يقترح الفيلسوف الإيطاليّ جيورجيو أقمبن Giorgio Agamben في تأويل الدّلالة السّياسيّة لكلمة "شعب" أن ننطلق من معطى فريد، وهو أنّ هذه الكلمة كانت تعني دائما في اللّغات الأوروبيّة الحديثة الفقراء والمحتاجين والمنبوذين. وتطلق هذه الكلمة أيضا على الذّات السّياسيّة مثلما تطلق على الطّبقة الّتي أقصيت، بالفعل أو بالقانون، من مجال السّياسة (1). ولا يحيل هذا التّضادّ الملازم لكلمة "شعب" على موضوع واحد هو "الشّعب"، وإنّما هو يمثّل هذا التّأرجح الجدليّ بين قطبين: نجد في القطب الأوّل مجموعة "الشّعب" (ويكتب أقمبن كلمة Peuple بحرف التّاج) بما هو جسم سياسيّ كامل، ونجد في القطب الثّاني مجموعة فرعيّة من "شعب" (ويكتب أقمبن كلمة peuple بحرف صغير) يتكوّن من جموع متفرّقة من البؤساء والمقصيّين. غير أنّ هذا التّأرجح يحيل على حركتين متكاملتين، حركة احتواء inclusion تشمل كلّ المواطنين المندمجين في الدّولة، وحركة إقصاء لكلّ البؤساء والمسحوقين ممّن أبعدتهم الدّولة من فضائها السّياسيّ بالعزل وإسقاط الحقوق المدنيّة Le ban. فلا وجود، بهذا الاعتبار، لمرجع متماسك وحيد يحيل عليه لفظ "شعب" لأنّه متصوّر ذو قطبين يشير في الآن نفسه إلى حركة مزدوجة، وعلاقة معقّدة بين حدّين هما على طرفي نقيض.
ويعني ذلك أنّ تشكّل النّوع البشريّ في جسم سياسيّ يقتضي انقساما أصليّا يمكن تبيّنه دون عسر في متصوّر "شعب" حيث نجد الزّوج المقوليّ الأصليّ الّذي يحدّد البنية السّياسيّة الأولى: الحياة العارية (شعب)، والوجود السّياسيّ (الشّعب)، والاحتواء والإبقاء، و"الحياة العارية"، «La vie nue» (zôé)، و"الحياة المخصوصة" «La vie qualifiée» (bios)، الّتي تعني شكل الحياة الخاصّ بفرد أو مجموعة (2). فلفظ (شعب) يحمل في ذاته الانكسار البيوسياسيّ biopolitique الأصليّ، لأنّه يمثّل ما لا يمكن أن يندمج في الكلّ السّياسيّ وإن كان جزءا منه، وما لا يمكنه أن ينتمي إلى المجموعة الّتي يندمج فيها. فـ"الشّعب" موجود دائما وينبغي أن يتحقّق باستمرار بصناعة هويّته الّتي تتطلّب أن تحدّد بصفة متواصلة، وأن تُطهّر بالإقصاء، وتروّق باللّغة، وتصفّى بالدّم، وتطوّق بالمجال أو الحمى. أمّا في القطب المقابل "شعب" فهو ما يفتقر إلى هويّة لا يمكن أن تتحقّق إلاّ بالإقصاء، فلا يكون ولا يوجد إلاّ بنكران ذاته على نحو يؤسّس ضديده "الشّعب". فلفظ "شعب" يتضمّن انشطارا أصليّا أشدّ تمكّنا وتأصّلا من الانشطار الّذي يميّز الصّديق من العدوّ. فهو هذه الحرب الأهليّة الّتي لا تتوقّف إلاّ لتقْسِمه على نحو جذريّ، ولكنّه يصون، في الآن نفسه، وَحْدته ويحافظ على تماسكه بقوّة تفوق كلّ هويّة. فما يسمّيه ماركس "صراع طبقات"، إنّما هو في واقع الأمر هذه الحرب الأهليّة الّتي تقسم كلّ "شعب"، فلا تضع أوزارها إلاّ في "مجتمع دون طبقات" حيث يتطابق "الشّعب" مع ضدّه الـ"شعب"، وتنتفي القطيعة الّتي كانت تؤسّسهما.
إن صحّ هذا التّأويل، وكان كلّ "شعب" يحتوي بالضّرورة على هذا الانشطار البيوسياسيّ المؤسِّس، أمست قراءةُ صفحات حاسمة من تاريخ القرن العشرين من هذا المنظور الجديد ممكنةً عند أقمبن. فقد كان الصّراع بين القطبين، "الشّعب" و"شعب" موجودا دائما، إلاّ أنّ نسقه في عصرنا الرّاهن قد غدا سريعا. ففي روما كان الفصل بين populus (المواطنون الرّومانيّون المتميّزون عن العبيد) وplebs (العامّة الدّهماء في روما القديمة) واضحا من النّاحية القضائيّة، إذ كان لكلّ قطب مؤسّساته الخاصّة وحكّامه وقضاته. ولكن مع الثّورة الفرنسيّة أصبح "الشّعب" يمثّل موضع السّيادة الوحيد، وانقلب الـ"شعب" إلى حضور مثير للقلق، لأنّ البؤس والإقصاء قد مثّلا للمرّة الأولى فضيحة مطلقة لا تحتمل. أمّا في الأزمنة الحديثة فلم يعد البؤس والإقصاء متصوّرين اقتصاديّين أو اجتماعيّين، بل مقولتين سياسيّتين، مشحونتين بدلالة بيوسياسيّة.
فعصرنا الحالي هو في الواقع محاولة عمياء منهجيّة لإلغاء هذا الانشطار الّذي يَقْسِم "الشّعب" بإزالة "شعب" المنبوذين والمقصيّين من مجال السّياسة على نحو جذريّ. وهذه المحاولة في إنشاء "شعب" واحد غير منقسم، قد قرّبت أحزاب اليمين واليسار، والبلدان الرّأسماليّة والاشتراكيّة، وقد تحقّقت على نحو جزئيّ في جميع البلدان المصنّعة. فإذا كانت الرّغبة في التّطوّر قويّة في عصرنا هذا، فلأنّها تتوافق مع المشروع البيوسياسيّ في إنتاج شعب بلا انكسار ولا انشطار. ويمكن أن نقرأ إبادة اليهود في المشروع النّازي الألماني من هذا المنظور. فاليهود بوصفهم شعبا يرفض الاندماج في الجسم السّياسيّ الوطنيّ الألمانيّ، إنّما يمثّلون برفضهم ذاك الرّمز الحيّ للفظ "شعب"، لهذه "الحياة العارية" الّتي خلقتها الحداثة بالضّرورة في داخلها، دون أن تتمكّن بأيّ طريقة من تحمّل حضورها.
ينبغي أن نرى في لفظ Volk الألمانيّ، وهو ممثّل ممتاز لمتصوّر "الشّعب" بوصفه الجسم السّياسيّ الكامل، هذا الصّراع البيوسياسيّ في طوره الأقصى الّذي فصل بين "الشّعب" والـ"شعب" بمحاولته القضاء على اليهود وإبادتهم وتطهير الـ Volkمنهم. فبواسطة "الحلّ النّهائيّ" la solution finale (أي قرار إبادة يهود أوروبا بالغاز ورميا بالرّصاص ووسائل أخرى)، كانت النّازيّة تريد على نحو غامض تخليص المشهد السّياسيّ بالغرب من هذا الشّبح الّذي لا يحتمل لإنتاج الـ Volkالألمانيّ بوصفه "الشّعب" الّذي سيَجْبِر الكسر البيوسياسيّ الأصليّ. فـ"سياسة الحياة" biopolitique، أو "البيوسياسة" الحديثة، محكومة بالمبدإ القائل "أينما وجدت الحياة العارية، كان "الشّعب" لا محالة"، شريطة أن يعضد بمبدإ آخر يعكس الأوّل ويقول "أينما وجد "الشّعب"، وجدت الحياة العارية". فالانفصال عن الجسم اليهوديّ بما هو حياة عارية قد أنشأ على الفور جسم "الشّعب" الألمانيّ الخاصّ الخالص. غير أنّ الكسر الّذي اعتقدت النّازية أنّه سيُجْبَر بمجرّد إبادة "شعب" اليهود قد أعيد إنتاجه بتحويل كامل "الشّعب" الألماني إلى "حياة مقدّسة" أو حياة عارية منذورة للموت، وإلى جسم بيولوجيّ ينبغي أن تطهّر أعراقه ويصفّى جنسه إلى ما لا نهاية (بتصفية المصابين بالأمراض العقليّة، والأمراض الوراثيّة وإبادتهم) (3). ويبدو أنّ المشروع النّازيّ قد مهّد الطّريق، وإن على نحو مختلف، للمشروع الدّيمقراطيّ الرّأسماليّ. فهو بفضل النّموّ الاقتصاديّ لا يقصي الطّبقات الضّعيفة فحسب، وإنّما ينشئ في قلب نظامه "شعب" المنبوذين، ويحوّل معظم شعوب العالم الثّالث إلى "حياة عارية".
بيد أنّ متصوّر "الحياة العارية" مرتبط عند أقمبن على نحو وثيق بمتصوّرات أخرى في فلسفته السّياسيّة، منها متصوّر "الوضع الاستثنائيّ état d'exception" و"المعتقل le camp"، و"الإنسان المقدّس homo sacer". من ذلك أنّه لا يمكن الحديث عن "المعتقل" بمعزل عن متصوّر "الوضع الاستثنائيّ"، لأنّ المعتقل هو الفضاء الّذي ينفتح حين يضحي "الوضع الاستثنائيّ" هو القاعدة. ولا يوجد "الوضع الاستثنائيّ" - وهو في الأصل تعليق مؤقت للنّظام القضائيّ والقانونيّ بسبب وضع خطر حقيقيّ أو حالة طوارئ - إلاّ بتحويل الفضاء السّياسيّ إلى معتقل بصفة دائمة. فـ"المعتقل" هو فضاء استثنائيّ يتحدّد بوجوده خارج صلاحيات النّظام القضائيّ القانونيّ العاديّ، ولكنّه لا يقع في فضاء خارجيّ، أي خارج حدود الدّولة. فكلّ مقصيّ، وهو كلّ ما أصبح في الخارج (أي خارج المحدّدات القانونيّة والسّياسيّة)، قد زُجّ به داخل فضاء المعتقل الاستثنائيّ. فـ"الوضع الاستثنائيّ" قد دشّن براديغما قانونيّا سياسيّا جديدا أصبح المعيار la norme فيه ملتبسا بالاستثناء l'exception على نحو جعل تمييز هذا من ذاك عسيرا. وإذا لم نفهم هذه البنية القانونيّة الخاصّة بالمعتقلات، أي البنية الّتي بواسطتها يتحقّق الاستثناء فيها دائما وبصورة ثابتة، فإنّه يعسر أن نفهم معقوليّة ما حصل في المعتقلات النّازيّة، خصوصا إن أصررنا على الحديث عنها من منظور قانونيّ، باعتبارها جرائم بشعة ضدّ الإنسانيّة وضدّ حقوق الإنسان...
فبدل هذا المنظور الحقوقيّ، يقترح أقمبن أن نتساءل عن الإجراءات القضائيّة وما لازمها من التّدابير السّياسيّة الّتي أمكن بواسطتها تجريد كائنات بشريّة كلّيّا من حقوقها القانونيّة ووضعها السّياسيّ وتحويلها إلى مجرّد "حياة عارية". هذه التّدابير هي الّتي ابتدعت في الواقع "المعتقل" بوصفه المنطقة الّتي يختلط فيها الدّاخل بالخارج، والمحظور بالمباح، والقاعدة بالاستثناء، وتفقد متصوّرات كالحقّ الذّاتي والحماية القانونيّة كلّ معنى. فالمعتقل ليس فضاء سياسيّا بالمعنى التّقليديّ الّذي يضمن حقوق المواطن السّياسيّة والقانونيّة، ويجعل من حياته "حياةً مخصوصة"، وإنّما هو فضاء بيوسياسيّ مطلق لم يتحقّق من قبل، ولم يعرف له مثيل في أزمنة ما قبل الحداثة. من ذلك أنّ السّلطان السّياسيّ قد أضحى اليوم في مواجهة مباشرة مع الحياة خالصةً عاريةً دون وساطة من الوساطات الرّمزيّة المعهودة. وبهذه الصّورة يُضحي "المعتقل" ذاته براديغم الفضاء السّياسيّ الجديد الّذي تنقلب فيه السّياسة إلى بيوسياسة، ويلتبس "الإنسان المقدّس" بالمواطن. وهذا الالتباس هو لا محالة نتيجة "الوضع الاستثنائيّ" الّذي ينقلب فيه بعض النّاس إلى "إنسان مقدّس"، فتضحي حياتهم، أي حياة المواطن، "حياة عارية" مجرّدة من جميع حقوق المواطنة السّياسيّة والحقوق الإنسانيّة. ويقلب هذا التّجرّد التّامّ (أو الجزئيّ) الجسم السّياسيّ إلى جسم بيوسياسيّ، ويمهّد لظهور مقولات بيوسياسيّة أساسيّة جديدة. فمتصوّرات من قبيل "الأخلاق الحميدةbonne mœurs " و"واجب التّدخّلdevoir d'intervention " و"الدّافع الهامّ motif important" و"الأمن والنّظام العامّ sécurité et ordre public " و"الوضع الخطر situation de danger " و"حالة القوّة القصوى cas de force majeure " وما سواها، لا تحيل على معيار أو قاعدة، وإنّما على وضع situation من الأوضاع، ولكنّها باختراقها للمعيار والقاعدة جعلت إمكانات تطبيق القانون وإجرائه محدودة، والمتصوّرات القضائيّة ملتبسة. وبذلك نرى أنّه في فضاء "المعتقل" فحسب، يضحي التّمييز بين الوضع والحقّ، والمعيار وإجرائه أو تطبيقه، والاستثناء والقاعدة، مستحيلا.
ينبغي أن نذكّر أنّ متصوّرات "الحياة العارية" و"الوضع الاستثنائيّ" و"المعتقل "، و"الإنسان المقدّس"، إنّما هي متصوّرات وليدة قراءة متقاطعة خصيبة أجراها جيورجيو أقمبن على أعمال ميشال فوكو Michel Foucault البيوسياسيّة (4) وأبحاث حنّة أرندت Hannah Arendt في الأنظمة الكليانيّة (5). ويبدو أنّ تطبيقها قد تجاوز إطار المعتقلات النّازية، وطال ظواهر جديدة معاصرة. فالمعتقل، وهو ناموس الحداثة وبراديغم البيوسياسة الحديثة، قد تجلّى اليوم في التّحوّلات الّتي مافتئت تصيب الفضاء العموميّ، فقلبته إلى "مناطق انتظار zones d'attente" في المطارات، ومناطق خطرة في بعض ضواحي المدينة، وملاجئ، وسجون، ومعتقلات، ومدن محاصرة، وهي تصيب في الآن نفسه عددا هائلا من سكّان المدن، والنّفوس البشريّة حينما تنقلهم نحو خطوط انفلات جديدة.
***
بعض هذه الخطوط، أو نقاط الانفلاتpoints de fuite كما يسمّيها دولوز، قد اعتنى بها الفيلسوف والمحلّل النّفسي السّلوفيني زلافوي تجيجاك Slavoj Žižek في مقالات عديدة يهمّنا منها ما له صلة بالإسلام السّياسيّ، وتحديدا بعض المقالات الواردة في كتابه "مرحبا بكم في صحراء الواقع" (6). وقد حلّل فيها تجيجاك بطرق مختلفة، ومن نقاط انفلات متنوّعة، حدث 11 سبتمبر، وما ترتّب عليه من بلبلة أصابت المتصوّرات والمقولات السّياسيّة الأساسيّة. وقد اقتضت منه تلك الانقلابات الجديدة في المشهد السّياسيّ (الأمريكيّ بوجه خاصّ) تجديد طرائق التّحليل السّياسيّة المعهودة لفهم ما حدث في الخطاب والواقع من انقلاب. ذلك أنّه لم يعد من الممكن بعد 11 سبتمبر الإحاطة بمعقوليّة هذا الحدث وتبعاته المتلاحقة ما لم نعتبره قرينة أو أمارة انتقال من السّياسة إلى البيوسياسة. ومن الطّبيعيّ أن يوظّف تجيجاك أعمال أقمبن في مجال الفلسفة السّياسيّة لفهم هذه الظّواهر البيوسياسيّة. ولكنّه على خلاف أقمبن لا تدور أعماله على الأرشيف القانونيّ الإغريقيّ الرّومانيّ، أو منظومة الفلسفة السّياسيّة الأوروبيّة، أو الوثائق التّاريخيّة السّياسيّة الحديثة، وإنّما يعتمد على أمثلة مقتطفة من الخطب السّياسيّة أو المقالات الصّحفيّة الّتي تمثّل، رغم بساطتها الخادعة وشفافيتها الظّاهرة، الانزلاقات البيوسياسيّة السّرّيّة في الخطاب السّياسيّ والصّحفيّ، وكذلك في الفضاء العموميّ الأمريكيّ (7).
وهي انزلاقات قد تسبّب فيها على نحو مباشر الإرهاب السّياسيّ الّذي يمثّل نظام "طالبان" وتنظيم "القاعدة" بعض وجوهه. وقد ارتبط هذا الإرهاب السّياسيّ آليّا في وعي الغرب، والوعي الأمريكيّ تحديدا، بالإسلام. فأضحى المسلم منتميا بحكم ذلك إلى فئة "هؤلاء النّاس الّذين يسمّمون الوجود"، أو ممثّلا لهذه "الذّات السّامّة" sujet toxique الّتي يشمل نعتها (السّامّة) عدّة مجالات طبيعيّة وثقافيّة ونفسيّة وسياسيّة، كوّنت معا سجلاّ جامعا يضمّ المهاجر الّذي يحمل مرضا فتّاكا يقتضي عزله، أو الإرهابيّ الّذي ينبغي وضعه في غواتانامو، أو الإيديولوجيا الأصوليّة الّتي تنشر الحقد والكراهية... (8). ولا تبتعد كثيرا وجوه "الذّات السّامّة" اليوم عن وجوه "الإنسان المقدّس" مادام السّياق الّذي تتحدّد فيه شروط وجودها هو سياق بيوسياسيّ. فصنف النّاس "بلا أوراق" بفرنسا، وسكّان الفافلاسfavelas (الأحياء القصديريّة الفقيرة) بالبرازيل، وسكّان الغيتوات من الأفرو - أمريكيّين بالولايات المتّحدة، وسكّان الملاجئ الّتي شيّدت لتوزيع المعونات الإنسانيّة، والمستفيدون من مؤسّسات الإعانة الإنسانيّة، (والقائمة طويلة...) جميعها وجوه حديثة من "الإنسان المقدّس" قد مثّلها اليوم أولئك الّذين سحبت منهم إنسانيتهم، وأضحوا الموضوع الأثير للبيوسياسة الإنسانيّة. غير أنّ تجيجاك لم يعتن بهذه الوجوه في ذاتها، وإنّما اعتنى بالخطاب الّذي صنعت فيه وبه تلك الوجوه جميعا، خصوصا "المسلم الأخير" الّذي مثّله الإرهابيّ بوجوهه الكثيرة المنتثرة جغرافيّا هنا وهناك بين محاربي طالبان، ومساجين غواتانانمو، والمقاومين الفلسطينيّين، وأعضاء القاعدة، وجنود حزب الله...
ومن أمثلة هذه الخطابات زلاّت اللّسان الّتي كشف تحليلها النّفسيّ/السّياسيّ ما طرأ على التّصوّرات السّياسيّة الأساسيّة من تحوّل عميق. فعندما سئل دونالد رمسفلد Donald Ramsfeld عن الأهداف الأمريكيّة من الهجمات العسكريّة على أفغانستان أجاب بكلّ وضوح "قتل أكثر ما يمكن من جنود طالبان وأعضاء القاعدة". وهذا الجواب ليس شفّافا كما يوحي بذلك، لأنّ الهدف المتوقّع من كلّ العمليّات العسكريّة هو الانتصار في الحرب، وحمل العدوّ على الاستسلام، أمّا القتل والتّدمير فهما وسيلة لا غاية (9).
والمشكل في ردّ رمسفلد هو نهوضه على هذا التّمييز الّذي حلّله جيورجيو أقمبن بين المواطن ذي الحقوق الكاملة وجموع "الإنسان المقدّس"، فهؤلاء سواء أكانوا أحياء أم أمواتا لا ينتمون إلى الجماعة السّياسيّة. وعندما وصف رمسفلد الإرهابيّين بأنّهم "محاربون لا شرعيّون" des combatants illégaux فإنّه كان بهذه التّسمية يفصلهم عن مساجين الحرب التّـقليديّين، دون أن يعني ذلك أنّهم مجرّد مجرمين عاديّين بسبب نشاطهم الإرهابيّ الإجراميّ. فالمواطن الأمريكيّ إذا ارتكب جريمة قتل مثلا، يظلّ مجرما في نظر القانون الّذي يميّز بدقّة بين المجرم وغير المجرم. ولكنّ هذا التّمييز لا يتقاطع أبدا مع صنف "المواطنين" من الّذين يتمتّعون بكامل الحقوق المدنيّة والقانونيّة والسّياسيّة، وصنف آخر من الّذين جرّدوا من كلّ هذه الحقوق. فالإرهابيّ ليس مجرما عاديّا وليس سجين حرب حتّى يطبّق عليه القانون، ولكن باسمه أعلنت "الحرب ضدّ الإرهاب". فهو وجه بيوسياسيّ جديد، تماما كالمساجين الأفغان في غواتنامو. فهم ليسوا مساجين حرب تقليديّين، وليسوا بمجرمين عاديّين، وإنّما هم "محاربون لا شرعيّون" مجرّدون من جميع الحقوق بما فيها حقّ الدّفاع عن النّفس (10).
ففي الأيّام الأولى من شهر مارس 2002، لمّا تمكّنت قوى طالبان والقاعدة من إسقاط طائرة هيلوكبتر أمريكيّة، ومباغتة الجيش الأمريكيّ وحلفائه، فأجبرته على التّقهقر والقتال فرّا لا كرّا، منتهكين بذلك المبدأ المقدّس "حرب بلا خسائر" لم تتمكّن الصّحافة الأمريكيّة في تعاليقها وأخبارها من إخفاء دهشتها من شراسة المقاومة الطّالبانيّة الّتي قدّمت بصنيعها ذاك البرهان الدّامغ على أنّ جنودها "محاربون لا شرعيّون". ونجد الاندهاش نفسه في الصّحافة الإسرائيليّة كلّما تعرّض الجيش الإسرائيليّ لمقاومة غير منتظرة من الفلسطينيّين، وهي مقاومة قد اعتبرتها الصّحافة دليلا على عملهم الإرهابيّ. فلا يحقّ للإرهابيّ أن يقاوم. وهذه المفارقة نجدها كذلك في صميم الفكرة الّتي ينهض عليها برنامج "الحرب ضدّ الإرهاب"، هذه الحرب الغريبة الّتي يضحي فيها العدوّ مجرما بسبب دفاعه عن نفسه أو مقاومته. فهذا الانقلاب في مقولة العدوّ إنّما هو انقلاب بيوسياسيّ لأنّه لا يمكن أن يختزل في شخص الجنديّ العدوّ أو المجرم العاديّ. فإرهابيو القاعدة ليسوا جنودا أعداء، وليسوا كذلك مجرّد مجرمين، وإنّما هم "محاربون لا شرعيّون". وهذا الصّنف الجديد من المحاربين يمثّل في نهاية المطاف وجه العدوّ السّياسيّ الجديد، أو وجه العدوّ البيوسياسيّ الّذي أقصي من فضاء المدينة السّياسيّ، وزجّ به في فضاء "المعتقل" الاستثنائيّ، أي الفضاء السّياسيّ الجديد الّذي انقلبت فيه السّياسة إلى بيوسياسة، وانقلب فيه المجرم الّذي يعاقبه القانون إلى "إنسان مقدّس"، أو "حياة عارية"، لا يشمله القانون لأنّه بلا حقوق، تماما كالمواطن المجرّد من حقوق المواطنة لأنّه "بلا أوراق".
***
ولكن ما الّذي ينبغي استخلاصه من كلّ هذه الأمثلة؟ يذكّرنا كارل شميتCarl Schmitt بأنّ الفصل بين العدوّ والصّديق لا ينهض على تفرقة فعليّة دقيقة بينهما، ذلك أنّ العدوّ إن أردنا تحديده هو بالضّرورة عدوّ غير مرئيّ invisible. فهو يشبهنا، ولا يمكن التّعرّف إليه مباشرة. ولأجل ذلك كان مشكل السّياسة العويص، بله مهمّة الصّراع السّياسيّ الكبرى، إنّما هو صناعة العدوّ بإنتاج صورة له يمكن أن نعرفه فيها. فالتّعرّف إلى العدوّ هو عمل من صنف الأفعال الإنجازيّة تستند في نظر شميت إلى المقولة الكانطيّة "الخيال الخلاّق المتعالي"، وذلك بصناعة رشم schème لصورة العدوّ، وتشييدها على نحو يطابق موضوع الصّراع والعداوة، وشحنها بسمات ملموسة ومحسوسة يمكن بمقتضاها كشف وجهه الحقيقيّ رغم المظاهر الخادعة. فبعد 1990، وإثر سقوط الدّول الشّيوعيّة - وقد كانت تمثّل مرتكزا لصورة العدوّ الّتي صنعت خلال الحرب الباردة - ظلّ الخيال الغربيّ عاطلا طيلة عشر سنوات يبحث فيها عن سمات جديدة يصنع بها صورة مطابقة للعدوّ، فكان يجدها تارة في قادة كارتل المخدّرات، وطورا في رؤساء الدّول المارقة les états voyou مثل صدّام ونوريغاNoriega وميلوزوفيتشMilošovič ، دون أن يتوصّل إلى تثبيتها في صورة أساسيّة.
ولم يتمكّن من ذلك إلاّ بعد 11 سبتمبر، حيث بدأ الخيال الخلاّق يشتغل بتشييد صورة جديدة للعدوّ مشخّصة في صورة أسامة بن لادن، هذا الأصوليّ الإسلاميّ بامتياز، ومجسّدة كذلك في صورة لتنظيم القاعدة، شبكة الإرهاب اللاّمرئيّة. ويمكن أن نستخلص من كلّ هذه المعطيات أنّ الدّيمقراطيّات اللّيبراليّة قد ظلّت في صميمها "شميتيّة" (نسبة من كارل شميت) تنهض على الخيال الخلاق السّياسيّ لتوفير صورة مطابقة للعدوّ اللاّمرئيّ يمكن أن تعرض وتبذل وتنشر للتّعرّف إليه بيسر. وهي صورة بعيدة عن المنطق الثّنائيّ الّذي كان يميّز الصّديق من العدوّ، لأنّها تخرج العدوّ في ملامح جديدة هي ملامح المنافس الأصوليّ المعادي للتّسامح والتّعدّديّة الدّينيّة والسياسيّة. فلم يعد العدوّ ممثّلا كما كان في إمبراطوريّة الشّرّ، أي في وحدة ترابيّة، ومجال محدّد (دولة أو مجموعة من الدّول)، وإنّما أضحى شبكة عالميّة غير شرعية خارجة عن القانون وسرّيّة وشبه افتراضيّة ومتعصّبة دينيّا. وهي فوق كلّ ذلك وحدة مجرّدة من كلّ أساس قانونيّ وضعيّ. فهذا التّنظيم الجديد يعلن نهاية القانون الدّوليّ الّذي تحكّم منذ الحداثة في العلاقات بين الدّول. وتهدف هذه الطّريقة في صناعة صورة العدوّ إلى نشر دالّ "الإرهاب" على نحو كونيّ حتّى يحتلّ منزلة تضاهي في كونيته جميع الآلام الاجتماعيّة كالظّلم والفقر والبؤس والمجاعة والجهل... وقد حملت هذه الطّرق المعتمدة في التّهويل الدّول الحديثة إلى الانقياد لمنطق الوضع الاستثنائيّ، بتحويل الوضع العاديّ إلى حالة طوارئ دائمة.
ويقدّم تجيجاك في هذا المقام مثال حالة الطّوارئ المستمرّة بالبراغواي في سنوات حكم ألفرادو ستراوسنار Alfredo Stroessner (1960-1970) وذلك بسبب الحرب العالميّة ضدّ الشّيوعيّة من أجل الحرّيّة والدّيمقراطيّة. فخلال تلك الفترة لم تعلّق حالة الطّوارئ إلاّ يوما واحد كلّ أربع سنوات لإجراء انتخابات حرّة. والمفارقة في هذا النّظام هو أنّه جعل حالة الطّوارئ هي الوضع العاديّ، بينما أضحت الحرّيّة الدّيمقراطيّة هي الاستثناء (11). ألم يكن هذا التّنظيم الغريب هو مقدّمة تنبئ بالتّبعات الرّاديكاليّة الّتي حَدّدت، بعد 11 سبتمبر، اتّجاه المجتمعات اللّيبراليّة والدّيمقراطيّة نحو الانسياق في منطق الوضع الاستثنائيّ؟ أليست البلاغة المهيمنة اليوم في الخطاب السّياسيّ هي بلاغة "حالة الطّوارئ" ومفرداتها الّتي تستخدم في إطار "الحرب ضدّ الإرهاب" لإضفاء الشّرعيّة على التّدابير الأمنيّة المتزايدة يوما بعد يوم للحدّ من الحقوق الأساسيّة؟ في هذا السّياق يستشهد تجيجاك بتصريحات جون أشكروفت John Ashcroft (سيناتور ولاية ميسوري وحاكمها من 1985إلى 1993) المهدّدة الّتي يقول فيها: "يستخدم الإرهابيّون الحرّيات الأمريكيّة مثل سلاح موجّه ضدّنا". وهذا التّصريح مثير للانتباه بسبب نتيجته المضمرة وهي "للدّفاع عن أنفسنا، وجب أن نحدّ من حرّياتنا.". وذلك هو بالتّحديد منطق حالة الطّوارئ الّتي تشير إليها المواقف العامّة، أو تلك الّتي اتّخذها دونالد رمسفلد وجون أشكروفت بصفة خاصّة، أو النّزعة الوطنيّة الأمريكيّة بعد 11 سبتمبر كنشر الأعلام الأمريكيّة في كلّ مكان... فدور القانون قد علّق، لأنّ على الدّولة أن تثبت سيادتها دون أيّ إكراه قانونيّ "مشطّ". فأمريكا كما صرّح الرّئيس بوش في حالة حرب. والإشكال في هذا التّصريح هو أنّ أمريكا ليست في حالة حرب، أو هي على الأقلّ في حالة حرب بالمعنى غير التّقليديّ للكلمة. فالتّمييز بين حالة الحرب وحالة السّلم قد اضطرب، لأنّنا نعيش اليوم طورا جديدا أضحت فيها حالة السّلم هي ذاتها حالة الطّوارئ.
وقد طال هذا الاضطراب بعض التّصوّرات والمفاهيم السّياسيّة الأساسيّة. فبعد 11 سبتمبر ظهرت نداءات كثيرة تطالب بمراجعة المكوّنات الأساسيّة للأفكار الحديثة كالحرّيّة والكرامة الإنسانيّة خصوصا. فإذا كان التّعذيب منافيا لكرامة الكائن البشريّ فإنّ فكرة التّعذيب وما تثيره من حساسيّات قد تطوّرت داخل الإيديولوجيا الرّأسماليّة الحديثة نفسها. وقد طرح هذا المشكل بحدّة للجدل والنّقاش العموميّ على وسائل الإعلام العامّة، عندما قبض على أبي زبيدة رجل القاعدة الثّاني: هل ينبغي أن يعرّض للتّعذيب؟ وقد كان الرّدّ واضحا في تصريح متلفز أدلى به رمسفلد شخصيّا في قناة NBC يوم 5 أفريل 2002 حيث بيّن أنّ الأولويّة هي للحيوات الأمريكيّة لا لحقوق إنسان إرهابيّ من الدّرجة الأولى. وبمهاجمة رمسفلد للصّحفيّين الّذين اتّهمهم بانشغالهم الكبير وقلقهم على سلامة أبي زبيدة يكون قد فتح باب التّعذيب على مصراعيه. ولقد فتح الباب، في الواقع، قبل ذلك في أعمدة الصّحافة. ففي افتتاحيّات جونتان آلتر Jonathan Alter صدّر إحداها بعنوان "آن أوان التّفكير في التّعذيب" بمجلّة نيوزويك، وأرفقها بعنوان فرعيّ لا يخلو من قسوة "نعيش في عالم قد تغيّر، وأن نستمرّ في العيش يقتضي العودة إلى الفنون القديمة الّتي كنّا نفكّر منذ عهد قريب أنّها قد ولّت.". ويختم آلتر مقالته على هذا النّحو: "لا نستطيع أن نضفي الشّرعيّة على التّعذيب، فذلك مضادّ للقيم الأمريكيّة. ولكن حتّى لو استمررنا في إدانة الجرائم المرتكبة ضدّ حقوق الإنسان، والمنتشرة في العالم، وجب علينا، إن أردنا محاربة الإرهاب، أن يكون فكرنا منفتحا وأن نتّخذ بعض التّدابير مثل الاستنطاق النّفسي المسموح به قضائيّا. كما ينبغي أن نفكّر مستقبلا في نقل بعض المشبوهين إلى حلفائنا من الّذين لا يستنكفون [هذا العمل]، وإن كان ذلك لا يخلو من النّفاق. لا أحد قال إنّ الأمر سيكون مسلّيا." (نيوزويك، 5 نوفمبر 2001).
بل إنّ هذا النّفاق لنلمحه كذلك في احتجاج مشبوه للّيبرالي آلان دورشفيتزAlan Dershowitz الّذي يقول: "لست مع التّعذيب، ولكن إن لزم اللّجوء إليه ينبغي على محكمة العدالة أن تصادق عليه.". وليس النّفاق جديدا في الخطاب السّياسي أو الصّحفي الأمريكيّ، فلم يكن التّعذيب يحتاج إلى هجمات الإرهابيّين على مبنى التّجارة العالمي حتّى يجد مسوّغا لمزاولته. ألم تدرّب وكالة الاستخبارات الأمريكيّة CIA طيلة عقود حلفاءها العسكريّين من جنوب أمريكا والعالم الثّالث على فنون التّعذيب؟ كلّ هذه الأمثلة ينبغي أن تؤوّل على أنّها علامة تشير إلى انتصار الإرهاب واكتساح الإرهابيّين للفضاء السّياسيّ اللّيبرالي الدّيمقراطيّ، ذلك أنّ تبرير التّعذيب يقتضي تحوير الدّستور الأمريكيّ، ويقتضي من الولايات المتّحدة الأمريكيّة أن لا تكون ملزمة باحترام اتّفاقيّة جينيف في خصوص أسرى الحرب. وفي نظر تجيجاك، إن وجد ذات يوم إفلاس إيطيقي شامل في اللّيبراليّة فهو هذا الإفلاس بالذّات. وهو ما ستؤكّده فضيحة سجن أبو غريب بالعراق، بوصفها الإهانة القاتلة رمزيّا، وقد سلّطتها القوّة العالميّة على نفسها، هذه القوّة وقد بلغت حدّها الأقصى، "وصارت لا تعلم ما تصنعه هي نفسها بسلطان صار من الآن بلا موضوع ولا مقصد، لأنّه بدون عدوّ مقبول، وخارج كلّ عقاب شامل." (12). ألا ينذر هذا الإفلاس الإيطيقي بأنّنا قد دشّنّا منذ قرن أو أكثر زمن المابعد السّياسيّ postpolitique، أي الزّمن الّذي يَختزل السّياسة في البيوسياسة بوصفها إدارة للحياة العارية لا حكومة للذّوات السّياسيّة (13).
الهوامش:
1- انظر كتاب: Agamben, Giorgio: (1997) Homo sacer, le pouvoir souverain et la vie nue. L'ordre philosophique, Seuil, p.p 190-194.
2- انظر كتاب: Agamben, Giorgio: Homo sacer, op.cit, p9.
3- انظر الفصل الثّالث بعنوان " حياة غير جديرة بأن نعيشهاLa vie qui ne mérite pas de vivre " من القسم الثّالث من كتاب: Agamben, Giorgio: Homo sacer, op.cit, p.p147-155. حيث قدّم معطيات تاريخيّة مثيرة بيّن فيها أنّ ما يسمّى ببرنامج قرافناك Grafeneck، وهو اسم قرية صغيرة بوارتمبارغ Wurtemberg، قد ارتبط بالمؤسّسة الّتي طُبّق فيها برنامج الإبادة الجماعيّة للمرضى المصابين بأمراض عقليّة غير قابلة للشّفاء. وقد استمرّ هذا البرنامج خمسة عشر شهرا إلى أن أمر هتلر بإيقافه تحت ضغط الأساقفة واحتجاجات أولياء المرضى. وكانت هذه المؤسّسة وحدها (فقد وجدت برامج أخرى موازية بهدامار Hadamer في منطقة لا هيس la Hesse، وهرتايم Hartheim قرب لينز Linz) تستقبل يوميّا ستّين مريضا (تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و93 سنة) جرى انتقاؤهم من مختلف المصحّات الألمانيّة للعلاج النّفسي. وكان معظمهم يقتل خلال 24 ساعة من وصولهم وذلك بحقنهم بمقدار سنتمترين مكعّبين من مادّة المورفيوم سكوبولامين Morphium-Scopolamine قبل اقتيادهم إلى غرفة الغاز ح