حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 طريد الفردوس في متاهة الحرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باسل
ثـــــــــــــــائر محــــرض
ثـــــــــــــــائر محــــرض
باسل


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 259
معدل التفوق : 770
السٌّمعَة : 21
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

طريد الفردوس في متاهة الحرية Empty
29122013
مُساهمةطريد الفردوس في متاهة الحرية

طريد الفردوس في متاهة الحرية Arton9710-e5a8d

يرد لفظ (الإنسان) في القرآن الكريم بهذه الصيغة (65) مرة، وبمعان مختلفة، لكن ما يهمنا هنا أن نتوقف عند بعض الآيات القرآنية التي تقدم توصيفات للإنسان تجسد (حريته) و(إرادته) ومحنته الوجودية من جهة، ومن جهة نتوقف عند الآيات التي تبين تسييره وجبره. وبالتالي كانت الأساس لواحدة من أهم مسائل الجدل الفكر الإسلامي على مر تاريخه.

الآيات التي تؤيد مسؤولية الإنسان عن أفعاله عديدة ومنها:

( لا يكلفُ اللهُ نفساً إلا وسعَهَا لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (286) – سورة البقرة

( وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصُوها إن الإنسان لظلومٌ كفار ) (34) – سورة إبراهيم

( خَلَقَ الإنسانَ من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبين ) (4) – سورة النحل

( وكان الإنسانُ عَجُولا ) (11) – سورة الإسراء

( مَن اهتدى فإنما يهتدي لنفسهِ ومَن ضلَّ فإنما يضل ُّ عليها ) (15) – سورة الإسراء

( ولقد صَرفنا في هذا القرآن للناسِ من كُلِ مثلٍ وكان الإنسانُ أكثرَ شيءٍ جَدَلا )-(54)- سورة الكهف

( إنّا عرضنا الأمانةَ على السماواتِ والأرض والجبال فَأبينَ أن يحملنها وأشفقنَ منها وحمَلَها الإنسانُ إنهُ كانَ ظلُوماً جَهُولا ) (72) – سورة الأحزاب


( وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما سَعى ) (39) – سورة النجم

( هل أتى على الإنسانِ حينٌ من الدهرِ لم يكُن شيئاً مذكورا (1) إنّا خلقنا الإنسانَ من نُطفةٍ أمشاجٍ نبتليهِ فجعلناهُ سميعاً بصيرا (2) إنّا هديناهُ السبيلَ إما شاكراً وإما كَفُورا (3) – سورة الإنسان

( يومَ يتذكّرُ الإنسانُ ما سعى) (35) – سورة النازعات

( كلا إنَّ الإنسانَ ليطغى ) (6) – سورة العلق

( وما تأتيهم من آيةٍ من آياتِ رَبَهم إلا كانوا عنها مُعرضين ) (46) – سورة يسن

( ألم أعهَد إليكُم يا بني آدم أن لا تعُبدوا الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين (60) وأن اعبُدُوني هذا صراط مُستقيم (61) ولقد أضلَّ منكُم جِبِلا ً كثيراً أفلم تكونوا تَعقِلون) (62) ) – سورة يسن

( أو لم يرَ الإنسانُ أنّا خَلقناهُ من نُطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبين )(77)

( وإذا قيلَ لهم ماذا أنزل َ رَبُكم قالوا أساطيرُ الأولين) (24) – سورة النحل

(وقال الذينَ أشركوا لو شاءَ اللهُ ما عبدنا من دونهِ من شيءٍ نحنُ ولا آباؤنا ولا حَرّمنا من دونهِ من شيء كذلكَ فعلَ الذينَ من قبلهم فهل على الرَسلِ إلا البلاغُ المبين) (35) – سورة النحل

( قل يا أيها الناسُ قد جاءكم الحقُ من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضلُّ عليها وما أنا عليكم بوكيل ) (108) – سورة يونس

( كُلُ نفسٍ بما كسَبَتْ رهينة ) (38) – سورة المدثر

( ونفسٍ وما سّواها (7) فألهمَها فُجورَها وتقواها )(8) قد أفلحَ مَن زكّاها (9) وقد خابَ من دسّاها (10) ) – سورة الشمس

( إن اللهَ لا يغيرُ ما بقوم ٍ حتى يُغيروا ما بأنفُسِهم ) (11) – سورة الرعد

( لا إكراهَ في الدينِ قد تبيّنَ الرُشدُ من الغيّ ) (256) – سورة البقرة

( قُل يا أيها الناسُ قد جاءكُم الحقُ من ربِكم فمن اهتدى فإنما يَهتدي لنفسهِ ومن ضَلَ فإنما يضلُ عليها وما أنا عليكم بوكيل) (108) – سورة يونس

(وقُل الحقُ من ربِكُم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (29) – سورة الكهف

( مَن كفر فعليهِ كفُرُهُ ومَن عمِلَ صالحاً فلأنفُسهِم يَمهَدُون ) (44) – سورة الروم

( لكم ديِنُكم ولي ديني) (8) – سورة الكافرون


أما الآيات التي تؤكد على جبرية الوجود والفعل الإنساني فنستشهد ببعض منها هنا:

( ولو شاءَ ربُكَ لأمَنَ مَن في الأرضِ كُلُهم جميعاً أفأنتَ تُكرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين (99) وما كانَ لنفسٍ أن تُؤمنَ إلا بإذنِ اللهِ ويجعَلُ الرجسَ على الذينَ لا يعِقلُون (100) )- سورة يونس

( وما اختـَـلـَفتُم فيه من شيءٍ فَحُكمُهُ إلى الله ) (10) – سورة الشورى

( ليسَ عليكَ هُداهُم ولكنَّ اللهَ يَهدي من يشاءُ ) (272) – سورة البقرة

( إنكَ لا تَهدي مَن أحببتَ ولكن اللهَ يَهدي مَن يشاءُ وهو أعلمُ بالمهتدين) (56) – سورة القصص

( فإن الله يُضِلُ مَن يشاءُ ويَهدي مَن يشاءُ فلا تذهب نفسكَ عليهم حسرةٍ إن اللهَ عليمٌ بما يصنعون) (8) – سورة فاطر

( ولكم في الأرض مُستقرٌ ومتاع ٌ إلى حين ) (36) – سورة البقرة

( والله بما تعملون خبير) (234) – سورة البقرة

( والله ُ يؤتي مُلكَهُ مَن يشاءُ) (247) – سورة البقرة

( يغفرُ لمن يشاء ويُعذب مَن يشاء وكان الله غفورا ) (14) – سورة الفتح

( إن الله لا يَهدي مَن هو مُسرفٍ كذاب ) (78) – سورة غافر

( قل إن الأمر كله لله ) (153) – سورة آل عمران

( إنّ الذينَ لا يؤمنون َ بآيات الله لا يَهديهم اللهُ ولهم عذاب ٌ أليم ) (104) سورة النحل

( سيقول الذينَ أشركوا لو شاءَ اللهُ ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءٍ كذلك كذّبَ الذين من قبلهم ) (148) – سورة الإنعام

( وإذا قيلَ لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذينَ كفروا للذين آمنوا أنُطعِمُ مَن لو شاء اللهُ أطعمهُ إن أنتم إلا في ضلال مُبين ) (47) – يسن

( وقالوا لو شاءَ الرحمنُ ما عبدناهم ما لهم بذلك من علمٍ إنْ هُم إلا يخرصون ) (20) - سورة الزخرف

( ليسَ لكَ مِن الأمرِ شيءٌ أو يتوبَ عليهم أو يُعذبهُم فإنهم ظالمون ) (28) – سورة آل عمران

( إن تحَرِصَ على هُداهم فإن اللهَ لا يهدي مَن يُضلُ وما لهم من ناصرين ) (37) – سورة النحل

( قُل لا أمَلِكُ لنَفسي نفعاً ولا ضَراً إلا ما شاء اللهُ ) (188)- سورة الأعراف

( نحنُ أعلمُ بما يَقولونَ) (45) – سورة ق

مما تقدم يثير النص القرآني الكريم واحدة من أعظم المسائل الفكرية والفلسفية والعرفانية التي واجهت الإنسانية على مر تاريخ الخليقة بشكل عام والفكر الإسلامي بشكل خاص. وإذا ما كنا قدر اشرنا في وقفتنا السابقة عند جبرية الملائكة وحرية آدم وإبليس وما جرى في الجنة، بأن (المعصية أو الخطيئة) كانت بإرادة آدم بالتقرب من الشجرة المحرمة وإبليس بعدم السجود آدم، وأن هذا الأمر شكل البنيان الأساس لعلم اللاهوت المسيحي، فان العرفانيين المسلمين والمتكلمين والفلاسفة لم ينظروا لهذا الأمر من زاوية (الخطيئة والتكفير) وإنما حاولوا أن يفسروا آلية الفعل البشري، فاختلفوا بين من يلغي (حرية ) الإنسان ويضعه تحت قانون الجبرية المطلقة وبين من يمنح الإنسان (حرية) الإرادة ومسؤوليته عن أفعاله. وقد استشهدنا بآيات من النص القرآني الكريم، والتي بدورها اعتمد عليها كل فريق بما يدعم به رؤيته. بيد أن(د. محمد أركون) في كتابه (الفكر الأصولي واستحالة التأصيل – ترجمة وتعليق هاشم صالح – دار الساقي – ط2- بيروت 2002) يقرأ هذه الإشكالية من جانب آخر: ( أدخل الخطاب القرآني سبلا وأدوات عقلية من أجل تأسيس إنسان جديد مضاد بكل وضوح للإنسان القديم أي إنسان الجاهلية. وهذا المصطلح الأخير جدالي. والواقع أن المزدوجة المفهومية جاهلية/علم – إسلام تشبه المفهوم الأنثربولوجي للفكر المتوحش/ المضاد للفكر المدجّن. إن الخطاب القرآني يستخدم معجماً غنياً من الإدراك الحسي والفعالية الفكرية من أجل أن يشكل ما يدعوه بالإنسان وذلك طبقاً لمنظوراته الخاصة). إلا أن (د. نصر حامد أبو زيد) في كتابه (النص والسلطة والحقيقة – المركز الثقافي العربي – ط5- بيروت 2006) يحاول تأويل الأمر بشكل مختلف كلياً حين يكتب : ( والحقيقة أن خلق جسم آدم من الطين قد مهد الأساس للفكر الإسلامي كي يصوغ مفهوم " العالم الصغير"، وهو المفهوم الذي يعتبر أساساً من الأسس الهامة في نظرية "الكلمة" – اللوجوس أو الإنسان الكامل – عند متصوفي الإسلام. وقد انبثقت الفكرة من النص القرآني انطلاقاً من تعددية وصف الطين الذي خلق منه آدم.... وعند تأويل نص سورة الصافات " من طين لازب" يطرح الطبري مفهوم أن جسد آدم قد خُلق من العناصر الطبيعية الأربعة: وهي التراب والماء والنار والهواء، وهو المفهوم الذي يربط بين جسد آدم والطبيعة على أساس من التماثل. ولا شك أن هذه النصوص وما أحاط بها من تراث تأويلي مبكر كانت هي المهاد الذي سار عليه الفكر الديني الإسلامي في تطوره اللاحق لتأسيس مفهوم "العالم الصغير" وصفاً للإنسان. لم يكن الأمر إذن مجرد تأثر بأفكار فيثاغورث، إذ لولا هذه البذور الكامنة في النص الديني ما استطاع "إخوان الصفا" في القرن الرابع الهجري- متأثرين معها بالفكر اليوناني – صياغة مفهومي " الإنسان الكبير" للدلالة على الكون و"العالم الصغير" للدلالة على الإنسان).


طريد الفردوس .. ومحنــة الوجــود:

إن هبوط (آدم) وزوجه إلى الأرض يشكا بداية لتاريخ الإنسان الشامل، وبداية لنشوء الثنائيات، وفي مقدمتها ثنائية (اللاهوت) و(الناسوت)، ليس على مستوى مضمون المصطلح كعلوم لدراسة الإلهيات أو لدراسة كل ما له علاقة بالإنسان وبشرائع البشر، وإنما ثنائية عالم الروح وعالم المادة، عالم الغيب الإلهي، أو الجغرافيا الإلهية، وعالم الوجود المحسوس والجغرافية المادية الكونية – الأرضية.

هل كانت الأرض موجودة قبل حينما كان (آدم) في الجنة؟ أم خُلقت بعد اقترافه المعصية؟ إن هذا السؤال على بساطته فانه يسوق بدوره إلى واحد من أهم أسئلة الفلسفة الوجودية، وبالتحديد فلسفة (هايدغر) حينما يطرح سؤاله: أين تتجلى ظاهرة الوجود؟ في الموجودات. لكن هناك أحوال عديدة للوجود وأنماط مختلفة للموجودات: وجود الشيء، وجود الأداة، وجود الإنسان، بأي نمط يجب البحث؟ ويجيب (هايدغر) على هذا السؤال :يجب أن نبدأ من وجود الإنسان، وجودنا نجن، إذ لا توجد نقطة ارتكاز أخرى أقوم من الإنسان. فنقطة ابتداء البحث في الوجود ينبغي أن تكون إذن هي تحليل وجود الإنسان. ويؤكد في كتابه (الوجود والزمان – بالألمانية): إن ماهية الإنسان جوهرية بالنسبة إلى حقيقة الوجود). ووجود الإنسان يسميه (هايدغر) بالآنية أو (الوجود هنا – Dasein ) أي الوجود في العالم، وهذه العبارة لا تحمل تعني الوجود المكاني وحسب وإنما الوجود الشامل. وهذا الأمر مرتبط بالخاصية الأساسية لوجود الإنسان على الأرض ألا وهي : الحرية. بمعنى أنا الذي أقرر طريقة وجودي بنفسي، وبإرادتي واختياري لأحد أوجه الممكنات المتاحة أمامي. وهكذا فأنا أختار نفسي في وجودي. وأنا مسؤول عن ذاتي.

إن عقوبة (آدم) ليس في طرده من الجنة فحسب، وإنما أن يلقى به إلى (الوجود) المحسوس والمادي، في الأرض وحيدا ومعزولا، فالعزلة كانت هي عقابه الأقسى. و(وعي آدم) لمعصيته وتقبله لعقاب ربه وضعه أمام مسؤولية أمام (إرادته) و(اختياراته) و(قراراته). وإذا ما كان (هايدغر) يرى بأن الوجود الإنساني يتجلى في (الوجود مع)، وهذا يفترض وجود الآخر، و(الوجود في) الذي يحمل ثلاث خصائص هي: (الموقف Befindlichkeit) هو الذي يكشف للإنسان بأنه كائن في موقف الوجود، وأنه ذات فردية، و(الفهم) وهو يعني لديه بأن يفهم الإنسان العالم ويعيش موقفه. و(الفهم) هو التعبير عن وجود الإنسان نفسه، الفهم هو الوجود الإنساني، و(المعنى) هو كل ما يتحدد في (الفهم)، إنه مضمونه المنظم. و(المعنى) هو الذي يؤسس (اللغة)، و(اللغة) هي التي تؤسس كل ما هو كائن، من حيث هو كائن، إذن اللغة تقول الوجود ، مثلما القاضي يقول القانون.


وأخيرا، السقوط، ويعني (هايدغر) به محاولة للإفلات من قبضة الوجود، أي هروب الإنسان من ذاته لأنه خائف منها، خائف من خطيئته، لكن ليس بالمعنى الديني، أي ليس (الخطيئة الأولى)، وإنما اكتشاف الإنسان بأنه متناه، وأنه فان، أي اكتشافه للموت. (سقوط) الإنسان في (الوجود) أو العالم يتميز بملامح محددة هي: الإغراء، والطمأنينة الظاهرية، مغايرة الذات، والمؤجل. ومن أبرز ملامح (السقوط) هو الإغراء، فهو يعني أن يُغرى الإنسان بالوجود السهل، وجود الناس، رفض الذات والهروب منها، والولوع بالثرثرة.


المـــوت ... عقــوبة آدم .. وخطيئة اكتشاف الجسد:

إن أقسى عقاب واجهه آدم وزوجه ليس الطرد من الفردوس، والأمر بهبوطهما إلى البرية ليكدحا ويعيشا عزلتهما ومحنة وجودهما الفردي، وليتحمل ثقل الحرية والمسؤولية التي يتضمنها وجودهما فحسب، بل أن العقوبة الحقيقية لهما هي الحكم عليهما ب(الموت) و(الفناء). فما أن حكم عليهما الرب الخالق بالطرد من الجنة وأمرهما بالهبوط إلى الأرض، فأنه ألغى خلود الكائنات السماوية عنهما. فليس هناك من (موت) في الجنة، وإنما هو مصير بشري، بل يبدو أن (تاريخ الموت) يبدأ مع الإنسان، مع (آدم) وهبوطه الأرضي، ومع أول جريمة في التاريخ حينما يقتل (قابيل) أخاه (هابيل). (الموت) هو أعلى مراتب اليقين البشري. وبالتالي فأن (حرية آدم) على الأرض تختلف عما كانت عليه في الجنة، فهي هنا تعني القدرة على الانفتاح على سؤال الوجود منى أجل الوصول إلى الحقيقة، التي هي كشف الحجب كي يخرج الوجود من النسيان، وأن يحقق الخلود.

إن مشكلة (آدم) وزوجه هو اكتشافه للجسد، وللجنس، وبالتالي فان ارتباط فكرة الخطيئة الموجودة في جميع الأديان مرتبطة باكتشاف الجسد، من حيث أن معنى الخطيئة في الأديان هو خضوع آدم لشهوة الجسد وتذوقه للذة المحرمة، والتي انتقل إلى سلالته، وبالتالي فإن الأديان ترى في كل إنسان (آدم) جديداً، وبالتالي انتبه (فرويد) في ربط (غريزة الحياة) ب (غريزة الموت). إلى جانب ذلك كان للجسد سماته المقدسة في جميع الأديان، وبالتالي تعرض للتحريم. وإذا ما كانت بعض الديانات قد احتقرت الجسد فان (الجسد) في الإسلام ارتبط بصورة طهرانية، ولذلك تم التركيز على النظافة والتطهر الجسدي وتهذيب الحواس والغريزة، سواء من خلال الصلاة اليومية وما تفرضه من وضوء أو من خلال الصيام الذي هو صيام للحواس أيضا. وبالتالي محاولة التواصل المستمر ما بين الدنيوي والروحاني ولمرات عديدة في اليوم.

وهنا نجد أن غريزة (الجنس) التي هي التجسيد لإرادة الحياة تقف بالنقيض من قدرية (الموت)، لكنها كانت سابقة على (الموت) من حيث أن سبب طرد آدم وزوجه مكن الفردوس كان قائما على اكتشاف الجنس، وبالتحديد اكتشاف (الجسد)، وبالتخصيص اكتشاف (الأعضاء الجنسية) التي لم تكن آنذاك سوى أعضاء لاكتشاف (اللذة). وقد أشار النص القرآني إلى أن (آدم) وزوجه حينما اقترفا الخطيئة باقترابهما من الشجرة المحرمة، اكتشافا (سوءاتهما): ( ويا آدمُ اسكُن أنتَ وزَوجُكَ الجَنَـةَ فَكُلا مِن حَيث شئتما ولا تَقرَبا هذهِ الشـجرةَ فتكُونا من الظالمين (19) فوسوَسَ لهُما الشيطانُ ليُبدي لهُما ما وُرىَ عنهُما مِن سوءتهما وقالَ ما نهاكُما ربُكُما عن هذه ِ الشجرة إلاّ أن تكونا مَلَكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسَمهُما إني لكما من الناصحين (21) فدَلّاهما بغُرُور ٍ فلما ذاقا الشجرةَ بَدتْ سوءتُهما وطفقا يَحصِفان عَليهما من ورقِ الجنـةِ وناداهُما ربَهُما ألمْ أنهَكُما عن تلكُم الشجرة وأقُل لّكمُا إنَّ الشيطانَ لكُما عدوٌ مبين (22) قالا ربَّنا ظلمنا انفُسنا وإن لم تـَغفـِر لنا وتَرحمنـا لنكُوننَّ من الخاسرين (23) قالَ اهِبُطوا بَعضُكُم لبعضٍ عَدوٌ ولكم في الأرض مُستقرٌ ومتاعٌ إلى حين (24) قالَ فيها تحَيونَ وفيها تموتُونَ ومنها تُخرَجـُون (25) يا بني آدمَ قَدْ انزلنا عليكُم لباسـاً يوارى سَوءاتكُم وريشاً ولِبَاسُ التقوى ذلك خيرٌ ذلكَ مِن آياتِ الله لعلهم يذكُرون (26) يا بني آدم لا يَفتنـنـَّكُمُ الشيطانُ كما أخرجَ أبوَيكُم مِنَ الجنةِ ينزعُ عنهُمـا لباسَهُما ليُرِيَهُما سوءاتهما إنهُ يراكم هوَ وقبيـلُـهُ من حيثُ لا ترونَهُـم إنّا جَعلنا الشيطانَ أولياءَ للذينَ لا يؤمنون (27) ) . (ســورة الأعــراف). و(السوءة) كما جاء في (الميزان في تفسير القرآن منشورات دار الأندلس – بيروت- 2010) للعلامة (محمد حسين الطباطبائي) (هي العضو الذي يسوء الإنسان إظهاره)، او كما يفسرها (محمد جواد مغنية) في (التفسير الكاشف – المجلد الثالث – دار الأنوار – بيروت- 2009) بأن (السوءة ما يسوء الإنسان والمراد بها هنا العورة، حيث يسوؤه ظهورها).

ويحاول (محمد جواد مغنية) في كتابه الآنف الذكر أن يقدم تفسيره لقصة آدم وزوجه كما جاءت في القرآن الكريم، فبعد أن يروي القصة القرآنية كما جاءت بتفصيل كبير في (سورة الأعراف) يكتب: ( هذا تلخيص ما في القرآن لقصة آدم وزوجه، والناس فيها على قولين: بين جاحدين بالوحي، وبين مؤمنين به، وهؤلاء على فئتين: فئة تجاوزت ظاهر النص القرآني، واعتمدت الاسرائيليات في تفسير جنة آدم وغيرها، وان هذه الجنة كانت في الدنيا، وتسمى جنة عدن، وان الشجرة التي أكل منها آدم وحواء هي شجرة الحنطة، وأنهما سترا سوءاتهما بورق التين، وان إبليس دخل الجنة، وهو في جوف حية، إلى غير ذلك مما لا حديث فيه، ولا وحي... وفئة شطحت إلى ما وراء الحس، وفسرت الشجرة بالامتحان، والشيطان بالشهوة، والسوءة بالرذيلة، غلى غير ذلك من فراسة الصوفية وأذواقهم. ونحن نقف موقفاً وسطاً بين الفئتين، فنؤمن إجمالاً بما أوحى به ظاهر النص من أن الشجرة والسوءة والورق، كل ذلك كان من الكائنات الحسية، لأنها هي المدلول الحقيقي للفظ، ولا موجب للتأويل، ما دام العقل يتقبل المعنى الظاهر، ولا يرفضه.. ولا نتحدث عن حقيقة جنة آدم، وأنها كانت في هذه الدنيا أو في غيرها، ولا عن نوع الورق الذي ستر به آدم وحواء عورتيهما ولا عن شخص الشجرة، ولا كيف دلف إبليس إلى الجنة، لأن هذه التفاصيل من علم الغيب، ولم ينزل بها وحي والعقل يعجز عن إدراكها). عموما أن تفسير (محمد جواد مغنية) يشي بوجود إشكالية الجسد في قصة آدم سواء كانت تأويلا فيما يخص الشجرة، أو واقعيا وحرفيا كما جاء في الظاهر.


(آدم) اليعقوبي:

الغريب إن (احمد بن ابي يعقوب المعروف باليعقوبي) صاحب كتاب (تاريخ اليعقوبي – دار صادر – المجلد1 - بيروت – بدون تاريخ) وهو من أقدم كتب التاريخ والأخبار في التراث العربي الإسلامي، يفتتح كتابه بالحديث عن أبي البشر بتقديم قصة واضح أنها متأثرة بمرويات (العهد القديم) في بعض تفاصيلها، ويبدو أن النص الأصلي للكتاب لم يوجد كاملا حيث أن الكتاب جاء بلا مقدمات وكما الآتي: ( .... على أدم، فلم يطاوعه شيء مما خلق الله عز وجل إلا الجنة، فلما رأى آدم ما في الجنة من النعيم قال: لو كان سبيل إلى الخلود؟ فطمع فيه إبليس لما سمع ذلك عنه، فبكى ونظر آدم وحواء يبكي، فقالا له: ما يُبكيك؟ قال: لأنكما تفارقان هذا، وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكَين، أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما إني لكما من الناصحين. وكان لباس آدم وحواء ثياباً من نور، فلما ذاقا الشجرة، بَدَت لهما سَوآتهما، فزعم أهل الكتاب أن مكث آدم في الأرض، قبل أن يدخل الجنة، كان ثلاث ساعات، ومكث هو وحواء في النعيم والكرامة، قبل أن يأكلا من الشجرة فتبدو لهما سَوآتهما، ثلاث ساعات، فلما بدت لآدم سَوأته أخذ ورقة من الشجرة، فوضعها على نفسه، ثم صاح: ها أنا يا رب عريان قد أكلت من الشجرة التي نهيتني عنها، فقال الله: ارجع إلى الأرض التي منها خُلقتَ، فإني مسخر لك ولولدك طير السماء، ونون البحار. وأخرج الله آدمَ وحواء مما كانا فيه، فيما يقول أهل الكتاب، في تسع ساعات من يوم الجمعة، وهبطا إلى الأرض، وهما حزينان باكيان، وكان هبوطهما على أدنى جبل من جبال الأرض إلى الجنة، وكان ببلاد الهند، وقال قوم: على أبي قُبيس، جبل بمكة، ونزل آدم في مغارة في ذلك الجبل سماها مغارة الكنز، ودعا الله أن يقدسها. وروى بعضهم أن آدم لما هبط كثر بكاؤه، ودام حزنه على مفارقة الجنة، ثم ألهمه الله سبحانه أن قال: لا إله إلا أنت، سبحانك، وبحمدك، عملتُ سوءاً وظلمتُ نفسي، فاغفر لي إنكَّ أنتَ الغفور الرحيم! فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه واجتباه، وأنزل له من الجنة، التي كان فيها، الحجر الأسود، وأمره أن يصيّره إلى مكة، فيبني له بيتاً، فصار إلى مكة وبنى البيت، وطاف به، ثم أمره الله أن يضحّي له، فيدعوه ويقدسه، فخرج معه جبريل حتى وقفَ بعرفات، فقال له جبريل: هذا الموضع أمرك ربك أن تقف له به. ثم مضى به إلى مكة، فاعترض له إبليس، فقال: ارمه ! فرماه بحصى، ثم صار إلى الأبطح، فتلقته الملائكة، فقالت له: بّر حجك يا آدم ! لقد حججنا هذا البيت قبلك ألفي عام. وأنزل الله، عز وجل، الحنطة على آدم، وأمره أن يأكل من كده، فحرث وزرع، ثم حصد، ثم داس، ثم طحن، ثم عجن، ثم خبز، فلما فرغ عرق جيبنه، ثم أكل، فلما امتلأ ثقل ما في بطنه، فنزل جبريل، ففجّه، فلما خرج ما في بطنه وجد رائحة تُكره، فقال: ما هذا؟ فقال له جبريل: رائحة الحنطة.). هذا تقريبا نصف ما ذكره (اليعقوبي) في تأريخه، والنصف الباقي عن مواقعة آدم لحواء وتناسلهما، وجريمة قابيل بحق أخيه هابيل، وموت آدم، حيث يحدد (المسعودي) ساعة وفاته : ( ثم مات لستْ خلون من نيسان، يوم الجمعة، في الساعة التي خُلق فيها، وكانت حياته تسعمائة سنة وثلاثين سنة اتفاقاً).

هذا النص الطويل نسبيا والذي ذكرناه يجسد الرؤية الشائعة عن (آدم) في الثقافة الإسلامية ، على الأقل في زمن كتابة النص وما قبله أو بعده قليلا، وهي قصة، بعيدا عن ارتباكها، تتعارض مع النص القرآني في جوهرها، ف(آدم) هنا لم يولد في الجنة، وإنما هو أرضي، ثم أنه كائن فان، بدليل توقه إلى الخلود، وهذا التوق هو ذريعة إبليس في غوايته. ناهيك انه ليس هناك نص في كل الأديان يشير إلى الصعود إلى الجنة، بل جميعها تؤكد على هبوطه. أما في تفاصيل بناء بيت الله، وحجه، ووجود مكان اسمه مكة، وحج الملائكة قبل آدم لهذا البيت بألفي عام، فالنص متهافت بجمله وتعابيره. المهم في كل هذه القصة، هو (وعي الموت) لدى (آدم)، والذي بسببه اقترف المعصية. وواضح هنا التأثير التوراتي على رواية (اليعقوبي). وقد توقف (يوسف زيدان) في كتابه (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني – دار الشروق – ط2 – القاهرة 2010) : ( فقد اختلفت السِّير النبوية القرآنية، عن سابقتها التوراتية والإنجيلية، فآدمُ القرآني مثلاً، هو (الإنسان) الذي أخطأ بعصيان الأمر الإلهي، ثم أدرك خطأه وتاب أمام الله، بمعونة من الله " فتلقى آدمُ من ربهِ كلماتٍ فتابَ عليهِ إنهُ هو التواب الرحيم" (البقرة: آية 37) فليس ثمة سخائم إلهية تجاه البشر، وليس ثمة خطية أزلية ارتكبها آدم وورثها من بعده بنوه، لأن ذريته آدم من عموم البشر، لم يشهدوا الخلق الأول ولم يعصوا الأمر الإلهي. ومن ثم، لا تجوز محاسبتهم على ما لم يرتكبوه، حسبما تنصُ الآية القرآنية: " ولا تزرٌ وازرةٌ وزر أخرى" (الأنعام: آية 164، الإسراء: آية 15، فاطر: آية 18، الزمر: آية 7 )).

هبوط آدم.. والمحنة الأرضية:

وفي التفاتة مهمة من العلامة (محمد حسين الطباطبائي) في كتابه (الميزان في تفسير القرآن) في تفسير الآية (24) من سورة (الأعراف) والتي تنص : (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم فيها الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين)، كالآتي : 0"قال اهبطوا" الخطاب لآدم وزوجه وإبليس " بعضكم لبعض عدوٌ" وهذه العداوة لاختلاف الطبائع " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " وهو القضاء الثاني منه تعالى بالبقاء في الأرض إلى آخر الحياة الدنيا. وهذا الهبوط هو هبوط معنوي، وخروج من هذه المنزلة، دون أن يعني ذلك الهبوط من السماء إلى الأرض، إلا أن يرجعا إلى المنزلة بوجه). رغم أن هذا التفسير العرفاني يدفع بنا إلى أسئلة جديدة حول قصة آدم ومكانها. لكن هذا الأمر لا يلغي تواتر جميع الروايات عن (آدم) بأنه هبط من الفردوس إلى الأرض. لكن (آدم) لم يهبط إلى الأرض باختياره، وكذا البشر جاءوا فيما بعد ليس باختيارهم، فلقد ألقي (آدم) إلى الأرض، أي أن عليه أن يواجه (قدره). وما قُدر على (آدم) صار قدرا للبشرية. إذن تشبعت الأسئلة.. فإذا ما كان (آدم) يدرك أنه ارتكب (خطيئة) في الجنة وانه يتحمل وزرها، فأن سلالته البشرية تتحمل وزر (خطيئته)، وعليها الارتقاء بذاتها كي تفهم وتواجه أسئلة الوجود، وهذا ما حاوله الفيلسوف العربي الإسلامي (أبو يوسف يعقوب الكندي – توفي 873 ميلادية) في كتابه (في الحيلة لدفع الأحزان)، الذي وجهه لصديق له مؤكدا فيه ملامح الغربة والعزلة الإنسانية في الوجود ، حيث يكتب: (أن الإنسان لا يستطيع أن يحصل على كل ما يرغب فيه، أو أن يكون بمأمن من فقد محبوباته، لأنه لا دوام لشيْ في هذا العالم، عالم الكون والفساد، الذي نعيش فيه. أما البقاء فيوجد بالضرورة في العالم المعقول الذي نستطيع أن نتشرف بأبصارنا إليه)، مبيناً العلاجات التي يفضلها في دفع الأحزان، لكنه يضع الإنسان في مواجهة (الوجود) : ( إن الله لم يخلق مخلوقاً دون أن يزوده بما يحتاج إليه، إلا الإنسان، لأنه وقد زود بالقوة التي بها يسيطر على الحيوان ويحكمه ويوجهه، فإنه يجهل أن يحكم نفسه، وهذا دليل على نقص العقل. وحاجة الإنسان لا تنقضي، مما ينشأ عنه الحزن والهم).

نفي (آدم) أثار أسئلة دينية وفلسفية في غاية التعقيد، فمثلا: ما هو أصل الشر؟ هل هو تجسيد للوعد الذي منحه الخالق لإبليس بحرية غواية البشر؟ هل هو وليد الغريزة والصراع الوجودي البشري؟.

لقد حاول الملحدون مواجهة اللاهوتين في تفسير أصل (الشر) بأنه يتجلى على ثلاثة أوجه: الشر الميتافيزيقي، والشر الفيزيائي، والشر الأخلاقي. وقد حاول الفيلسوف الألماني (غوتفريد لايبنيتز – 1646-1716) أن يجيب على هذه التهم ويفندها لكنها تبقى أسئلة باقية بقاء الجنس البشري، فقد حاول أن يفسر (الشر الميتافيزيقي) بأنه النقص الفيزيائي والعقلي والأخلاقي الملازم لكل مخلوق، فلا كمال إلا لله وحده. أما (الشر الفيزيائي) فهو الألم بكل أشكاله، وهو هنا يقدم رؤية تنسجم مع ما جاءت به الأديان الموحدة، حيث أن الله سمح بحدوث بعض الآلام ابتغاء تحقيق خيرات عظيمة، وبما أن الله عادل، والعدل يقتضي عقاب الأشرار، ولهذا كانت الآلام في أحيان كثير نوعا من العقاب عن الخطايا والذنوب، أو امتحان للإيمان. (الشر الأخلاقي) هو (الخطيئة) بكل درجاتها. ولا يمكن أن ندعي أن الله أرادها، لأن الله حرّم ارتكاب الخطايا، وبالتالي فأن الإنسان يجد نفسه (مجبرا على الاختيار) بين (خطيئتين)، وقد وقع (لايبنيتز) في تناقض بين فهم (حرية الإرادة) و (الضرورة)، من حيث ان (الحرية) كما قدمها (ديكارت) : (القدرة على فعل شيء أو عدم فعله على السواء).

سؤال (الشر) من الأسئلة التي توقف عندها فلاسفة الإسلام، فقد توقف عندها متبحرا الفيلسوف العرفاني (الملا صدر الدين الشيرازي) في كتابه المهم (الأسفار الأربعة) حيث يؤكد: (الشر أمرٌ عدمي، وليس أمراً موجوداً محتاجاً إلى العلة، والشر ليس مجعولاً بالذات بل مجعولاً بالعَرَض، وإذا ما تصفحت جميع الأشياء الموجودة في هذا العالم المسماة عند الجمهور شروراً، لم تجدها في أنفسها شروراً، بل هي شرور بالعَرَض خيرات بالذات)، ويفسر (الشيخ حسن محمد مكي العاملي) في كتابه (الإلهيات - على هدى الكتاب والسنة والعقل – دار هشام – بيروت – 2005): (عليك تحليل مفهوم الشر على ضوء هذا البيان فنقول: إن كون العقرب موجوداً وذا سم، من الأمور الحقيقية. وأما كونه شراً، فليس جزءاً من وجوده، وإنما يتصف به سمّ العقرب إذا قيس إلى الإنسان وتضرره به أو فقدانه لحياته بسببه، وإلاّ فأنه يُعدّ كمالاً للعقرب وموجباً لبقائه. فإذا كان كذلك سهل عليك حل عقدة الشرور من جوانبها المختلفة).

طبعا، توقف المفكرون المسلمون قبله عند هذه الأسئلة، لاسيما (المعتزلة) و(الأشاعرة)، وبالتحديد فيما يخص (أفعال الإنسان) ومسئولية الإنسان عنها، وهل هي، رغم انه يبدو (حرا) في القيام بها، مقدرة سلفا، أي هل أنه (مجبر على الاختيار)؟ أم أن مسئوليته عنها كاملة وأنه حر حرية مطلقة في القيام بها؟

والحقيقة لا نود هنا عرض مسألة (حرية الإرادة) عند (المعتزلة) و(الاشاعرة) أو عند (الشيعة الإمامية) و(الإسماعيلية) وفلاسفة الإسلام، فذلك يتطلب وقفات أكثر توسعا واستيعابا لكل طرف. لكن ما يهمنا هنا أن الإنسان الذي قذف به إلى هذا العالم منفيا وطريدا من الفردوس بقي حاملا وزر هذا (البلاء) الذي أقترفه (آدم)، حائرا أمام متاهة هذه (الحرية) التي تمتد أمامه، كاشفة عن ضعفه وبؤسه وغروره الزائف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

طريد الفردوس في متاهة الحرية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

طريد الفردوس في متاهة الحرية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: