حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الكونيات والفلسفة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسين
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
حسين


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 473
معدل التفوق : 1303
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 18/12/2011

الكونيات والفلسفة Empty
29122013
مُساهمةالكونيات والفلسفة

الكونيات والفلسفة Arton9784-298e4
إن دراسة الكون لا تنفصل وجودياً عن دراسة الذات التي تشكل أحد نتاجات الكون الأصيلة، و لعل دراسة الكون و غوامضه هي المفتاح لفهم الذات و هذا ما أراه يعبر عن المضمون العميق لجملة سقراط بأن يعرف الإنسان نفسه، و هذا ما أراه يعبر عن المضمون الغني لدراسات فلاسفة اليونان و من قبلهم الميثولوجيات الدينية لحل لغز الوجود الكوني و بنفس الوقت من خلاله دخول عالم الذات العميق، و من هذا المنطلق بالذات أجد التقاطع التاريخي بين الكونيات و الفلسفة، فكليهما يعبران عن طرح شمولي للفهم، و كليهما قائمان على تساؤلات و فرضيات و نظريات و تخيلات لعوالم ممكنة، و يكفي أن نفهم التقاطع العميق بين مونادات لايبنتز الفلسفية و عوالم أفريت الكونية، و مفهوم الزمن الفلسفي مع زمان النسبية العامة، و شمولية جبرية اسبينوزا مع مفاهيم الكون الثابت، و نظرية الخير عند أفلاطون أو الفراغ عند ديمقريطس أو الله عند لايبنتز التي تؤدي كلها الدور نفسه في النظرية الكونية، و تصورات موسيقى الكرات القديمة للكون عند الفيثاغورثية مع نظرية الأوتار الفائقة الكونية التي تقترح أن المشهد المجهري للمادة تغمره أوتار دقيقة تتحكم أنساق اهتزازاتها في تطور الكون، لنرى مدى التقاطع التاريخي بين نمطي المعرفة.

فالكون لم يكن بالمحصلة عند هؤلاء الفلاسفة إلا نموذج متكامل لتصورات الخلود و اللاتناهي، إنه المطلق الوحيد الذي نراقبه حسياً و نتصوره حدسياً لكي يطاوع خيالنا البشري، لذلك مثّل عند الفلاسفة الوجود بكل معانيه سواء عقلي كان أو مادي، لذلك نرى الميثولوجيات القديمة بأفكارها الفلسفية لم تخرج عن هذا الإطار التلاحمي بين الفكر الفلسفي و الوجود الكوني، و هو الأمر الذي تابعته الفلسفات اليونانية بمعناها المنهجي الشمولي عندما أرجعت العالم إلى عناصر أربعة ترتبط بشكل عضوي بانعكاس المادة الكونية على الفكر التأملي، فهذه العناصر هي النار و التراب و الهواء و الماء، فالنار هي مادة النجوم الملتهبة، و التراب مادة الأرض المركزية، و الهواء هو الصلة أو الفراغ الذي يربط السماء بالأرض، و الماء هو المحيط الكوني السماوي الذي يبزغ منه الوجود، لذلك نرى أن الإنسان عندما تساءل فلسفياً لم يجد إلا الكون يستقي منه الإجابات، فالوعي الكوني لا ينفصل ضمن هذا المنطلق عن الوعي الفلسفي، بل أرى بأن الوعي الفلسفي هو المقابل الذاتي للوعي الكوني، و إذا كان وجودنا كوني أو نتاج كوني بطبيعته، فالأحرى أن يكون وعينا هو انعكاس مباشر لهذا النتاج، فتصورنا للكون لا ينفصل عن وعينا به، و هذا ما جعلنا ننسب لدماغنا الواعي صفة الكون الأصغر كمقابل للكون المادي الكبير.

و من هنا نجد أن لقاء نتاجنا كوعي مع نتاج حضارة كونية أخرى لا يوجد له من حيث المبدأ إلا إمكانية واحدة للفهم و التفاهم، هي إمكانية التساؤل الناتج عن وعي فلسفي للعالم، لأن التساؤل كان و ما يزال هو أساس النتاج الفكري للوجود الواعي لكل كائن عاقل ليس فقط في عالمنا الأرضي المحدود، بل في كل حضارة ووجود واعي في الكون أياً كان شكل هذا الوعي، و من هنا لا يمكننا أن نستغرب عندما نستنتج بأن نموذجا المعرفة الكوني و الفلسفي هي من أقدم نماذج الوعي المعرفي للبشر، و ذلك لأن الكون في جوهره تساؤل إنه وعي فلسفي للوجود كما أن فكرنا الفلسفي بالمقابل ذو طبيعة كونية، إنه شمولي الطرح بعيد عن إشكاليات التخصص الآلي لذلك نجد أن الوعي بالكون نشأ كما الوعي الفلسفي مع نشأة الإنسان ككائن مفكر، فنحن لا نعرف على وجه التحديد في أي عصر من عصور التاريخ كانت بداية الاهتمام بعلم الكون كما لا نعرف على وجه الدقة متى كانت بدايات التساؤل الفلسفي عن الوجود، لأن بدايتهما كانت ببساطة مع بداية وجود الإنسان المتسائل المتأمل. و التساؤل الكوني كما الفلسفي يستدعي النظر إلى السماء كما التأمل يستدعي النظر للأعلى، و المجهول هو الذي يخلق الدهشة و التساؤل، و هل هناك مجهول أعمق و أكثر لغزاً من الكون ذاته، و لعل هذا النموذج المعرفي هو ما نراه يشكل الأساس المنطقي للتفاهم مع حضارات كونية أخرى، حيث لا أعتقد وجود حضارة واعية في الكون لا تنظر إلى السماء التي منها جاءت.

فالنجوم هي جذورنا والمادة التي غذت السديم الغازي الذي نشأت منه الشمس و الكواكب و الحياة على الأرض اُبتدعت في مصانع كونية فسيحة و ربما تكون ما زالت تنتج تلك الكائنات الخلاقة، ففي الظلام الدامس بين النجوم نعرف أنه ثمة غيوم من الغبار و المواد العضوية و الغاز التي أمكن الكشف عن العشرات من الأنواع المختلفة منها، و غزارة تلك المواد العضوية تشير إلى وجود مادة للحياة في كل مكان في الكون (1)، لذلك يبدو أن منشأ الحياة و تطورها مرتبطان بشكل جوهري بمنشأ النجوم و تطورها، فمن ناحية أولى نجد أن المادة نفسها التي نتألف نحن منها، و الذرات التي تجعل الحياة ممكنة كانت قد ولدت منذ زمن بعيد و في أماكن بعيدة في النجوم الحمراء العملاقة، حيث أن الوفرة النسبية للعناصر الكيميائية التي وجدت في الكون تتوافق مع الوفرة النسبية للذرات المتولدة في النجوم بشكل لا يترك سوى القليل من الشك في أن النجوم الحمراء العملاقة و المستعرات العظمى هي الأفران التي صنعت منها مادة الحياة (2)، لذلك يبدو أن أصلنا النجمي يبحث عن التفسير الفلسفي لمعنى الحياة و الموت طالما أن تطور الحياة على الأرض يحثه جزئياً الموت المأساوي للنجوم الكبيرة البعيدة. فعلم الفلك لم يكن إلا لهؤلاء الذين يرغبون بأن يكونوا واسعي الخيال(3)وعلم الكون بالأساس ذو طبيعة تساؤلية، و تلك الطبيعة التساؤلية جعلته بالتوازي مع الفلسفة يتناول تصورات شمولية غالباً تبدأ بطبيعة حدسية للعالم، و من هنا نجد أن مفاهيم هذا العلم المتداولة تدخل في أشد حالات التفكير الفلسفي عمقاً و تناولاً و إشكالية كمفهوم الزمان و المكان و اللامتناهي و الحتمية و الفوضى و المطلق و البداية و المحدود و اللامحدود، لهذا لا نستغرب أن يكون أساس التفكير الفلسفي بصورته المنهجية ذا طبيعة كونية الأمر الذي نراه بوضوح عند الفلاسفة اليونان الأوائل قبل سقراط عندما بدؤوا فلسفاتهم بتناولهم لأصل العالم و الوجود الكوني و مصيره.

و من هذا التقاطع الواضح لا يمكننا أن نتجاهل الدور الخطير الذي لعبته الثورات العلمية في علم الكون في النظرة الفلسفية للوجود، و نذكر على سبيل المثال أن كوبرنيكوس قد فتح المجال واسعاً أمام نظريات مفتوحة بدأت من إثارة قلق الإنسان الوجودي بمفاجئة عدم مركزية كوكبه و بالتالي عالمه لم يعد هذا العالم الفريد و المميز، بل عبارة عن جزء من عوالم قد تكون لامتناهية، و هنا شعر الإنسان بضرورة إعادة قراءة نفسه و موقعه في الكون ليرجع إليه صدى نداء سقراط العميق مرة أخرى بضرورة معرفتنا لنفسنا من جديد، حيث لم يكن الفلك إلا امتداد للفكر المقدس السرمدي الأبدي لذلك لا نستغرب اضطهاد الكنيسة لغاليليو حينما سجل لأول مرة رؤية بقع على سطح الشمس التي كانت ترمز إلى الكمال، كذلك أثرت تصورات نيوتن الكونية الشمولية الحتمية بعمق في التفكير الفلسفي للعالم و تلك التصورات ساهمت بشكل فعال بتقديم الفيلسوف الكبير كانط نظرية تقدم تصور مقبول قائم على قوانين محددة لنشأة النظام الشمسي من سديم أولي من خلال كتابه “نظرية السماء” حيث انطلق من فرضية مفادها أن بعض السدم هي مجرات مشابهة لمجرتنا، مؤكداً بأن السدم هي عبارة عن أقراص دائرية ذات قدر و شكل مشابهين لمجرتنا و أنها تبدو اهليجية لأن معظمها يُرى بالنسبة لنا في وضع مائل و إن كانت تألقها ضعيفاً فذلك طبعاً لأنها بعيدة جداً،(4)لذلك لا يمكننا من هذا المنطلق أن نستبعد الجدل الفلسفي من علم الكونيات، و على سبيل المثال افترض العلماء إلى عهد ليس بالبعيد ما يسمى بالمبدأ الكوني التام الذي يقول بأن كل مكان في الكون يماثل إلى حد كبير أي مكان آخر فيه، و هذا بدوره يفترض بأن العلوم الفيزيائية تؤكد على الدوام أن التجارب يمكن إعادتها بحيث تعطي نفس النتائج و بصورة خاصة إذا أعيدت تجربة ما بعد فترة قدرها ستة أشهر عندما تكون الأرض في جزء آخر من الكون بسبب حركتها حول الشمس حيث لن يتوقع أي اختلاف في النتيجة، هذه المسلمة تتطلب تحديداً لبنية الكون حيث تصبح هذه المناقشة أقوى بكثير إذا تبين أنه يوجد ضمن التجارب الفيزيائية و ما يرافقها من المناقشات النظرية نوع من الملاحظات و المناقشات التي تحدث في علم الكون، كما أنه في أية نظرية في المقابل لكون متغير لا بد أن توجد افتراضات عن كيفية تغيير قوانين الفيزياء عندما يتغير المحيط بصورة تامة، و هذه الافتراضات ستكون إختبارية تماماً كما الاستمرار بهذا الاتجاه احتمالي القيمة للحقيقة، و يكفي أن نعرف مدى أهمية الجدل الفلسفي في الكونيات عندما نعرف أن الوضع حتى بداية الستينات من القرن الماضي كان في صراع فكري عنيف بين نموذجين للكون، فهناك متزعمو نموذج الانفجار الكوني و هم الميالين إلى المنطق و الصرامة في تفكيرهم الواقعي الاتجاه، بالمقابل كان هناك أصحاب نظرية الحالة الثابتة الذين يعتبرونهم ساذجين في دعواهم لأنهم لا يصنعون افتراضات غيبية، و بذلك انصب نقدهم على أن أصحاب التصور الأول لا يملكون إلا مجموعة من النماذج المحتملة بدلاً من نموذج واحد كنموذج كون الحالة الثابتة. (5)و ما يحدث في الوقت الراهن هو تغير ينطوي على مفارقة، فنحن من ناحية نفهم الكون بأعمق مما فهمناه قط في التاريخ و لدينا نظريات يمكن اختبارها تبين لنا كيف انبثق الكون و كيف سيكون ؟ إلا أننا في المقابل أصبحنا نعي أننا كلما زاد فهمنا زادت الاحتمالات الغريبة لجهلنا، فالكون قد يكون في الحقيقة أغرب بكثير مما يمكننا أن ندركه (6)فحجم الكون و عمره خارج إدراك الإنسان العادي، وفي مكان ما بين اتساع الفضاء و خلود الزمن يضيع كوكبنا المعروف بالأرض، و في المنظور الكوني فإن كل الاهتمامات الإنسانية تبدو غير مهمة بل و بائسة، و مع ذلك فإن جنسنا البشري فضولي يمتلك وعي و خيال، و في السنوات الأخيرة استطاع أن يصل لاكتشافات مذهلة عن الكون الكبير الذي يشكل ميدان خيالنا و يمدنا بالتصورات المتضمنة الغموض و الأمل و الحقائق الغريبة بل و المقلقة أحياناً، فهو كما كان مصدر ليقيننا الحتمي يعتبر و بمفارقة واضحة مصدر لشكنا و قلقنا المتواصل، لذلك نجده دائماً يتحدى حدود تصوراتنا مع كل تطور أو اكتشاف جديد مذهل لغوامضه، و من خلاله نعرف أن تصوراتنا عن الوجود و المادة و الفكر قد تغيرت بما يكفي لأن تدهش أكبر فلاسفة العصر اليوناني و العصور الوسطى، كما سنندهش بنفس الوقت إذا قدر لنا أن نعيش لأجيال لاحقة التي سترى منظور جديد للكون مع تصورات جديدة للعالم لم نستطع حتى الآن أن نعيها بخيالنا و حدسنا الفلسفي، حيث يقول وينبرغ كمثال عن ملكة الخيال في التصورات الكونية “في البدء حدث انفجار، و لكن ليس كالانفجار الذي يمكن أن نشاهده على الأرض، و إنما حدث في كل مكان و في آن واحد فملأ الفضاء كله منذ البدء و هرب كل جسيم عن كل ما عداه، و قولنا هنا ( الفضاء كله ) يمكن أن يعني كل فضاء كون لامنته، مثلما يعني كل فضاء كون منته أي منحني مغلق على نفسه كسطح كرة، حتماً لن يسهل علينا تصور الإمكانية الأولى أو الثانية، غير أن هذه الصعوبة لن تمنعنا من المتابعة، و كون الفضاء منتهياً أو غير منته أمر لا أهمية له من الناحية العملية عند بدء الكون (7)و كمثال آخر يوضح تلك العلاقة الجدلية بين الكون كوجود و تصوره كفكر قد نقول أنه من قبيل اللغو الحديث عن أكثر من أربعة أبعاد، و أياً كان أمر هذه الأبعاد فأين يمكن أن نضعها ( فوق – تحت – أمام – خلف )، فما قد يصدمنا هو أن نعرف أننا في الكون نفتقر إلى تعريف واضح للآن من الوجهة الفيزيائية ليس فقط على الصعيد المحلي، بل على الصعيد الكوني أيضاً، إننا نتطلع للكون على أنه المستقبل فنفاجأ بكونه ماضياً، و كلما سبرنا الكون إلى مسافات أبعد كلما عدنا إلى الوراء ألاف و ملايين و آلاف ملايين السنين(8)، لذلك فإن مفاهيم الآن و المكان و الماضي و المستقبل تتداخل في الكون لدرجة تجعلنا نشك في أهمية هذه المفاهيم خارج حدود عالمنا الأرضي، فالاتجاهات الممكنة قد استنفذت بالفعل، و لا شك أن كل الأبعاد التي يمكن تخيلها بسهولة قد استنفذت، على أن هذا بدوره قد يكون حكماً على قصور قدرتنا على التخيل بدلاً من أن يكون حكماً على طبيعة الكون، فقبل النسبية لم يكن لخيالنا إلا أن يتصور ثلاثة أبعاد، و بعد نظرية الأوتار الفائقة يمكن التكلم نظرياً عن أكثر من عشرة أبعاد للكون، (9)فالزمان و المكان بالمعنى المألوف التقليدي لا ينطبق تماماً على وجودهما في المفهوم الكوني، حيث علمتنا النسبية أن الميقاتية التي اعتدنا عليها تقوم عملياً بقياس مدد الزمن لا سرعة مروره، و الفرق بين الأمرين كالفرق بين المسطرة و عداد السرعة، فدور الميقاتية بالنسبة للزمن كدور المسطرة بالنسبة للمكان، و عليه فإن العالم الموضوعي الذي نعيشه ليس إلا الزمكان بكلية إحداثياته في جميع الأمكنة و الأزمنة بدون حاضر أو ماض أو مستقبل، إنه لا مفر لنا من الاعتراف بأن خصائص الزمن الذي نستشعره في حياتنا العادية ليس بالمفهوم الموضوعي على الإطلاق و ما كان له أن يوجد لولا وجودنا كمراقبين متأملين نحاول تطويع العالم لمفاهيمنا المتخيلة و المرغوبة و المريحة،(10) و بالمنظور الفلسفي نجد أن وجودنا كأحياء مفكرين هو الذي يهب للزمن الحياة و المعنى و يضفي عليه الحركة، و في عالم خالي من الحياة كوعي تيار الزمن سيتوقف عن كونه ذا معنى على الإطلاق، لذلك يبدو أن قدرة الكون على توسيع خيالنا و حدسنا الفلسفي مرتبط بقدرة فكرنا على احتواء هذه الإمكانات المذهلة التي يطلعنا عليها مع كل اكتشاف جديد، فالكون يعلمنا بالإضافة لمحدوديتنا و لكن سعة أفقنا بأنه لا يوجد شيء أسمه قانون مطلق في العالم على الصعيد الفيزيائي فنحن على الأقل الآن لا يمكننا التحدث عن قوانين كونية إلا إذا استطعنا أن نتصل بعوالم أخرى نختبر فيها إمكانية و قابلية انطباق هذه القوانين عليها، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن أبعاد الفضاء المكانية تتحدى قدراتنا على القياس، و مداه الزماني يتحدى يقيننا بثبات قوانيننا و استمراريتها مع تتالي الأجيال و الاكتشافات الحديثة، حيث يقول العالم الكبير كارل ساجان” إن دراسة المجرات تكشف نظاماً و جمالاً كونيين، كما تُظهر لنا أيضاً عنفاً فوضوياً على نطاق لا يخطر بالبال، وواقع أننا نعيش في كون يسمح بوجود الحياة هو أمر ذو أهمية بالغة، و أن نعيش في كون تدمر فيه المجرات و النجوم و العوالم هو أيضاً أمر بالغ الأهمية، فالكون لا يبدو رؤوفاً و لا عدوانياً، بل مجرد غير مبال بهموم مخلوقات مثلنا(11) “و هو أمر يذكرنا تماماً بقول الفيلسوف الكبير اسبينوزا أنه ليس في الكون ما هو صالح أو سيء بالمعنى الدقيق للكلمة، فالعالم بأدق تفاصيله هو هو و لا يكون إلا ما يحتويه و الحكمة القصوى تكمن بالاندماج عن طريق الفكر مع النظام الخالد و الخضوع له، هذه التصورات الفكرية الآتية من ميدان العلم أو الفلسفة تعبير واضح عن القلق التساؤلي الذي ينطوي عليه مجرد النظر للكون الواسع من حولنا الذي تعززه الاكتشافات المتسارعة التي تزيد من حدة شعورنا بالعزلة و الفراغ بعد أن انزاح موقعنا المركزي في الكون، فالكون الذي اعتقدنا لفترة طويلة أنه يخضع لفكرنا الحر ما يزال يشكل إشكالنا الغامض و المقلق، و هذا ما أراه بالضبط يعبر عن الرغبة المحمومة لدى العلماء لاكتشاف عالم مشابه لعالمنا في الكون توجد فيه أي علامة من علائم الحياة تخفف من حدة شعورنا بالعزلة و القلق، و رغبتنا بالتواصل مع وعي هي نفسها الرغبة البشرية الأزلية بإثبات الذات أمام المجهول حيث يقول المؤلف في حقل العلم برادبوري بخصوص رغبتنا باكتشاف الحياة على المريخ بأن هذا الاكتشاف لا يستحق أن نلهث وراءه إلا إذا سمحنا له بأن يقودنا إلى المجاز الأكبر و هو زحف الجنس البشري عبر الشبكية العمياء للكون على أمل أن يراه أحد و أن يُؤخذ بعين الاعتبار و أن يكون جديراً بالاعتبار، و هذا التصور ذاته لا ينفي إمكانية تطويع الكون و النظر إليه ككل يميل إلى البساطة و هو ما يرغبه الفكر دائماً من خلال رغبته في تصور عالم أكثر بساطة و جمال، و عندما نقول ما هو الكون فإننا لا نحتاج إلا للقليل من العناصر و القوى لتوصيفه فكرياً، فهو يتكون من أربعة قوى هي الشديدة و الضعيفة و الكهرطيسية و الجذب الثقالي، و أربعة أنواع من الجسيمات الأولية هي الهادرونات التي تؤلف البروتون و النيوترون و ستة أصناف من الليبيتونات بالإضافة إلى الفوتون و الغرافتون الافتراضي لذلك كثرت الاتجاهات التي تقول أن الكون بمجمله يميل إلى البساطة فهو كله و في كل مكان تقريباً مؤلف من هيدروجين و هليوم و هي أبسط العناصر الكيميائية التي تكون مادة الكون من حولنا. ومن هذا التصور للكون جاءت نظريات أثرت بدورها في الفكر الفلسفي بقوة نذكر منها قانون الترموديناميك الثاني الذي جاء به هلمهولتز حيث أكد على ما أسماه بالتوازن الحراري أو الموت الحراري للكون، حيث كان يدرك المبدأ العام القائل بأن النشاط الفيزيائي في الكون يميل في النهاية نحو توازن ديناميكي حراري و لا يحتمل أن تحدث بعده أية قيمة أبداً، و كان يطلق اسم الموت الحراري للكون الذي سيحدث بعد الانهيار للتفاعل النووي في قلب النجوم و تحولها إلى كتل جامدة باردة و مظلمة من المادة، و قد كان من المسلم به أنه يمكن إعادة النشاط إلى المنظومات المستقلة عن طريق تشويشات خارجية، و لكن ليس هناك خارج بالتعريف بالنسبة للكون نفسه، و قد كان لاكتشاف احتضار العالم كنتيجة قاسية لقوانين الديناميكة الحرارية الوقع العميق في الفكر الفلسفي حتى و إن كانت هذه الحوادث ستحدث بعد أعوام لا يمكن تخيل عددها بالسنين حيث قال الفيلسوف و المنطقي رسل” أعمال العصور كلها و التقوى كلها و الإلهام كله محكوم عليه بالانطفاء في موت شامل للنظام، و من داخل هذه الحقائق فقط، و على أساس راسخ لعدم الاستسلام لليأس فقط يمكن من الآن فصاعداً بناء مسكن الروح بأمل “(12) و نحن لا يمكننا أن ننكر الدور الخطير للتصورات الكونية في تغيير رؤيتنا الفلسفية للكون و لطريقة طرح التساؤلات عن وجودنا في الكون، و هذا ما عرفناه في دراسة الثورات العلمية الكبرى في الكونيات التي لا يمكن أن ننكر فيها دور الحدس و الخيال، فقد كان يُعتقد في الماضي أن الأرض مسطحة و الشمس تدور حولها، و مع ذلك وجب علينا منذ أيام كوبرنيكوس و غاليليو التكيف مع فكرة أن الأرض كروية و تدور حول الشمس، و هذا اقتضى بدوره تغيير في بنية الفكر الذي يجب أن يتعايش مع حقيقة تخالف ما يراه و يعايشه من شروق أو غروب للشمس، كذلك كان أمراً جلياً أن يتدفق الزمن بالمعدل نفسه بالنسبة للجميع، لكن بعد نظريات أينشتاين في النسبية تبين لنا و على نحو يخالف معايشتنا أن الزمن يسير بمعدلات مختلفة بالنسبة لراصد و آخر(13)، إنه امتياز حقيقي لعلم الكون الذي يعلمنا أن مركزيتنا المتخيلة لا تعني شيء إلا بالنسبة لنا نحن المستفيدين على هذا الكوكب فقط ، ومن خلال تأملنا للكون فلسفياً نجد أن هناك نموذجان قد لا يوافقان أذواقنا، في إحداها نجد أن الكون خلق قبل عشرة أو عشرين مليار عام و هو يمتد إلى الأبد، و المجرات تتباعد في ما بينها إلى أن تختفي أخر مجرة منها وراء أفقنا الكوني و عندها يصبح فلكيو المجرات دون عمل، و بعدها ستبرد النجوم و تموت و المادة نفسها ستتبدد حيث يصبح الكون ضبابياً و بارداً رقيقاً تسبح به بعض الجسيمات الأولية التائهة في فضاء هائل الاتساع، و في عالم ثان نجد في المقابل الكون المتذبذب الذي لا بداية له و لا نهاية بينما نحن موجودون في منتصف دورة لانهائية بين انفجار عظيم و من بعده اندماج عظيم دون أن تتسرب أي معلومة عبر طرفي الذبذبة، أليس الكون وفق التصورين لغز كبير يجد متعة غريبة في تناقض أفكارنا و عدم ثباتها، خاصة إذا ما عرفنا أنه قبل القرن العشرين الذي جاء بهذين التصورين كان المناخ الفكري لا يمكن أن يتيح لتصوراتنا المجال بأن نفكر بأن العالم يمكن أن يتوسع أو أن يتقلص، فقد كان من المقبول عموماً بأن العالم كان موجوداً منذ الأزل في حالة سرمدية أو أنه كان قد خُلق في لحظة ما معينة في الماضي على شكل يشبه كثيراً الشكل الذي هو عليه اليوم، و يمكن أن نعزو هذا التصور إلى أن الكونيان في تلك الفترة طاوعت فكرنا البشري في لحظة من الاطمئنان بعد هزات عدم مركزية الأرض ثم عدم تميز الإنسان بعد نظرية التطور، للركون إلى الاعتقاد بوجود الحقائق المطلقة، كما يمكن أن نعزوه إلى الارتياح الذي يشعر به الإنسان عندما يعتقد و هو المخلوق الفاني و رغم كل العصور بأن العالم الذي صٌنع من أجله يبقى هو خالداً أو مماثلاً لنفسه على الدوام (15)و أوضح دليل على رغبتنا ككائنات عاقلة في البحث عن وضع مميز للبشر في الكون هو ما نتحدث عنه بالمبدأ البشري، الذي هو تعبير واضح عن الرغبة العميقة ذات الأساس الفلسفي العميق و التي تؤكد مركزية الإنسان في الكون، و يتجلى هذا المبدأ في أشكال متعددة، فالمبدأ البشري الذي يسمى بالضعيف يلحظ و حسب أنه إذا كانت قوانين الطبيعة و الثوابت الفيزيائية كسرعة الضوء و شحنة الإلكترون و ثابت الجاذبية و الكم الميكانيكي لبلانك قد أصبحت مختلفة فلن نتمكن أبداً من معرفة الأحداث المُفضية إلى أصل البشر، و في ظل ثوابت و قوانين أخرى، لم تكن الذرات لتتماسك مجتمعة و كانت النجوم ستتطور بسرعة كبيرة لا تتيح للحياة الوقت الكافي للنشوء على الكواكب القريبة، و لم تكن العناصر الكيميائية التي تتشكل الحياة لتتولد على الإطلاق، و بالتالي فإنه مع قوانين مختلفة لن يوجد الإنسان الذي هو نحن بالتحديد، و بتعبير آخر فإن ما يرميه هذا المبدأ بهذه الصورة هو القول بأنه قم بتغيير قوانين الطبيعة و ثوابتها، و عندها سوف يظهر لك كون مختلف تماماً قد لا يتلاءم في حالات عديدة مع الحياة، و بالتالي فإن مجرد وجودنا كوعي و حياة يقتضي ضمناً قيوداً على قوانين الطبيعة، في حين إذا ما نظرنا إلى المبدأ البشري بمعناه القوي نجده يذهب لأبعد من ذلك كثيراً، فيقول بأن قوانين الطبيعة و ثوابتها تأسست بحيث يأتي البشر إلى الوجود في نهاية المطاف حيث تنتعش عند هذه الفكرة من جديد الفكرة الفلسفية الغائية القديمة التي تقول بأن الكون وجد من أجلنا فقط. (16) و بالمحصلة نرى أن منظومات العالم المختلفة التي أنشئها الفكر المبدع علمياً أو فلسفياً طمحت إلى وصف العالم كله، لكنها لم تكن في واقع الأمر سوى محاولة لتفسير نظم فلكية محدودة، فنظام العالم الذي وصفه أرسطو ثم بطليموس عكس سمات الأرض بصفتها جرماً فلكياً كروي الشكل تدور الأفلاك حوله، ثم جاء نظام كوبرنيكوس ليمثل نمطاً لنظم فلكية محدودة هي النظام الشمسي، و بعده جاء هرشل الذي كون نمطاً لمجرتنا، و نحن الآن ندرس ما في الكون و مجراته و قد يكون وصفنا لحشود المجرات(17)هو تصور لجزء بسيط من عالم متعدد و متداخل لدرجة لا يمكن تصورها على الأقل حتى الآن، و لكننا مع ذلك نستطيع أن نتلمس الفرق الكبير بين تصورات الكون فلسفياً بين الفكر قديماً و حديثاً ، فالفرق الكبير بين أفكار أرسطو و أفكار علماء فلاسفة كغاليليو، فأرسطو كان يعتقد بحالة فضلى هي السكون يلتزم بها كل جسم حر من تأثير أي قوى دافعة، و بصور خاصة كان يعتقد بأن الأرض ساكنة، لأن الحالة المثلى هي حالة السكون، بالمقابل نجد قوانين نيوتن تفيد بعدم وجود معيار أوحد للسكون، فنحن نستطيع أن نقول سواء بسواء بأن الجسم ( أ ) متحرك بالنسبة للجسم ( ب ) بسرعة ثابتة أو العكس، و بالتالي فإننا نستطيع مثلاً لو ضربنا صفحاً عن دوران الأرض حول نفسها و حول الشمس أن نقول بأن الأرض ساكنة و القطار يسير على سطحها نحو الشمال بسرعة 150 كلم في الساعة أو نقول بأن القطار ساكن و الأرض تتحرك نحو الجنوب بسرعة 150 كلم في الساعة (18)، أما الأمر في النسبية بالنسبة للحركة يبدو كالتالي” إن مفهوم الحركة نسبي و لا يمكن أن نتكلم عن حركة جسم إلا بالنسبة لحركة جسم آخر، و من هذا الاعتبار لا معنى لعبارة أن كائن ما ينتقل بسرعة 10 أميال في الساعة حيث أننا لم نحدد أي جسم آخر للمقارنة، و لكن هناك معنى للعبارة “ينتقل الكائن بسرعة عشرة أميال بالساعة بالنسبة لكائن آخر” كما أن هذا الكائن ينتقل بسرعة عشر أميال بالنسبة للكائن الأول، و عليه لا يوجد مفهوم مطلق للحركة فالحركة كلها نسبية (19)و بالتالي يبدو أن تطور الفكر العلمي ينتقل من المركزية التي انطلق منها أرسطو إلى تعدد المراجع التي تحدث عنها نيوتن ثم إلى نسبية القيم المعرفية و هو ما تحدثت عنه النسبية عند أينشتاين مع العلم بأن التصورات الثلاثة لم تلغي بتاتاً مفهوم الحتمية في الكون. فعند أرسطو قيم المعرفة واحدة دون النظر إلى اختلاف المراجع و عند نيوتن قيم المعرفة واحدة لكنها ترتبط بالمراجع التي تراقبها أما عند أينشتاين فإن قيم المعرفة تتغير بتغير المراجع.

و الأمر نفسه ينطبق على النظرة الفلسفية للزمن الكوني حيث نجد أن نيوتن قد أعطى أول نموذج رياضي فلسفي للزمان و المكان معتبراً أنهما يشكلان خلفية عامة تقع فيها الأحداث دون أن يتأثران بها، فالزمان عنده منفصل عن المكان و يعد خطاً واحداً كمسار سكة الحديد اللامتناهية في كلا الاتجاهين، و بالتالي يغدوا تصوره للزمان - كتصور أرسطو قبله -نظام مستقل و سرمدي وجد و سيظل موجوداً للأبد، و في تباين مع ذلك يعتقد معظم الناس أن الكون الفيزيقي قد خُلق على حالته الراهنة منذ آلاف معدودة من السنين، و هذا ما أثار انزعاج الفيلسوف كانط، قائلاً أنه إذا كان الكون قد خُلق حقاً فلماذا كانت هناك فترة انتظار لانهائية قبل خلقه ؟ و من الناحية الأخرى إذا كان الكون موجوداً دائماً فلماذا لم يحدث من قبل كل ما سوف يحدث مما يعني انتهاء التاريخ، أي بعبارة أخرى لماذا لم يصل الكون إلى التوازن الحراري حيث يكون كل شيء في درجة الحرارة نفسها، و قد اعتبر هذه المسألة أنها مناقضة العقل الخالص، و لكن بدا لاحقاً أن هذه المناقضة لا توجد إلا في سياق النموذج الرياضي النيوتوني حيث الزمان هو خط لانهائي، حيث جاءت تصورات النسبية العامة لتضم بعداً جديداً للكون هو الزمان و المكان معاً و تدمج تأثير الجاذبية بأن تذكر بأن توزيع المادة و الطاقة في الكون يحني الزمكان و يشوهه بحيث لا يكون مسطحاً أو مستوي الاتجاه (20)، بل هو ملتوي بفضل تأثير الجاذبية الهائل، و رغم ذلك فإننا ما نزال منساقين وراء تصورات فلسفية متجذرة فينا نهمل تلك التصورات التي جاءت بها النسبية عن الزمان و المكان، على اعتبار أن معارفنا كلها تتأسس على التجربة اليومية، الأمر الذي أدى بنا إلى الاعتياد على عقيدة عمرها ألف عام مؤداها أن الزمن و الفراغ لا يتغيران (21)، و ما يقال عن الزمان يقال عن الفراغ المكاني، فالفراغ بالنسبة للفيزيائي الفلكي ليس فارغاً، و قد تبين على الصعيد الفلسفي منذ زمن بعيد و تحديداً منذ العصر الفلسفي لليونان بأن الفراغ المطلق بمعنى اللاشيء لا يمكن أن يكون موجوداً من حيث المبدأ، و لكن ما الذي يدعوه الفيزيائيون فراغاً ؟ إنه ما يتبقى بعد إزاحة الذرات كلها و كوانتات أي حقول فيزيائية، و مع ذلك قد يقول قائل أنه عندها لن يبقى أي شيء كان، لكن ما يفاجئنا به الكون أن ذلك الكلام ليس صحيح تماماً فثمة ما يبقى، و قد يكون ما يبقى قريب مما تحدث عنه أرسطو و أسماه الوجود بالقوة، حيث يقول الفيزيائيون أنه يبقى بحر من الذرات و الذرات المضادة التي ينبغي أن تظهر، و هذه الذرات المضادة التي لم تظهر لا يمكن إزاحتها بأي طريقة كانت، و في حال عدم وجود حقول خارجية، أي في حال انتقال الطاقة، لا يمكن لهذه الذرات الكامنة أن تتحول إلى ذرات حقيقية، و للحظة صغيرة فقط يظهر في كل نقطة مما يسمى بالفراغ الفارغ زوج من ذرة و ذرة مضادة و في اللحظة عينها تندمغان و تختفيان عائدتين لحالتهما الجنينية، (22)من هذه الأمثلة نستطيع أن نرى مدى التأثير و التأثر الجدلي الواضح الذي اشتمله علم الكون بين الفكر الفلسفي و تصورات الفيزياء النظرية ذات الطابع الفلسفي. و هل يكون ذلك التأثير ممكناً إلا إذا كانت المشكلات الفلسفية نفسها ذات طبيعة كونية و تصورنا للعالم لا ينفصل عن تأثرنا الواضح لانعكاس الكون فينا، بالذات عندما نتخيل كون لا نهائي، و هذه اللانهاية ليست مجرد رقم كبير جداً، و هذا هو المهم حولها، إنها تختلف كما يقول بول ديفيز نوعياً عن شيء ما لا يوصف بأكثر من أنه ضخم بشكل هائل إلى حد لا يمكن تصوره، و إذا كان الكون سيواصل توسعه دائماً بحيث لا تكون له نهاية فمعنى هذا على الصعيد الفلسفي أنه سوف يكون له عمر زمني لا نهائي، فإذا صح ذلك فإن أية عملية فيزيائية مهما كانت بطيئة في الكون أو غير محتملة، سوف تحدث في وقت ما كما قد يتمكن في النهاية قرد يعبث دائماً بآلة كاتبة من طبع أعمال شكسبير. (23)و ما يقال عن مستقبلنا في الكون يقال عن الماضي فبالرغم مما يقال عن الانفجار الكوني البدئي فإن هذه اللحظة إن وجدت و هذا ما يبدو حتى الآن فإنه من الممكن منطقياً على الأقل أن تكون هناك بداية، و أنه لم يكن للزمن معنى قبلها، و إذا اعتدنا مثلاً على فكرة الصفر المطلق لدرجة الحرارة و أنه من المستحيل أن تنخفض الحرارة إلى مادون هذه الدرجة ( 273،16 تحت الصفر ) و السبب لا يكمن في أن ذلك صعب جداً، بل لأن السبب ببساطة هو أن درجة الحرارة لا معنى لها دون هذا الرقم إذ لا يمكن أن تكون هناك حرارة أقل من عدم وجود الحرارة، و على هذا النحو يكون علينا أن نعتاد على فكرة صفر مطلق للزمن، و في هذه الحالة نتحدث عن لحظة من الماضي يستحيل أن نتخيل مبدئياً قبلها تعاقباً في الأسباب و النتائج على الرغم من أن هذا السؤال و التساؤل المصيري سيبقى مطروحاً للأبد.(24)و هو تساؤل لا ينفصل عن وعينا للوجود و رغبتنا اللامتناهية بالبحث عن الإجابات لكل شيء، فما هي الظروف التي سادت في تلك اللحظة قبل حوالي 15 مليار عام و التي أدت فيما بعد إلى الكون الذي نراه ؟ و هل كانت الظروف خاصة و مصممة مسبقاً أم عشوائية و اعتباطية، و كيف كانت ستبدو صورة الكون لو كانت تلك الظروف البدئية مختلفة، إن الفلسفة الأساسية لتلك النقطة هي أن كوننا ليس إلا واحداً من عدد لانهائي من الأكوان الممكنة، إنه أحد المسارات نحو المستقبل، و من الممكن دراسة المسارات الأخرى رياضياً كما يمكننا الاستدلال على طبيعة هذا العدد الهائل من العوالم البديلة التي كان ممكناً من الناحية المنطقية أن تكون، فلماذا حصل هذا العالم بالذات دون سواه (25)، يمكن لأن معارفنا الناتجة عنه هي وحدها التي نمتلكها فقط دون سواها.

الكون و المضامين العميقة للارتياب و الحتمية : كان الفكر البشري و ما يزال يميل إلى البساطة في تفسير الحوادث المجهولة من حوله و تلك الأفكار البسيطة تستمر في جدار صلب نعيش داخله الطمأنينة المطلوبة حتى يأتي الفكر التساؤلي الفلسفي من جديد بعواصف تقلب موازين الفكر، و على صعيد الكونيات بسبب سيطرة الأفكار المألوفة نجد أن فكرة الكون الساكن كانت مستمرة و مسيطرة حتى فترة ليست بعيدة عنا، بل و ما زال هناك من يؤيدها على الصعيدين الفلسفي و العلمي على السواء حتى الآن، و على الرغم من الصعوبات التي واجهت فكرة الكون الساكن غير المتبدل مع الزمن، لم يكن يخطر على بال أي فرد منذ القرن السابع عشر حتى ثورات الفكر في القرن العشرين أن الكون قد يكون متغيراً مع الزمن، و بذلك فقد خان الحظ أو الأفكار المسبقة كلاً من نيوتن و أينشتاين في التنبؤ بأن الكون يجب أن يكون متوسعاً أو منقبضاً، و قد تنبأت في الواقع النسبية العامة بتوسع الكون، لكن أينشتاين مع ذلك كان مقتنعاً بسكونيته لدرجة جعلته يضيف إلى نظريته عنصراً يجعلها توافق تصورات نيوتن و يوازن أثر قوة الثقالة(26).

أما الكمومية فقد حققت القطيعة الابستمولوجية بالنظر للكون و بالتالي قدمت مفهوم جديد للتفاعل الجدلي بين الفكر الفلسفي البشري و الواقع المادي للكون عندما فدمت فكرة أن الفضاء برمته مملوء بأزواج و أزواج مضادة من الجسيمات الوهمية التي تتخلق باستمرار كأزواج من مادة حقيقية ثم ينفصل الزوجان أحدهما عن الآخر ليعودان للاندماج حيث يفني كل منهما الآخر، و تدعى هذه الجسيمات بالجسيمات الوهمية لأنها لا ترصد مباشرة إلا من خلال كاشف الجسيمات كما هو الحال مع الجسيمات الحقيقية لكن الفرق هو أن آثارها غير المباشرة قابلة للقياس(27)، أليس تصور مثل تلك الجسيمات في الكون كاف بنظرة مدققة لنرى مدى تغلغل الفكر الفلسفي في عمق العلم الكوني عندما نعود مرة أخرى لنؤكد أفكار أرسطو منذ العصر اليوناني الذي تحدث عن الوجود بالقوة، أي إمكانية الوجود، مقابل الوجود بالفعل، أي الوجود الواقعي الحقيقي الآن. و قد كان لمبدأ الارتياب و الاحتمال التي جاءت به الكمومية إلى علم الكون وقع عميق على صورة العالم، حتى أن مضامينه لم تزل حتى الآن غير مقبولة بتمامها لدى عدد كبير من الفلاسفة، حيث يقضي مبدأ الارتياب على حلم لابلاس في بناء نظرية في العلم و نموذج للعالم قائم على أسس ذات طابع يقيني، فكيف يمكننا أن نتنبأ بحوادث العالم بدقة طالما كنا عاجزين أصلاً عن تعيين الحالة الراهنة للعالم (28) وبنيته الغريبة، و هذا تحدي جديد أبرزه علم الكون العميق للفكر الفلسفي الذي يحاول تبني تصورات شاملة للعالم ككل.

و إذا عدنا إلى البداية نجد أن النسبية قد أطاحت مع نتائج تجارب مورلي و مايكلسون بفكرة الكون المنتظم انتظام الساعة، و بالتالي أطاحت بالتصور الكانطي الذي يجعل الكون يدور حول الفكر، و بزغ بدلاً عن ذلك مفهوم جديد للزمان و المكان باعتبارهما نسبيان متغيران و هما جزء من العالم لا وعاء له، فأصبح الفضاء ليس مجرد مساحة خاملة تمدنا بمسرح لأحداث العالم، بل إن شكل الفضاء يستجيب للأجسام الموجودة في الوسط المحيط، و هذا ما جعل أينشتاين نفسه يقلق من نتائج أفكاره العلمية و تعارضها مع معتقداته الفلسفية لذلك أدخل حده الجديد المعروف باسم الثابت الكوني (29)و قد ظل خلال الثلاثين سنة الأخيرة من حياته يبحث دون كلل على ما يطلق عليه نظرية المجال الموحد و هو يتبنى بذلك دور الفيلسوف الذي يقدم نظرية قادرة على وصف قوى الطبيعة في إطار شامل مترابط، و قد كان مدفوعاً باعتقاد حماسي قائل بأن الفهم العميق للكون قد يكشف عن أكثر عجائبه مصداقية هي بساطة و مقدرة المبادئ التي تأسس عليها(30) لذلك أدخل ثابته الكوني الذي يهمنا هنا أخذ أبعاده الفلسفية دون النظر عن مدى التحقق العلمي التجريبي له، فقد حاول من خلال هذا الثابت إبقاء الحالة الساكنة التقليدية للكون و السرمدية له، حيث كان مثله مثل علماء كثيرين في عصره قلقاً من فكرة وجود بداية للكون، فالرغبة اللامتناهية بالمعارف لا يلائمها بداية لكون لامتناهي لذلك فإن فكرة الكون السرمدي الأبدي في الزمان بالنسبة لأينشتاين و كثير آخرين كما بالنسبة للفلاسفة العقلانيين و الماديين يعد الصورة الأكثر عمقاً و أصالة و منطقية.

و على الرغم من ذلك فقد استطاعت تلك النظرية أن تعطي معنى فلسفي عميق لبنية العالم المادي، فوفق النسبية تغدو مكونات العالم لا يمكن التعرف عليها إلا بالإضافة دون الجوهر، فالضوء يتألف من جسيمات تُدعى الفوتونات التي تتحرك بسرعة الضوء، و تبقى حسب النسبية هذه السرعة نفسها بغض النظر عن المراقب، كما لا يمكن لنا إبطاء الفوتون أو جعله ساكناً لأن وجوده يُعزى فقط لحركته، فلا معنى لصندوق مليء بالفوتونات، و بالتالي فإنه ينظر للفوتونات بمعنى ما على أنها حركة صرفة، كونها غير قادرة على البقاء ساكنة، لذلك لا يوجد للفوتون طاقة أو كتلة سكونية، فالفوتون بهذا المعنى عديم الكتلة(31)، و لا يمكن فهمة إلا بالإضافة لطاقة أو مادة لا بجوهرة من حيث هو موجود، فالنسبية العامة وفق هذا الاعتبار تقوم على مسلمة عقلية مفادها أن القانون الفيزيائي يجب أن يبقى مطابقاً لذاته لدى الانتقال من مرجع لآخر و مهما كانت الأوضاع النسبية للمرجعين، كما أن نفس النظرية تصور لنا الفضاء الهندسي المكون من أربعة أبعاد و قد أثرت فيه كتل مادية فحفرت عبره أخاديد تُلزم كتلاً مادية أخرى بالحركة عبرها، حيث يؤكد هذا التصور على أن الانتقال من المعلومات إلى النظرية و من المشاهدات إلى النموذج يحتاج إلى مخيلة مبدعة و ليس أحكاماً ميكانيكية صرفة(32)  و في الفيزياء الكونية المعاصرة نجد نظرية الأوتار من الناحية الفلسفية تداعب أحلام أينشتاين و الفلاسفة التي لم تتحقق بعد أن عصفت بها عشوائية نظرية الكم، و هذه النظرية يبدو أنها تملك المقدرة على إظهار أن كل الأحداث العجيبة التي تجري في الكون بداية من الرقص العشوائي للكواركات دون الذرية انتهاءً بالدوران المهول للمجرات في الفضاء، كل هذا مجرد انعكاسات لمبدأ فيزيائي عظيم و سيادة معادلة واحدة (33)، أنه الحلم الفلسفي التاريخي المعادل للمطلق الكوني بقدرة الخيال البشري على استيعاب الاتساع الهائل للكون. فتزعم هذه النظرية بأنه إذا أمكن اختبار الجسيمات – النقاط – المفترضة في النموذج القياسي بدقة تفوق مقدرتنا الحالية، فإن كل نقطة ستبدو كأنها مصنوعة من حلقة أو وتر مفرد دقيق و متذبذب يبلغ طوله طول ثابت بلانك، و هذه الأوتار هي المكون الأكثر أساسية للمادة في الكون و هي بمثابة الذرة المفردة التي لا تتجزأ عند الفلاسفة الذريين، و بالتالي فلا معنى لأن نسأل مما تتكون هذه الأوتار، فهي أوتار لا أجزاء لها و هذا كل شيء، و تتحدد مكونات العالم وفق توتر و اهتزاز هذه الأوتار كما تتحدد النغمات وفق توتر و اهتزاز الآلة الموسيقية و بالتالي فإن خواص الجسيمات الأولية كتلة و شحنة تتحدد بنسق الرنين الدقيق للاهتزازات التي يحدثها الوتر و من هذه الاهتزازات تنبثق الأشكال المختلفة لقوى الطبيعة الثقالية و الكهرمغنطيسية و الشديدة و الضعيفة (34)، فالكون هو نغمات وترية إنه موسيقى فيثاغورثية تتحدث بلغة يمكن معرفتها بتأويل نتاجاتها المختلفة في الكون، والفكرة الثورية التي قدمتها هذه النظرية على صعيد فهمنا للكون تكمن في أنها أعادت توحيد قوى الطبيعة المختلفة بردها لعنصر بسيط واحد هو الوتر، فنحن نعرف أنه وفقاً للتصورات السابقة كانت الاختلافات بين الجسيمات الأولية تُفسر بالقول أن نسيج كل جسيم صُنع بشكل مختلف عن نسيج جسيم آخر، و مع أن كل جسيم كان يعتبر أولياً، فإن نوع ( حشو ) كل منه كان يُعتقد أنه يختلف عن الآخر، فمثلاً حشو الإلكترون أنه ذا شحنة سالبة بينما حشو النيوترينو أنه بلا شحنة، أما الأوتار فإنها تزعم أن حشو كل الجسيمات و القوى في الكون واحد، حيث تتكون كل جسيمة أولية من و تر منفرد و كل الأوتار واحدة تماماً، و ينتح الاختلاف بين هذه الجسيمات من كون وتر كل منهما يحدث نسق اهتزازي مختلف، و ما يبدو أنه جسيمات أولية مختلفة هو في الواقع نغمات مختلفة لوتر أساسي واحد، و حيث أن العالم يتكون من عدد هائل من هذه الأوتار المتذبذبة فإنه بذلك يمثل سيمفونية كونية، و إذا ما استطعنا حساب نسق الاهتزاز الرنيني للأوتار الأساسية بدقة، فإننا لا بد و أن نتمكن من تفسير الخواص التي شاهدناها للجسيمات الأولية، و بذلك نجد لأول مرة تضع نظرية الأوتار إطاراً لتفسير خواص الجسيمات التي تلاحظ في الطبيعة.(35)
لكن بالمقابل ما الذي فعلته نظرية العشوائية في الكون في الفكر البشري لتعيد إليه القلق المصيري في موقعه و مركزه الذي نصبه عليه كانط نحو الكون، لتجعله في غمرة هائلة من الأحداث الغير مفهومة التي لا تتبع منطقه أو رغبته بما يجب أن تكون عليه الأشياء، إن ميكانيكا الكم بينت لنا بشكل مطلق يعبر عن حقيقة المأساة الوجودية لفكرنا أمام الكون، قد بينت بشكل لا جدال فيه أن عدداً من المفاهيم الأساسية الضرورية لفهم عالمنا اليومي تفشل في تقديم أي تفسير عندما نستخدمها في العالم المجهري الذي ليس في النهاية سوى محصلة أساسية بل و جوهرية للكون على الأقل من حيث نشأته، و بناءً على ذلك ينبغي تعديل لغتنا و منطقنا بشكل كبير عندما نحاول فهم و تفسير العالم على هذه المستويات الدقيقة(36)، فالمعارف تقريبية، حيث قال فاينمان “تصف ميكانيكا الكم الطبيعة بأنها منافية للعقل من وجهة النظر العامة، و هي تتفق تماماً مع التجارب، و لذا فإنني آمل أن نتقبل الطبيعة على أنها منافية للعقل” منافية للعقل ! هل بإمكاننا تصور ذلك على الصعيد الوجودي ؟ ألا يهز هذا أعمق كياننا في التفاعل الجدلي التاريخي بين العقل و الكون، ألا يدل ذلك أن هذا التفاعل الجدلي لن يأتي بمعارف يقينية إلا على الصعيد النفسي فقط دون الموضوعي، هل يمكن تقبل ذلك ؟ أنه تساؤل ما زال معلقاً و سيبقى لأنه مصيري على كل الأصعدة، فالأهمية الفلسفية لنظرية الكم في الواقع ضمن هذا التصور لا يمكن أن تقل أبداً عن نتائجها التجريبية على الصعيد الفيزيائي، فنحن نعرف على سبيل المثال، هكذا نتصور و يتهيأ لنا، أنه وفق الثقالة التقليدية التي تعتمد على الزمان المكان الحقيقي لا يمكن للعالَم أن يتصرف إلا بأحد أسلوبين، فهو إما أن يكون قد وجد منذ الأزل اللانهائي، و إما أن يكون قد بدأ انطلاقاً من متفرد في لحظة أولى من الماضي، أما في الثقالة الكمومية فيوجد إمكانية ثالثة، ذلك أن استخدام زمكانات اقليدية لا يختلف فيها الاحداثي الزماني نوعياً عن الاحداثي المكاني يتيح للزمكان أن يكون محدوداً في اتساعه و أن يستغني مع ذلك على أي متفرد يكون بمنزلة حد ظرفي له، و هذا الزمكان يشبه سطح الأرض سوى أنه يضم بعدين إضافيين، و سطح الأرض محدود الاتساع دون أ سكون له حدود أو حافة، في حين الكمومية تؤكد بأن العالم البدئي لا يمكن أن يكون منسجماً تماماً و ذلك بسبب وجود بعض الارتيابات أو التفاوتات في مواقع و سرعات الجسيمات، و لدى استعمال الشرط دون حافة للعالم نجد أن العالم يجب أن يكون قد بدأ و فيه خلل نتيجة مبدأ الارتياب، و بذلك يكون قد عاش فترة توسع سريع كما في النماذج الانتفاخية، و في أثناء هذه الفترة تفاقمت الاختلالات البدئية إلى أن بلغت من الضخامة ما يكفي لتفسير البنى التي نشاهدها حولنا، و في عالم متوسع ذو كثافة متفاوتة قليلاً من موقع لآخر يمكن للثقالة أن تكون سبب في إبطاء توسع المناطق الأكثف و في بدء ارتصاصها، و هذا سيسفر بدوره عن تشكل المجرات و النجوم و الحياة نفسها (37)، فهنا نجد فكرنا البشري نفسه كحياتنا نتاج عشوائي لإمكانيات كونية لامتناهية، و إذا ما افترضتنا وجود الغرافتونات فعليها وفق هذا المبدأ أن تخضع للارتياب كغيرها من مظاهر العالم الكمومي، و بالتالي لن يكون ممكناً أن نتحدث عن إشباع غرافتون ما أو امتصاصه إلا على أساس احتمالي فقط، و مغزى هذا يتجلى في أن وجود الغرافتون و هو جسيم الجاذبية الافتراضي، يقود تقريباً إلى تجعّد صغير في الزمكان و بالتالي يعود الارتياب في وجود الغرافتون أو عدمه إلى ارتياب في شكل المكان و مدد الزمان، فالزمكان نفسه وفق هذا التصور يخضع للاضطرابات العشوائية، (38) حيث توجد تموجات و تجعدات صغيرة في الإشعاع الكوني، فالمانع الكوني متجانس على مقاييس كبيرة لا غير، بينما عند المقاييس الصغيرة فهو مكون من مجرات لا يمكن أن تكون منتظمة، و عليه تغدو بنية الكون الدقيقة لامتجانسة، وهو ما يسمى حالياً بنظرية الاضطرابات الكونية، و الواقع الغريب فلسفياً في هذه النظرية هنا نجده بتناقضه مع التصور الفلسفي الذي ساد منذ العصر اليوناني و مفاده أن الكون يجب أن يميل إلى الانتظام و التماثل الكلي الشامل، حيث قدم لنا الكون من جديد مفاجئات قلبت هذا التصور التاريخي في الفكر، فالتناظر ليس مطلق في الكون لأنه إذا كان مطلق لوجدت المادة المضادة بشكل مساوي للمادة و بالتالي اندثرت و تفانت مع بعضها متحولة لطاقة، و لما كنا بالتالي موجودين، و نحن في تجربة قطة شرودنغر الشهيرة إذا ما سئل مراقب الحاوية التي فيها القطة مع الزر الذي قد ينفث أو لا ينفث السم و ذلك يرجع إلى احتمال ملامسة أو عدم ملامسة القطة له، نقول إذا سُئل مراقب الحاوية فيما إذا كانت القطة حية أو ميتة ؟ نجد أن العالم الكمومي يقرر بأن القطة تكون مزيج من الحالتين معاً، إنها حية وفق احتمال معين و ميتة وفق احتمال آخر، أما إذا ما فتحنا الحاوية فإن تغيراً مفاجئاً سيطرأ على المنظومة يعكس الحال النهائي للقطة من حيث كونها حية أو ميتة، و هذا التناقض الظاهري يمثل نموذج الأكوان المتعددة، فالقطة ستكون حية في كون و ميتة في آخر، و الوعي في عملي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الكونيات والفلسفة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الكونيات والفلسفة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  الكونيات والفلسفة
»  الكونيات والفلسفة معاذ قنبر إن دراسة الكون لا تنفصل وجوديًا عن دراسة الذات التي...
» أساسيات علم الكونيات - الانفجار الكبير
» العلم والتقنية والفلسفة
»  الموت بين الأسطورة والفلسفة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: