من ذئب إلى كلب(*)
يتسابق العلماء إلى حلّ لغز دام طويلاً عن كيفية
تطور آكل اللحوم الضخم الخطر ليصبح أفضل صديق لنا.
باختصار
كان الكلب النوع الأول الذي استأنسه الإنسان. وعلى الرغم من سنوات عديدة من البحث العلمي، لا يزال العلماء في صراع لمعرفة أين حدث ذلك ومتى وكيف.
ألقت دراسات حديثة حول الدنا DNA الضوء على أسلاف الكلب الذئبي، وكذلك هناك مشروع طموح في الطريق من أجل التوصل إلى التوقيت والمكان الذي حصل فيه استئناس الكلب.
وأمثال هذه الرؤى ستكمل الأدلة حول كيفية تحوّل العلاقة بين الإنسان والكلب عبر الآلاف السنين اللاحقة.
|
[rtl]عندما كنتَ تعتني بالكلاب والذئاب البرية منذ أن كانت صغيرة لا تتجاوز أعمارها الأسبوع وأرضعتها برضاعة الحليب ورعيتها ليلا ونهارا، كنتَ تعي تماما الاختلافات بينها. ومنذ عام 2008، قامت عالمة السلوك <[size=17]Z. ڤيراني> [من مركز علوم الذئب في النمسا] وزملاؤها بتربية النوعين كليهما من أجل التوصل إلى الإجابة عن السؤال «ما الذي يجعل الكلب كلبا والذئب ذئبا؟» وفي هذا المركز، يراقب ويدرس الباحثون أربع مجموعات من الذئاب وأربع مجموعات من الكلاب، تتكون كل مجموعة منها بين حيوانين إلى ستة حيوانات. وقام الباحثون بتدريب الذئاب والكلاب لتطيع أوامر أساسية لتمشي وهي تحمل طوقا في رقبتها وتستعمل أنفها لتنقر شاشة الحاسوب كي تتأهل لفحوص الإدراك. ومع أن هذه الذئاب عاشت مع الباحثين وتعاملت معهم سبع سنوات، إلا أنها احتفظت بعقلية وسلوك مستقلين بما لا يشبه الكلاب.
[/rtl][/size]
[rtl]تقول <ڤيراني>: «اترك قطعة من اللحم على الطاولة وقل لواحد من كلابك كلمة لا! إنه لن يأخذها.» لكن الذئاب تتجاهلك. إنها تنظر إلى عينيك وتنتزع قطعة اللحم. فهذه تجربة مربكة جازمة مرت بها <ڤيراني> في أكثر من مناسبة. وعندما حدث ذلك، تساءلت مرة أخرى كيف أصبح الذئب كلبا مستأنسا.
[/rtl]
[rtl]وتستطرد <ڤيراني> قائلة: «لا يمكنك أن تقتني حيوانا لاحما كبيرا ليعيش معك ويتصرف بهذا الشكل، فأنت تحتاج إلى حيوان مطيع مثل الكلب يتقبل كلمة ’لا‘.»
[/rtl]
[rtl]لقد اكتشف باحثو المركز أنه من الممكن أن يكون فهم الكلب لكلمة «لا» بالمطلق مرتبطا بتركيبة مجموعته[size=17]pack، وليس كما هو بمفهوم المساواة عند الذئاب الذي هو مفهوم استبدادي أمري. ولاحظت <ڤيراني> أنه من الممكن أن تتناول الذئاب طعامها مع بعض، وأن الذئاب التابعة والأقل مرتبة subordinate (ذئاب المرتبة الثانية والثالثة... إلخ) لا تبتعد عن الطعام حتى ولو كشَّر ذئب مُهيمِن dominant وكشف عن أنيابه وأصدر هديرا أو دمدمة على الذئاب الأقل منزلة. إن هذا السلوك ليس صحيحا بين جماعات الكلاب، لكنني لاحظت أن الكلاب المرؤوسة نادرا ما تأكل في الوقت نفسه مع الكلب المهيمن وحتى أنها لا تحاول ذلك. وتشير دراساتهم أيضا إلى أنه بدلا من أن تتوقع المشاركة في نشاطات ومهام مع البشر، فإن الكلاب تريد، بكل بساطة، أن يقال لها ما يجب فعله.
[/rtl][/size]
[rtl]كيف تحول الذئب المستقل ذهنيا إلى كلب مطيع ينتظر الأوامر؟ وما الدور الذي أدّاه الإنسان القديم لتحقيق هذا العمل الفذ الذي حيّر <ڤيراني> التي تقول: «أحاول أن أتصور كيف فعلوا ذلك، إنني حقيقةً غيرُ قادرة على ذلك.»
[/rtl]
[rtl]ليست <ڤيراني> الوحيدة في حيرتها. ومع أن الباحثين نجحوا في تحديد زمان ومكان وأسلاف معظم الأنواع المستأنسة من خراف وماشية إلى الدجاج، وحتى خنازير غينيا، إلا أنهم لا يزالون في جدال حول أحسن صديق وفيّ لنا وهو الكلب المستأنس [size=17]Canis familiaris. ويدرك العلماء أيضا لماذا طوّر البشر تلك الحيوانات المستأنسة – من أجل الحصول على مصدر طعام ليكون في متناول اليد - إلا أنهم مازالوا لا يعرفون ما الذي ألهمنا للسماح لآكل لحم كبير ليصبح عضوا في الأسرة. ومع ذلك كانت الكلاب أول الأنواع المستأنسة، لكنه لا يزال هناك غموض حول لغز أصلها.
[/rtl][/size]
[rtl]ومن أجل حلّ الغموض الذي يلف هذا اللغز، يقوم العلماء بربط الأمور بعضها ببعض. لقد توصل العلماء، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى اكتشافات عديدة، ويمكنهم القول الآن بثقة، بعكس الأقوال المتناقلة، إن الكلاب لم تنحدر من نوع الذئب الرمادي الذي لا يزال يعيش في معظم أنحاء النصف الشمالي للكرة الأرضية، من ألاسكا وسيبيريا ليصل إلى المملكة العربية السعودية، إنما تنحدر من ذئب منقرض غير معروف. كذلك فإنهم متأكدون من أن هذا الاستئناس حدث عندما كان الإنسان لا يزال صيادا- جامعا(١) وليس بعد أن اعتمد على الزراعة، كما اقترح بعض الدارسين.
[/rtl]
[rtl]وفي أي زمان وفي أي مكان أصبحت الذئاب كلابا؟ وما إذا كان قد حدث ذلك مرة واحدة فقط؟ إنها مجموعة من الأسئلة قام فريق كبير من الباحثين مكوّن من علماء متنافسين بصياغتها وبدؤوا بمعالجتها. ويقوم هؤلاء الباحثون الآن بزيارة المتاحف والجامعات والمعاهد في جميع أنحاء العالم لدراسة ما تحويه من مستحاثات الكلبيات(٢)وعظامها، ويطلعوا على العينات الجينية للكلاب والذئاب القديمة والحديثة للقيام بأوسع دراسة مقارنة شاملة حتى الآن. وعند الانتهاء من هذه الدراسات، سيصبح العلماء قريبين جدا من معرفة متى وأين بدأت الذئاب طريقها لتصبح مرافقتنا المؤتمَنة، حتى ولو لم يعرفوا بالضبط كيف. وستتم الإجابات عن هذه الأسئلة بسبب الكم المتنامي لما سنعرفه عن كيف يتآثر البشر والكلاب، بعد أن صيغت وتوطدت هذه العلاقة.
[/rtl]
إشارات مختلطة(**)
[rtl]عندما وصل الإنسانُ الحديث إلى قارة أوروبا، ربما قبل نحو 000 45 سنة، واجه الذئبَ الرمادي وأنماطا أخرى من الذئاب، بما في ذلك الذئبَ الضخم الذي طارد حيوانات الصيد الكبيرة مثل الماموث(٣). وفي ذلك الزمان كانت الذئاب قد أثبتت أنها من الأنواع الأكثر نجاحا وتأقلما في فصيلة الكلبيات [size=17]the canid، حيث انتشرت عبر أوراسيا إلى اليابان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهي لم تتقيد بالعيش في نمط بيئي واحد، بل ازدهرت في التوندرا والسهوب والصحاري والغابات والمناطق الساحلية والمناطق المرتفعة في هضبة التيبت. وقد تنافست مع البشر الذين وصلوا حديثا من أجل الفريسة نفسها - الماموث والغزال والثور البري ووحيد القرن الصوفي والظباء والخيل. وعلى الرغم من هذا التنافس، كان يبدو أن هناك نوعاً من الذئاب، ربما نسل الذئب الضخم، بدأ بالعيش قرب المجتمعات البشرية. واتفق العلماء، لسنوات عديدة، بناءً على أجزاء صغيرة من الجينوم (المادة الوراثية)genome، على أن هذا النوع كان الذئب الرمادي الحديث Canis lupus وأن هذا «الكلبي» canid وحده هو الذي تطور وأعطى الكلاب.
[/rtl][/size]
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. |
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.
|
[rtl]إلا أن علماء الوراثة اكتشفوا في الشهر 1/2015 أن هذه «الحقيقة» التي صمدت لفترة طويلة خاطئةٌ. فقد نتجت من التهجين المتكرر بين الذئاب الرمادية والكلاب التي تتشارك بنحو 99.9% من دناهم [size=17]their DNA، إشارات مضللة للدراسات الأولى. ولا يزال مثل هذا التزاوج بين النوعين مستمرا إلى يومنا هذا: كانت الذئاب ذات الفرو الأسود تستقبل جينات هذا اللون من الكلاب كما كانت كلاب الراعي في جبال جورجيا القوقازية تتزاوج بالذئاب المحلية التي كانت أسلافها الهجينة موجودة في جماعات النوعين، وأن 2-3% من نماذج الحيوانات المدروسة كانت تشكل أولى الجماعات الهجينة من الجيل الأول. (زيادة في موضوع الامتزاج الوراثي، نشر الباحثون في عدد الشهر 6 من مجلة علم الحياة المعاصرة Current Biology مقالاً حول تسلسل الدنا DNA لمستحاثة(4) ذئب يبلغ عمرها 000 35 سنة تم الحصول عليها من سيبريا، يبدو «في المقال» أن هذا النوع قد أسهم في دنا الكلاب التي تعيش في خطوط العرض المرتفعة مثل كلاب الإسكيمو عبر التزاوج البالغ في القدم.)
[/rtl][/size]
[rtl]لقد بَيَّن تحليل جميع جينومات [size=17]genomes الكلاب والذئاب الحية الذي نشر في الشهر 1/2015، بأن فصيلة كلاب الفيدو Fido ليست من سلالة الذئب الرمادي الحديث. وعوضا عن ذلك يصنف النوعين في مجموعتين قريبتين من بعضهما، وقد انحدرا من سلف غير معروف يفترض أنه منقرض. ويقول <R. وين> [عالم وراثة التطور من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس]: «كانت وجهة نظر استمرت فترة طويلة بأن الذئب الرمادي الذي نعرفه الآن كان موجودا منذ مئات آلاف السنين، وأن الكلب انحدر منه». ويستطرد <وين> قوله: «نحن مندهشون من أن ذلك غير صحيح». وقد ترأس <وين> أول دراسة جينية اقترحت وجود علاقة الأسلاف-الأنسال بين النوعين، وحديثا كان واحدا من بين 30 مؤلفا نشروا آخر دراسة في مجلة المكتبة العامة للعلوم - جينيات PLOS Genetics تزيل زيف هذه الفكرة.
[/rtl][/size]
[rtl]ومن الممكن أن تظهر مفاجآت أكثر نتيجة للجهود المتكررة من أجل حسم قضية زمان استئناس الكلاب ومكانه. لقد تركت الدراسات السابقة آثارا مشوشة. وركز أول تحليل أُجري في عام 1997 على الفروق الجينية بين الكلاب والذئاب الرمادية، واستنتج من هذه الدراسة أن الكلاب قد استؤنست قبل 000 135 سنة. وأشارت دراسة نشرت فيما بعد، اشترك فيها بعض الباحثين من المجموعة نفسها، إلى أن الكلاب قد نشأت في الشرق الأوسط. لكن تحليلا آخر نشر عن نتائج دراسة 1500 عينة من دنا الكلاب الحديثة في عام 2009، حاول الباحثون في هذه الدراسة أن يبرهنوا على أن أول استئناس للكلاب حدث في جنوب الصين قبل أقل من 300 16 سنة. بعد ذلك قارن فريق من العلماء في سنة 2013 المادة الوراثية الميتوكوندرية(5) للكلاب الأوروبية القديمة والكلاب الأمريكية والذئاب بما لدى نظيراتها الجديدة. واستنتجت الدراسة أن الكلاب نشأت في أوروبا قبل ما بين 000 32 و000 19 عام.
[/rtl]
[rtl]ويقول عالم التطور <[size=17]G. لارسون> [من جامعة أكسفورد] الذي ساهم حديثا في إطلاق برنامج متعدد المعارف حول استئناس الكلاب، إن الدراسات السابقة، على الرغم من أهميتها إلا أنها لا تزال قاصرة عن إعطاء إجابة واضحة. وقد بيّن <لارسون> أخطاء دراسات عام 1997 و 2009 بسبب اعتمادها بشكل خاص فقط على دنا الكلاب الحديثة وعلى عدد محدود من العينات من مواقع جغرافية محدودة. ويقول <لارسون>: «لا نستطيع حل هذه المشكلة باستخدام الحيوانات الحديثة فقط كنافذة للنظر إلى الماضي». ويتابع <لارسون> قوله: «إن الدراسات المعتمدة على دنا كلب حديث غير كافية لأن الناس كانوا يتنقلون ويهجنون الكلاب مرات عديدة في معظم أنحاء العالم؛ مما نتج منه تلطيخ أو تغيير في موروثها الجيني(6).» إن أي إشارات إقليمية من الممكن أن تساعد على تعرف مكان الاستئناس الذي فُقِد منذ زمن بعيد.
[/rtl][/size]
[rtl]ولكي تصبح الصورة أكثر ضبابية، يشرح <لارسون> قائلا: «تنتشر الذئاب بشكل واسع في أنحاء العالم». وبالمقابل، يشير هذا العالِم إلى أن مدى انتشار أسلاف معظم الأنواع الأخرى المستأنسة مثل الخراف والدجاج هو أقل، وبذلك يكون تعقب أصولها أكثر سهولة.
[/rtl]
[rtl]ويظن <لارسون> أن جماعات مختلفة جغرافيّا من أسلاف نوع الذئب ساهمت في تكوين الكلب الحديث. وهذا الحدث ليس الوحيد من نوعه، حيث بيّن <لارسون> أن الخنازير قد استؤنست مرتين، مرة في الشرق الأدنى ومرة في أوروبا. وبشكل مثير للاهتمام، تلمح أحافير مُحيّرة من بلجيكا وجمهورية التشيك وجنوب غرب سيبيريا تعود إلى 000 36 و 000 33 سنة خلت، إلى ملامح خليط ذئب وكلب، إلى إمكانية حصول ثلاثة أحداث مستقلة لمحاولات استئناس من ذئب سلف. إلّا أن الخصائص التشريحية لهذه الأحافير وحدها لا تستطيع الإجابة عن السؤال «من أين أتى الكلب؟»
[/rtl]
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. |
اجلس وابق: كلب في مركز علم الذئب خارج مدينة ڤيينا في النمسا ينتظر الإذن كي يأكل. وتفتقر الذئاب، حتى التي ربّاها البشر، إلى احترام سلطة الإنسان. |
[rtl]ومن أجل حل لغز استئناس الكلب يستخدم <لارسون> ومشاركوه طريقتين أساسيتين في دراسة الخنازير: إنهم يقومون بتحليل شامل لآلاف العينات من دنا الكلاب والذئاب الحديثة والقديمة من أفراد من جميع أنحاء العالم، ويستخدمون أيضا طريقة جديدة لقياس العظام تدعى المقاسات الشكلية الهندسية(7). وتساعد هذه الطريقة العلماء على تقييم صفات معينة، مثل انحناءات الجمجمة، وبذلك تكون أفضل لمقارنة عظام الأفراد. واعتمد الباحثون سابقا بالمقام الأول على طول خطم [size=17]snout الكلبيات وحجم الأنياب من الأسنان من أجل تمييز الكلاب عن الذئاب. وبشكل عام تكون خطوم الكلاب أقصر وأنيابها أصغر وأسنانها أكثر ازدحاما من الذئاب. ويجب أن تشير هذه الطريقة الجديدة إلى فروق أكثر. كما يجب أن تعطي هذه الطرق معا تفاصيل أكثر دقة حول استئناس الكلب أكثر من أي طريقة أخرى حتى الآن.
[/rtl][/size]
مقاربات أقرب(***)
[rtl]مع أن الأسئلة حول أين ومتى تم استئناس الكلاب لا تزال مفتوحة، توجد لدى العلماء الآن فكرة عامة عن طبيعة المجتمع البشري الذي كان قد أقام أول علاقة وثيقة بالكلاب. وربما ليس من المدهش أيضا أن هذا التساؤل قد أثار جدلاً عبر السنين. ويحاول بعض الدارسين قبول أن المجتمعات الزراعية المستقرة كانت لها الأولوية. وعلى كل حال دخلت أنواع أخرى من الحيوانات المستأنسة عالم الإنسان بعد أن بدأ يعتمد على الزراعة والاستقرار. إلا أن باحثين آخرين نسبوا ذلك إلى مجتمعات صيادين- جامعين آخرين نظرا لاقتنائهم الكلاب أولا. ويقول <وين> إن أحدث دراسة قام بها فريقه حول الدنا قد أنهت هذا الجزء من النقاش. وهو يؤكد أن «استئناس الكلب حدث قبل الثورة الزراعية»، ويؤكد كذلك أن ذلك قد حدث عندما كان البشر لا يزالون صيادين- جامعين»، قبل منذ نحو 000 32 إلى 000 18 سنة. (يعتقد أن الزراعة قد بدأت بشكل واسع في الشرق الأوسط قبل 000 12 سنة تقريبا.)
[/rtl]
[rtl]ويعيدنا هذا الاكتشاف إلى الأسئلة التي طرحتها <ڤيراني> ومعظم الأشخاص الذين يقتنون كلاباً ويحبونها. كيف فعل ذلك هؤلاء الصيادون- الجامعون ذلك؟ وهل فعلوا؟ وإذا ما كانت الكلاب الأولى - التي من المهم أن نتذكر أنها قد تبدو أكثر قربا إلى الذئاب منها إلى الكلاب - قد أصبحت كما هي عليه الآن؟
[/rtl]
[rtl]ويعود الجنس [size=17]Canis إلى ما يقارب 7 ملايين سنة، ومع أن بعض أفراد تلك المجموعة مثل ابن آوى والذئب الإثيوبي عاشت في إفريقيا التي تُعد مهد ميلاد الإنسان، إلا أنه لا يوجد أي دليل على أن البشر الأوائل قد حاولوا استئناس أي منها. ولم تنشأ العلاقة الثلاثية بين الإنسان والكلب والذئب إلا بعد أن انتشر الإنسان الحديث من إفريقيا إلى أوروبا قبل 000 45 سنة.
[/rtl][/size]
[rtl]وجاءت تلميحات حول تطور العلاقة بين الكلبيات والإنسان الحديث من سجلات أحفورية وآثارية. لنأخذ مثلا بقايا الكلبيات التي اكتشفت بين عامي 1894 و1930 في منطقة پردموستي [size=17]Předmostí، وهي مستوطنة عمرها 000 27 سنة تقريبا تقع في وادي بِكاڤا Bečva وهي الآن جزء من جمهورية التشيك. ويُطلق على هؤلاء الناس القدماء الذين عاشوا وماتوا في هذه المنطقة اسم الگرافتيين the Gravettians نسبة إلى موقع شبيه من ناحية الآثار الثقافية في لاگراڤِت La Gravette بفرنسا. وكان الگرافتيون التشيك صيادين للماموثmammoth، حيث قتلوا أكثر من ألف من هذه الحيوانات الضخمة في هذا الموقع وحده. وكانوا يقتاتون بلحم هذا الحيوان الضخم ويستخدمون عظام أكتافها لتغطية بقايا بشرية ويزينون أنيابها بالنقوش. كذلك كانوا يقتلون الذئاب. وتمثل الكلبيات أكثر أنواع الثدييات في هذا الموقع بعد الماموث، وتتضمن بقاياها سبع جماجم كاملة.
[/rtl][/size]
[rtl]إلا أن هناك بعض الجماجم لهذه الكلبيات لا تشبه تماما جماجم الذئاب. وتقول <[size=17]M. گرمونپري> [عالمة الأحافير من المعهد البلجيكي الملكي للعلوم الطبيعية في بروكسل]: «إن هناك ثلاث جماجم مختلفة بشكل ملفت. ولدى مقارنتها بجماجم الذئاب التي عثر عليها في موقع پريدموستي، تبين أن هذه الجماجم الثلاث غير اعتيادية من حيث إن لها خطماً snout أقصر ووعاء دماغ أوسع وأسناناً متراصة.»
[/rtl][/size]
[مكتشفات]
تاريخ معقد(****)
من أجل إعادة بناء تطور الكلب قام <وين> وزملاؤه [من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس] بدراسة تسلسل الجينومات (المادة الوراثية) genomes لسلالتين من الكلاب البدائية (سلالتي الباسينجي basenji والدنگو dingo) وثلاثة أشكال محلية من الذئب الرمادي وابن آوى الذهبي وفرد آخر من فصيلة الكلبيات. وبعد ذلك قاموا بمقارنة تلك الجينومات بجينومات سلالة الكلاب الملاكمةboxer breed التي طوّرت حديثا. لقد اعتقد الباحثون، لفترة طويلة، أن الذئب الرمادي الحديث كان جد الكلب. لكن نتائج التحليل الجديد التي نشرت في الشهر 1/2014 في مجلة المكتبة العامة للعلوم - الجينيات PLOS Genetics قلبت تلك الفرضية واقترحت أن هناك نمطا منقرضا من الذئب أدى إلى ظهور الكلب قبل بدء الثورة الزراعية قبل نحو 000 122 سنة. إضافة إلى ذلك، بيّنت الدراسة حدوث تدفق جيني هائل نتيجة التهجين المتبادل بين هذه المجموعات بعد أن تباعدت وتفرعت. وإن هذا الخلط دحض المحاولات الأولى لبيان أصل الكلب.
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. | *لم يكن بالمستطاع تقدير حجم جماعة الكلب الملاكم (البوكسر) استناداً إلى البيانات المتاحة. |
|
[rtl]وتقول <گرمونپري> وآخرون إن هذه التغيرات التشريحية هي أولى علامات الاستئناس. لقد وجدت تغيرات مشابهة في جماجم الثعالب الفضية(8) التي كانت محور تجربة مشهورة طويلة الأمد في جامعة نوڤوسيبرسك بروسيا؛ حيث قام الباحثون منذ عام 1959 باختيار الثعالب لترويضها وإكثارها. وعبر الأجيال تغير فراؤها ليصبح منقطا وآذانها مرنة وأذنابها معقوصة وخطومها أقصر وأعرض. ومع ذلك كان العلماء يقومون بدراسات حول السلوك فقط. وشوهدت تغيرات مشابهة في أنواع مستأنسة أخرى مثل الجرذان والمينك [size=17]mink. كذلك، لا يزال على عاتق الباحثين أن يفسروا لماذا تتغير هذه الحيوانات المنصاعة بشكل مستمر وبهذه الطرق. ويعلم الباحثون أن الثعالب الفضية المروضة لها غدد فوق كلوية صغيرة وسويات من هرمون الأدرينالين أقل بكثير من نظرائها من الحيوانات البرية.
[/rtl][/size]
[rtl]وفي عام 2014، توصل العلماء إلى فرضية معقولة: قد تمتلك الحيوانات المروَّضة عددا أقل من خلايا العرف العصبي(9) أو المشوهة منها. وتؤدي هذه الخلايا الجنينية(10) دورا مهماً في تنامي الأسنان والفكوك والآذان والخلايا المفرزة للصبغات - إضافة إلى دورها في الجهاز العصبي، بما في ذلك منعكس حارب أو اهرب(11). وإذا كان هؤلاء العلماء صائبين، فإن جميع الصفات المستأنسة الجذابة، مثل الفراء المنقط والأذناب المعقوصة والآذان المرنة، ما هي إلا آثار جانبية للاستئناس.
[/rtl]
[rtl]وتعتقد <گرمونپري> أن الاستئناس الذي حصل في پردموستي ما هو إلا حدث انتهى بطريق مسدود، وتشكك في أن هذه الحيوانات ذات صلة بكلاب الوقت الحاضر. ومع ذلك، تقول <گرمونپري>: «هي كلاب - كلاب العصر الحجري»، وتستطرد وتقول إن هذه الكلاب القديمة يحتمل أنها كانت تشبه كلاب الإسكيمو الحالية، إلا أنها قد تكون أكبر حجما، يقارب حجم الواحد منها كلب الراعي الألماني. وتطلق <گرمونپري> على نماذج پردموستي اسم «كلاب» لأنها تصورت وجود بعض العلاقة بين الكلبيات والگراڤتيين. وعلى سبيل المثال، تم، وفقا للمذكرات الأصلية للحفار المكتشف، العثور على الفك السفلي لكلب بالقرب من هيكل عظمي لطفل.
[/rtl]
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. |
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.
|
حياة الكلب: كلاب يبلغ عمرها تقريبا 000 27 سنة من موقع پردموستي في جمهورية التشيك، يبدو أنه جرت تربيتها من أجل الأضحية (الجمجمة في الأعلى)، وكلاب قام شعب التشيريبايا في البيرو بتربيتها منذ 1000 سنة بُجِّلت ككلاب رعي (المومياء في الأسفل). |
[rtl]وكانت الكلاب تدخل ضمن طقوس بطرق لا تمارسها أنواع أخرى. وفي حالة واحدة، قام الگراڤتيون بدسّ ما هو على الأرجح قطعة من عظام الماموث بين الأسنان الأمامية لجمجمة أحد الكلاب بعد موت الحيوان ورتبوا فكيه بحيث تم تثبيتهما معا على العظمة. وتظن <گرمونپري> بأن صائد ماموث قديماً قام بوضع العظمة كجزء من طقوس لها علاقة بالصيد، أو كتبجيل من الصياد أو من أجل تمكين الكلب في الحياة الآخرة. وهي تقول: «يمكن أن تشاهد مثل هذه الممارسات في سجلات الرسومات الإثنولوجية»، مستشهدة بمثال عن مراسم قبائل الشوكشي[size=17]Chukchi في سيبيريا لامرأة توفيت في بداية القرن العشرين، تمت التضحية بوعل الرِّنّة ووُضعت معدته في فم رأس كلب ميت، ووضع بشكل ما من أجل أن يحمي المرأة في رحلة موتها.
[/rtl][/size]
[rtl]ويتصور كثير من الباحثين أن هؤلاء الأوائل قرروا جعل الذئب كلبا لمساعدتهم على صيد الطرائد الكبيرة. وفي كتابها «الغزاة»(12) الذي نشرته مطبعة جامعة هارڤارد في بداية هذه السنة، ترى عالمة علم الإنسان <[size=17]P. شيپمان> أن الكلاب الأولى (أو الكلاب الذئبية، كما يطلق عليها) كانت مثل التقانة الحديثة المتناهية القوة وساعدت الإنسان الحديث صياد الماموث على أن ينافس رجل الكهوف القديم النياندرتال the Neandertal. إلا أنها و<وين> و<لارسون> وآخرين يظنون أن الذئاب قد انضمت إلى البشر من تلقاء نفسها، ونتج من ذلك أن النابي canny، وهو من الكلبيات المتأقلمة الذي تعرف على البشر على أنهم موئل بيئي ecological nicheجديد يستطيعون استغلاله. أما السيناريو البديل، مع أنه فكرة خطرة، فهو أن الإنسان أغار، وبدون أي اعتبار، على أوكار الذئب لسرقة الجراء الصغيرة التي يمكنه ترويضها. إذ إن تربية الذئاب في المخيمات مع الأطفال الصغار قد تُشكل مخاطر كبيرة.
[/rtl][/size]
[rtl]ويلخص <لارسون> الأمر بقوله: «نحن لم نستأنِس في البداية عن قصد». وهو يعتقد أنه يبدو أن الذئاب، على الأرجح، بدأت تلاحق البشر للسبب نفسه الذي يجعل النمل يدخل إلى مطابخنا من أجل الوصول إلى المصادر الغذائية الموجودة في المخلفات البشرية. ومع الوقت أصبحت بعض الذئاب المرابطة في المخيمات بالتدريج لا تخاف من البشر، والعكس صحيح، حيث تطورت علاقة تبادل للمنفعة بين الإنسان والذئاب. سوف تشم الكلابُ الذئبية الفريسةَ لنا، ونحن بدورنا سوف نتقاسم اللحوم الناتجة معها. (هناك دليل ظرفي لهذا السيناريو أتى من تجربة الثعلب الفضي. لدى اختيار الثعالب الأقل خوفا من البشر، طوّر العلماء في نوڤوسيبيرسك في النهاية ثعلبا فضيا يركض ليحيّي الناس. إن معظم الثعالب الفضية في الأسر تختبئ في النهاية الخلفية من أقفاصها.)
[/rtl]
تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. |
برية بالفطرة: كيف بدأت بالضبط رحلة تحول سلف الكلب الذئب ليصبح رفيقنا المؤتمن قد تبقى لغزا. |
[rtl]وهناك مشكلة واحدة فقط في هذا الحدث التخيلي، على الأقل في پردموستي: إن كلاب <گرمونپري> الأولى لم تكن تأكل لحم الماموث مع أنه كان طعام الإنسان الأساسي، حيث بينت تحاليل النظائر المشعة لعظام كلاب العصر الحجري القديم أنها كانت تتغذى بوعل الرِّنّة الذي لم يكن ضمن الطعام المفضل لدى الناس الذين عاشوا في ذلك المكان. وكذلك كانت أسنان كلاب پردموستي مكسرة، وهناك علامات أذيات شديدة على الوجه التأم الكثير منها. وتستطرد <گرمونپري> قائلة: «قد تكون هذه الجراح إشارة إلى قتال مع كلاب أخرى، أو أنها قد ضربت بعصيّ». إنها تتصور أن الارتباط بين الإنسان والكلاب كان من خلال أحد طقوس صيد الكلبيات للماموث. وفي هذا السيناريو، يحضر الصيادون- الجامعون جراء الذئاب إلى مخيمهم، ربما بعد قتل الذئاب البالغة، تماما مثلما كان الإنسان الرحال الحديث يجلب الحيوانات اليافعة وحديثي الولادة إلى مخيماتهم. هذا ولا تظهر على عظام الماموث في پردموستي أية آثار قضم من الكلبيات، الأمر الذي يشير إلى أن هذه الكلبيات لم تكن حرة في التجول والبحث عن بقايا طعام الناس. وبدلا من ذلك، يبدو أن هؤلاء الناس ربما كانوا قد قيّدوا هذه الكلبيات وأطعموها بما يعتبر طعامَ درجة ثانية لا يأكله الناس، حتى إنهم قاموا بإكثارها لضمان سد حاجتهم من الأضحيات لإقامة شعائرهم التضحوية.
[/rtl]
[rtl]إن إكثار الذئاب في الأسر قد يؤدي إلى تغيرات تشريحية قامت <گرمونپري> بتوثيقها في كلاب پردموستي، وقد يؤدي ذلك إلى إنتاج حيوان مستقل وأقل خوفا من الناس كما هي الحال في ثعالب نوڤوسيبيرسك الفضية.
[/rtl]
[rtl]إن حصر كلاب پردموستي وضربها وتغذيتها بطعام محدد، ربما فهمته على أنها تعني «لا». ولا يوجد أي دليل في پردموستي أو في أي أماكن قديمة مشابهة عثر فيها على بقايا كلاب يُبيِّن، بناء على ملاحظات <گرمونپري>، أن الإنسان الصياد-الجامع هناك قد اتخذ الكلبيات صديقا أو صاحبا أو مرافقا في الصيد. ويبدو أن هذه العلاقة جاءت فيما بعد.
[/rtl]
زحزحة فرص(*****)
[rtl]إذا كانت <گرمونپري> على حق، فإن فكرة استئناس الكلاب الذي كان قد بدأ في وقت مبكر جدا في ظروف لم تكن مواتية للكلاب ليست مناسبة. وفكرة أن كلاب <گرمونپري> هي كلاب بالفعل هي فكرة لا يوافق عليها كل عالم. وعلى الرغم من ذلك يفضّل البعض فكرة الذئب - الكلب، أو ببساطة «الذئب»، لأن موقعها التصنيفي غير واضح من ناحية الشكل أو الجينية. (ويتوقع <لارسون> حسم هذه المسألة من خلال مشروعه الضخم.)
[/rtl]
[rtl]وأقدم تسجيل لعيّنة كلب تعود إلى 000 14 سنة خلت، عثر عليها في الموقع [size=17]Bonn-Oberkasselبألمانيا، يروي بصورة لا تقبل الجدل، قصة مختلفة حول استئناس الكلاب، تثبت بوضوح وجود رابطة دقيقة وكبيرة بين البشر والكلبيات. ففي مطلع أعوام القرن التاسع عشر، عثر علماء الآثار أثناء عمليات التنقيب في هذا الموقع، على هيكل عظمي لكلب مدفون في مقبرة تضم رفات رجل يبلغ عمره نحو 50 عاما وامرأة عمرها بين 20 و 25 سنة. وعندما رأى الباحثون هذا الارتباط، عرفوا أنهم ينظرون إلى حيوان مستأنس تماما - حيوان عزيز ومقدر بشكل كبير بحيث يدفن على أساس أنه فرد من عائلة الإنسان.
[/rtl][/size]
[rtl]إن كلب [size=17]Bonn-Oberkassel ليس بالكلب القديم الوحيد الذي نال مثل هذا الشرف. وفي فلسطين، وفي منطقة عين الملاّحة تحديدا، وهو موقع للصيادين- الجامعين يعود تاريخه إلى 000 122 سنة مضت في أعالي وادي الأردن، اكتشف علماء الآثار ما قد يكون أشهر مقبرة دفن فيها الإنسان والكلاب. وعثر في هذا الموقع على هيكل رجل كبير في السن مائل على جانبه الأيمن، وذراعه اليسرى ممتدة تحت رأسه، فيما وضعت يده بلطف على جرو، يبلغ عمره نحو أربعة إلى خمسة أشهر. ويعتقد علماء الآثار أن هذا الكلب كان رفيقا للمتوفَّى. وعلى النقيض من كلاب پردموستي، لم يبدُ أن هذا الجرو قد عُذّب أو ضرب، بل رتبت بقاياه بلطف وحنان مع شخص يُعتقد أنه كان يهتم بأمره.
[/rtl][/size]
[rtl]وعلى الرغم من ندرة مثل هذه المشاهد المؤثرة بين الإنسان والكلاب في تلك الفترة، إلا أن حالات دفن الكلاب وحدها لم تكن كذلك. فمنذ نحو 000 10 سنة مضت ازدادت ممارسة دفن الكلاب في قبور. ولا يوجد نوع آخر من الحيوانات مدرج في طقوس الإنسان الجنائزية مثل الكلاب. لقد أصبح الناس ينظرون إلى الكلب برؤية مختلفة، وكان لهذا التحول في التوجه تأثير عميق في تطور الكلاب. وربما اكتسبت الكلاب خلال هذه الفترة مهارتها الاجتماعية نحو الإنسان، وكذلك القدرة على قراءة تعابير وجهه وفهم الإيماءات والتحديق في عيونه (التي تزيد مستوى هرمون الأوكسيتوسين [size=17]oxytocin الذي يدعى بهرمون الحب لدى الإنسان والكلب).
[/rtl][/size]
[rtl]تقول <[size=17]A. پيري> [وهي عالمة آثار الحيوان ومختصة بطرق الدفن من معهد ماكس بلانك لعلم تطور الإنسان بمدينة ليبزگ في ألمانيا]: «بدأت ممارسات دفن الكلاب بعد أن انتقل الصيد من السهول المفتوحة إلى الغابات الكثيفة؛» وتقول: «قد تساعدك الكلاب في البيئات المفتوحة على نقل لحوم حيوانات الماموث المصطادة، إلا أنها لا تساعد بالضرورة على اصطيادها». وتتابع <پيري> قائلة: «إلا أن الكلاب ممتازة في صيد الطرائد الصغيرة مثل الغزلان والخنازير البرية التي تعيش في الغابات.» وتجدر الإشارة هنا إلى أن صيادي الفيلة لا يستخدمون الكلاب.
[/rtl][/size]
[rtl]تقول <پيري> إنه منذ 000 15 سنة مضت، وربما قبل ذلك، بدأ الصيادون- الجامعون في أوروبا وأسيا والأمريكتين بالاعتماد على مهارات الصيد عند كلابهم من أجل البقاء. ولم يتمكن الباحثون من تتبع خط جيني مباشر(13) من تلك الحيوانات إلى كلابنا المدللة، ومع ذلك كانت تلك الحيوانات بدون أدنى شك كلابا. وتستطرد <پيري>، التي انضمت إلى الصيادين التقليدين مع كلابهم في اليابان والولايات المتحدة، في الحديث وتقول: «تستطيع كلاب الصيد الجيدة أن تعرف آثاراً جديدة وتوجه الصيادين إلى الفريسة والإمساك بها عن طريق النباح، وعندما بدأ الناس باستخدام الكلاب للصيد أصبح يشاهد تحول نظرة الناس إلى الكلاب، ويمكنك البدء بالعثور على مدافن للكلاب في جميع أنحاء العالم». وتؤكد <پيري> أن هذه المدافن ليست طقوسا أو لتقديم الأضحيات، إنما هي للتعبير عن التقدير والإعجاب، حيث يتم دفن الكلاب مع مَغْرَةٍ (صبغات حمراء صفراء)، وشواهد حجرية وأدوات حادة، وجميعها أدوات يستخدمها الصيادون.
[/rtl]
[rtl]أتى أحد طقوس دفن الكلاب بصورة أكثر تفصيلا من ستوكهولم في السويد ويعود تاريخه إلى نحو 7000 سنة. لقد تم العثور على عديد من كلاب دفنت مع عشرات من البشر في المنطقة نفسها. وكان أحد هذه القبور قد تلقّى احتفاء وعناية مميزة المدفونين، الإنسان والكلب. وتقول <پيري>: «لقد مُدِّد الكلب إلى جانبه، ونثرت حول خصره رقائق من الصوان، ووضعت معه قرون الغزلان الحمر ومطرقة حجرية منحوتة ورش جسم الحيوان بمغرة حمراء.» هذا ولا يوجد هناك ما يشير إلى سبب تبجيل هذا الكلب إلى هذا الحد، إلا أن <پيري> تشتبه بأن هذا الكلب كان صيادا ممتازا وأن صاحبه كان ينعى موته. وتستطرد <پيري> قائلة: «يمكن أن ترى هذه العلاقة بين الصيادين وكلابهم في الوقت الحاضر وفي سجلات العروق البشرية الإثنوغرافية». وتستشهد <پيري> بقول الصيادين- الجامعين التسمانيين في أواخر القرن التاسع عشر «إن كلابنا أهم من أطفالنا، بدونها لا نستطيع الصيد ولن نتمكن من البقاء على قيد الحياة.»
[/rtl]
[rtl]وقدمت الكلاب القديمة أيضا خدمات مهمة. ويرجع تاريخ المحاولة الأولى المعروفة للانتقاء المتعمد(14) الذي أدى إلى تطور الكلب المستأنس [size=17]C. familiaris إلى ما قبل 8000 سنة، وجاء من موقع في الدنمارك. لقد امتلك الصيادون- الجامعون ثلاثة حجوم مختلفة من الكلاب ربما تم تهجينها لمهام معينة. وتقول <پيري>: «لم أتوقع أن أرى ما يشبه الكلاب المهجنة، كانوا يقتنون كلابا كبيرة ومتوسطة وصغيرة الحجم». ليس من الواضح لأي غرض استخدموا الكلاب الصغيرة، إلا أن الكلاب متوسطة الحجم كانت لها بنية كلاب الصيد، بينما استخدمت الكلاب الأكبر حجما التي يبلغ حجمها حجم كلاب الزلاجات في گرينلاند (تزن نحو 70 رطلا) لنقل البضائع وجرها. وعن طريق نباحها التحذيري تعتبر الكلاب حارسة للمخيم.
[/rtl][/size]
[rtl]لقد تراجعت مكانة الكلب عندما طوّر البشر الزراعة، حيث كان دفن الكلب حدثا نادرا في المستوطنات الزراعية. وتقول <پيري>: «الفرق كبير جدا، عندما كان الناس صيادين- جامعين، كان هناك الكثير من مدافن الكلاب،» إلا أن دفن الكلاب توقف بعد أن انتشرت الزراعة. وتستطرد <پيري> وتقول: «أصبحت الكلاب عديمة الفائدة». ومع ذلك لم يؤد تراجع هذا الامتياز إلى انقراض الكلاب. وفي أماكن كثيرة من العالم أصبحت الكلاب طَبقا يقدم على مائدة الطعام، ما يوفر سببا جديدا لإبقائها.
[/rtl]
[rtl]ولم تعرض جميع المجتمعات الزراعية كلب الفيدو على قائمة طعامهم. وقد اهتمت المجموعات التي تقوم بتربية الماشية بإكثار الكلاب من أجل الرعي. ويمكن أن تكون بعض الكلاب التي أثبتت جدارتها قد كوفئت من أجل حياة الآخرة بدفنها. وفي عام 2006، عثر علماء الآثار على 80 كلبا محنطا مدفوناً بالقرب من مالكيها من البشر في مقبرة يبلغ عمرها 1000 سنة قرب مدينة ليما في الـپيرو. لقد حمت الكلاب حيوان اللاما [size=17]llama لشعب التشيريبايا Chiribaya، وفي مقابل خدماتها، كانت تُعامل معاملة حسنة في حياتها وعند موتها. وكان هناك ما يقارب من 30 كلبا ملفوفا بغطاء منسوج بصوف اللاما الناعم، وكانت عظام اللاما والأسماك موضوعة بالقرب من أفواهها. لقد حنط مناخ المنطقة الجاف هذه الكلاب وحفظ فراءها ونسجها. ولدى إزالة الغطاء، ظهرت هذه الكلاب المحنطة مثل كلاب الشارع الصغيرة التي تجول في مدينة ليما الآن، والتي تنتظر أن يأخذها إنسان ويقول لها ماذا يجب عمله وماذا لا يجب. (ومع ذلك الشبه، فإن كلاب رعي التشيريبايا لا صلة لها بكلاب ليما الحديثة المهجنة. كما أنه لا يوجد أي دليل يدعم المزاعم التي تربط أي هجين قديم في أي مكان في العالم بالسلالات الحديثة المعيارية لنادي تربية الكلاب الأمريكي.)
[/rtl][/size]
[rtl]ومع أن كلاب التشيريبايا والكلاب المدفونة الأخرى في الأمريكتين جاءت من المكان والزمان الخاطئين لتمثل مراحل الاستئناس المبكرة، فإن <لارسون> وزملاءه يقيسون بسرور عظامها ويأخذون منها عينات دنا، وذلك لأن كلاب أمريكا الشمالية الأولى انحدرت من كلاب أوروبية أو آسيوية قديمة، وستساعد عظامها وجيناتها العلماء على تحديد عدد عمليات استئناس الكلاب التي حدثت وأين حدثت. حتى الآن وفي محاولة لدراسة العديد من الكلبيات القديمة بقدر الإمكان، حلل الباحثون عينات من 3000 ذئب وكلب وعينات أخرى لا علاقة لها بكليهما. ويقوم أكثر من 50 عالماً في جميع أنحاء العالم بالمساعدة على هذا المجهود، وهم يتوقعون أن تتوفر ورقة علمية جاهزة حول نتائجهم الأولية خلال هذا الصيف.
[/rtl]
[rtl]وبعد كل هذا، هل سنعرف في نهاية المطاف، أين ومتى أصبح الكلب مستأنسا؟ يقول <لارسون>: «أتوقع أن نكون قريبين جدا من الإجابة عن هذا السؤال، إلا أننا لن نعرف بالضبط كيف استطاع نوع مفقود منذ زمن بعيد من الذئاب أن يصبح كائنا يحترم كلمة ’لا‘.»[/rtl]
[rtl]المؤلف[/rtl] | Virginia Morell |
<مورل> كاتبة علوم من ولاية أوريون. وتقوم <مورل> بتغطية مواضيع التطور وسلوك الحيوان في مجلتي العلوم Science والجغرافي الوطني National Geographic إضافة إلى مؤلفات أخرى. وآخر مؤلفاتها هو كتاب «حكمة الحيوان»(15) الذي نشرته دار التاج Crown للنشر عام 20133. |
|