سالم ثـــــــــــــــائر منضبط
الجنس : عدد المساهمات : 396 معدل التفوق : 1140 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 15/12/2011
| | في كتاب “المغرب المتعدد” | |
ليس هذا الكتاب متعددا في عنوانه فحسب، وإنما هو متعدّد في موضوعاته المطروقة، ونظرياته المعتمدة، ومفهوماته الموظّفة. ولعلّ هذا ما دفع المؤلف إلى تقييد المقالات التي يضمّها الكتاب، وضبط تواريخها “إبرازا لاتّصال الكتاب وانفصاله”. هل يعني ذلك أنّ الكتاب يعكس تطور فكر الخطيبي ابتداء من نهاية الستينات، حيث كان اهتمامه ينصبّ على موضوعات سوسيولوجية، إلى الثمانينات حيث أصبح انفتاحه على التحليل النفسيّ وعلى فكر الاختلاف في تزايد مستمرّ؟ هل يرسم الكتاب نوعا ما مسار فكر مؤلفه؟ أمر مؤكّد أنّ المقالات المكتوبة بين 1970 و1975 ( وهي تهتم باشكالية العلوم الاجتماعية في العالم العربي، والمجتمع المغربي قبل الاستعمار، كما تهتمّ بمسألة الاستشراق) تختلف شيئا ما عن المقالات التي كتبت في 1981 و 1982 ( نحو فكر مغاير، الجنس في القرآن، الازدواجية اللغوية، مسائل فنية). فهاته المقالات الأخيرة لا تستعمل الأدوات النظرية ذاتها. فإذا كانت الأولى تدور حول إشكالية كان يطبعها، في الجوهر، طابع ماركسي، وهي الإشكالية التي دار حولها الجدال خلال الستينات من القرن الماضي، فإن الثانية تحاور مفكرين مغايرين أمثال هايدغر ونيتشه وفرويد ودريدا، وحتى إن هي تعرضت لماركس فلتقرأه بعين فكر الاختلاف. وعلى رغم ذلك فلا يبدو أن الهوة شاسعة بين المقالات الأولى والثانية، إذ أن هذا المؤلف رغم “تعدده”، فهو ينهج استراتيجية واحدة تعتمد أساسا اقتراح قراءة مفتوحة أكثر ميلا إلى إثارة الأسئلة وفحص القناعات. لا عجب إذن أن تنفتح هذه القراءة على فكر الاختلاف، وأن تحاور ماركس نفسه بعين فوكو وألتوسير: “نعتقد أنه ينبغي أن نسائل الماركسية كنسق (لأنها لا تعدو أن تكون نسقا من الأنساق) في مجموعه وفي كبريات نقائضه. نعني أيضا في إرادة قوته التي واكبت التوسع الاستعماري ..ولنبعد بسرعة هذا الاعتراض الذي يختزل فكر ماركس في التمركز العرقي. فمن يستطيع أن ينكر أنه كان ضدّ الاستعمار والإمبريالية؟ وأن فكره قدّم خدمات ، ومازال، إلى العالم الثالث للإطاحة بالامبريالية وبقوتها المحلية؟ إن الأمر يتعلق باعتراض آخر نوجهه لماركس، اعتراض على إرادة القوة، تلك التي تريد توحيد العالم حسب نسق عالمي..لأجل هذا فإن الفكر المغاير الذي نطالب به ليس ماركسيا في المعنى الضيق، ولا ضد الماركسية في المعنى اليميني لهذا المصطلح”. ليس هذا الفكر المغاير إذن نداء إلى التعلق بنموذج فكري جديد بعد أن بليت النماذج “القديمة”، بعد أن شاخ النموذج الماركسي و“مات” نموذج سارتر. إن الفكر المغاير يريد “بناء” عالم بلا نماذج: “انه علامة على صيرورة في عالم ينبغي أن يتحول. ولعلها مهمة لا نهاية لها. الفكر لا يعرف معجزات...في ميدان الفكر، ليس هناك إلا قطيعات وانفصالات”. يعني ذلك فيما يعنيه أولا أن المفكر العربي إن هو أراد لفكره أن يكون مغايرا، فلا ينبغي أن يقوم هو نفسه بتنشيط النقد الداخلي للغرب بدلا عنه: “ذلك أن هذا النقد قائم بشكل ملحوظ في مجالات عدة من الفكر والقول. إن الابيستيميه الغربية الحالية توجد في أزمة من الداخل بواسطة قوى التجاوز واللاتمركز. وهذه الابيستيميه المتصدعة تمثل لنا، نحن العالم الثالث، حسب أنماط وأشكال متغيرة ترتسم في صراعاتنا ونزاعاتنا. فلا يمكننا والحالة هذه، إلا أن ننضم توا إلى ما تحقق كي نحاول تحويله وفق نقد مزدوج”. قد يقال إن هذا التوظيف لعلوم الغرب وأرضيتها الفلسفية سيجعلنا ندور في مجموع من الأفكار لا يسعه في النهاية إلا أن يبتلعنا فنساهم بذلك في تسهيل هيمنة هذا العالم بقوة أعظم وسرعة أكبر. ولكن، لا ينبغي أن ننسى أن المعرفة العربية الراهنة، شئنا ذلك أم أبيناه هي “تداخل بين ابيستيميتين، إحداهما تغطي الأخرى وتصوغ بنيتها من الداخل”. إن اسم “العرب” هو، من جهة، اسم حضارة اكتملت في عنصرها الميتافيزيقي، غير أن هذا “الاكتمال” لا يعني أن هذه الحضارة ماتت وانقضت، بل هي فحسب عاجزة أن تنهض كفكر. لكن لا ينبغي أن ننسى أن هذا الاسم هو من جهة أخرى حرب تسميات وايديولوجيات توضح التعدد الخلاق للعالم العربي، وهو تعدد من شأن الوحدة اللاهوتية أن تغيبه، فتحجب الوحدة التعددية التي “لا تضم هوامشها الخاصة فحسب ( البربر...وأيضا هامش الهوامش :العنصر النسوي) ، وإنما تشمل كذلك تقسيم البلدان العربية، ومنها المغرب، إلى شعوب وطبقات. فالمغرب اسم تعدد:”المغرب هنا اسم هذا التباعد، وهذه اللاعودة نحو نموذج لاهوتي، هذا اللارجوع الذي قد يهز أسس المجتمعات المغربية في أسس تكوينها". لملاحقة هذا التعدد، الذي لم يؤخذ حتى الآن بعين الاعتبار في جذريته، والذي اكتفينا بأن نعيشه كحنين إلى وحدة كلية شاملة، واختلاف لم يبلور ولم يفكر فيه، كان لازما أن تتعدد المناهل، وتتنوع واجهات الكتابة كي تتردد بين النقد السوسيولوجي والبحث السيميولوجي والسؤال الفلسفي بهدف رصد الكيفية التي تكوّن حسبها الخيال الرمزي الذي نما فوق هذا الفضاء التاريخي الأصيل lieu historial الذي سُمّي “المغرب الكبير”. | |
|