الدولة
المدنية و تعريفها، الجيش و مدى علاقته بالسلطة السياسية، الأمن و دوره
وكيفية إعادة هيكلته، الأقليات و حقوقها وواجباتها، المواطنة و كيفية
ترسيخها، القضاء و كيفية إصلاحه. هذه القضايا و غيرها انفجرت جدلا و حوارا و
صراعا أحيانا. الغريب أن بعض هذه القضايا كانت مطروحة منذ القرن التاسع
عشر وكأن العالم العربي مر في حالة من السبات خلال القرن الماضي برمته. و
هذا يثبت بالدليل القاطع أن تجاهل بعض القضايا لا يفيد في حلها أو اقتصار
نقاشها على النخبة المتعالية عن الشعب لن يحل شيئا، بل إن القضايا الكبرى
يجب أن يكون حلها نقاش مجتمعي يشارك فيه الشعب بمختلف طوائفه، لا بل أننا
نزعم أنه للمرة الأولى يلوح في الأفق توافق اجتماعي على بعض تلك القضايا.
لم يجانب الدكتور منصف المرزوقي الصواب عندما أشار بأن العالم
العربي ينتظر و يراقب التجربة التونسية لأنها ستشكل القاطرة للثورات
العربية. كنا نتوقع أن تكون مصر و لأسباب كثيرة هي القاطرة و لكن بعد عشرة
أشهر بان بأن الثورة في مصر مترهلة و تعاني الكثير من آلام المخاض و
بالتالي عاد مشعل الثورة إلى تونس لكي تحدد مرة أخرى ملامح الطريق.