وليد ثـــــــــــــــائر نشيـط
الجنس : عدد المساهمات : 195 معدل التفوق : 547 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | لداروينية بين الحياد العلمي، والأيديولوجيا قراءة في كتاب ( داروين وشركاه ) | |
تقديم : ثمة تقليد موروث ما زالت تتناقله بعض أدبيات المقالة العربية. يتلخص بالقطعية في الأحكام مع تنزيه الفكرة أو المذهب أو النظرية التي نتحمس لها وأحيانا تقديسها. مع أنه من أبسط مبادئ التفكير والبحث العلميين، لكن ربّما من أدقّها وأصعبها أيضا، محاولة الفهم النسبيّ ضمن سياق تاريخيّ محدّد مدعما بالأدلة والشواهد المتاحة، كلّ ذلك ضمن رؤية نقدية للنظرية أو الفكرة قيد البحث والدراسة. وأذكر أنه في أواخر ستينات القرن العشرين كانت أجيالنا تقرأ وتستلهم بعض أفكار الكتب والنظريات المترجمة، ( اللامنتمي ) “لكولن ولسن”، والوجودية لسارتر، ومن ثم الماركسية، هذه العناوين الرئيسة الكبرى لثقافة أجيال عمرية متقاربة في النصف الثاني من القرن العشرين، على الأقل في بعض بلدان المشرق العربي. بطريقة رسولية، ربما بتأثير جذر نزعة أخلاقية دينية تواقة للخلاص، مضمرة ومتخفية في لاوعينا آنذاك. لكن عندما كان يتكشف لنا أن هذه النظرية أو تلك ليست خلاصا حقيقيا، فسرعان ما نتحوّل عنها لصالح أخرى غيرها تبدو لنا أنها الأقوى والأجدى. إنها الطريقة الثقافوية المؤسسة على انبهار شديد بالغرب وتضمر بالتالي عقدة نقص تجاهه، وقد تكون مفهومة في أوانها آنذاك ومبررة نسبيا. أما بعد نصف قرن فتكون المفاجأة حقا عندما تطالعنا بعض الكتابات الجديدة لأسماء لها وزنها الذي لا نجادل فيه، وتكون بذات الأسلوب التبشيريّ المتضمّن أحكاما قطعية وتقديسا للموضوع. ولعلّ الإقتباس التالي من مقال الأستاذ هاشم صالح بعنوان “هل مات داروين حقا؟” الذي نشره موقع الأوان بتاريخ 25 / 2 / 2009، يشير بوضوح إلى ما أعنيه هنا. حيث يبدأ مقاله قائلا: ( يبدو أن هذه السنة ستكون سنة شارل داروين، فالرجل ولد قبل مائتي عام بالضبط 1809-2009. وكتابه الشهير «أصل الأنواع»، الذي شرح فيه نظرية التطور التي قلبت الدنيا رأسا على عقب، صدر في منتصف القرن التاسع عشر قبل مائة وخمسين سنة، وبالتالي فالذكرى مزدوجة. ولذلك فإن العالم كله يحتفل به، أو يلعنه، بحسب الجهة التي ننتمي إليها. فإذا كنا من أتباع الحداثة العلمية والانفتاح الفكري صفقنا له وانتعشنا بتذكره أو بذكراه، باعتبار أنه يشكل أحد فتوحات العقل البشري. وإذا كنا من أتباع الأصوليين استعذنا بالله منه ومن الشيطان الرجيم الذي بعثه لنا لكي يقلقنا ويقضّ مضاجعنا ويزعزع يقينياتنا وعقائدنا). ثم يتابع عن علاقة “داروين” بنظرية الخلق التوراتية قائلا: (ومعلوم أنّ داروين كان مؤمنا بها في البداية، بل كان يدرس اللاهوت المسيحي بغية أن يصبح كاهنا أو قسيسا ويكرس نفسه للعبادة والدين ... والواقع أنه لم يصبح ملحدا طيلة حياته أبدا حتى بعد أن فقد إيمانه الديني على الطريقة التقليدية، كل ما في الأمر هو أنه كان يقول بأن العلم شيء والدين شيء آخر ولا ينبغي الخلط بينهما، فمجال الدين الروحي والتنزيهي الأخلاقي غير مجال العلم التجريبي. وهذا ما يقوله كبار العلماء حاليا). لنلاحظ هنا طريقة إعادة التبشير بالداروينية في عالمنا العربي الإسلامي لدى الكاتب، فالمقال نشر أوّلا في صحيفة “الشرق الأوسط”، تضمّن معلومة غير دقيقة تاريخيا حول إيمان داروين الديني، كما سيتبين لنا لاحقا. ولعلّ مقاله التالي في موقع الأوان بتاريخ 12 / 3 / 2009، بعنوان “داروين في مرمى النار الأصوليّة!”. لندقّق مرة أخرى في العنوان، لا يفارق كثيرا أسلوب حماس الخطابي التبشيريّ، كما أزعم هنا. ولعلّ الأستاذ هاشم استدرك ذلك في مقاله الثالث والأخير بعنوان “داروين والتساؤلات الفلسفية” الأوان 2/ 4/ 2009، عندما يلوم داروين على قطعه مع الإيمان الديني المسيحي. ومن ثم يدعونا إلى الجمع بين العلم والإيمان محاولا إعادة إنتاج هذه الثنائية التي طرحت في ثمانينات القرن العشرين من قبل بعض الأنظمة السياسية العربية الحاكمة. والتي كانت رافعة استثمرتها التيارات الدينية الأصولية بنجاح لسبب بسيط وهو ضعف مستويات التفكير العلمي، إضافة لغياب مؤسسات وركائز البحث العلمي ومعطياتها في مجتمعاتنا العربية. فالغلبة ستكون في ظل نفس الشروط لصالح التزمت الديني، على حساب العلم، والإيمان الديني السمح، على السواء. داروين وشركاؤه: بالمقابل، فإنّ من الكتب الهامّة التي تدرس “الداروينية” ونظريات التطوّر التي تأسّست عليها، دراسة تحليلية نقدية في سياق لحظتها التاريخية التي ولدت فيها، دون أن تسقط أهمية الاكتشاف العلمي والانقلاب المعرفي الذي أحدثته. هو كتاب (داروين وشركاه) للباحث الفرنسي “بيير تويليي”، الذي قام بترجمته الدكتور إياس حسن والصادر عن دار الكنوز الأدبية في بيروت عام 1996. بداية يدقق الباحث في نظرية النشوء والارتقاء الداروينية كنظرية علمية ظهرت منتصف القرن التاسع عشر وخلّدت صاحبها تشارلز داروين 1809 – 1882. والتي ترى بأن ( الصراع من أجل الحياة، والانتقاء الطبيعي، يعتبران آليتين أساسيتين لتطور الكائنات الحية)، ولعلّ الفرضية المركزية في هذه النظرية هي الانتقاء الطبيعي التي يشير الباحث لدلالتها باختصار فيقول:(تشكل العضويات الحية جماعات تسمى أنواعا وهذه الأنواع تظهر تنوعات، وبفضل هذه التنوعات يكون بعض الأفراد أكثر تكيفا مع محيطهم، وينجبون نسلا أكثر عددا. يشير الانتقاء الطبيعي بدقة إلى مجموعة الآليات التي تنتخب الأفراد الأفضل - وهكذا يتضح أنه بفضل “الصراع من أجل الحياة” تتطور الجماعات ببطء (أي تتحول وتتنوع من خلال إنتاج أشكال أكثر فأكثر تعقيدا). ويشير الباحث هنا إلى أن ّعالم طبيعة آخر، هو “ألفرد رسل والاك” كان قد توصل إلى ذات الفكرة (مستقلا عن داروين). لكن في (أصل الأنواع 1859) فقط يوجد العرض الرسمي لنظرية التطور من خلال الانتقاء الطبيعي. لا شكّ أنّ الداروينية، كما نعرف، وكما لخّصها الباحث. هي ثورة علمية بامتياز خصوصا أنها أحدثت قطعا نهائيا وحاسما، منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع معتقد الخلق الإلهي في مسألة نشوء وتنوع وتطور الكائنات الحية في الطبيعة. لكن مع ذلك يمكننا أن نسأل: هل ظهرت نظرية داروين هذه نتيجة مشاهدات عيانية وملاحظات حيادية لم توجّهها أفكار مسبقة؟ أم العكس هو الصحيح؟ يجيبنا الباحث بأن رجال العلم يحتكمون إلى “الوقائع” دوما. لكن ( الوقائع لا تتكلم ومن الضروري تأويلها وضمن هذه التأويلات يمكن دوما للايدولوجيا أن تتدخل) فالعلم في النهاية هو إنشاء إنساني والمعرفة العلمية الموضوعية ممكنة لكنها تحتاج إلى مسير طويل من التجارب والفرضيات والنظر المسبق من قبل الباحثين والعلماء. لذلك ففي بحثه الأول في الكتاب والمسمّى “خدع داروين” يشير الباحث إلى أن داروين قدّم نفسه للجمهور كرجل علم له ولعه الخاص منذ البداية بتجميع الملاحظات “الموضوعية” كما أورد في مقدّمة كتابه “أصل الأنواع” حيث يوضح أنه اهتم بمشكلة التطور منذ عام 1837. ومنذ ذلك الوقت (شرع بالتجميع المتأنّي للوقائع. وبعد 5 سنوات فقط من التقصّي “الأمبريقي” سمح لنفسه أن يفكر بالموضوع ). لكنّ الباحث يدقق في ذلك ويفند ما يسميه (أكاذيب داروين الكبرى). لأن المؤرخين قد طبعوا منذ عام 1960 الدفاتر التي كان داروين يسجل عليها أفكاره يوما بيوم، وبفضل هذه الوثائق المثيرة الموجودة في مكتبة “كامبردج” اغتنت معرفتنا بتشارلز داروين). فبفضل هذه الدفاتر صار واضحا أن المفاهيم التطورية كانت جاهزة في ذهن داروين في الفترة الحاسمة ما بين 1837 – 1839، أي قبل صدور أصل الأنواع بأكثر من عشرين عاما. فداروين نفسه كان قد صرح علنا (أنه لا يمكن المشاهدة دون نظرية)، لذلك فالدفاتر تؤكد أن نظرية الانتقاء الطبيعي لم تولد جراء تحليل موضوعي لظواهر موضوعية. وإنما ولدت (ضمن سياق من التفكير واسع جدا، وجريء جدا). كونه يملك كجيولوجي وعالم حيوان، ثقافة واسعة أغنتها رحلته الطويلة على السفينة (beagle). إضافة إلى أنه في ذات الفترة كان (مستغرقا في أفكار لها علاقة قوية بالأنتروبولوجيا، وعلم النفس، واللاهوت، والأبستمولوجيا، والفلسفة وعلم الأخلاق ). لذلك يمكن التكهن بأنه لم يكن بصدد إنتاج نظرية بيولوجية فحسب، بل أيضا (برنامج أبحاث يهتم تحديدا بعلم النفس وعلم النفس المقارن بين الإنسان والحيوان، كما أوضحه بعد ذلك في كتابيه أصل الإنسان 1870، التعبير عن المشاعر لدى الإنسان والحيوان 1872). لكنه كان كتوما في إشهار نظريته المادية باكرا قبل بلوغ شهرته الواسعة فيما بعد، لأسباب عديدة: منها أن ظروف إنكلترا في النصف الأول من القرن التاسع عشر لم تكن مهيأة لاستقبال نظريته المادية تلك. فالرقابة الكنسية والرقابة الاجتماعية كانت تدين بقسوة فظيعة كل رأي مخالف لمعتقد الخلق الإلهي. كذلك مراعاة لمشاعر زوجته المتدينة. لذلك فهو يكتب عام 1863 إلى عالم نبات إيكوسي اسمه “جون سكوت”: ( دع النظرية تقود مشاهداتك، لكن تريّث بانتظار أن تبني شهرتك جيدا، في أن لا تكترث في نشر النظرية، لأن هذا يبعث الشك لدى الناس حول مشاهداتك). وفي نفس العام يتأسف على ذكر عبارة “خلق” مرارا في كتاب أصل الأنواع، وقد ذكر ذلك في رسالة كتبها إلى هوكر في أذار 1863، حيث يقول: (لقد تأسفت طويلا لأنني انسقت للرأي العام، ولاستخدامي التعبير الأنجيلي – الخلق، كنت أريد في الحقيقة الكلام عن ظهور. وبهذا الصدد يشير المؤلف في كتابه إلى لقاء غير مباشر لكنه حاسم بين داروين والفيلسوف الفرنسي أوغست كونت، عندما قرأ ( بين 7 - 12 أب 1838 تقريرا طويلا لدافيد بربوسيز، يتناول محاضرة عن الفلسفة الوضعية. فيبدي إعجابه الشديد بإلحاد “كونت” فيكتب في أيلول إلى “لايل” ( يريد كونت في الحقيقة أن يفسر كل شيء بقوانين الطبيعة. وأن يخلص العالم من كل لجوء إلى مشيئة الله، إلى هذا تميل مفاهيمي الخاصة). لذلك يرى الباحث: (أن منطلقات داروين لم تكن محددة بضرورات العلم فقط، بل باعتبارات اجتماعية ملموسة تماما). العلم بين الحياد الموضوعي والتوظيف الاجتماعي : إنّ الفكرة الرئيسة التي تحكم الكتاب يلخصها سؤال تمفصل العلاقة بين القيمة العلمية والمسؤولية الاجتماعية للعلم، بمعنى هل المشكلات الابستمولوجية هي في جانب مهم منها مشكلات اجتماعية أيضا؟ كتاب “داروين وشركاه” يضيء من خلال الداروينية مثالا ذا دلالة قد يساعد في إزالة الغشاوة عن أعين أنصار العلم المحايد، لأنه يطرح على بساط البحث الداروينية في مستويين؛ مستوى القيمة العلمية البحتة للأطروحات الداروينية، ومستوى الدلالة الاجتماعية لهذه الأطروحات. خصوصا أن الداروينية أشبه بحاوية واسعة تتشكل فيها باستمرار مفاهيم وتطورات نظرية جديدة. فهي إرث نظري وعلمي حيّ لكن لا يمكن اعتباره من الناحية الموضوعية كاملا. لذلك فالمؤلف يناقش هذه الأسئلة بمزيد من التحليل الهادئ والعميق في جميع فصول الكتاب لاسيما في ثلاثة فصول منها هي على التوالي ( فرانسيس غالتون، نسيب داروين، ومبتدع تحسين النسل). (من داروين، وحتى كونراد لورنتس، رجال العلم والعنصرية). (ما كفارلان بورنيت: حائز على جائزة نوبل، ومروج للداروينية الاجتماعية). فرانسيس غالتون أحد أقارب داروين (نسيبه) صاحب كتاب (العبقرية الموروثة) مبتدع فكرة “تحسين النسل” الفكرة التي يعرفها بأنها “العلم الذي يعالج المؤثرات التي تحسن من نوعية عرق ما”من خلال تأمين“العينات الأفضل لكل طبقة ولكل طائفة”. فهدفه إذا ليس التأمل العلمي الخالص في موضوع تحسين النسل كعلم وإنما في مجال ( سوسيو بوليتيكي ) خالص، يتلخص بـ(نزعة تحسين النسل). السود بالنسبة له أدنى بدرجتين من الانكليز من حيث الذكاء، وهؤلاء أدنى بدرجتين من العرق الأثيني للقرن الخامس قبل الميلاد. لذلك فالاتحاد بين الأعراق أو تصالبها كانت له نتائج وخيمة عبر التاريخ أدى إلى نقص عدد الأفراد خارقي الذكاء. فالتاريخ دائما توجهه أفكار أقلية من البشر متميزة بذكائها. فكانت مهمته حسب المؤلف (إنقاذ برجوازية مهددة بتكاثر المعوقين). وربما كانت تلك البداية لما سمي لاحقا بالداروينية الاجتماعية. طبعا لم يقبل داروين بـ(الأشكال الأكثر قسوة لتحسين النسل). لكن الذي حصل أنه وافق على بعض الآراء القاسية لقريبه. ثم إنه قد نشر موضوعات (الصراع من أجل الحياة، ضرورة المنافسة، أعراق معينة.. )، والتي يمكنها أن تؤدّي إلى مزيد من التصعيد الخطير بهذا الاتجاه. لكن مع ذلك لا يمكن اعتبار داروين جدّا للداروينية الاجتماعية وتنظيراتها العرقية، خصوصا أن ميوله الشخصية لا تتناسب معها، إلا أنه كان قد (صاغ أفكارا غامضة في معظم الأحيان ـ وأعدّ بشكل واسع لتنظيرات أو أشباه تنظيرات) استثمرها البعض في صياغة أفكار الاصطفاء العرقيّ اعتمادا على البيولوجيا. فالمنطق الداخلي لنظرية التطور يقول بتراتبية الأعراق بيولوجيا بدءا من الحيوانات الدنيا ثم الحيوانات العليا كالقرد الشبيه بالإنسان، يلي ذلك الأعراق البشرية الدنيا ثم الأعراق البشرية الأعلى، أي الشعوب المتحضرة مقابل الشعوب البربرية المتوحشة. مما يسهل بناء خطاب عنصري يكون فيه من حق الشعوب المتحضرة، لضرورات الانتقاء، أن تناضل ضد الشعوب المتوحشة. فحسب منظري الداروينية الاجتماعية: الصراع هو الذي يضمن تطور “العرق” والحفاظ على التنافس الحرّ هو الذي يمنع تدهور النوع. وذلك ما تبناه رجال العلم والعنصرية. إلا أنّ واحدا منهم هو “ماكفارلان بورنيت” الحائز على جائزة نوبل (ومدافع من الطراز الحديث عن البيوسياسية الانتقائية التحسينية) سوف يناور حول هذه المسألة ويسلك سلوكا ملتويا عندما يعتبر أنّ هنالك الموهوبين الذين يملكون مورِّثات جيّدة. وهنالك من يملك المورِّثات السيِّئة لذلك من الضروري إجراء انتقاء اجتماعي صارم لقياس قابليات المواطنين، بهدف معرفة وتمييز من يملكون المورِّثات، وبالتالي المؤهلات الجيدة عن أولئك المعوقين الخسيسين اللااجتماعيين، ومن التصرف على أساس ذلك ببعض المعالجات الضرورية ( كالإخصاء، والحجر، وأملاح الليثيوم، والعزل). لذلك يتساءل المؤلف: (أمن الصحيح أن السلوك البشري يمكن تفسيره بهذا العمق وهذه العمومية عن طريق أسئلة الوراثة؟ هل صحيح من الناحية العلمية دراسة الجماعات البشرية من خلال المفاهيم الداروينية: وهي الصراع من أجل الحياة، والانتقاء؟ ). الفكرة التي يلح عليها المؤلف هنا تقول بأن تأملات داروين النظرية ليست محايدة أيديولوجيا. ليس هذا فحسب بل إنّ الأيديولوجيا ليست فكرة أو نظرية تضاف على العلم أو النظريات العلمية عموما، بل إن ( الأيديولوجيا تتدخل غالبا في تكوين النظريات نفسها، إنها حاضرة عند رجل العلم خلال العمل ). لذلك يمكن القول – وهذه قراءة خاصة – أن الداروينية بإسقاطها الميكانيكي لتفسير وفهم التطور الإنساني، على نظريتها للتطور البيولوجي للكائنات الحية ( النشؤ والارتقاء ) تكون قد وضعت ذاتها بين محنتين لم تستطع تجاوزهما حتى اليوم، رغم راهنية الثورة العلمية التي أنجزتها. أولهما: محنة معاداة أنصار معتقد الخلق لها الذين يشتد هذيانهم باستمرار منذ خطاب رولاند ريغان أثناء حملته الرئاسية قائلا بخصوص نظرية التطور الداروينية: (إذا ما تقرر تعليمها في المدارس، أعتقد أنه يتوجب أيضا تعليم شروح الكتاب المقدس عن الخلق). وثانيتهما: الداروينية الاجتماعية التي انطلقت مع بدايات القرن العشرين والتي يقول أنصارها، كما يرد المؤلف في كتابه (أن البيولوجيين وحدهم يمكنهم قيادة الإنسانية) ومعروف تماما حجم المآسي والكوارث الإنسانية التي حصلت نتيجة هذه القيادة يوما ما. فالعنصرية والتمايز العرقي مازالا يتجددان بأشكال عديدة حتى يومنا هذا. | |
|