ليسوا شموسا او كواكب، فما هم؟

معضلة جديدة تثير حيرة الفلكيين، بعثورهم على اجسام كونية جديدة لاتخضع للتعريفات السابقة ومعاني كلماتها، انهم يحيرون في ماذا سيطلق عليهم من اسماء.
للمرة الاولى يرى الفلكيين اجسام كونية لايمكن تحديد انتمائها الى الكواكب ام الى الشموس. لااحد يعرف ماذا سيطلق عليهم من اسم ولااحد يعرف كيفية نشوءهم. في النصف الاول من عام 2000، وتحت قيادة الفلكية الاسبانية ماريا روزا زاباتيريو Maria Rosa Zapaterio جرى توجيه تلسكوب شديد الحساسية للضوء الى المنطقة الواقعة على حافة المجموعة الفلكية في حزام اوريون*.
ركيز الاهتمام موجه الى رأس الحصان المسمى بولوس Bulosan، الذي يبعد عنا 1200 سنة ضوئية ، وتشكل اوريون قسما منه، ويبلغ عمره بين 1-5 مليون سنة، بما يعني ان جميعهم في عصر مبكر للغاية بالمقارنة مع شمسنا التي تبلغ 5 مليار عام. لايوجد شئ يمكنه ان يؤثر او يشوش صحة القياسات، إذ انه في هذه المجموعة الفتية لايوجد غاز او غبار كوني، وبالتالي فأن الضوء الصادر عن المجموعة والذي يشكل اساس القياس، يصل الينا مباشرة بدون المرور في وسط كاسر للضوء او معيق.

المفاجأة ظهرت عندما التقط التلسكوب ضوء ضعيف للغاية قادم من 18 جسم فضائي سابح في الكون. انهم اصغر من ان يكونوا شموسا واكبر من ان يكونوا كواكب، حسب التوصيفات المعتمدة لعلماء الفلك. وحتى الان لم تحل المعضلة، هل هم كواكب ام شموس ام شئ ثالث؟

هذه الاجسام الفضائية يصدر عنها شعاع مافوق الاحمر، التقطت من جزر الكناري ومن جزر هاواي. من خلال دراسة الضوء يمكن معرفة المادة التي تتكون منها هذه الاجسام الكونية. وتوصل العلماء الى ان الاجسام تتكون من نفس المادة التي يتكون منها بقية الشموس في المجموعة نفسها، مما يعني ان هذه الاجسام نشأت في نفس الوقت ومن نفس المادة التي يتكون منها مجموعة اوريون، التي ينتمون اليها، ويقعون على نفس البعد عنا. من هذه المعلومات يمكن للعلماء معرفة وزن هذه الاجسام الكونية. إذا كان عمر هذه المجموعة 5 ملايين سنة ، يزن الجسم منها من 8 الى 15 مرة اكثر من وزن جوبيتر، الذي يعتبر الاكبر في المجموعة الشمسية. وإذا كانت المجموعة لها فقط مليون سنة من العمر ، ستكون اجسامها اصغر كثيرا. اي من الممكن ان يكونوا اصغر بخمسة مرات من جوبيتر. من هذه المعطيات كأساس حاول العلماء الوصول الى تعيين فيما إذا كانت هذه الاجسام شموسا ام كواكب.

من الممكن ان يظهر الامر وكأنه سهل وبسيط من الوهلة الاولى، إذ ان الموضوع بأكمله يظهر وكأنه " تعريف" ماهو الكوكب وماهو الشمس، ولكن الامر ليس كذلك على الاطلاق. البعض يعتبر الكواكب اجساما لاتصدر صوءها الخاص، وبالتالي يمكن لهم ان يدعوا ان هذه المجموعة تنتمي الى الشموس. فهل يمكن تقبل الامر حقا؟

هذا التصنيف المبسط لايمكنه الصمود. فقط في مجموعتنا الشمسية تبعث الكواكب الغازية جوبيتر وساتورنوس ونيبتون، من الاشعة اكثر مما يستقبلوا منها، مما يعطي الحجة للادعاء بأنهم ليسوا كواكب. الطاقة تأتي جزئيا من تبرد مكونات الكوكب وجزئيا من الانجذاب الذاتي الداخلي الذي يجري منذ لحظة تشكلهم والى الان. الكواكب تتشكل بفضل عملية تسمى " من الادنى للاعلى"*Bottom Up process، حيث يتشكل الكوكب وينمو بالتسلسل من خلال الاندماج المستمر مع الجزيئات الغازية والغبارية والاحجار الموجودة في مجال الكوكب الفتي و التي تدور معه وحوله. إذا اخذ المرء الضوء فقط بالاعتبار ،عندها يمكن اعتبار هذه الاجسام الكونية كواكبا، ولكن تنشأ معضلة جديدة، لماذا لايدورون حول شمس، كما تفعل عادة جميع الكواكب؟

كون هذه الاجسام الكونية تسبح منفردة يدل اكثر على انها شموس. ونعلم ان الشموس تنشأ بعملية معاكسة لنشوء الكواكب وبما يسمى عملية "من الاعلى الى الادنى" Top Down process ، حيث تنجذب ذرات سحابة غازية من نوع معين الى بعضها البعض، تحت تأثير قوة جاذبيتها الذاتية. الشموس الفعلية مثل شمسنا تزن 80 مرة اكثر من جوبيتر. الضغط القادم من الطبقة العليا تجعل الحرارة تصعد في مركز الشمس الى 10 ملايين درجة مئوية. هذه الحرارة تفجر تفاعل نووي محولة ذرات الهيدروجين الى هليوم، ومصدرة ضوء من الطبقة العليا للشمس. في الشموس الصغيرة يكون الضوء ضعيفا، ولذلك لايكون بأمكانهم رفع درجة حرارة سطح الشمس والجو المحيط بهم.

الحرارة المنخفضة تجعل الضوء الصادر ذو لون احمر. إذ ان ارتفاع الحرارة يؤدي الى إزدياد تلون اللون بإتجاه الازرق. اي انه من الكافي قياس لون الضوء لمعرفة درجة الحرارة لسطح الجسم الكوني. في حالة الاجسام المكتشفة تكشف الصور التلسكوبية ان حرارة هذه الاجسام مابين 1400 الى1900 درجة مئوية. نظرية العلماء تقول انه لايوجد شموس ابرد من الشموس القزمة، والتي تملك حرارة سطح تصل الى 3000 درجة.

من هنا نرى ان هذه الاجسام الجديدة لايمكن ان تكون شموسا، الامر الذي حث العلماء للبدء بالتفكير فيما إذا كانت هذه الاجسام عبارة عن " مشروع شموس فاشل"، والتي يطلق عليها ايضا تعبير الاقزام البنية. مثل هذه الاجسام تعادل 10-80 مرة كثافة جوبيتر. الاقزام البنية تتشكل بنفس طريقة الشموس، ولكنها لاتتمكن من الوصول الى حرارة كافية من اجل تحويل الهدروجين الى هليوم. التحول النووي يحدث فقط في الاقزام البنية ذات الكثافة الاعلى، حيث يتحول الديوتريوم الى الهليوم، وهي عملية لايمكن ان تجري إلا لوقت قصير للغاية، من حيث ان الديرتوريوم احد الاشكال الثقيلة والنادرة الاقزام للهيدروجين. الاقزام البنية ذات الكثافة المكافئة 10-13 مرة كثافة جوبيتر ، من الخفة بحيث لايمكنها احداث التفاعل النووي. ومثل الكواكب الغازية ترسل الاقزام البنية اشعة تحت الحمراء، خارج نطاق قدرة العين على رؤيتها، غير ان الاقزام البنية ترسل هذه الاشعة فقط خلال الملايين الاولى من عمرها، في الوقت الذي تبدأ بالتقلص والانجذاب الداخلي والتبرد. لهذا السبب تكون الجرارة الخارجية عند الاقزام البنية اقل من الاقزام الحمراء.

يأخذ المرء بالاعتبار الحرارة الخارجية فقط لهذه الاجسام ، يتناسب الامر عندئذ مع الاقزام البنية الخفيفة.غير انه حتى هذا الاعتقاد تم رفضه من قبل اغلب الفلكيين، إذ انه حتى لو افترضنا ان عمر هذه الاجسام هو ايضا 5 مليون سنة، فأن كثافة اغلب هذه الاجسام تشير الى انها اقل مما كان يجب ان تكون عليها لو كانت نشأت عن طريق عملية " من الاعلى الى الادنى"، التي تنشأ منها الشموس والاقزام البنية. لايوجد مايستطيع توضيح معضلة هذه الاجسام الكونية. لهذا السبب وعوضا عن البحث عن كواكب او شموس لضمهم اليهم، بدء العلماء بالبحث عن موديل جديد يتناسب مع هؤلاء الجدد.

الشئ الوحيد المعروف عنهم بثقة ان المنطقة الموجودة فيها مجموعتهم جدا فتية، لاتتجاوز 5 مليون سنة. وكثافتهم تزيد عن كثافة جوبيتر 5-13 مرة، وان هذه الاجسام تحت عملية التقلص والتبرد.

منذ بضعة سنوات اقترح الفلكي دافيد ستيفنسون*(David Stevenson) من كاليفورنيا ، فكرة ان المجموعة تسبح لوحدها بمعزل عن اوريون وتمر في الفراغ الهائل بين الشموس، مطرودة من احدى المجموعات الشمسية بفعل قوة مجال الجاذبية الآتية من كواكب كبيرة. يمكن التصور مثلا ان الارض كان لها توأم او عدة توائم في مراحل نشأتها الاولى، وبفعل القوى المؤثرة والمتصارعة من اجل الاستقرار، جرى التأثير على التوائم وقذفها خارج النظام الشمسي، وبالتالي مثل هذه العملية يمكن ان تكون قد حدثت مرات كثيرة في مجرة التبانة، مما قد يعني ان هناك الكثير من الاجسام بحجم جوبيتر هائمة في الكون.

الفلكيين قاموا ببحث طويل بمساعدة الكمبيوتر من اجل التوصل الى معرفة إمكانية حدوث مثل هذه العمليات وفهمها. خلال الاعوام 1995 –2000 تمكن الفلكيين من إكتشاف 50 مايسمى ب " إكسو بلانيت" التي تدور حول شموس. الكثير منها يصل وزنه الى 17 مرة اكثر من جوبيتر. مثل هذه الكواكب تملك من قوة الجاذبية مايكفي لطرد كواكب اخرى في الفراغ بين الشموس .

غير انه حتى هذه الفرضية رفضت من الكثير من الفلكيين. كون الاجسام الكونية لايزيد عمرها عن 5 ملايين سنة ، لايعطيها فترة كافية لتكون قد نشأت بظروف نشوء الكواكب والشموس في نفس الوقت، ومن ثم تطرد من كواكب اخرى لمجموعة شمسية تنتمي الى الحزام التي تجد فيه نفسها الان.

إذا كانت هذه المجموعة فعلا منفصلة عن مجموعة اصلية، تقف امام الفلكيين مشكلة جديدة عليهم حلها، إذ ان الفلكيين يعتبرون انفصال الاجسام عن مجموعات شمسية عملية نادرة الحدوث للغاية، في حين هذه الاجسام 18 توجد بمنطقة صغيرة واحدة، وسيكون من الغريب للغاية ان توجد الكثير من الانظمة الشمسية التي تملك كواكب هائلة والتي تصادف ان تملك اجساما بمواصفات ذاتها لتتطردها وجميعها في المكان الصغير نفسه.

التداخل والتشابه والاختلاف بين الاجسام الكونية يظهر بأستمرار انه يتجاوز المصطلحات والتعريفات الفلكية، كما ان الاحداث تشير بقوة الى ان هناك الكثيلر من العمليات التي لايعرفها العلماء بعد والتي يتشكل بسببها الكثير من المجهول هناك في الخلاء الكوني

المزيد من المصادر:
High-resolution Spectroscopy of ROSAT Pre-main Sequence Stars in Orion
Planeten ohne Muttersterne
ASTRONOMERS PONDER

» أغرب 10 كواكب في الكون
» كواكب قابلة للسكن قـريبــة مـن الأرض
» كواكب يمكن ان يتكيف معها البشر ويعيش فيها
» الأعضاء المحتجِبون في المنظومات الكوكبية(*) لا تتكوّن المنظومة الشمسية من كواكب فقط، إذ إنها مزدحمة أيضا بالكويكبات والمذنبات. تُرى، هل هذه هي الحال أيضا في منظومات كوكبية أخرى؟
» تساؤلات حول أقدم علامات الحياة(*) في عام 2002 أُجبر الباحثون على إعادة النظر في كيفية تحديد هوية الحياة في الصخور الأكثر قِدَمًا على الأرض وعلى أي كوكب من كواكب المنظومة الشمسية.

ليسوا شموسا او كواكب، فما هم؟

ليسوا شموسا او كواكب، فما هم؟ :: تعاليق

ليسوا شموسا او كواكب، فما هم؟

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة