هناك خصوم لأنواع معينة من الإبداع . هذا الإبداع سماه أحد الباحثين بـ” الصحوة الروائية ” ونعته بـ ” خطاب الواقع الجديد ( الزهراني 2007 ) . من المفيد أن نصغي إلى هؤلاء الخصوم حين يتوجهون إلى الناس بالنصح ؛ لكي يتخلوا عن قراءة هذا الإبداع . إن ” أطباء الشعب “إذا ما استعرت ذلك من نيتشة ( 2005 ، ص 38 ) ينبذون هذا النوع من الإبداع ، حتى أضحى مِن واجب مَن يبرر هذا الإبداع وقراءته ؛ أن يبين الأصول المعرفية والأيديولوجية لخطاب هؤلاء الذين يريدون ألا يُنشر هذا النوع من الإبداع ، وألا يٌقرأ .
هذا السياق المعرفي هو ما سأركز عليه هنا ؛ فمن خلال متابعتي لما يُنشر من مقالات وكتب تذم هذا الخطاب الجديد عن الواقع ( الخطاب الروائي )، وتطعن في جدواه المعرفية ، ألمس الحاجة إلى تأمل ذلك الخطاب ، والمزيد من الجهد فيما يتعلق بهذا الجانب ، فإذا كان هذا الخطاب الرافض يتزايد باستمرار ، فإن النقد الذي يفترض تأمله وتحليله ما يزال غائبا .
ومن كل الخطابات الرافضة للإبداع لا بد أن يكون ذلك الذي يقف ضد خطاب الرواية عن الواقع هو الأكثر أهمية . لماذا ؟ لأننا في زمن يُعبر عنه بـ ” بزمن الرواية ” ، ولأن هناك ارتباطا وثيقا بين كتابة الرواية وبين الظروف التي تعيش فيها مجتمعنا ، ولأن الرواية عادة ما تحكي وتمثل تجربة حياة غنية بالمكونات ، متنوعة التعبيرات والموضوعات ، حد أن كل الخطابات يمكن أن تتقاطع وتتجاور وتتحاور فيها ، بل ربما في مشهد من مشاهدها( الزهراني ، 2004 ) وأخيرا لأن الرواية جزء من ثقافة المجتمع ، وهي كالثقافة مكونة من خطابات تعيها الذاكرة الجماعية ، وعلى كل واحد في المجتمع أن يحدد موقفه وموقعه من تلك الخطابات ( برادة ، 1987 ، ص 10 ) .
لقد عنونت هذه الدراسة بـ ” مأساة الرفض ” . تعني مأساة الرفض : حالة ذهنية تعبر عن أوضاع تعانيها بعض المجموعات البشرية ، وهي تواجه تنامي انفلات السلطة الاجتماعية التي تملكها . تعترف بالتطورات ، وتعترف بعجزها عن إيقافها ( حافظ ، 2002 ، ص 43 ) وما يمكنها فعله هو أن تفرض تصوراتها وشروطها ؛ لتقبل أي إنتاج أدبي جديد لكي يحظى برضاها .
الكتاب الذي سأشتغل عليه بوصفه نموذجا لهذا الخطاب الرافض للإبداع هو كتاب ” من عبث الرواية . نظرات في واقع الرواية السعودية ( العجيري ، 2008 ) . إن مما له دلالة أن يصدر هذا الكتاب ضمن حملة أُطلق عليها ” حملة الفضيلة ” ، وأن يصدر عن مؤسسة رسمية عالمية هي “رابطة العالم الإسلامي ” وأن يتبنى نشره مركز دراسات رابطة العالم الإسلامي المهتم أصلا بإعمار المجتمعات العربية والإسلامية وتنميتها .
كل هذه المعطيات الرسمية ، تخول هذا الكتاب إلى أن يكون خطابا رسميا مضادا لخطاب الرواية عن الواقع . ليس خطاب الرواية السعودي فحسب ؛ كما هو في عنوان الكتاب الفرعي ، إنما أيضا الخطاب الروائي في العالمين العربي والإسلامي .
هناك علامات بارزة تكشف سر هذا الكتاب الرسمي . فحرف الجر ( مِن ْ ) في عنوان الكتاب يعني التبعيض ؛ مما يشير إلى كلٍ لم يُرصد ، وأن ما ذُكر من العبث هو جزء من عبث أكبر يشير إليه هذا البعض الذي رُصد . كما أن المصدر ( عَبَثْ ) يشير إلى اللعب والخلط الذي لا فائدة منه .
من هذا المنظور ؛ يعلن عنوان الكتاب ” من عبث الرواية ” أن هذا الخطاب السردي الإبداعي عن الواقع ( الرواية ) لعب ولهو لا فائدة ترجى من تأليفه ونشره ، وبالتالي لا يستحق القراءة . يترتب على هذا أن تصبح قراءة الرواية، من باب تضييع الوقت وهدره . فقراءتها تضعف روح الأمة ، وتذبل الهوية . يلزم أن يتركز عمل القارئ اليومي من هذا المنظور في قراءة كتب ذات فائدة لن تكون الرواية جزءا منها ؛ و بهذه الكيفية ينشغل الإنسان بما يعتبره الكتاب ” نافعا ” .
بشكل عام ، يحتقر الكتاب الرواية ، ويرفض إعطاءها أي صفة جمالية ، ويعتبرها نوعا أدبيا يفتقر لأي بناء خاص وأصيل ، ويتقبلها على أنها شكل معاصر للدعاية الأخلاقية المنحرفة للغرب، جرد الكتاب الرواية من أي أهمية أدبية ، وجعلها مجرد وسيلة للإبلاغ عن انحرافات خلقية وعقدية . وفوق هذا نظر إليها الكتاب على أنها نوع أدبي دخيل حملته إلينا موجة التغريب . لم ينظر الكتاب إلى الرواية من حيث إنها فن أدبي ، بل نظر إليها من حيث هي تقدم قيم الآخر (الغرب ) وثقافته المتعارضة أصلا من وجهة نظر الكتاب مع قيمنا وثقافتنا .
باء على ما سبق فإن ما سأهتم به هنا وأنا أتأمل هذا الكتاب هو السؤال الرئيس التالي : ما الأصول المعرفية والأيديولوجية التي تشكل خلفية كتاب مثل هذا ؟ . وفيما أنا أجيب سأبين ولو بصورة غير مباشرة الطريقةَ التي يدرك بها مؤلف هذا الكتاب الرواية ، و الطريقة التي بها يفكر ويفهم ؛ ذلك أن لطريقة فهمه جذورا معرفية ـ تتعلق بكيفية تفكيره لكي ” يشرعن ” إدعاءاته بمعرفة ” حقيقة ” خطر قراءة وكتابة الرواية على المجتمع .
بفضل الفكر الحديث أصبحنا نعي أن أي منظومة فكرية تنتقي وتعين مفاهيمها المركزية . و ما إن تفعل حتى تقوم بحركة مزدوجة : تقصي المفاهيم المضادة ، وتختار مفاهيم أخرى بهدف دمجها ، وفي هذا الكتاب مفاهيم مهيمنة تبعد مفاهيم أخرى خارج الخطاب .
يتخلل الكتاب مفهوم مهيمن لا يولي اهتماما لتعبير الفرد ، وطرافة تجربته ( الرواية ) بقدر الاهتمام بمساهمة الكاتب المنتمي إلى جماعة . لهذا المفهوم علاقة بالفرد الذي يقابل الجماعة ؛ فالمؤلف لا يرى الإنسان إلا في انتمائه إلى جماعة ، ولا يراه في فرديته . وقد ترتب على هذا أن الفرد يلزم أن ينخرط في جماعة ، وأن أي تعبير يصدر عنه يلزم أن يلبي وظيفة جماعية . وأن كل اختيار شخصي يظل ممنوعا ، ولا يقبل إلا إذا كان قابلا لأن يشمل الجماعة كله .
وفق هذا المفهوم الأدبي المسيطر لا بد أن تُرفض الرواية التي لا تلبي وظيفة جماعية واجتماعية. تنشأ الرواية، وتستجيب ، وتتطور ، إذا بدأ الفرد يشعر بنفسه فردا أكثر مما يشعر بنفسه عضوا في جماعة ساكنة ، أو مجتمع ساكن ، عليه واجبات ، وله خصائص وهبها منذ الولادة ، تنشأ حين يبدأ الفرد في التفكير على وفق مصالحه الشخصية أكثر مما يفكر بالمصالح الجماعية والاجتماعية ؛ ما يمنح الفرد شيئا ما يخفيه وهذا ما ينسف فكرة الجماعة والإجماع .
لقد ترتب على هذا المفهوم المهيمن أن نظر مؤلف الكتاب إلى الروائي على أنه مصلح اجتماعي وأخلاقي ، وأن التزامه الرئيس يكمن في إنتاج عمل يجسد دعوته إلى الإصلاح والأخلاق . لا يريد المؤلف من الروائي ينظر إلى نفسه على أنه فنان يطمح إلى كتابة عمل أدبي ، وهو لا يبالي بما يجعل من الرواية عملا أدبيا وجماليا ؛ فهو يعترف في الكتاب بأنه لا يدير بالا لجماليات الرواية ؛ لأن الأهم من وجهة نظره هو أن يجد فيها أفكارا ورؤى تتفق مع الجماعة والمجتمع .
يتضح هذا من البديل الذي يقترحه : رواية ” توجه ” و ” ترد ” و ” تعالج ” و ” تطرح ، وكما نلاحظ فهذه الأفعال ” الأدائية ” تشير إلى تصور متعلق بوظيفة الرواية . فالرواية يلزم أن تنخرط في وظيفة اجتماعية إصلاحية وتوجيهية ، وهو تصور يذكرنا بالتصور القديم لوظيفة الخرافة . لم يحدث شيء سوى أن الحيوانات تحولت إلى بشر ، والحكيم تحول إلى روائي ، بينما بقي القراء مثلما هم جمهور يتكون في أغلبه من النساء وعامة الناس ودهمائهم ؛ لذا يجب أن تعرض عليهم رسالة التوجيه والإصلاح مغلفة بالسرد كي تسترعي انتباههم .
نحن نعرف أن الرواية تقاوم الوقائع والأشياء والأفكار والمثل، وتتناول الإنسان والمجتمعات الإنسانية. نعرف أن المجتمعات تدخل التاريخ ، وتفهم أن المجتمعات تعيش تاريخا هي صنعته ، وتلاحظ أن التاريخ البشري مصنوع من قبل البشر أنفسهم ، أو صنعه بعض المجموعات البشرية . يربك هذا التصور الإدراك الأيديولوجي للتاريخ الذي يتطابق مع أفكار الطبقة الحاكمة ومع منطقها ، والذي يتطابق بدوره مع إدراك هؤلاء الرافضين للخطاب الروائي .
في مقابل هذا ، يسيطر مفهوم التاريخ من حيث كونه ذا طبيعة فوق بشرية على الكتاب ، ويرتبط فيه التاريخ ارتباطا وثيقا بالدين ، ولكي تبقى هذه الصلة بين التاريخ وبين الدين لا بد من وجهة نظر المؤلف أن يختار الروائيون وقائع تبقى في ذاكرة الأجيال ؛ لكي تعتبر وتتعظ .
يجب على الروائيين من وجهة نظر المؤلف أن يختاروا موضوعات معطاة من قبل التاريخ الإسلامي، وأن تكون تلك الموضوعات مشربة بروح الدين ، وأن ترزح تحت إيحاء واحد يبث الحياة في رواياتهم ، إيحاء يؤكد باستمرار القدر الإلهي الذي اختار المجتمع الإسلامي ليكون خير المجتمعات، وأفضل وسيلة لإعلان هذا هو كتابة هذا المجتمع الإسلامي .
يترتب على هذا تصور يجعل وفقه الروائيون رواياتهم تاريخا للمجتمع الإسلامي ، وفي هذا المشروع التاريخي تبقى مصادره النصية حاضرة ، في تعبيراتها، وفي مفهومها للتدخل الإلهي الذي يغير مجرى الأشياء في كل لحظة . ففي النصوص المؤسسة للمجتمع الإسلامي طاقة متفردة تذكي النشاط الروائي ، فتجعل منه رواية ذات طابع خاص (الرواية الإسلامية ) .
إن ما يميز المجتمعات البشرية عن التجمعات الحيوانية ليس القدرة على الكلام ، ولا لأن البشر يستطيعون أن يحلوا مسائل رياضية معقدة . ما يميزها هو امتثالها لمجموعة من المعتقدات التي تحكم سلوك الأفراد. ولا نستطيع أن نتصور ثقافة مجتمع بشري من غير أن يوجد فيها فكرة الصواب والخطأ ، والحفاظ على الشرف ، العبادة ، والمحافظة على الوعود .
يعني الواقع بوصفة مشكلة أخلاقية أن كل شرور المجتمع وآثامه ورذائله وممارساته غير اللائقة من وجهة نظر المجتمع ( فكرة الخطأ ) يلزم أن تظل مستورة ومنسية ، ومن غير المناسب التعبير عنها . بثور و دمامل يلزم أن تظل تحت جلده . أما تصور الواقع بوصفه مشكلة اجتماعية فيعني أن تلك الشرور والآثام طبيعية في حياة أي مجتمع . بثور ودمامل تصل إلى مراحلها الأخيرة . تتقيح لكي تنفجر . في ذات يوم ، وفي لحظة ما ، يظهر كل شيء ؛ لذلك يلزم أن يُعبر عنها .
تظهر تجليات الواقع بوصفه مشكلة أخلاقية في الأسلوب الذي تُكتب به الرواية، يتجلى عند مؤلف الكتاب في اللفظة المهذبة، والنظيفة ، والعفيفة ، والتصوير البريء ، والإشارة اللطيفة المحتشمة ، التي لا تمس مقام الحياء والأدب ، والكلام اللطيف العابر، واللون الرفيع من البيان .
لا يتعلق الأمر بلغة الرواية فحسب ، بل أيضا بالروائي ؛ فالروائي من وجهة نظره يلزم أن يتصف بالذوق الرفيع والأدب الراقي . الروائي ذو الأصل النبيل ، والذي تلقى تربية حسنة يترفع عن الابتذال في الكتابة الروائية . إن كل إناء بما فيه ينضح ” . من وجهة نظره إذا رأى القارئ الروائي شغوفا بالبذاءة ، مولعا بصور الفجور ، مفتونا بكل قبيحة ورذيلة ( الأسلوب الوضيع ) ، فليعلم القارئ أن الروائي قد نضح بما فيه ، وأنه وقع على شاكلته ؛ فالطيور على أشكالها تقع .
ما الذي ينقص المؤلف ؟ عادات قراءة الرواية ؛ فالقراءة الحرفية تولد فهما حرفيا للمقروء يُعنى بالتقاط المعنى الحرفي الرئيس للكلمات والجمل ، ويتطلب مثل هذا الفهم الحرفي مهارات قرائية دنيا كالتعرف على دلالة الكلمات ، والبحث عن التفاصيل التي يمكن تذكرها ، والتقاط الفكرة التي صرح بها المقروء ، وهي كما نرى مهارات لا تساعد القارئ على قراءة نص معقد كالرواية.
لا يعرف مؤلف الكتاب العادات القرائية ، ولا الاستراتيجيات القرائية التي تتعلق بقراءة العمل الروائي،. لا تكفي معرفته باللغة العربية ، ولا تبحره في الدين ، ولا خبرته بالعالم الذي نعيش فيه لجعله قارئا مدركا للعمل الروائي . يفتقد إلى الكيفية التي يُقرأ بها العمل الروائي . إن قارئا قرأ قدرا كبيرا من الروايات ، لهو أكثر استعدادا لأن يفهم رواية من الشخص الذي لم يقرأ ، أو لم يقرأ كثيرا في هذا النوع الأدبي ، هذه مسلمة في الدراسات النقدية الحديثة المتعلقة بالقارئ ، وبناء عليها فمؤلف الكتاب أقل استعدادا لأن يتعاون أو يدرك الروايات التي رصدها في مؤلفه . .
ليس هذا تبكيتا لمؤلف الكتاب ، ولا لأنه لا يفهم، أو لا يدرك ، أو لقصور في لغته ، أو فهمه ، بل لابتعاده عن الرواية من حيث هي نوع أدبي ، وما ذكره في الفقرة التي خصصها لما سماه “عدم تحمل التبعات ، وسهولة التملص تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه قارئ غير خبير ، أو مدرب على قراءة هذا النوع الأدبي .
إن تجربة القارئ في قراءة الرواية ، وفكرته عن الرواية من حيث هي نوع سردي ، وفكرته عما يمكن أن يفعله الروائي وهو يكتب هما ما يمكن القارئ من قراءة الرواية من غير أي تحيز . واستشهاد المؤلف بنماذج من العبارات ، وتحديده دلالتها ، يشير إلى أن خبرته في قراءة هذا النوع الأدبي قليلة ، وفكرته عن الكيفية التي تكتب بها الرواية ضعيفة ، لذلك وجدناه يتوقف عند معاني الجمل لا معاني العمل، أي أنه يتوقف عند المعنى اللساني للرواية ، ولا يتعداه إلى المعنى الأدبي .
يكشف لنا معجم النعوت التي وصف بها المؤلف الروائيين ( كتبة السوء ، الشغف بالبذاءة ، الولع بالفجور ، الفتنة بالقبيح ، استرواح ذكر الفواحش ، تآلف أخبار المجون ، مرضى القلوب ) ، والأفعال التي تحدد أهدافهم ( يثبت ، يعلن ، يريد ، يهزأ ، يمرر ، … ) أن مفهوم معنى المؤلف يسيطر عليه . يترتب على هذا أن تصوره لطبيعة المعنى أنه ثابت ولا يتغير ، وأن هناك معنى واحد على غرار ” حقيقة واحدة ” ، وأن المعرفة ثابتة ، ولا تتغير في ضوء ما يستجد .
لذلك من المهم أن نميز هنا بين الطريقة التي يبني فيها القارئ المعنى ، وبين طرق أخرى يتحول فيها إلى وعاء يملأ من قبل طبقة ( نقاد ، وعاظ ، مذكرين ) أو أن يتحول إلى خادم يبحث عن معنى المؤلف أو النص ، وحركات الإصلاح النظرية التي ظهرت في أوائل السبعينات كانت محاولة للتخلص من سلطة طبقة أو مؤلف أو نص ، من خلال تقديم مفاهيم تعرف القارئ بأن المعنى لا يكتشف كما يكتشف البترول ، بل يكون ويبنى كما تبنى الأهرامات .
إذا كان لي أن أستل خاتمة مما قلته إلى الآن ، فستكون المعتقدات القرائية . أعني رصيد متراكم من الأفكار والمفاهيم تبلورت في ذهن المؤلف ( الإجماع ، التاريخ ذو الطابع الإلهي ، الواقع في صورة مشكلة أخلاقية ، الأسلوب السامي ، الفهم الحرفي ، معنى المؤلف ) ، وشكلت استجاباته ، وخلفية فكره ، ومارسها بكل ثقة ، وآمن بها من غير أدنى شك ، وتقبلها كحقائق ذات طبيعة فكرية مطلقة وهو يقرأ الروايات التي رصدها . إنها موقف المؤلف العقلي من حيث هو قارئ ، أفكاره ومفاهيمه ، أو وجهة نظره عن الرواية التي تؤثر في استجابته لهذا النوع السردي ، أي ما يولد عادات وسلوكات نحو قراءة الرواية . إن المعتقدات القرائية ليست مجرد أفكار ومفاهيم ، لكنها أيضا ” كائنات ” فكرية تتمتع بقوى الحياة ، ولديها من القوة ما يجعلها تستحوذ على القارئ .
يمكن أن استشف من قراءة الكتاب مجموعة معتقدات قرائية تجلت في اتسام المؤلف بعادات وسلوكات غير إيجابية تجاه قراءة هذه الروايات ، مما جعلها لا تحظى بالقبول من حيث هي نوع أدبي . من وجهة نظره ، تُنسج مثل هذه الروايات من أوهام المؤلفين ، وهي مبتذلة وغير محترمة ، تعيش على التافه ومخالفة المألوف . خطر على الذوق والأخلاق العامة . لا علاقة لها بالحياة التي نعيشها ، ودعمها بالنشر والإعلام جزء من إستراتيجية لتفكيك قيم المجتمع الإسلامي ، وإذا إذا كان لا بد من الرواية ، فيلزم أن تخدم الدين ، وأن تتقيد بقيمه .
لقد ترتب على هذه المعتقدات القرائية أن سرد المؤلف قائمة بما أطلق عليه أوجه ” الانحراف ” في هذه الروايات . هذه القائمة تترجم معتقداته القرائية مثل تشويه الرواية الواقع ، وضرب الأصول الدينية ، ومهاجمة أحكام الدين، وعبثية الحياة وتناقضاتها، والمظاهر الشركية المنتشرة في والانحرافات العقدية ، والاستهزاء بالشرع ، والاستخفاف بالسنة النبوية، والأفكار التي تتضمنها عن عقيدة الولاء والبراء ، والموقف من الكفار ، وتشويه مفهوم الجهاد ، والموقف الذي تتخذه الروايات من العلمانية والعلمانيين ، وحكم الموسيقى ، وما يشيع فيها من انحلال خلقي ، والتهجم على قيم المجتمع ، والتغرير بالمرأة والعبث بقضاياها كالحجاب والاختلاط والعلاقات الجنسية قبل الزواج ، والسفر بلا محرم وولاية الرجل وقوامته ، وقيادتها للسيارة ، ومهاجمة أهل الخير والمجتهدين ، ومهاجمة التيار الإسلامي والمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية.