سأسأل بوحي من العنوان : من هم اللاعقلانيون العرب ؟! وهل ثمة ثنائية طرفاها(العقلانيون/ اللاعقلانيون)،هل ثمة فرد أو جماعة ما تنأى بمصالحها الشخصية والاعتبارية خارج التلازم والانسجام العقلاني مابين تصوراتها والبعد التنفيذي لهذه التصورات بما يضمن تأمين هذه المصالح التي تتوزع جغرافيتها في المجتمع والطبيعة والفكر تأميناً للحياة الحرة الكريمة في المأكل والمشرب والملبس والمأوى، والمعبد والمعتقد (الجانبين المادي والروحي للحياة البشرية)؟
ولقراءة الثنائية (العقلانيون/ اللاعقلانيون) لابد أن نمر من ثنائية (الثروة- السلطة)، لنجد أن من يمتلك زمام هذه الثنائية ومفاتيحها سيكون و لابد صاحب عقلٍ راجح ويملك الحكمة في ديمومة هذه الملكية وتأبيدها، ولا أعتقد أن صاحب هذا العقل الراجح سيعمل ضد عقله في حالٍ من الأحوال، إن لم يكن أحمق أو أرعن أو مصاباً بالجنون، ويبدو أن أصحاب الثروة والسلطة ومنذ فجر التاريخ وحتى الآن وبكامل الإهاب الأكاديمي لمراحله، لم يفلحوا سوى في استوائهم على عرش ثنائية (بقائهم وخراب الأوطان)، وللأسف فهم فيما يفعلون عقلانيون انطلاقا من نصرة مصالحهم التي تتناقض أساساً ولا تنسجم مع مصالح جماع المجتمع الذي له عقلانيته أيضاً، والمرتبطة بمصالحه، وبالتالي سنجد أنفسنا أمام ثنائية (عقلانية وعقلانية) بالحد الأدنى، وتعددية عقلانية بشكل عام، وهنا فانطلاقاً من نصرة المصالح لن نجد لا عقلانيين عرب لنواجههم بعقلانيين عرب، ذلك أن من حكموا العالم العربي بالأمس واليوم في مجالات السياسة والقانون والاقتصاد والتعليم الموروث، ومن ألغوا الحريات وأشاعوا الاستبداد والتخلف والجهل والجوع والمرض وألحقوا الهزيمة بالشعب، إنما هم أصحاب (الثروة- السلطة)، وما برحوا منطقة العقلانية قط فيما يحكمون قيد أنملة (عقلانية مصالحهم)، لذلك فالمجتمع العربي أصبح عاطلاً عن العقلانية، بقصور تفعيل مرتكزاتها التي سلبها منه حكامه العقلانيون، القائمة عقلانيتهم أساساً على شيوع أحكام الطوارئ وتخبيل العقول بأدوات وأبواق ومنابر ومؤسسات إعلام ومصادر أمنية وإيديولوجية، لأصحاب الثروة والسلطة والنفوذ ، وهم الذين يضعون يدهم على مرتكزات ومواد خام صناعة العقل السائد في المجتمع، ومن هنا فإن أي جهة تلتمس من الحكام العرب الاحتكام إلى شرائع وقيم وشعارات كوكبنا منذ فجر تاريخه النضالي، وما أكثر هذه الشعارات الممتدة من نصرة ممالك الفقراء والمستضعفين في الأرض مروراً بشعارات الحرية والإخاء والمساواة والعدالة الاجتماعية والشعارات القومية كذلك، وصولا إلى حماية الطبيعة، فكأنها تطلب من هؤلاء الحكام الانتحار والجنون بما يعني لاعقلانية سلطتهم التي تقوم أساساً على جثة مصالح المجتمع كما أسلفنا وبما يضمن ترابط ثنائية (الثروة- السلطة) ترابطاً عقلانيا.
أما البحث عن العقلانية داخل المجتمع ، (عقلانيته) بما هي إدراك هذا المجتمع لمصالحه خارج ثنائية (الثروة- السلطة) فيعني البحث عن لازمتين :
· حقل تصورات نجا و تعافى من طائلة ثنائية (القمع –التخبيل)، لتتأسس عليه الحركة الفكرية الائتلافية.
· تنفيذ هذه التصورات ضمن سياق استراتيجي غير تصادمي يؤسس بشكل تراكمي لتضاريس سياسية موضوعية رادعة لعقلانية الحاكم ويحسب لها حساب، ودون أن تستثير حماقة وجنون الحاكم، وتصون عقلانية المحكوم، ومن منطقتين مختلفتين للمصالح المتناقضة والمتصادمة.
ويبدو أننا محكومون بضرورة تعايش قلق وخطير لعقلانيتين داخل المجتمع، عقلانية الحاكم العربي الاستبدادية الإقصائية لكل ما يهددها، وعقلانية المحكوم المقصي، المهزوم، والفاقد لكل شيء باستثناء قدرته العضوية الفيزيولوجية على التفكير وإعمال العقل في كل قضاياه الخاسرة، ومن منصة الثقافة النقدية، (باختلاط مشاربها) مفسراً لما هي عليه حاله، وقد أسعفته في ذلك كل التجربة الثقافية البشرية وكل حلة جبروت التقدم العلمي التقني القشيبة التي يتشح بها كوكبنا، المتخم بالتنظير والتوصيف لكل دقائق حوامل الحياة بدءاً من الخلية الحية وحتى الكون بمجراته مروراً بالإنسان والمجتمع والطبيعة وجميع ظواهر الحركة العضوية، ومن هنا فليس ما يحتاج إليه المحكوم العربي والحالة هذه، هو تفسير الخراب، وحكاياته، فالمحكوم امتلك ناصية العلوم والأوهام جميعاً وبتعددية المصادر السماوية منها والأرضية، ففسر وشبع تفسيراً، لكنه وقف ويقف الآن أمام محنة عجزه عن تنفيذ ما استخلفه الله به من عمار للأرض، وما أرشده إليه كارل ماركس في تغيير العالم، ويبدو أن الكلمة الآن بما هي تكنيك لتبادل السلعة الفكرية وبضاعة الوعي الاجتماعي قد استوفت دلالاتها، ومقتضياتها المفاهيمية ومناهجها، ولابد لها بعد ذلك أن تتدحرج على أرض التنفيذ في العمران والتغيير لبلوغ كرة ثلج المجتمع الديمقراطي الحر القائم على تعاقد بين أفراد أحرار.
فشيوع فلسفة العجز والخراب جاءت على أرضية إخفاق المشروع الإنساني برمته وبمختلف مشاربه الإيديولوجية وخطاباته (الليبرالية والماركسية والقومية والدينية) والتي خبرها البشر، فتم تجريب وتخريب وتفخيخ الأرض ومن عليها (استبداداً وخراباً)، ولعل حظوظ المشروع الإنساني بعد ذلك تكمن فيما تكمن وراء مجاهل مجرة درب التبانة، ولكن!
ويبدو أن رابطة العقلانيين العرب الوليدة للتو ومن حيث لا تحتسب استهلت فبدأت حملتها التبشيرية بارتداء حزامها العقلاني (الناسف!) هو الآخر وذلك عبر استفزاز وتفخيخ الجمهور المتدين (بالديانات التقليدية) والذي ساقته بهراوة شعار فصل الدين عن الدولة إلى موقعه التمييزي في ثنائية(متدين- غير متدين) وبتكفير معكوس، لا يفرق بين فصل الجمهور المتدين عن السلطة الدينية التي تستقطبه بقوة الزمن مجاناً وتوهمه بتأمين حاجاته المطلبية الدنيوية على طريق الجنة الموعودة ثم تدير ظهرها إليه فتذهب ريحه عندئذ، وبين فصل هذا الجمهور عن معتقداته، كحاجة مطلبية نفسية خاصة يتوازن بها، ذلك أن حساسية هذا الشعار قد تضعنا في مغبة، وتحت طائلة ،الإقصاء المتبادل في إطار ثنائية( نخبة- جمهور) وتزايد الشرذمة الاجتماعية المفاهيمية وتناسل الثنائيات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإذا كان تبشير رابطة العقلانيين العرب ينصب على نشدان المجتمع الديمقراطي الحر القائم على تعاقد بين أفراد أحرار، وله دولته الحكيمة كذلك، أليس من العقلانية السؤال عن فصل الدين الليبرالي والماركسي والقومي إلى جانب الأديان الأخرى( الأصولية الدينية ) والتي طلبتم فصلها عن دولة هذا المجتمع الحر، باعتبار كهنة هذه الأديان قد وصلوا جميعاً وبالتساوي إلى طريق مسدود بركام الاستبدادين والخرابين السياسي والديني؟وسنضع السؤال التالي بعد كل ذلك بين يدي رابطة العقلانيين العرب: من هم اللاعقلانيون العرب؟! ثمة ثنائية تحتاج إلى ترميم؟!
FONT>DIV>